دراسات

عبد المجيد بطالي:سيميائية السرد العجائبي في رواية “سوق الجن” للروائية رولا حسينات

تعتبر السيميولوجيا Semiology المجال الأكثر اهتماما بالبحث في علم العلامات كما جاء به “سوسير” وقد اختلف كثير من الباحثين في ترجمة مصطلح سيميولوجيا إلى (علم العلامات، علم الدلالة، علم الأدلة، علم العلامة…) وبذلك أصبح مجال البحث فيها واسعا يشمل، كل ما له علاقة بالعلامة أو الدليل أو السمة أو القرينةبل يستدعي القرينة والبصمة والصورة والحركة والإماءة والإشارة…

ومن هذا الباب الشاسع آثرت أن أتناول بالبحث والدراسة (سيميائية السرد العجائبي في رواية: “سوق الجن”).. على اعتبار أن النص الروائي قيد التشريح ما هو إلا سلسلة من العلامات المتشاكلة والمتباينة التي تنتظم من خلالها رسالة الروائية رولا حسينات…

سيمياء العجائبية في عتبة الرواية:

يعدّ العنوان/ العتبة علامة سيميائية بامتياز، تثير في المتلقي فضول الاستكشاف والاستطلاع إلى ماهية البنية النسقية لعنوان المقروء/ الرواية/ الخطاب.. لذلك فعنوان الرواية: (سوق الجن) علامة مثيرة جدا لمخيلة المتلقي، حظيت بعجائبية مدهشة استدعتها الكاتبة رولا حسينات من أرشيف الحكاية العجائبية…

لا أبالغ إذا قلت بأن السرد في رواية (سوق الجن) يبدأ بالدهشة من أول خيط للمسرود لذلك فهي رواية شدّ الانتباه للمتلقي/ القارئ بامتياز…

تستند سيميائية “العجائبية” في سرد رواية “سوق الجن” على عنصرين أساسيين هما: الخرق، والغرابة… ذلك أن “العجائبية” هي اسم منسوب دال على (العجب) أو مايدعو إلى التأمل العميق في الأمور..إذ لحقت بآخر هذا الاسم ياء مشددة للدلالة على نسبة شيءٍ ما يستدعي الدهشة وإثارة الإعجاب والانبهار… وقد ورد في (معجم النفائس الكبير): “أمر عَجَبٌ وعُجابٌ وعُجَّاب، بتخفيف الجيم وتشديدها للمبالغة، أي: يُتعجّب منه، وعجبٌ عُجاب: مبالغة… والعَجَبُ، إنكار ما يرد عليك، وروعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء.. والعجيب: الأمر يتعجب منه، والعجيبة: اسم لما به التعجب وهو جمع عجائب..” ([1])

الخرق/ خرق المألوف

بداية من العنوان: (سوق الجن) يظهر نوع من الخروج عن المألوف على مستوى عمق الدلالة لبنية العنوان المؤَلَّفُ من مفردتين: (سوق) و(الجن)إذ تشكلان تناقضالعالمين متباينين: عالم مرئي هو (سوق) وعالم مخفي هو (الجن)… على اعتبار أن الأول/ يحيلنا إلى المكان، أو الموضع الذي يحوي تجمعا بشريا كبيرا لترويج البضاعة، ومعاملات البيع والشراء بين أناس يمتهنون التجارة… لكنها في بنية العنوان، سوق مختلفة تماما في مخيلة السارد بإضافته كلمة لتعريف هذه السوق على أنها سوق الجن.. وليست كما يتوقعها الإنسان…وهو خروج عن المألوف على مستوى المعنى وعلى مستوى الدلالة، فعندما يقرأ المتلقي كلمة “سوق” فإن الحمولة المعرفية لديه تحيله إلى مرجعية سوق بشرية.. غير أن المضاف إليه في كلمة “الجن” تحوِّل اتجاه التفكير إلى سوق غريبة مرتبطة بمخلوقات وأرواح خفية، يستعصي على المتلقي تخيلها أو التفكّر فيها.. ومن هنا جاءت فجوة التوتر عند تلقي الخطاب، والتي تحملها عتبة الرواية، ومنها إلى أبوابها ومداخلها الأخرى…

سيمياء العجائبية في غلاف الرواية:

يتفرد غلاف رواية “سوق الجن” باحتوائه على لوحة تشكيلية تميزت بالاستغراب والعجائبية إذ تعكس الساردة من خلالها مجموعة من السمات الدالة على تصورها لعتبة روايتها.. والذي ارتكزت فيه على مرجعية أو نظام من الرموز الثقافية والاعتقادية، “ويتكون هذا النظام من أشكال تعبيرية مختلفة، مثل اللغة وتصنيفات الأشياء والكائنات والمعتقدات والأعمال التقنية والفنية، وقواعد الأخلاق والطقوس والتقاليد…” ([2])

يلاحظ المتلقي على مستوى الكتابة أن العنوان على غلاف الرواية قد كُتب باللون الأبيض محاط بالأسود وبشكل مثير للتساؤل، يحيل على ارتعاش الأنامل من الخوف أثناء الكتابة.. لأن الأمر يتعلق بشيء غريب إنه (سوق الجن).. ويلاحظ كذلك أن خلفية اللوحة تشكل جدار باللون البني الغامقمنحوت أو محفور بنقوش وطلاسم تدعو إلى الغرابة والغموض…أسفل اللوحة صورة تخييلية غريبة (للجن) بقرنين ومنقار وعين طافية وأخرى بارزة، معلقة على صدره أشكال غريبة جدا وعظام نخرة.. يحمل في كفه اليسرى بومة عجيبة الشكل لا تنتمي إلى عالم الواقع.. لوحة مشحونة برموز وسمات تحيل على عالم الجن اللامرئي لتقريب المتلقي من عجائبية مختلفة…

قوة البطل الخارقة:

استطاعت الساردة رولا حسينات أن تصور مجموعة من الأحداث الكامنة في المُتَخَيَّل السردي العجائبي، لتعبر عنها بالوصف المرتب الدقيق،لتقريب القارئ من عالم المخفيات تقول حكاية عن بطل الرواية: “…لم يعجزه أن يزيح الحجر الثقيل فوق الحفرة.. قوة غريبة تدفقت إلى جسده… في الظلمة كان الأمر غريبا.. رأى أشياء لم يرها من قبل…”([3])فكان للمكان دوره الهام في عملية السرد، إذ يجعل المتلقي في بؤرة الحدث، بما تقدمه سيميائية المكان في حبك خيوط السرد، وربطها بما يحيل على عجائبية تستدعي التأمل العميق في الغيبيات، يلاحظ القارئ حضور أمكنة توحي بشيء مختلف تماما، (الحفرة – القبر.. أرض موحشة مقفرة.. البركة…)، وكذلك استعمال الساردة لزمن الماضي والحاضر معا: للحكي وتصريف الأحداث والاعتبار منها: (الليل، الظلمة، الفجر..)”عندماأذنالفجروأتمّالمصلونالصلاةكانالجميعقداستغربذلكالصوتالعظيمالذيجاءهممنمقربةالمسجد..” ([4])

المؤثرات الخارجية

تعتبر المؤثرات الخارجية علامات سيميائية دالة على وقوع أحداث في المكان والزمان، لها تأثيرها الهام بشكل أو بآخر على شخصية الفرد الذاتية والسلوكية.. كما أنها تعد أهم المنبهات المثيرة لأفعال سلوكات إرادية ولا إرادية يقوم بها الفرد.. كما هو الشأن بالنسبة لبطل رواية “سوق الجن” تقول الساردة:”شدّ انتباهه شيء يعوم تارة فيه ويغرق أخرى، نظر حوله.. تمعن بالشواهد، استوقفه شاهد مثبت إلى قبره…” ([5])ويلاحظ المتلقي هذه المثيرات الخارجية في علاقتها بنفسية البطل تقول الساردة: “ماشغلهأنيجدعصًاصغيرةينتشلفيهاتلكالقطعةالحمراء…التيأرقتهأكثرمماهوفيه،ماتراهكانفيجوفهوتقيئهالآن؟! كانتعصًالشوكيابس،جعليعبثبتلكالبركةبقليلمنالصبروكثيرمنالوقت،ظلَّيحاولأنيركززيغعينيه،منالقيءأخرجالقطعةالحمراءالصغيرةعدةمراتحتىاستلقتإلىجانبالبركةبلونهاالأحمراللامع…” ([6])

الغرابة والاستغراب:

تأخذك فيدواليبها الدهشة والاستغراب.. وأنت تقرأ بتمعن وتشوق لرواية (سوق الجن)،متتبعا خيوط الحكاية لمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن البطل، فتصدمك غرابة الأحداث وعجائبيتها.. حيث تروي الساردة عن البطل: “…لسعةالبردهيالتيأيقظتهحاولأنيثبتعليهكفنهالأبيض،فطنلماهوقابضعليهبيده،بيدينمرتعشتينوبأصابعرقيقةفتحها،كانتورقةغايةفيالصغرمحشورةفيهاالأسطر..” ([7])وهذا ما يحيل القارئ على سيميائية دالة على عالم يعج بالخارقات والغرائب…

تقلبات الأحوال:

                يعيش البطل تقلبات شتى نفسية وذاتية… يكون العامل المؤثر فيها (مثيرات خارجية) كما هو مسرود في رواية (سوقالجن) “فيغمرةالحيرةالتيأصابته..ثارتزوبعةبالمكانوهاجتالأرضمنحولهوزفرتآخرفلولالنهارلفظتها الأخيرة شبحأسودمدبجسدهأبعدمنالجبلالذيعلىيمينه…برزمنبينالغبارالكثيف؛كانمخيفًاحتىأصابهبالعجز،ليقوممنمكانه…أغمضعينيه،والتفبيديهعلىوجهه..ماالذييفعله؟،أخذيحدثهبكلماتبهاجلافة…” ([8]) (غمرة الحيرة، ثارت زوبعة، هاجت الأرض، شبح أسود، الغبار الكثيف..) وكلها علامات سيميائية توحي بالغرابة،كما تصوّر واقعا تخييليا سرديا عجائبيا…

                من خلال تتبع القارئ لأحداث رواية (سوق الجن) يستكشف عالما مختلفا يحكي عن مغامرات عجائبية لها علاقة بعالم ليس كعالمه تبرز في أحداث مبهرة للعقل مرتبطة بـــ (عالم الجن/ استدعاء الأرواح/ الموتى/ الحفر المخيفة/ الجن الذي يسكن الجبل الذي يمتلك الكثير من الجرار المليئة بالذهب والخرزيات والأثريات والكنوز وغيرها…) تقول الساردة “بضعةرجالمناستطاعالصعود،ودخلوافيه،ولميظهروامنذوقتبعيد،قيل: أنَّوحوشالجبلقدنهشتهمأوأنَّجنيةالجبلالتيتحرسهاالفئرانالبيضاءهيمنابتلعتهم،وهيالتيتُسمعضحكاتهافيالليلالهادئ” ([9])

                كثيرة هي المشاهد والصور الخيالية والعجائبيةالمبثوثة في فضاء المتن السردي لرواية “سوق الجن” ككل.. والتي أبدعت الكاتبة في تركيبها على مستوى البناء السطحي، كما استطاعت أن تحلق بالقارئ عبر جمل تركيبة للنص نحو مداخل مختلفة لمضامين ودلالاتوعلامات سيميائية شديدة الغرابة والإثارة والاندهاش، تشد المتلقي إلى المتعة الجمالية، وتُجبره في ذات الآن على تتبع مجريات الوقائع والأحداث، بل اكتشاف ما سيقع من عجائب ونوادر خارقات في عالم المخفيات…


[1]– معجم النفائس الكبير، جماعة من المختصين، إشراف د. أحمد أبو حاقة، دار النفائس للطباعة والنشر…/ الطبعة الأولى 2007 مادة: (عجب) ص: 1211

[2]– د. محمد السرغيني، “محاضرات في السيميولوجيا” دار الثقافة/ الدار البيضاء/ ط. 1/ 1978.. ص: 50

[3]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 8

[4]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 30

[5]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 10

[6]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 11

[7]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 12

[8]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 13

[9]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص، ص:20، 21، 22، 23.. 26…

إصدارات

احمد الشيخاوي :

رواية ” عودة الدم المسروق” ، لمبدعها الكاتب المغربي المصطفى لخضر ، جديد منشورات جامعة المبدعين المغاربة، طبعة أولى 2020، وتمثل عالما موازيا لشخوص وأخيلة ودوالّ رواية “عائد إلى حيفا” للأديب الفلسطيني غسان كنفاني ، وكأن هذا المنجز السردي يحاول اختزال الهمّ الإنساني والوطني ومحاصرته في رحم القضية الفلسطينية ،وجوهر هواجسها وأسئلتها ،بوصفها إشكالية وجودية من القداسة والحساسية والأزلية بمكان.

تقع الرواية في 145صفحة من القطع المتوسط ، وقد وزّعت إلى فصول لتشاكل جملة من القضايا تذوب فيها الحدود ما بين الانشغالات الذاتية والوطنية والعربية والإنسانية ، على نحو تنجلي له كائنية العنصر البشري، وتصب في غرض أشمل وأنبل، يتجسّد في نضالنا وسلوكياتنا الإيجابية وجودنا اللامشروط واللامحدود، تجاه ذواتنا أولا ثم الغيرية والعالم.

إذ المطلوب منا تقديم المزيد من التضحيات والتنازلات والروح الفدائية والمنح للوطن ، دون أن ننشغل بالمقابل والأوسمة والنياشين ، وألاّ نسقط من واقع انكسارنا وهزائمنا على وطن ، نحن من نرسم ملامحه ،وما هو إلاّ انعكاس لتجاربنا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، بحيث يجدر أن تبطّن مثل هذه القناعات، فلسفة النكران أو التعالي على الأنانيات المريضة ، دونما الوقوع في الجلد الذاتي.

كتب مقدمة هذا المنجز الدكتور والروائي والناقد الحبيب الدايم ربي ، نقتبس له الأسطر التالية :

“بعد أن جرب الأستاذ المصطفى لخضر تعبيرات لغوية راوحت بين الدارج والفصيح ،شعرا ونثرا ، في منابر إلكترونية ، ها هو يعقد العزم ، أخيرا ، على انتهاج الترسل أداة كتابية .وهو إذ يختار تدشين مغامرته بـــــ ” عودة الدم المسروق ” فليؤكد على إناخته بأرض المحكي زائرا ومقيما في آن ، سيما وأن له من المسوغات الذاتية والموضوعية ما يكفي لتسريد حيواته وأخيلته.”.

*شاعر وناقد مغربي

*عودة الدم المسروق (رواية) ، المصطفى لخضر، منشورات جامعة المبدعين المغاربة ، طبعة أولى 2020، البيضاء.

قراءة في كتاب

عيسى الدودي : ترانيم الزجل في ديوان “جذبة المداح” لـــــ مولاي الحسن بن سيدي علي

لقد أحسن الكاتب مولاي الحسن بن سيدي علي الاختيار عندما أبدع في هذا اللون الأدبي، وكان موفقا كل التوفيق عندما اتجه للزجل وآثر القصيدة النابعة من التراث الشعبي. لهذا نجده يخوض هذا التوجه الأدبي بمهارة واقتدار، وهو العارف بمسالكه ودهاليزه، والمتحكم في تضاريسه ودواليبه، والخبير بتقنياته ومقوماته. ويمكن للمتلقي أن يدرك ذلك بالملموس، عندما يتصفح مجموعته الزجلية المعنونة ب “جذبةالمداح”، فيجد نفسه في حضرة زجال يملك ناصية الزجل، ويجيد الأخذ بمربط فرسه، ويبدع قصائد غاية في الروعة والجمال، تأتي مطواعة ومنسابة انسيابا، بفضل بنائها المحكم، وشحنتها المعجمية الفياضة والمكتنزة، وجرسها الموسيقي الأخاذ. وهكذا، يحق لنا أن نحكم منذ الوهلة الأولى على إبداعه الزجلي أنه تربع على عرش أدبه وإبداعه، ونال السبق والريادة لأنه جري على لسان جزال خَبٍرَ الزجلَ، وعرف مقوماته ومستلزماته، فتَـفَتحت قريحتُه في رياضه ومرابعه.   

إن الإبداع الزجلي في عمومه لا يمكن أن نحصر وظيفته باعتباره إبداعا أدبيا بالمفهوم العام، بل هو لون إبداعي من نوع خاص، لأنه هو الأقرب إلى الهوية الوطنية، واللغة المتداولة بين شرائح واسعة من المجتمع المغربي، ومن ثم فهو من سمات حضارته ومن مظاهر أصالته، والأكثر التصاقا به. كما أنه يمثل سجل أفراحه وأتراحه، ومنبع آرائه وتصوراته.  لهذا، فإن المتتبع للساحة الأدبية المغربية سيجد خلال العقود الأخيرة أن أهم أعلام الأدب المغربي اتجهوا إلى هذا اللون الأدبي أمثال الدكتور عباس الجراري، والدكتور محمد الفاسي، والدكتور محمد السرغيني، والدكتور محمد بنشريفة، وغير هؤلاء كثير. ومن هنا، فإن الزجال ـ من حيث يدري أو لا يدري ـ فإنه يعمل على ترسيخ الثقافة الشعبية، ومن ثم الثقافة الوطنية، والرفع من منسوب استعمالها والتواصل بها، وفي الوقت نفسه التعبير عن الصورة الصادقة للشعب والأمة.

المتصفح لهذا الديوان الزجلي، سيجد أن الزجال مولاي الحسن بنسيدي علي يحسن تصيد الموضوعات، فينتقيها بعناية فائقة، فهو لا تفوته مناسبة أو حدث هام، إلا وتفاعل مع مجريات الأمور، وأطلق العنان لقريحته الزجلية كي تتفنن في النظم وحسن القول. ومن المواضيع المطروقة والتي طفت على السطح بشكل لافت، المواضيع الوطنية، فنجده ينافح عن الصحراء المغربية، ويتشبث أيما تشبث بالوحدته الترابية للمغرب، بل إنه لا تفوته الفرصة دون أن ينبه أعداء الوطن لزيغهم وضلالهم. ويمضي في هذا المسار، فيدافع عن القاضايا العربية والقومية، كالقضية الفلسطينية وما يتعرض له العالم العربي من تحديات. كما تهيمن على الديوان قصائد الشعر الغنائي بشتى أنواعه، كوصف الطبيعة أو ما يسمى بالربيعيات، وقصائد مجالس الأنس والمرح مع التعرض لذكر محاسن الجميلات والفاتنات. وفي الديوان قصائد أخرى خاصة بالمدح والرثاء والزهد…

بالإضافة إلى ذلك، ففي هذا الديوان يستوقفنا طغيان الجانب الروحي، والاتجاه نحو البعد الجُوَاني الداخلي، إذ يُعَد التصوف من الروافد التي ينهل منها الزجال لتكتسي النصوص مسحة روحانية، وشَحْنِها بطاقة نورانية. وهكذا، فالأولياء والصالحون لهم مقام خاص في الديوان (سيدي عزوز الوالي، سيدي أحمد أركان، سيدي يحيى الوالي). وأهل الله هم أفضل من يُطلبُ منهم المدد والسند، خاصة أثناء المدلهمات من الأمور. كما أن الزجال ـ على غرار الزهاد والمتصوفة ـ يستغل منبر القصيدة للدعوة إلى الزهد في الدنيا، والإعراض عن مباهجها، والاستعداد للموت ويوم الحساب (قصيدة: الفلك عايم).       

المتمعن في اللغة التي يكتب بها الزجال، يجد أنها لغة رصينة ومتينة، مفرداتها مصقولة ومختارة بعناية. إذ أن الجانب المعجمي في هذه المجموعة الزجلية هو الذي يفصح عن لغتها المتميزة، التي تنحو لتوظيف كلمات تبدو غريبة لكونها قليلة الاستعمال والتداول، إلى الدرجة التي نصادف فيها مفردات لا يفهمها إلا من له دراية بالزجل. بالإضافة إلى كلمات أخرى مقترضة من الأمازيغية أو من اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والإسبانية “صولدي، الكات كات، كوستيم”، وهي كلمات موجودة أصلا في اللغة الدارجة، دخلت إليها عن طريق العولمة والتلاقح الثقافي.

ودائما في إطار إغناء معجم النص، فإن الزجال يسترفد من التراث الشعبي، ويستعين بالعناصر الثقافية التي تحيا وتعيش في الممارسات اليومية، وفي مقدمتها الأمثال، التي تعتبر آثارا خالدة، وحكما مختزلة، لأنها خلاصة التجربة الإنسانية العميقة. وتضمين هذه الأمثال في ثنايا النصوص هو عبارة عن حِـلْيَةٍ تزين نسيجها العام، وتضفي التأنق على منطوق الكلام. كما أنها تعمل على إيقاظ الضمائر، وتوعية العقول، وتنبيه الناس في المواقف والأحوال المختلفة.  

ومن التقنيات التي يوظفها الزجال، والتي نصادفها مرارا في نصوصه، اللازمة التي تتكرر في القصيدة الزجلية، فتزيد من نبرة الإيقاع، وتقسم النص إلى لوحات متناسقة ومنسجمة، فترقى بمستوى الصورة البصرية عندما يعتمد الزجال استراتيجية التقسيم حيث يجعل اللازمة في مطلع كل مقطع زجلي، فتتحول القصيدة إلى مجموعة من الجداريات المتتالية والمتتابعة. ومن هذة اللازمات في الديوان: (قل الله الله، ياك الا خير خير، الله الله سيدي). ثم إن الزجال في إطار تنويع موسيقى النصوص يتكئ كثيرا على مسألة التناظر والتناسب والتماثل، بحيث يحدث التناغم والاطراد بين الأجزاء كما هو الحال في الفن الموسيقي، كما في هذا المثال: (شي كوخو مضلام/شي قصرو ضاوي).  كما أنه لا يمكن أن ننسى دور القافية في تعزيز النظام الموسيقي، إذ يلجأ الزجال إلى توزيع القوافي وفق نسق معين، مما يجعل القصيدة الزجلية تبدو مرصعة ومزركشة بهذه الجواهر الثمينة التي تزينها وتزخرفها فتظهر في حلة متميزة. وعليه، فتارة يلجأ الزجال إلى التنويع في القوافي كما في قصيدة “زينة لحباب”: (لهبال، عضال، الحال، سال…/لحباب، شباب، غراب، لصحاب)، وتراة أخرى يعمل على توحيدها كما في قصيدة “اولاد الشرفا لحرار”، إذ جاء القافية تائية في جل الأسطر الزجلية: (ترجيست، بغيت، تسطيت، حليت، تمنيت، تهنيت…)

وهنا لا بد من إشارة مهمة، وهي أن الزجل كان على الدوام صنو الموسيقى، إذ هو في الأصل والصميم قائم على الانتقاء في كل شيء؛ في المواضيع والمفردات والبناء والأوزان … ليزايل الكلام الشعبي العادي، ويرقى إلى الكلام الراقي الذي يصلح للمجالس الأدبية والمقامات النخبوية، وليتناسب مع اللحن والأنغام التي تطرب الآذان ويتسمِعَ الجوانح والأفئدة أعذب الألحان والكلمات. ومن هنا، فإن هذه التجربة التي برع فيها الزجال مولاي الحسن بنسيدي علي تستحق أن يلتفت إليها أصحاب الغناء الشعبي وأهل السماع من المتصوفة، لتاخذ قصائد هذا الديوان آفاقا واسعة وأبعادا أكثر رحابة، وتتحول إلى لوحات أدبية ترافقها معزوفات وأنغام موسيقية تأخذ الألباب وتستهوي النفوس والقلوب.  

وفي الأخير، نحيي بحرارة الأستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي على هذة التجربة الزجلية التي تتسم بالمتعة والفائدة. وأفضل وصية نقدمها له في هذا المقام، هي دعوته للاستمرار في العطاء في هذا اللون الأدبي الذي يجيده، ومنحه مساحة أكبر وأوسع بين إبداعاته الأخرى، ونحن على يقين أن سير الزجال في هذا الاتجاه، سيمنحه مكانة الصدارة والريادة، ويضعه في مقام عالٍ بين الزجالين وأدباء الأدب الشعبي.

نبذة عن الكاتب:

ـ عيسى الدودي.

ـ من مواليد:26-06-1973.

ـ مزداد: بفرخانة/الناضور/المغرب.

ـ رقم بطاقة التعريف الوطنية S 294066.

ـ حاصل على الدكتوراه في الأدب العربي.

ـ أستاذ اللغة العربية بالمعهد الإسباني لوبي دي بيغا بالناظور.

ـ عضو اتحاد كتاب المغرب/ فرع الناظور

ـ له ثلاث مؤلفات، ونشر عدة مقالات في مجلات مغربية وعربية.

ـ حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة عام 2000.

ملاحظة:  

العنوان البريدي: صندوق البريد 230، فرخانة،الناضور، المغرب.  

 FARKHANA BP.Ñ230  62024 NADOR MAROC        

البريد الإلكتروني: aissa.daoudi1@yahoo.com

الهاتف: 0667343879

شعر

فتحي مهذب : القطة السوداء


الشجرة المعمرة العمياء تتحسس بأصابعها الطويلة المغضنة  المتشابكة زجاج النافذة التي تشبه نافذة مظلمة في كنيسة مهجورة.
لتوقظ( ن) كما لو أنها أم مسكونة بسحر الأمومة الأزلي.
شجرة وحيدة حزينة تقف على ساق معقوفة إختفت عصافيرها في مكان ما من هذا العالم. قد تكون الأسباب ملغزة شائكة.
هذه الشجرة شهدت جنازات كثيرة في هذا البيت المتداعي.
وقاسمت أهاليها الحلو والمر.
لم يبق الآن أحد غيره . ماتوا جميعا بوباء الكورونا بعد هجمتها الشرسة على بني الإنسان. 
حتى  القطة السوداء  التي كانت تؤنسه آناء الليل وأطراف النهار نفقت منذ أيام يبدو أن رئتيها أصيبتا بجرثومة مستعصية لم يقف على حقيقة جوهرها جهابذة البياطرة.
جائحة تصيب القطط كل مائة سنة كما يتداول لدى كبار السن.
تشبه جائحة الكورونا.
وثمة فرضية أخرى قد تكون مساوقة للحقيقة وهي وضع مادة سامة في  غذاء مغر قد أودى بحياتها من قبل أحد الجيران الذين يكنون حقدا دفينا للحيوانات المنزلية وهذا متداول لدينا وبخاصة في الأحياء الشعبية التي لا تقيم وزنا لهذه الكائنات التي لا تعترف بكثافة الجدران وتنهد أحيانا إلى اكتشاف وغزو منازل الآخرين.
كان (ن) حين يختلي بنفسه يقلد مواءها المتقطع بشكل مذهل ويناديها بعبارات لطيفة كما لو أنها لم تزل على قيد الحياة.
حبيتي تعالي ها هي سمكة لذيذة في انتظارك.سأختار لك شريكا يليق بفخامتك. بجزالة طبعك المرن وروحك المتوهجة.
سيكون قطا فحلا قادرا على تمزيق بكارتك في رمشة عين.
ستحملين بسرعة فائقة وتنجبين قططا على قدر عال من الجمال والذكاء والخفة والرشاقة.
لكن القطة لم تكن حاضرة إلا في مخياله الشاسع.
بينما كان يجلس (ن) على كرسي خشبي رث غاطسا في تأملات لم يجن من ورائها غير مزيد من الأوجاع إذ غزاه صوت نابع من قاع عميق لا ضفاف له.
قطتك لم تنجب ولو فأرا ضئيلا
برغم عهرها وميلها إلى ممارسة الجنس مع قطط شتى .
ألم تنكمش في غالب الأحايين وتتضاءل حد إستحالتها إلى قطعة من البلاستيك أو قطرات من الزئبق لتمرق من شقوق الباب المليء بالتخاريم والشقوق.
لتمنح جسدها البض لأول قط وافد من الخارج ولو كان أفظع لص في الحارة. المهم أن يتسلق مؤخرتها ويطلق رصاصاته في أستها الحارق.
وهكذا يتداول عليها الغرباء من القطط اللقيطة دون مقابل.
وبرغم هذا لم تكن تفارق البيت طويلا.تتكوم مثل كرة من قماش رديء زائغة العينين مشبعة بنعاس عارم مأخوذة بمغامراتها الجسدية المكرورة.
يرتمي (ن) صوته مثل قطعة معدن في الحجرة الضيقة.
أنت تشبهين أمي تلك المرأة البائسة وهي تتخبط تحت كلكل الثور الشهواني الأهوج زوجها الثاني الذي اختلس ما تبقى من مشمش شبابها بعد هروب بعلها الأول إلى مدينة الضباب.
حين كنت أنام تحت سريرها الكلاسيكي مثل ذكر حمام مذعور.
مصغيا إلى تساقط الآهات على رأسي الصغير وصراخ حلمتي ثدييها بين مخالبها. مصغيا إلى زلزلة السرير وعواء العضلات وصفير الشهوة المتوحش فأتحسس عضوي الذكري موقظا وطاويط كهفي السفلي منتشيا بأنين الكمنجة الغريزية التي تنبعث من مفترق جسدين يتلوان قداسا فخما في كنيسة الروح المكتظة برائحة الخبز والنبيذ. رائحة الصلصال المحترق وأزهار الأكاسيا.
لقد اكتشفت تفاصيل جسدي تحت سرير والدتي في أعماق الليل حين يحمحم جسدها في غابة اللذة المترامية الأطراف مناديا الحصان الجامح الذي يقاسمها السرير.
وفي هذه البؤرة الموحلة انطلقت مهرة عادتي السرية لتكون جزءا ضروريا حميميا في حياتي المهزوزة.
إن (ن) لا يهاب الأوبئة ولا يخاف الموت لأن علاقته بالأشياء فقدت طعمها ولونها وجوهرها.
هو مثل قطته السوداء لم يتزوج ولم ينجب بيد أن له علاقات كثيفة بنساء كثيرات ما فتئن يشبعن نوازعه الداخلية المشتعلة.
لقد تعفنت روحه وشاخ جسده وها هو ينتظر قدوم الموت على جواد بطيء الخطى.
إنه آخر حبة عنب تحتضر ببطء في عنقود العائلة المندثرة.

إصدارات

رحلتي مع النهر الثالث.. ذكريات غدير الشمري مع عبدالرزاق عبدالواحد في الذكرى الخامسة لوفاته

عمان-

يستعيد الشاعر غدير الشمري في كتابه الصادر عن “دار الآن ناشرون وموزعون” بعمّان، بعنوان “رحلتي مع النهر الثالث” طفولته التي ارتبطت بالحرب التي فتحت النافذة على القصيدة الوطنية وأشرعت أمامه بوابة الشعر، مسجلا القصائد المغناة التي عُرف من خلالها الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد مطلع الثمانينيات من القرن الماضي أبّان الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت لثمان سنوات.

وبين حربين ينبض قلب غدير بالشعر مطلع تسعينيات القرن الماضي عندما كان يكتب القصائد دون أن ينشرها قبل أن يجد التشجيع من الأصدقاء، ثم ينضم لرابطة الشعراء الشعبيين، ويصف خلال ذلك ضراوة الحرب على العراق، ثم المنفى بعد احتلال العراق عام 2003 الذي جمعه مع عدد من المناضلين والشعراء والمثقفين الوطنيين في غير بلد عربي.

ويشي العنوان الذي اختاره الشاعر للكتاب بمقاربة بين نهري دجلة والفرات بما يمثلان من عظمة وخلود ليلقى بالصفة على الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد الذي يُعدّ من رواد الشعر الحديث مع بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وشاذل طاقة.

ويلتقي الشاعر الشمّري خلال وجوده في دمشق الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد عام 2007 مصادفة، خلال نشاط ثقافي نظّمه الإعلامي زياد المنجّد في حماة، وترافقا في الراحلة التي أقلتهما مع زوجة الشاعر أم خالد، ويقول: من ذلك اللقاء بدأ مشوراي مع عبدالرزاق عبدالواحد، مسجلا الحوار الذي دار بينهما، والعلاقة التي ربطت عبدالواحد بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وحكايات لبعض قصائده، ومنها “المنعطف”، ومطلعها.

الحمد لله يبقى المجد والشرفُ

 أن العراق أمامي حيثما أقفُ

ثم يسرد المؤلف الشاعر الشمري في الكتاب الذي يقع في (380) صفحة القراءة الأولى له أمام الشاعر في أمسية مشتركة بحماة، وأصرّ فيها الشاعر عبدالواحد أن يقرأ غدير أولا ويتناول خلال الكتاب المناسبات التي شارك فيها الشاعر عبدالواحد.

ويستعيد غدير في الكتاب التحريض الذي تعرض له الشاعر عبدالواحد، والجدل الذي دار حول إحدى قصائده وحمله للسفر لعمّان، واستقبال الملك حسين له، وتخصيص مكان له للإقامة.

ويسترجع المؤلف علاقة الشاعر عبدالواحد بمحمود درويش ولقاءهما الأول في مهرجان المربد، وحزنه على على وفاة درويش.

ويتناول الكاتب الشاعر غدير خلال الكتاب الكثير من النشاطات السياسية والثقافية واللقاءات التي كانت تجمعه مع الشاعر عبدالرزاق عبد الواحد وعدد من السياسيين والمثقفين العراقيين في دمشق.

ثم يتناول الفترة التي رافق فيها عبدالواحد في عمّان، والنشاطات الثقافية التي تشاركا فيها، ويكشف عن قصة إسلام أبي خالد (عبدالرزاق عبدالواحد الذي كان ينتمي لطائفة الصائبة) ويقول: اتصل بي بصوت متعب جداً وطلب مني الحضور لنقله للمشفى، وجدته في حال سيئ جداً، في هذه الأثناء رُفع أذان العشاء، حيث كانت شقته خلف جامع الطباع في شارع (وصفي التل)، فجلست إلى جانبه وأمسكت بيده وقلت: “أنا راح أصلي العشاء ومن أخلِّص نروح للمشفى , بس أريد منك شي واحد (التفت إليّ متسائلاً فاستطردت) أريدك تردد بينك وبين نفسك اللّهم صل على محمد” فهز رأسه موافقا، وكانت لديه سجادة للصلاة معلقة دائماً على أحد كراسي سفرة الطعام في الصالة، ففرشتها بالقرب منه، وبدأت بالصلاة وهو يراقبني بسكينة، ويمسك بطنه، لكني لا أعلم حينها كيف أحسست بيقين وإيمان تام بأننا لن نذهب للمشفى.

 و ما أن وصلت للسجدة الثانية، وإذ به ينهض مسرعاً، ويدخل الحمّام, انتهيت من الصلاة وجلست أنا وأم خالد، وبعد قليل خرج ووجهه متعب يتصبب عرقا، وأسند يده على الحائط في الصالة وهو ينظر إلي بصمت، ثم قال: غدير أنت مو طبيعي.. الحمد لله والشكر، الحمد لله والشكر..

ثم عاد و جلس في مكانه وهو يردّد مو معقول، قلت: يقول النبي – عليه الصلاة والسلام – الصلاة عليّ شفاءٌ للأبدان ثم قمت وقبلت جبينه.

وأحس براحة نفسيّة واطمئنان يملأ قلبه “أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله”.

ثم قرأ هذه القصيدة:

كنت طفلاً أنام على السطح في الصيف

في بيتنا في العمارة

كنت أسبحُ بين رحاب الفضاءِ

وأحلم

 أرحل بين الغيوم..وبين النجوم

وأحلم

في أيما نجمة ٍ يسكن الله؟

كان المعلم يخبرنا

أنه فوق كل النجوم وكل السحاب

وهو في كل باب

فإذا ما دعته القلوب استجاب

يا ما تلمست جنبي

وتمنيت من كل قلبي

لو أرى الله..

ثم أنام

ويعرض المؤلف في الكتاب الذي يشتمل على الكثير من القصائد ومناسباتها إلى قصة اللوحة التي رسمها فائق حسن للشاعر عبدالواحد خلال عمله مفتشا بمعهد الفنون الجميلة.

ويستعيد المؤلف في الكتاب الذي يشهره الكاتب في الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر، فصولا من سيرة الشاعر الذي لُقّب بشاعر أم المعارك والقادسية وشاعر القرنين والمتنبي الأخير وعلاقاته وموقعه ومحطاته الشعرية ودواوينه الشعرية، وذكرياته مع الشعراء العراقيين، ومنهم الشاعرة لميعة عباس، التي تمت له بصلة قرابة حتى رحيله في فرنسا عام 2015.

شعر

مزامير / شعر فتحي مهذب ــــ تونس

الغراب مسدس ضرير..
كل طلقة أقحوانة ميتة..
الهواء يمشي على قدميه
مثل راهب شغلته هواجس الميتافيزيق..
كان أبيض الرأس وله دشداشة
تلمع من بعيد..
كان الهواء حزينا وله مشية الأرملة.

****

إمرأة عميقة جدا
أمواجها بنات شقراوات..
كلما أعبر طريقي الى قاعها..
ترشقني نهداها بضحكة ماكرة..
أخمن أن اسمي في قائمة ضحاياها الجدد .
لذلك غالبا ما أبدو مرتابا
مثل أرنب عضه فراغ عائلي.

****

أيها الصديق الراعف بسم الشوكران..
لا تتسلق قامتي مثل سنجاب قميء
أنا مسلح بشوك الأكاسيا.

****

مثل ورقة قيقب
تسقط يراعة الندم..
الكاهن في البستان
يقلم نتوءات صليبه
صوته أقحوانة حزينة..
استسلم أيها الهدهد المسلح بتاج العارفين..
هبني حقيبتك الملآى بفصوص الحكم..
وليكن ندمي أضيق من سم الخياط.

****

الليل متسول سيمياء..
في ألبوم الرأس عابرون كثر..
ناووس صديقتي العمياء..
شجرة دائمة النسيان..
وبنادق صيد لزلزال مروع..
لكن الفأس لم تزل بفصاحة جيدة
القتل متواصل ..
اشرب أيقونة القديس لتشفى..
واعتن جيدا بقمح التفكير .

****

الفراشة وردة الصوفي..
الجدول مثل نهد ثرثار
مشنوقا يتدلى على حافة أصابعك
البراقماتية..
نسيت خاتمي على أريكة النعاس..
صوتى منسدلا على الكنبة..
خوفي معلقا على حبل أعصابي..
في انتظار أن تعبر أمي مرة ثانية
من شقوقي مخيلتي .

****

نحات جيد
التحيات لك ولتبر الهيولى..
البديهيات تماثيلك المضطهدة..
والرأس ورشتك الأثيرة.

****

اللكمة مروعة جدا..
حواسك نساء عمياوات..
مطوق بأسد أشقر
وبرج مائل من الهنود الحمر ..
آه ما آشقاك أيها الغريب .

****

في المرآة بجعة
هاربة من حوافر جاسوس..
الحرب خلفت بناية مهشمة
تبكي مثل أرملة..
نوافذ سيئة الطباع..
عربة اسعاف مكفهرة
قتلى يسخرون من خاتمة المسرحية..
كان خبزهم طازجا ..
وعيونهم مصابيح مهشمة .

****

انه الشقيق الأصغر
فر من أسد يزأر تحت شباك الأرض
حاملا حزمة يراعات..
صلبانه الأبدي..
هواء المارة النائمين..
يوقظ حصان العمر بمهماز
ليواصل ابتلاع الضباب..
والعدو الى الوراء..
انه السيد النهار ..
مجلجلا مثل نواقيس كنيسة
في صحراء الشك.

****

يا مسيح
لا تذرني ..
المهرج يفقأ عين النبع..
السلوقي لا يعبأ بصلاة الأرنب الهارب..
وتتبعه سنابل الساحرة-..
على الجسر جحافل الغزاة..
سأحاول الهروب مع نيزك
قبل انطفاء الوردة.

****

ما أكثر العميان هنا
العين بندقية صيد المحسوسات..
من الحكمة أن نشحذ عيون الباطن.
واستدراج الأفق الى مكيدة.

****

مصباح صغير
يطوي جناحيه مرة في اليوم..
بيد ساحر من ألف ليلة وليلة.

****

يلبس التاج
ويغزو الحقول..
عائدا من جزر اللامعنى
الى ثلج اليقين.

****

السعادة
تحصين الكلمات
من شرك العادة..
انه لزوم ما لايلزم في فهرسة
الهواجس .

****

دموع الأواني..
حجر يتنهد اثري..
اللاشيء الفارد جناحيه..
الثور الذي يدفع الى التهلكة
بحواس شرهة..
لن أصعد السلالم
ثمة شيطان وملاك
يتقاتلان بضراوة..
أنا شحاذ مجازات في المنفى..
وراوية على عجل يرتق سير النعامة.

مقالات

العلاج بالخلايا الجذعية بين الوهم والحقيقة / د.منی كيال و د.محمد فتحي عبد العال

هل ثمة علاج نرمم به أجسادنا المتهالكة ونعيد لأعضائها الحياة خاصة مع التقدم في العمر؟ هل يمكن تعويض خلايا القلب والكبد والكلية والبنكرياس والدماغ، والسيطرة على قصور هذه الأعضاء وإعادتها إلى سابق عهدها كما في أيام الشباب؟ حلم راود المفكرين وجادت به قرائح الشعراء ولم يتخيل أحد أن يتحول هذا الحلم يوماً إلى واقع. لقد نجحت تقنية استخدام الخلايا الجذعية في تحويل الخيال إلی واقع ملموس، و رغم أن استخدامات هذه التقنية ما زالت محدودة، إلا أن الأمل كبير في إمكانية استخدامها على نطاق أوسع في ترميم واستعاضة أعضاء وأنسجة فقدها الانسان بفعل المرض أو التقدم في السن. تتلخص فكرة العلاج بالخلايا الجذعية في أن هذه الخلايا بإستطاعتها التحول إلى أيٍّ نوع من أنواع خلايا الجسم المختلفة، وذلك لقدرتها على الإنقسام والتكاثر لتعطي أنواعًامختلفة من الخلايا المتخصصة (Specialized cells)، كخلايا العضلات والجلد والكبد والخلايا العصبية وغيرها. وهي بذلك يمكن أن تقوم بأعمال الترميم والتعويض عن الأنسجة المتضررة أو المفقودة، ويأمل المتخصصون الاستفادة من هذه الخصائص وتطويعها في علاج الأمراض المختلفة. أنواع الخلايا الجذعية ١- الخلايا الجذعية الجنينية لكل خلية من خلايا الجسم وظيفة محددة وذلك بحسب الجهاز أو العضو الذي تنتمي إليه، أما الخلايا الجذعية الجنينية فتتميز أنها ليس متمايزة وليس لها وظيفة محددة ويمكن تحويلها لخلايا أي عضو في الجسم، وبالتالي استخدامها لترميم واعادة وظائف الأعضاء المصابة كالقلب والبنكرياس والكبد. يمكن الحصول على الخلايا الجذعية الجنينية من المشيمة والحبل الشوكي والسائل الأمنيوسي ومن الأجنة المتبقية من عمليات أطفال الأنابيب. ٢- الخلايا الجذعية البالغة تحتوي أعضاء جسم الانسان البالغ على خلايا جذعية يمكنه استخدامها لتجديد خلايا الجسم عند الحاجة، وهي عبارة عن خلايا جسمية أكثر تمايزاً من الخلايا الجنينية متخصصة بكل عضو. تساعد الخلايا الجذعية البالغة على اعادة تجديد الخلايا المستمر خلال الحياة وتوجد خاصة في نقي العظام وخلايا الأمعاء، كما توجد في الجلد والكبد والعضلات . وهي التي تساعد على تجديد خلايا الدم وشفاء الجروح وترميم الأعضاء خلال حياة الإنسان والوقاية من الشيخوخة المبكرة. و رغم وجودها إلا أنه ليس من السهل العثور عليها ويمكن أن تبقى بصورة كامنة في الجسم لمدة طويلة. والفرق الرئيسي بين الخلايا الجنينية والبالغة يكمن في قدرة الخلايا الجذعية الجنينية على التخصص والإنقسام المستمر بفعل انزيم التيلوميراز، بينما الخلايا الجذعية البالغة تنتج هذا الانزيم بكميات قليلة وعلى فترات متباعدة لذا فهي محدودة العمر. اضافة إلى أن الخلايا الجنينية يمكن استخدامها لترميم أي عضو بالجسم بينما الخلايا البالغة أكثر تخصصاً، فالخلايا الجذعية في نقي العظم تنتج خلايا الدم من الكريات البيض والحمر والصفيحات الدموية ولكنها لا يمكنها انتاج خلايا الكبد والجلد والعضلات. ٣- الخلايا الجذعية الجنينية المبرمجة بتقنية الأي.بي.اس ( iPSCs) إن استخدام تقنية التمايز العكسي Retrodifferentiation يشكل قفزة علمية هائلة في مجال زراعة الخلايا الجذعية، يمكن من خلالها العودة بالخلايا المتمايزة البالغة إلی أصولها كخلايا جذعية. حيث يمكن استخدام خلايا المريض نفسه واعادة استنساخها وتحويلها إلى حالتها الجنينية. هذه الطريقة تعد بالكثير خاصة أنها تستخدام خلايا الشخص نفسه وبالتالي يمكنها تجاوز القضايا الأخلاقية المتعلقة باستخدام الأجنة البشرية،اضافة الى تجاوز مشكلة الرفض المناعي كونها من خلايا المريض ذاته. ما هي أنواع العلاجات بالخلايا الجذعية المتاحة حالياً؟ يوجد حاليا عدد قليل من علاجات زرع الخلايا الجذعية التي أثبتت فاعلية وأماناً، و أفضل مثال على ذلك هو زرع نخاع العظم لعلاج أورام الدم، وما زالت الأبحاث تجري على قدم وساق للبحث عن علاجات واستخدامات أخرى. ويتوقع العلماء أن تشهد السنوات القادمة مزيداً من التقدم في هذا االمجال، خاصة في علاج أمراض مستعصية كمرض السكري من النمط الأول، حيث تعمل الدراسات على إيجاد طريقة لتعويض خلايا بيتا التي تفرز الأنسولين في البنكرياس والتي تعرضت للتلف نتيجة آلية مناعية ذاتية. كما أن أبحاث تجرى لإيجاد علاج لمرض التصلب المتعدد و داء باركنسون ومرض الضمور البقعي للعين. في المقابل، يساء استخدام تقنية زرع الخلايا الجذعية لأغراض تجارية، حيث تستخدم طرق غيرمعتمدة علمياً في مجالات مختلفة مثل بعض الاجراءات التجميلية ، ويجب توخي الحذر وعدم الانجراف وراء هذه الاعلانات البراقة واستخدام علاجات تفتقد للفعالية والأمان يمكن أن يكون لها نتائج كارثية في بعض الأحيان.

د.منی كيال – استشاري المختبرات د.محمد فتحي عبد العال – كاتب وباحث

دراسات

“مسرى الأشواق” للشاعرة فاطمة قيسر تجربة إبداعية تنهل من قوة اللغة وانسيابية المعنى الشعري/ لحسن أيت بها ـــ المغرب

الشاعر والناقد المغربي لحسن أيت بها

تنفرد الشاعرة المغربية فاطمة قيسر من خلال ديوانها الأنيق “مسرى الأشواق”[1]، في خضم الإبداع الشعري النسوي الجديد، كصوت مختلف، يبوح بما يختلج ويتأجج في الذات من أشواق روحية أصيلة ، وغربة متدفقة، أقرب إلى الصوفية، مناجاة شعرية ذات أبعاد روحية، فإنك عند قراءة المقطع الشعري الأول ضمن أشواقها حتى يأخذك النفس الشعري، والأسلوب الأصيل واللغة المتينة في مواصلة القراءة، إنها معان تنساب انسياب الماء فوق خمائل الجداول، تنساب معها خفقات الروح لتعبر عن معان جديدة للغربة، هكذا هي ديباجة الديوان من أشواقه الأولى ومعراج روحه الملهمة، وقوة شخصية صاحبته، وعباراته البديعة.

وهو التجربة الثانية في ميدان الشعر والصادر عن جامعة المبدعين المغاربة، سنة 2019، تصدرته لوحة جميلة للفنانة خيرة جبران، أما تجربتها الأولى فهي  بعنوان “ترانيم من بوح بلقيس”عن مؤسسة آفاق بمراكش، كانت خلاصة تجربة متميزة من العطاء في المجال الإبداعي، والعمل في التدريس، والولع باللغة العربية، وجمالية حروف لغة الضاد.

يقول تولستوي: “إن الهدف الرئيس للفن هو أن يظهر الحقيقة عن روح الإنسان، وأن يكشف عن الأسرار التي لا يمكن التعبير عنها بكلمات يسيرة، إن الفن ميكروسكوب يسلطه الفنان على روحه، ويعرض تلك الأسرار المشتركة مع الناس”[2].

الحقيقة الكاملة التي بحث عنها المفكر والأديب الروسي تولستوي عن الفنان وروحه، وصاغها في هذه الكلمات عن النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، تعبر بحرارة وصدق عن أحاسيس الشاعر الفنان، والشاعرة فاطمة قيسر تعانق أرواح النفوس بمقطع من قصيدة تمهلي:

سأقول للأحلام تمهلي

آن الأوان أن ترحلي

تراءى الخريف مزمجرا

يجتث الجمال بمعول

حتى النفوس تصحرت

قد جف عذب المنهل[3]

دعنا ننهل من هذه القصيدة جمالية العبارة، ورقة الأديبة التي تسافر بالروح كي تعانق أشواقها المتناثرة، فتغدو القصيدة ملاذا للأحلام ومرتعا للفصول، فتغذي النفوس دون الحياد عن موازين الإيقاع الذي اكتسى حلته التي تشبه معلقة امرئ ألقيس في قوافيها، فالشاعرة خالفت نمطية القصيدة الرقيقة الأداء. الرقة في العبارة والمعاني، والقوة في السبك والديباجة.

وتراها حينما تناجي الأرواح في قصيدة عنونتها بنفس العبارة  فتقول:

هي السهام توالت

فكيف أتقي الرماح

وكيف لقلب تهاوى

فمن يضمد الجراح

وحين تذرف قسرا

فمن يكبح الجماح؟

أماه أناديك تعالي

أما تسمعين النواح[4]

هكذا يجد المتلقي أمام هذه القصائد التي تحمل في طياتها حمولات الاغتراب، يواصل القراءة بلا ملل، ينتقل من قصيدة إلى أخرى يقتفي أثر مباهجها فينتقل من معنى إلى آخر يبهره دقة العبارة وجمال الصياغة، بحيث تنساب القصيدة كالماء في صفاء السريرة وهدوء الفكر والروية ، حقا ونحن نطالع هذا العمل الأدبي نعتز بشاعرة متميزة وتجربة خصبة، ومتدفقة الأحاسيس والمعنى، مع دقة المعجم الذي ينم عن ثقافة إلمام بلغة الضاد.


– مسرى الـأشواق، فاطمة قيسر نشر جامعة المبدعين المغاربة، الطبعة الأولى 2019.[1]

[2] – حكم النبي محمد تولستوي، الطبعة الأولى 2008.  ص: 7.

– مسرى الأشواق ص:22.[3]

-مسرى الأشواق ص: 43.[4]

شعر

لغة شاردة / شعر فريدة مزياني ـــ أوطاط الحاج /المغرب

يَلْسعُنِي الرَّيبُ

 يَهزُّ يقيني

 بين حُلمِ الفرَج

 وظنٍّ يعوقُ  ظِلالا تَقينِي.

***

 أُناجي السَّمعَ

 بِوَشْوشةِ الرضا

 بِكُلِّ المدى المُمتَدِّ

على مِساحاتِ الرُّوحِ

 المُبعثرةِ الأطراف

 جفَلَتْ مُخضَّبة الفؤاد

 سَكنتْ هذْبِ الغمام

 شارِدة في بغاءِ الكلام

وشساعة الوَجَع

 تَلْثم في استحياءٍ

ستائر قمرٍ

 وجَفنٍ خجولٍ لا ينام.

***

…لا زِلتُ شحرورة

تنزِفُ حُبّا..وحَبّا

 تتدلَّى قطوف تِين ورمَّان .

***

كالفُصولِ أنا

يَتَقلَّبُ الجمال فيها

يُعانِد قهْرَ الزمان

تُطبْطِبُ الذكريات

 كتِفَ الحاضر

وتُعلن الرِّهان.

***

 سليلة شهْرزاد

 أُرتِّقُ هنّات الليالي

 حكايا الحُمق اللذيذ

 وخوْفِ المكان

 أدثِّر النبْضَ

عباءات الغرام

 عَلِّميني .. أُمّنا الأيام

كيف أجْدِل خيوط السلام

 كيف أنتَزِع آهاتَ الليالي

في حلكَةِ الظلام

 في هدير الشُّجون

 في عِزِّ الألم.

***

 دثِّريني من همومي

 من صقيعِ الحروب

 من دمْعةٍ تحَجَّرت

في صُلْبِ السأم

 علميني

.. كيف أقتات من فُتاتِ الهيام

كيف انْثُر زهورا

من بساتين وِجدك

 ومن عينيك  أضيئ الظلام.

دراسات

بين الترابط والتناثر / بقلم محمد رحمان

*دراسات نقدية وقراءات في مؤلف” باب لقلب الريح” للكاتب والشاعر محمد آيت علو…

في غمرة هذا اللقاء البهيج، وفي لجة هذا المنتدى البديع الذي يجمعنا لأول مرة، يشرفني ويسعدني أن أشارك في تقديم مؤلف حديث في طبعته الثانية2011، لمؤلف زميل بدأ يطأ أرض الإبداع والنشر، قادما إليها من تخوم التفكير الصعب والمساءلة العميقة.

إنها مناسبة مناسِبة هذه التي تجمعنا اليوم ، والتي أبدأها بقولي: -<<  سلام عليك أيها الواقف عند مدخل القلب…سلاما أيها القلب الراقص على جدران الحزن الراكض في اتجاه النافذة بحثا عن كوة فرح ملفوف بمرايا من ضوء عشتاروأنا شيد لوركا>>

و أختمها بقولي:<<إنها عشتار اليوم بيننا حية، نابضة، ولوركا يعلمنا النشيد الكوني الأبدي>>.

أيها الحضور الكريم، ليس في نيتي- في هذه المداخلة- أن أدخل في تفاصيل نقدية حول مؤلف “باب لقلب الريح” للأستاذ محمد آيت علو ، ليس في نيتي كذلك الخلوص إلى استنتاجات نهائية، فكل هذا متروك للقراءة المتأنية، ولكن بغيتي هي:ـ الوقوف على التعالق المفترض بين العنوان وغيره من عناوين مختزنة في الذاكرة.

ـ الوقوف على شساعة الدلالة التي يحملها التجنيس الغريب الذي وضع للمؤلف.

  1. العنوان:

جاء عنوان المؤلف مضغوطا بخط بارز متكون من ثلاث لكسيمات لغوية:

  • الأول باب و هو إسم نكرة مفرد يحيل على الإنتماء إلى حيز الدخول والمدخل، الدواخل، المدخلات، أي إلى حيزما هو جواني/ مغلق.
    • و الثانية لقلبوهوإسم مفرد مجرور بلام الجر، ويدل على المشاعر والأحاسيس التي تؤثث نفسية الإنسان باعتبارها حيزا مغلقا، وقد يدل على التغييرالذيتفيده لفظة القلب.
    • و الثالثة الريحوهوإسم مفرد معرف بأل  ومذكر تداوليا، ومؤنث لغويا.

ويقودنا هذا إلى الوقوف على شبكة التعالق المفترض بين هذا العنوان الجريء وغيره من العناوين، فتحضرنا في هذا الإطار العناوين التالية:

فيالإبـداع العربي:

  • مسرحية “الباب” لغسان الكنفاني
  • رواية “سبعة أبواب” لعبد الكريم غلاب.
  • رواية “باب تازة” لعبد القادر الشاوي.
  • رواية “الأبوابالموصدة” لرفعت الخطيب.
  • مسرحية “افتحوا الأبواب” لمعين بسيسو.
  • قصيدة “الباب تقرعه الرياح” لبدر شاكر السياب.

و في الإبداع الغربي:

  • رواية “أبواب الخلود” لميلان كونديرا
  • رواية “القط الأسود وراء الباب” لفلاديميركرافشتكو.
  • رواية “أبواب القلعة الخامسة” لإزابيل ماريان.
  • مسرحية “باب المطر” لفرنسوا جيرار.

و كلها نصوص سردية و تمثيلية هاجسها المشترك هو الدعوة إلى التغيير وإعادة بناء الذات والحياة.

إن التعالق الموجود بين العنوان وغيره، تعالق نصي يكثف التجربة الإبداعية و يلخصها.

  • دلالة التجنيس:

      ورد أسفل الغلاف تجنيس يبدو منذ الوهلة الأولى غريبا غيرمألوف، جاء فيه:”نصوص منفلتة ومسافات”غيرأن توغلنا في فهم مقصدية النص وتراكماته الدلالية يجعلنا نلمس كون هذه النصوص قد انفلتت من عقال التجنيس نفسه، وانفلتت كذلك مـن صـهـوة المقصـديـة الجمـاليـة، أقصـد أنها نصوص/ طبقـات تداخل فيهـا مـا هو نفسي واجتماعي و قصصي وسيري وشعري و إخباري…

     أما لفظة المسافات، فهي تؤشرعلى حقيقة بادية، ولكنها غيرعادية، تتمثل في المسافات التي تفصل هذه النصوص من حيث الزمن(1993-97-98-99-2000ـ2011) مسافة زمنية استطاع الكاتب أن يكثف فيها تجربته الحياتية، وأن يصقل تجربته الإبداعية، ومن حيث المكان(من تزنيت جنوبا وصولا إلى طنجة شمالا، وألميريا، والشاون، بل إلى تخوم الشرق الصادعبالأناوالأنوية(تنغير-ورزازات مثلا) أماكن دافئة جعلت النصوص تمتلك دفقا شعوريا وإحالة على المسافـات.]لقد دخل المؤلف في سباق المسافـات الطويلة مع الزمـن والمكان وهذه طبيعة الأدب[.

شعر

طيف أحلامي / شعريوسف بن لحسين

ﺃﺧﻔﺖ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﻭﻟﻬﻲ

ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍلمنساب ﻳﻐﺮﻳﻨﻲ

ٱﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻬﺎ ﺇﺷﺮﺍﻗﺔ صبحٍ شهيٍّ

ﻭﺯﺭﻗﺔ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ..

مداي الفسيح..

فستانها حريرٌ من شغف

بملقاها..

تزهر ﻗﺼﻴﺪﺓً من وله

حروفها احتراقي بهواكِ

وخاتمتها لهيبُ جمر ..

ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﺃﻧﺖ ﺣﻜﺎﻳﺘﻲ ﻭﺯﻣﺎﻧﻲ

أنت صحوي وفرحي..

و ﺑﺴﻤﺔ ﺷﻔﺘﻴﻚ ﺷﻬـــــﺪ مصفّى

يسكرني ﺑﻼ رشفٍ..

ﻋﻄﺮ ﺃﻧﻔﺎﺳـــــﻚ يغويني

ﻳﻐـــــــــﻞ ﻓﻲ شراييني

ﻳﻼﻣـــــﺲ ﺇﺣﺴﺎﺳــــــﻲ

يحتلُّ كياني..

أنتِ حلمي ﻭﺍﻟﻮﻋﺪ الآتي

أراكِ فرح العمر ﺗﻬﺪﻳﻨــﻲ

ومن رضاب ثغركِ الظمآن

ترويني..

ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ يا أميرة ﺍﻟﺴﺤﺮ

ﻭﺍﻟـــﺪﻻﻝ…

تميتني بهواها و ﺗﺤـــﻴﻴﻨــﻲ

لها أوقفت نبصي ودم الوريد

وشرّعت لها أشرعة الغرام..

ونوافذ الهوى

ودفء أحضاني

يا سرّ هنائي وبقائي

فتعالي فأنا عاشقكِ الأزلي

وصدري سريرٌ من هناء..

إصدارات

“من زاويةٍ أنثى” لمحمد حسن العمري.. رواية تعاين التحولات السياسية والاجتماعية في الأردن

عمان-

تسجل رواية “من زاويةٍ أنثى” الصادرة عن دار “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان للروائي محمد حسن العمري ما يشبه السيرة الغيرية التي لا تتوقف عند حياة شخص واحد، بل تمتد لحيوات عددٍ من الأشخاص ممن يرتبطون معه.

تعتمد الرواية تعدّد الأصوات والمذكرات والإضاءات والتوضيحات والشهادات التي تلقي الضوء على مسار الأحداث وتحولاتها، ليس بالنسبة لأبطال الرواية وحسب، وإنما في المجتمع بشكل عام.

تتصيد المشاهد المجتزأة لتواريخ متعددة خلال نصف قرن، مثقلة بالهموم الإنسانية والعاطفية التي تصاحب سيرة شخصية تبوأت موقعا رسميا رفيعا يقرر منذ دراسته للقانون في الجامعة الأردنية أن يخوض غمار السياسية بعد أن يصطدم بمجتمع متخم بالشهادات.

على صعيد الشكل تأتي الرواية ضمن شبكة سردية متداخلة لأحداث بطل الرواية الطموح الذي يدرس القانون من أسرة “ريفية” ووالده أصيب في حرب عام 1948، ويصف خلال ذلك ملامح القرية وحكاياتها التي تنحى في نمطها إلى الحكاية التراثية.

تتطرق الرواية إلى عدد كبير من التابوهات الجدلية منذ سبعينيات القرن الماضي في المجتمع المحلي، كما تسبر أغوار التحولات في مجتمع رجال السياسة ومسائل الاختراقات الحزبية وقضايا الكبت والتبني والتحرش وغيرها.

وتتتبع الرواية حياة البطل ظافر منذ طفولته وعائلته ووالده وأمه، وفترة دراسته وزواجه من المرأة  التي يحبها (سعاد) خلال فترة الدراسة، وتسلمه بعد ذلك للوزارة، وعمله في المحاماة وزواجه بامرأة أخرى(هيام). 

وخلال الرواية التي تمتد على زمن يزيد على الخمسين عاما، وتقع في نحو 250 صفحة من القطع الوسط يلقي الضوء على أحداث أيلول 1970، والظلال التي ألقتها على المجتمع الأردني، ويكشف بعد ذلك خلال تسلمه الوزارة أجواء الطبقة السياسية، كما تتطرق الرواية للأعمال الإرهابية التي جرت في عمّان 2005.

الأشخاص التي أسمائهم ترد في الرواية التي اعتمد فيها الكاتب على أرشيف ووثائق كثيرة، هي شخصيات حقيقية من لحم ودم، وأخرى واقعية استعارها من الخيال لاعتبارات جمالية وفنية، وبعضها ما يزال يعيش بين ظهرانينا، وإن تبدلت أسماء الأماكن وأسماء الأشخاص وصفاتهم وأزمانهم.

والرواية ترصد التحولات السياسية والاجتماعية في المجتمع الأردني منذ سبعينيات القرن الماضي بلغة تتنوع بين التقريرية والوصف والرومانسية أحيانا المغلفة بالشعرية العذبة، وهي وإن كانت واقعية إلا أنها تنطوي على أبعاد رمزية تتصل بسياق الشخصيات، ومنها حكاية الضبع وأبعاد الشخصيات التي تمنح المتلقي مساحة من التأويل لمآلات الحكاية.

وترسم الرواية ملامح الشخصيات القادمة من الريف والبادية وعلاقتها وتحولاتها في المدينة، كما يرسم صور لشخصيات أخرى من أصول مركّبة لإلقاء الضوء  على تحولات تلك الفترة وتغيراتها، فهي رواية ثلاثة أجيال وثلاثة حروب. فالرواية من خلال الاسترجاع الزمني تعود لنهاية الأربعينات بالإشارة لظلال الحروب (نكبة 1948، وهزيمة 1967، وحرب 1973) وانعكاساتها على المجتمع الذي عاش جملة من الكبوات والقفزات، ولكن الروائي يبقى متفائلا بختام الرواية التي تشهد الولادة كرمزية لاستمرار الحياة.

ومن مناخات الرواية: “عندما دلفت هيام إلى ممر غرفة الولادة، كان المطر يهطل غزيرا في الخارج، والنوافذ كلها مظللة بالبخار، ترسم قطرات الماء عليه لوحات من الفن التجريدي التي ليس لها دلائل إلا في عقول الفنانين، … خلع سيف نظارته ومسح عينيه بمنديل، ثم صار يفرك بأصبعه الذؤابات المبتلة من شعر الحفيدة الصغيرة، تسور الثلاثة في حلقة من البشاشة حول الحفيدة (أيما) التي ظلت تموء بين ذراعي عمتها هيام..”.

يشار إلى أن الروائي محمد حسن العمري من مواليد إربد، حصل على البكالوريوس تخصص الصيدلة عام 1995، ويعمل في قطاع التسويق  الدوائي، صدرت له رواية بعنوان “وهن العظم مني” سنة 2008. 

حوارات

عصمت دوسكي : ستبقى المرأة هي القصيدة التي لم تكتب بعد / حوار خالد ديريك

…وحينما اكتب عن الفرح يتسلل الحزن فيه .

لا يرد دوسكي على النقد السلبي، ويهمه العوالم الإيجابية :

بدأ بكتابة الشعر في الثامنة عشر من العمر، وفي نفس العام نشرت قصائده في الصحف والمجلات العراقية والعربية. يوصف بشاعر الحب، الفقراء، الإنسانية، فهو يستحق الألقاب الثلاثة فالمرأة بالنسبة له كائن مثير ولغز عجيب، وهي بمثابة الوطن! ولا يبخل بقلمه تجاه الفقراء والمقهورين الذين يعانون البؤس والحرمان سواء أكانوا في ظل الحروب أو حكم الطغاة أو الحكومات الفاسدة وما ينتج عنها من المآسي والمظالم، زد على ذلك، قلمه يتجاوز حدود الوطن ليلامس آلام الناس في مختلف بقاع العالم، فهو شاعر إنساني يود أن تصل رسالته للعالم أجمع رغم ذلك يشعر بالمرارة والتهميش فلم ينصفه أحد، فلا يمكنه اجتياز الحدود لتردي وضعه المعيشي، رغم هذا الانعزال غير الطوعي يكتب بغزارة للحب للفقراء للوطن للإنسانية، والحزن والوجع يجتاح كتاباته فهو مقتنع بأن بالكلمة وحدها يمكن أن ترقى بالأمم. أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة الموصل، وحصل على شهادة المعهد التقني، قسم المحاسبة –الموصل وهو عضو في اتحاد الأدباء والكتاب العراق، ومستشار الأمين العام لشبكة الإخاء للسلام وحقوق الإنسان للشؤون الثقافية. شارك في مهرجانات شعرية وأدبية عديدة في العراق حصل على دروع وشهادات تقديرية للتميز والإبداع من مؤسسات أدبية مختلفة. وحصيلة جهده الأدبي المطبوع والمخطوط 18 ثمانية عشر كتابًا بين الشعر والنقد الأدبي. عصمت شاهين دوسكي من مواليد 1963 م من محلة شيخ محمد التي تقع وسط مدينة دُهُوك في إقليم كُردستان ـ العراق.

حول الإصدار الجديد ” القلم وبناء فكر الإنسان ” رؤية أدبية عن قصائد الشاعر عصمت شاهين دوسكي للأديب أحمد لفتة علي ومواضيع أخرى أجرينا هذا الحوار معه

 نص الحوار ….

* صدر مؤخرًا كتاب ” القلم وبناء فكر الإنسان ” رؤية أدبية عن قصائد الشاعر عصمت شاهين دوسكي للأديب أحمد لفتة علي، عن المراحل التي مر بها الكتاب وفكرة ولادته، وما يحمل بين دفتيه، صرح دوسكي قائلًا: * كتاب ” القلم وبناء فكر الإنسان ” مر بمراحل عديدة وزمن طويل أكثر من سنتين، وكان الأديب والإعلامي الكبير أحمد لفتة علي يكتب بفكر عميق عن قصائدي وفي نفس الوقت بعفوية وصدق ودقة متناهية وبفكر ورؤية إنسانية معاصرة. الكتاب يعتبر مصدر فكري وثقافي مهم وموجز، سلط الضوء على الأفكار والمضامين والمعاني الإنسانية في طرح رؤية بناء الإنسان فكريا وأخلاقيا وتربويا. ولادة الكتاب أتت بعد جهد ذاتي من الأديب الكبير أحمد لفتة علي، علمًا لم أراه شخصيًا، تعارفنا مازال عبر الفيس بوك، وقد تحمل كلفة طبع الكتاب ونفذ غلاف الكتاب الفنان التشكيلي السبعيني نزار البزاز وكتب المقدمة الكاتب أنيس ميرو ويضم الكتاب قسمين ، القسم الأول نقد فكري وأدبي لبعض قصائدي والقسم الثاني شهادات أدبية وفكرية من أدباء من دول عديدة ومنهم ( الأديبة المحامية نجاح هوفاك من ” ألمانيا ” والدكتورة عدالة جرادات من ” فلسطين ” والأستاذة الإعلامية هندة العكرمي من ” تونس ” والأديب الصديق الأيسري من ” المغرب ” والفنان التشكيلي سالم كورد من ” السويد ” ). في الإصدار الجديد ” القلم وبناء فكر الإنسان ” أشار المؤلف بأن دوسكي يستطيع توظيف الجمال والعشق لخدمة قلمه، فماذا تعني المرأة بالنسبة للشاعر، وبماذا وصفها؟ وهل استطاع أن يصل إلى أعماقها وبالتالي إخراج لآلئ من بحر عظمتها وأنوثتها وإنسانيتها: المرأة كائن جميل ومثير ولغز عجيب، فهي مصدر الرقة والجمال والرحمة والحنان والدفء والعطاء وفي نفس الوقت مصدر الجرأة والتمرد والجنون، ومصدر التحمل والصبر والعناد، فهي وطن! فما أجمل المرأة حينما تكون وطنًا تلجأ إليه دائمًا، كتبت عنها الكثير، وعلى لسان حالها، فلها إحساس لا يوصف وجمال أخاذ يجبرك على الوصف، وتحمل من الجواهر واللآلئ الكثير والنفيس وليس من السهل التعمق والتبحر في أعماقها ! فأنوثتها أسوار لا يجرأ من التقرب إليها إلا من كان جديرًا وجريئًا ومتحملًا، فهي لا ترفع الراية البيضاء إلا لمن تراه قويا بأفكارها وروحها وإحساسها وكينونتها، وحتى حينما ترفع الراية البيضاء ترفعها بعنفوان وإرادة وتجسد شخصيتها ووجودها وتأثيرها في كل الحالات، ولو كتبت عنها آلاف القصائد لا تنتهي ستبقى هي القصيدة التي لم تكتب بعد. وهذا مقطع من قصيدة” أحكم الدنيا بكلماتك “.

(( أذوب خجلا من تقف على أبوابي لا تقف،

أقسمت روحي لك

لولا إني امرأة لطلبت من كل سجان أن يسجنك

لولا التاج على رأسي

لقلت لكل النساء أنا أميرتك

أنت تملك قلبي، فرحي، جنوني

وكل سعادتي من سعادتك

نعم يا شاعري المغترب شهد أنوثتي

يتسلل بحنان لخليتك

وأظافري تترك دماءً على كل بقعة من جسدك

أنا ملكة على عرش قصائدك

أتحدى كل نساء العالم إن كن مثلي يحملن عشقك

أنا دكتاتورية في الحب

ولا أحب أن يشاركني أحد في حبك

ولا في خيالك ولا في أحلامك

فأنا ملكة أحكم الدنيا بكلماتك

وأنا متوجة منذ ألف عام على عرشك

ولا أتنازل لحظة عن حبك …)).

* يقول مؤلف الكتاب : دوسكي بين نقاء الإنسانية ونبض الإبداع * واقع بين حروب وجوع ونزوح … إذن، هل دوسكي يشعر بالفقراء والمظلومين ويكتب قصائد جريئة بحق الطغاة والمفسدين؟ جاء رده على الشكل التالي :

الشاعر بإحساسه وفكره وخبرته وتجاربه يمهد لكل جمال وتألق وإبداع شعري، إنساني، حضاري، يترجم أدق الحوادث والأزمات وينفذ إلى دقائق النفوس والآهات والأنات والحرمان والفقر والبؤس في واقع مليء بالتناقضات والإرهاصات والمكابدات والمعاناة خاصة في هذه البقعة التي امتلأت بالحروب والخراب والدمار والويلات والنزوح والهجرة والتشرد، وما عانته الإنسانية من الظلم والقتل والإرهاب والنفي والإقصاء والاغتصاب بل وحتى بيع أعضاء البشر وغيرها من صور الكوارث التي محت من الضمير والرحمة والإنسانية بإحراق الأراضي الدونمات من الحنطة والشعير وتهجير العقول وإدخال المواد السامة والفاسدة والتجارة فيها وتوزيع المخدرات والحشيش وزراعتها علنًا أمام أعين الناس بلا رقابة وبلا حساب كل هذا أدى إلى الفساد وبسط الجهل وترويج ثقافة راكدة، فثقافتنا الآن تحتاج إلى ثقافة أخرى رائدة لتصقلها وتطهرها من الشذوذ والشوائب الكثيرة. وهذا مقطع من قصيدة ” ماذا تبيع يا ولدي …؟ ”

(( ماذا تبيع يا ولدي …؟

الجبابرة باعوا كل شيء

حتى العشق باعوه بلا ماعون

ماذا تبيع يا ولدي في زاوية الدار …؟

فالفقر يجري فينا كمس مجنون

ماذا تبيع يا ولدي في (صينية) الزاد …؟

ألم يبقى طعام في البيت ليأكلون …؟

ماذا تبيع يا ولدي

لم يبقى شيء في البلاد لم يباع

حتى الضمير المكنون …؟ )).

* تناول مؤلف الكتاب قصائد عديدة للشاعر دوسكي منها قصيدة “عفرين” وأيضًا رواية ” الإرهاب ودمار الحدباء” عن هذا الجانب أجاب :

قصيدة عفرين كلمة ورسالة للإنسانية فعفرين كباقي المدن المجروحة التي ظلمت وخربت ودمرت مثل مدينة نينوى وغيرها وحينما لم يكن بيدك سلاح فأفضل سلاح فتاك هو الكلمة فمسؤولية الأديب أن يكشف للعالم ماذا يجري هنا وهناك وقد كتبت ( رواية الإرهاب ودمار الحدباء ) التي تعتبر وثيقة تاريخية عن بعض أحداث نينوى ولو صدرت في الخارج لاعتمدوها كوثيقة أدبية تاريخية وربما تجسدت في فلم سينمائي ، ما زالت قصيدة عفرين تناقلها القلوب والعقول ويتصلون بي لأرسلها لهم والأستاذة السورية ” أمينة عفرين ” أعدت ونفذت وأخرجت فيديو للقصيدة وهي في قناتي الخاصة على اليوتيوب فالقلم والبندقية فوهة واحدة وربما يكون تأثيرها أقوى وأشد.

قصيدة عن عفرين

(( أصبح للكلاب حقوق… وللقطط بيوت من لبلاب…

وللحمير جواز مرور… وللقرود عرس وسرور بين لألئ وموز وأطياب وما زال الإنسان…. يدمر، يشرد، يغتصب… يهجر الروح فوق السحاب

ما زال الإنسان يسلخ جلده…. تابعا بلا جلد… ويشعل ترابا فوق التراب … عفرين…. زيتك العفريني خلف خنادق وأسوار… غدروا، قطعوا، هجروا الشعاب

ما بال ” نبي هوري ” خالية… يبكي التراب على التراب … ؟

“ما بال ” عين دارة ” … أ حجار تواسي أحجار …. وتمسح غبار الأغراب  ؟

ما بال ” سمعان ” بلا عيون …. بلا بريق، بلا حبيب، بلا أحباب ؟

 يا ضحية النهى …. يا وجع الفؤاد…. يا سيدة الزيتون…. لست أرض على الأرض…. بل آية الله، يطويها الضباب

عفرين عودي إلي لا تحزني…. يوم الزيتون آت…. والحب والجمال آت… وستفتح كل الأبواب…. وستفتح كل الأبواب  ))

نبي هوري، عين دارة، سمعان: مناطق أثرية سياحية // عفرين مدينة كوردية في سوريا

*سلط المؤلف الضوء على روائع دوسكي الإنسانية، فالشاعر عصمت لا يكتب عن فئة معينة وإنما عن الإنسانية جمعاء، فهل تصل رسالته إلى العالم؟ وهل أنصفته جهات معنية، حيث قال :

لكل شاعر إنساني رسالة يحب أن يوصلها للعالم، للإنسانية بلا حدود وقيود، ولكن ضنك العيش وعدم وجود إمكانية للسفر وإقامة أمسيات ومحاضرات فكرية خارج كوردستان والعراق رغم أن الدعوات تأتيني من تونس ومصر والمغرب وغير الدول، ولكنني لا أملك ثمن تذكرة السفر للذهاب والإياب كوني أولًا بلا عمل منذ أكثر من خمسة سنوات بسبب أوضاع الموصل، وبعد لجوئي إلى دهوك استمر الحال رغم الوعود الكثيرة من المسؤولين والشخصيات لإيجاد عمل لي، وبعد مرور الزمن اكتشفت إنها مجرد وعود وكلمات. لم ينصفه أحد: لا أحد أنصفني حتى اتحاد أدباء دهوك يرفض إعطاء هوية الانتماء له لأني أكتب بالعربية، هذه أبسط الأمور رغم أنني منذ الثمانينات حاصل على هوية اتحاد الأدباء والكتاب العام في العراق. نحن ما بيننا لا نرحم بعضنا فكيف سيرحمنا الآخرون …؟ نزح من مدينة الموصل إلى مدينة دهُوك بكردستان العراق، لكنه لم يظفر إلا بالقليل من الفرص الأدبية والثقافية هناك، ووضعه المعيشي لا يزال سيئًا، وترجع الذاكرة به إلى الخلف، فيقول: مدينة دهوك هي مهد أمي وأبي وما زلت أتذكر كيف كنا نحيا في أزقتها البسيطة النقية في الستينات وكنا نلعب في الحارة مع أطفال المسيحين واليزيدين وباقي الأطياف الأخرى ولم نكن نهتم هذا من أي طائفة بل كنا نحيا بنقاء وتعايش وأمان وسلام ،والنفوس والرحمة والكرم كانت في ذروة التواصل الإنساني رغم إني لم أفارقها أبدا حيث كنا نزور الأقارب والأهل والأصدقاء بين حين وآخر رغم وجودنا وانتقالنا لمدينة نينوى منذ نهاية الستينات وحتى حصولي على دبلوم محاسبة في مدارسها ولكن بعد دمار بيتي وسيارتي ومكتبتي وأرشيفي في حوادث الإرهاب رجعنا إلى دهوك وأقمنا فيها ولكن شتان بين أعوام الستينات والسبعينات وبين حاضرها الآن حيث تجلى بنيان العمارات والمظاهر العصرية وفي نفس الوقت تدنى البنيان الإنساني بصورة كبيرة حيث الكذب والحقد والغيرة والأنانية وأقرب الناس يغتصب ورثك وأرضك وأفكارك ولا أشمل الجميع فلو خُليت قُلبت، وأشكر الأستاذ المهندس المدني سربست ديوالي أغا الذي وقف في جانبي وكذلك الدكتور حميد بافي وبدل رفو واحمد لفتة علي وأنيس ميرو وعلي سنجاري وسالم كورد ونزار البزاز وغيرهم من الطيبين. من الناحية الثقافية نعم استفدت ولكن قليلًا ليس بمستوى الحلم الذي أريده، أما المعيشية ليس لي وارد مالي أعيل به عائلتي فما زلت بلا عمل رغم الوعود الكثيرة، لكنها وعود كلمات وليست وعود أفعال. مخطوطات مكدسة تحتاج إلى الطبع: أنا الوحيد ربما الذي كتب نقدًا أدبيًا لأكثر من (150) شخصية كوردية أدبية شعرية وفنية وقصصية وتشكيلية كلاسيكية ومعاصرة ومنهم موجودين في مدينة دهوك ولكن مع الأسف يطبقون المثل القائل (أنا والطوفان بعدي). لست نادمًا لكني أتألم لما وصلنا إليه. هناك كتب حاضرة للطبع عن الأدب الكلاسيكي الكُردي وعن المرأة الكُردية بين الأدب والفن التشكيلي حينما تعرضها على مؤسسة ثقافية من أجل الطبع يقولون ” أزمة مالية ” وهذا تناقض مؤلم حيث الطبع لا يكلف سوى 600 دولار أو أقل مقابل الحفلات والليالي الساهرة التي تكلف 5000 ألاف دولار أو أكثر، ما أعنيه إن التوجه للفكر والثقافة شبه ميت أو موت سريري روتيني إلا ما ندر.

تطفو نبرة الحزن على معظم كتاباته بسبب ما تعانيه المجتمعات من المظالم: الحزن صوت تسمع أنينه الملائكة، صوت الفقراء والأتقياء والعظماء والأنبياء، عشنا وما زلنا نعيش على أرض عليها الأوجاع والآلام والمعاناة والأزمات والحروب والخراب والتشريد والتهجير والنزوح والفقر والحرمان إضافة إلى الجهل والفساد والركود الثقافي والاقتصادي وغيرها من التناقضات الإنسانية فكيف لا يأخذ الحزن مساحة طافية في كتاباتي حتى حينما اكتب عن الفرح يتسلل الحزن فيه، وكما يقول المثل ” كل إناء ينضح بما فيه “. فالوجع والحزن يجسد نفسه خلال كلمات فيها الإحساس والصدق مثلا قصيدة ” أنا بلا عمل ” التي تتحدث عن البطالة وهجرة الشباب للبحث عن عمل. أقول في مقطع منها.

(( أنا بلا عمل

في جعبتي الحب

والجمال والسلام في حروفي أجمل

في صدري ورودا وأزهارا

وفراشات تحمل رحيق العسل

في خاطري شلالات إبداع

ونساء وملكات حُلٍلْن بلا حُلَل

في وطني بسطاء بلا نفاق وشقاق ومنعزل

لا أركض وراء شهادة ورقية

أنا الشهادة، أنا الهوية، أنا الأجمل

فهل تبحث لي عن عمل

أم أحمل وطني وأرحل …؟ )).

* لا يرد على النقد السلبي، ويهمه العوالم الإيجابية :

ما بين التراكمات الزمنية والعولمة التي غيرت النفوس والعقول تجد النقد ” التسقيطي، التحطيمي ” غايته أن يحطم الجمال والمحبة والإبداع، ومن شدة كرهه وحسده وغيرته يتخبط حتى في نقده ومثل هؤلاء لا أرد عليهم فسمومهم تقتلهم، وهذا أيضا يمدني بطاقة متجددة لأكتب أكثر، وأنظر إلى العوالم الإيجابية الجمالية والإبداعية المشرقة المفعمة بحب الناس وعنفوان الوطن أكثر.

* لحظات انطلاق القصيدة لديه :

القصيدة تولد من الإحساس بالأشياء ربما رؤية وردة جميلة وسنبلة منحنية أو دموع طفل وامرأة واهنة ووطن جريح، مرات عديدة يسألونني كيف تأتيك أفكار القصيدة فأقول لهم: الأفكار موجودة بيننا وحولنا، في محيطنا، بيئتنا وعالمنا ولكننا مشغولون عنها، فالأفكار لا تتبعك بل أنت من تتبع وتبتكر وتجدد الأفكار، والإحساس عندي أهم شيء في القصيدة وبلا إحساس تكون القصيدة بلا روح بلا طاقة بلا تأثير.

* الفيديوهات الشعرية بالنسبة له هي النافذة التي توصل من خلالها رسالة الإنسانية إلى العالم :

حينما أجد نافذة توصل من خلالها رسالتي الإنسانية إلى العالم ألجأ إليها وبصراحة خبرتي قليلة في إعداد وتنفيذ الفيديو في البداية كانت ابنتي هيلين ولكنها تفرغت للدراسة وهناك أصدقاء من المغرب مثلا الأستاذة الإعلامية وفاء المرابط والدكتورة حنان والأديب المغربي الصديق الأيسري والأستاذة وفاء أحمد والصديق الفلسطيني خالد الأغا والصديق السوري المقيم في السعودية الأستاذ أكرم عز الدين والصديقة السورية أمينة عفرين جزيل الشكر لهم جميعا هم من نفذوا وينفذوا أشرطة الفيديو وأنا انزلها في قناتي اليوتيوب كنافذة إعلامية أدبية شعرية ولا أنسى صحيفة ” واحة الفكر Mêrga raman ” الغراء تنزل في صفحاتها أشرطة الفيديو الشعرية الخاصة بقصائدي شاكرًا لهم هذا الجهد الإنساني الكريم.

* الإنترنت والصحف أيضًا صلة الوصل بينه وبين العالم :

صوتي يصل عبر الإنترنت والصحف الورقية المنتشرة في كندا وبلجيكا ودانمارك والسويد وغيرها إضافة إلى العربية والمحلية وبإمكانك أن تقول أنا معروف في الخارج أكثر من الداخل !

* أهمية الكلمة والكتاب لدى الأديب دوسكي :

ذات يوم سألني شخص قبل أن أبدأ أمسيتي الأدبية في دهوك قال : إن أي كتاب هو مجرد كلمات فلماذا تصدرون كتبكم. هي كلمات فقط ؟ فأجبته  بما قاله الحسين عليه السلام للوليد ممثل يزيد بن معاوية عن الكلمة وقيمة الكلمة، فقلت له: أتعرف ما معنى الكلمة …؟ مفتاح الجنة في كلمة، ودخول النار على كلمة، وقضاء الله هو كلمة، الكلمة لو تعرف حرمة زاد مذكور، الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاع يعتصم بها النبل البشري، الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة فالكلمة نور دليل تتبعه الأمة، عيسى ما كان سوى كلمة أضاء الدنيا بالكلمة، الكلمة زَلزَلت الظالم، الكلمة حصن الحرية إن الكلمة مسؤولية إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة، شرف الله هو الكلمة.

سبل زرع حب الكتاب في النفوس :

نحتاج إلى القراءة كحاجتنا إلى الزاد والماء، فالطعام لبناء وديمومة الجسم أما القراءة لنمو وديمومة ووعي العقل والقلب، إرضاء جميع الأذواق صعب أما التشجيع على القراءة ليس صعبًا وهذا ما أوصي به دائما أولًا نفسي ثم الآخرين، أول كلمة نزلت على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ”  أقرأ .” وهذه رسالة وتوجيه وإرشاد سماوي إلهي، وفي الكتاب المقدس الإنجيل ” قرأوا في السفر ” ” وفسروا المعنى وافهموهم القراءة ” سفر نحميا 8: 8 ” كذلك ” تظلون إذ لا تعرفون ” إنجيل متي 22:29 فالقراءة والمعرفة والوعي مهم جدًا لكل فرد ومجتمع ، حينما فتح أول صالون أدبي مختص في دهوك ” صالون قوبهان الأدبي ” كنت أول ما كتب عنه ونشره في الصحف المختلفة وكتبت العديد من القصائد عن قيمة العلم والقراءة وقد ألقيت قصيدة ” نعمة العلم ” في حفل تخرج طالبات المعهد الصحي العالي – الموصل والمكان البديل – دهوك في قاعة شندوخا ، ومقطع منها أقول:

(( أنعم َعلمٌ إنعاماً حتى لمسَ فاها

تنطقُ الكلمةَ كالشهدِ، ما أحلاها  

ينزلُ الإلهامُ، يُطاوعُ النُهى

ليناً مع الفكرِ دون مداها

عليمةٌ من تأملت الحاضر أملاً

وارتوت من الأملِ شوقاً أحياها

لا تدري هي من عشقت علما

أم العلم عشق كل ما هواها ؟)) .

* أبدى رأيه بإسهاب عن أسباب قيام المظاهرات الأخيرة في العراق: العراق منذ أزمنة طويلة وهو من أزمة إلى أزمات من تراكم إلى تراكمات في الفكر والجهل والإدارة وكلما نهض قليلًا أتته أمواج صفراء هابه من الخارج طمعًا وحقدًا وحسدًا مرة باسم الدين ومرة باسم الحرية ومرة باسم الديمقراطية ومرة باسم الإنسانية تعددت المسميات والعناوين والهدف واحد تحطيم البنية التحتية العمرانية والإنسانية للسيطرة على ثرواته وأنهاره ومعادنه النفيسة ، فالمحتل يأخذ صور كثيرة ومنها أن يكون من أهل البلد محتلًا يبسط الفقر والجهل واللا مبالاة في فوضى الفكر والثقافة والاقتصاد والزراعة والصناعة والسياحة والتربية والعدل. وحينما نسأل عن سبب المظاهرات يظهر الحل حينما ترفع الأسباب التي أدت إلى قيام المظاهرات، ومنظمة هيومن رايتس ووتش ” منظمة حقوق الإنسان ” أجابت بصورة الأرقام عن سبب مظاهرات الشعب مفسرة حالة العراق خلال الأربعة عشر عامًا من الأعوام الماضية وهذه هي الإحصائية: ٣ ملايين و٤٠٠ ألف مهجر موزعين على ٦٤ دولة. ٤ ملايين 1٠0 ألف نازح داخل العراق. * ١ مليون و ٧٠٠ ألف يعيشون في مخيمات مختلفة. * ٥ ملايين و ٦٠٠ ألف يتيم (أعمارهم بين شهر – ١٧ عاماً). *(٢ مليون أرملة (أعمارهن بين ١٥- ٥٢ عاماً (. * ٦ ملايين عراقي لا يجيد القراءة والكتابة (البصرة وبغداد والنجف وواسط والأنبار في الصدارة (. * نسبة البطالة ٣١٪‏ (الأنبار والمثنى وديالى وبابل في الصدارة تليها بغداد وكربلاء ونينوى). * ٣٥٪‏ من العراقيين تحت خط الفقر (أقل من ٥ دولار (. * ٦٪‏ معدل تعاطي الحشيش والمواد المخدرة (بغداد في الصدارة تليها البصرة والنجف وديالى وبابل وواسط (. * ٩ ٪‏ نسبة عمالة الأطفال دون ١٥ عاماً. * انتشار ٣٩ مرض ووباء أبرزها الكوليرا وشلل الأطفال والكبد الفايروسي وارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية. * توقف ١٣ ألف و٣٢٨ معملاً ومصنعاً ومؤسسة إنتاجية. * تراجع مساحة الأراضي المزروعة من ٤٨ مليون دونم إلى مليون دونم. * استيراد ٧٥٪‏ من المواد الغذائية و٩١ ٪‏ من المواد الأخرى. * التعليم الأساسي في أسوأ حالاته (١٤ ألف و٦٥٨ مدرسة تسعة آلاف منها متضررة و٨٠٠ طينية والحاجة إلى ١١ ألف مدرسة جديدة (. * الديون العراقية ١٢٤مليار دولار من ٢٩ دولة. * مبيعات النفط (٢٠٠٣-٢٠١٦) ألف مليار دولار لم تسهم في حل أي مشكلة من مشاكل العراقيين! المصدر: ‏Human Rights Watches Organization منظمة حقوق الإنسان “هيومان رايتس وتش”. هذه هي أسباب المظاهرات الشعبية الثائرة. ولو حلت لا تبقى مظاهرات.

* يختم الشاعر الأديب عصمت شاهين دوسكي حوارنا معه بالقول:

القول كثير ولكن أوجز القول : العدل والتسامح والتعايش السلمي والتربية الخلاقة وتقبل الآخر والتواضع من شيم وصفات الأنبياء والعظماء وعلينا التعلم الأثر ونبذ الحقد والأنانية والحسد والكره فكلنا أولاد آدم وحواء فحينما نسن فكرة جميلة وتصرف وأسلوب جميل فهذه السنن تتناقل بين أفراد حتى لو كانوا قلة من هذه القلة تنتشر وتأخذ دورها الريادي في فكر المجتمع، وعلى الدولة أن تهتم بعلمائها وأدباءها ومفكريها فهم يحملون نور الحضارة الإنسانية المعاصرة وتجديدها، فأي دولة لا تهتم بهم تعتبر واهنة ضعيفة الجوهر والوجود. شكرا جزيلا لجهودك الأدبية والإعلامية وتسليطك الضوء على المفكرين والأدباء والفنانين وغيرهم وهذا الجهد لا يقدر بثمن بكل المقاييس المادية فأنت تسجل تاريخًا مشرقًا للحاضر والمستقبل ولكل الأجيال.

نشاطات ثقافية

رسالة الشّارقة/ أسمهان الفالح :ضمن فعاليات “الشارقة الدولي للكتاب” أربعة أدباء يناقشون أثر الجوائز على الحراك الثقافي العربي

شهدت فعاليات اليوم الأول من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي انطلق أول أمس (الأربعاء) بتنظيم من هيئة الشارقة للكتاب، في مركز إكسبو الشارقة، والذي يستمر لغاية 9 نوفمبر الجاري، تحت شعار “افتح كتاباً تفتح أذهاناً، جلسة حوارية بعنوان “صيادو الجوائز”. وجمعت الجلسة التي قدمتها الكاتبة الإماراتية صالحة عبيد، كل من الكاتبة والناقدة اللبنانية يمنى العيد، والكاتب والباحث في الأنثربولوجيا السياسيّة المغربي محمد المعزوز، والروائية والأكاديمية السورية شهلا العجيلي، والروائية العراقية ميسلون هادي. وتطرق ضيوف الجلسة إلى مفهوم صيادي الجوائز، ودور الجائزة في تحفيز الكاتب أو تثبيطه، إلى جانب سلبيات الجوائز، وإيجابياتها، ومدى قدرة لجان التحكيم وخبرتها في اختيار الأفضل من الأعمال الأدبيّة المقدمة، ضمن معايير تعتمد التخصص والشفافية. وحول هذه التساؤلات أوضح المعزوز أن الاعتراف بالكاتب من خلال جائزة، هو بمثابة إخراجه من منطقة الغربة إلى منطقة الألفة، مشيراً إلى أن العديد من كبار الفلاسفة والمفكرين شاركت أعمالهم في الجوائز، ومنهم من تحصل عليها ومنهم من لم يظفر بها. وعلى الرغم من ذلك، لفت المعزوز إلى أن بعض اللجان التي تقوم بنقد واختيار النصوص الأدبية، تفتقر إلى التخصصية، بالإضافة إلى تفشي ما وصفه بالبعد الانتسابي، والعلاقات الزبونية التي تغولت في تقدير الأعمال الأدبية، فأضعفت العمل وظلمت الكاتب. ودعا الروائي المغربي إلى الارتقاء بالجوائز الأدبية بلفظ ما وصفه بالانتسابية، والزبونية، وإتاحة الفرصة للصوت الآخر الذي يمثله الكتّاب المبتدئين الموهوبين، وتعزيز إنصاف الأثر الفكري، عبر لجان متخصصة، وتحويل الجائزة إلى طقس إبداعي من خلال نقد محايد لها، باعتماد الشفافية وقول الحقيقة. بدورها أكدت الروائية يمنى العيد، أن الجوائز تؤثر بصورة أو أخرى على الحراك الثقافي، غير أن هناك من يحصدها دون أن يستحقها، متسائلة حول ما إذا كان الكتاب هو السبب، أم الجائزة بحد ذاتها، أم لجان التحكيم. وبينت أن هذه التساؤلات تطرح ذاتها في ضوء ظهور ما بات يعرف بصيادي الجوائز، مشددة على ضرورة أن يقوم الأديب والمفكر الحقيقي بدوره، الذي يشمل إلى جانب الكتابة، قيمتا الأخلاق والسلوك، وأن يمارس كتابته دون التفكير بجائزة أو غيرها، معرفة الجائزة الحقيقية بالأثر الذي تتركه الرواية في نفوس القرّاء. وأوضحت العيد أنها من خلال احتكاكها بالعمل التحكيمي بشكل مباشر، عبر اختيارها في أكثر من لجنة تحكيم لجوائز أدبية، اكتشفت أن بعض اللّجان تلعب دوراً في توجيه الجائزة نحو عمل ما، مؤكدة في الوقت ذاته أن مفهوم الجائزة والهدف من منحها هو من المظاهر الراقية لا سيما أنها تسهم في خدمة الثقافة والأدب. من جانبها قالت الأديبة شهلا العجيلي: “إن إشكالية بعض الجوائز، تكمن في انطوائها على براغماتية، حيث تحتاج الجوائز إلى كتّاب جادّين، ومخلصين، ذوي مصداقيّة، في كتاباتهم، مفترضة حسن النيّة في مختلف الجوائز”. وأكدت أن ترشيح بعض الأعمال لجائزة ما يعرض الكاتب لمغامرة نقدية كبيرة، وبالتالي فإنه أمام تحديات تتجاوز قيمة الجائزة المادية والأدبية، لا سيما إذا تعرضت أعماله للترجمة، باعتبارها ناقلاً لثقافة مجتمعه وتاريخه، نظراً لأن المؤلف العربي عادة ما يستمد نصوصه من واقع أو تاريخ بلده. وأردفت العجيلي: “الكاتب الحقيقي هو من يتوحد مع نصوص روايته، وشخصياتها، دون أن يفكر بالجوائز، لأن انحراف تفكيره عن الإبداع الأدبي يشوه الرواية”، لافتة إلى أهمية وجود المصداقية والأخلاقيات في اختيار الأعمال الفائزة، وعدم الاكتراث في حال غيابها أحياناً ومواصلة الالتزام بشغف الكتابة، وتقديم ما يستحق القراءة. وتبنت الروائية ميسلون هادي رأياً مخالفاً لزملائها، فيما يتعلق بلجان التحكيم التي ترى أن أعضائها عادة ما يكونون خبراء ومتخصصين في مجال نقد الرواية وتقييمها، لافتة إلى أن هامش الخطأ في تقييم النصوص الأدبية قد لا يتجاوز 5 في المئة. وحول تكرار ترشيح أسماء بعض الكتّاب لنفس الجائزة، أوضحت أنه من الإنصاف الأدبي تكرارها، في الحالات التي يواصل الكاتب تقديم أعمال متميزة، لافتة إلى أن جميع الأعمال التي فازت بجائزة البوكر خلال السنوات الماضية، كانت أعمالاً متميزة، ولاقت صدىً أدبياً واسعاً. واختتمت هادي بقولها: “إن الجوائز التي تقدم للأديب والمفكر، أسهمت في تعزيز الحراك الثقافي، وأعادت إلى حد ما المجتمع العربي إلى اقتناء الكتب، لا سيما تلك التي فازت بجائزة ما، بعد العزوف عن القراءة الذي أحاط بمجتمعاتنا”.

حاكم الشارقة يشهد ندوة الكاتب أورهان باموق ويدشن النسخة الماليالامية من كتاب اسطورة القرصنة العربية في الخليج شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يوم الأربعاء 31 نوفمبر 2019 في مركز اكسبو الشارقة، ندوة للكاتب والروائي أورهان باموق التي قدمها وأدارها سعادة عمر سيف غباش مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الثقافية، ضمن فعاليات الدورة 38 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، التي تقام تحت شعار “افتح كتاباً.. تفتح أذهاناً” بالتزامن مع اختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب. ويعد أورهان باموق من أهم روائيي الأدب التركي وحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2006، وقدم خلال مسيرته العديد من الإصدارات الأدبية، من أهمها “اسمي أحمر، متحف البراءة، واسطنبول، وغرابة في عقلي”، وترجمة رواياته إلى 63 لغة. واستهل أورهان باموق حديثة حول بداياته الأدبية كونه ينتمي إلى أسرة تركية مثقفة أغلب أفرادها درسوا الهندسة، فدرس في مستهل حياته الجامعية الهندسة ولكنه قرر أن يصبح فناناً قبل أن يتجه إلى الكتابة والأدب، موضحاً أن في بداية مسيرته الأدبية كان من الصعوبة أن ينشر رواياته وكانت الإصدارات الروائية محدودة في تركيا. وحول قلة الروايات أرجع باموق الأسباب إلى كون الثقافة التركية وخاصة في مرحلة الدولة العثمانية، اهتمت بالشعر والشعراء، وكان للشعراء الحضوة والمكانة الاجتماعية المرموقة بين أفراد المجتمع، ولم تحظى الرواية آنذاك باهتمام من قبل المثقفين أو الناس، مبيناً أن للعولمة والحداثة تأثير في حياتنا اليوم حيث أصبحت الرواية في متناول الجميع، وأصبح الكثير من الناس يكتبون ويقرؤون الروايات، وأحياناً يهرب الناس من واقعهم إلى قراءة الروايات والأدب لما يجدونه من متنفس. وأشار باموق إلى أن كتابة الرواية هي فن عالمي وعمل وطني، ينقل فيه الكاتب تجاربه وأفكاره للعالم الآخر، معتبراً أن كل كاتب أو روائي يملك أسلوب خاص يميزه ونزعة فردانية خاصة به، تُأثر فيها العديد من العوامل المجتمعية التي تترك بصماتها في أسلوب وكاتب الراوية. ولفت أن كتابة الرواية وخاصة التاريخية ليست عملية سهلة بل تتطلب إجراء البحوث والعديد من المقابلات وجمع أكبر عدد من المعلومات، حتى تستطيع إيصال رسالتك والمعنى المنشود للقارئ. حضر الندوة إلى جانب سموه الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مجلس الشارقة للإعلام، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي نائب رئيس الاتحاد الدولي للناشرين المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة كلمات، وهوغو سيتزر رئيس الاتحاد الدولي للناشرين، واللواء سيف الزري الشامسي قائد عام شرطة الشارقة، وسعادة عبدالله محمد العويس رئيس دائرة الثقافة، وسعادة أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، وسعادة محمد عبيد الزعابي رئيس دائرة التشريفات والضيافة، وعدد من المسؤولين وممثلي الهيئات الثقافية. كما دشن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي كتابه “اسطورة القرصنة العربية في الخليج” باللغة الماليالامية مساء أمس الأربعاء في جناح منشورات القاسمي المشارك في معرض الشارقة الدولي للكتاب. ويعتبر الكتاب أطروحة علمية نال بها سموه درجة الدكتوراه من جامعة اكستر بالمملكة المتحدة، تناول فيه فترة تاريخية مهمة من تاريخ منطقة الخليج العربي وصحح العديد من المعلومات الخاطئة من خلال الشواهد الصادقة وذلك بالرجوع إلى أرشيف عدد من المكتبات التاريخية العريقة في الهند وبريطانيا، وكشف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي زيف الأسطورة التاريخية المغلوطة عن القرصنة العربية في الخليج.

خلال ندوة ضمن فعاليات “الشارقة الدولي للكتاب” ناشرون ومترجمون متخصصون: جائزة “ترجمان” تعرّف العالم بالأثر الحضاري للأمة العربية والإسلامية

نظمت الدورة 38 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي تنظمه هيئة الشارقة للكتاب، تحت شعار “افتح كتاباً، تفتح اذهاناً” خلال الفترة من 30 أكتوبر وحتى 9 نوفمبر الجاري، ندوة بعنوان “ترجمان”، شارك فيها 3 أعضاء من مجلس أمناء جائزة ترجمان، الجائزة العالمية الأولى من نوعها في مجال الترجمة والتأليف، التي ترعاها هيئة الشارقة للكتاب. وشارك في الندوة كلٌ من صبحي البستاني، وإيزابيلا كامرا دافيلتو، ولويس ميغال كانيدا، بالإضافة إلى إيفا فيرّي، مديرة دار النشر الإيطالية E/O Edizioni، الفائزة بجائزة ترجمان بدورتها الثالثة 2019 عن ترجمتها لرواية “موت صغير” للروائي والكاتب السعودي محمد حسن علوان إلى اللغة الإيطالية. وتطرق المتحدثون إلى أهمية جائزة ترجمان، التي جاء إطلاقها خلال فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته الـ 35 بتوجيهات ورعاية مباشرة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. بدوره أكد البستاني أن الجائزة التي تشمل مختلف دور النشر في شتى أرجاء العالم، جاءت تعبيراً عن مدى حرص صاحب السمو حاكم الشارقة على تشجيع العاملين في صناعة الكتاب نحو ترجمة الأعمال الإبداعية العربية، التي تستلهم نصوصها ومواضيعها من التراث العربي والإسلامي العريق. وبيّن أن الجائزة تسهم في تعريف المجتمعات الغربية بحقيقة التاريخ العربي والإسلامي، ودوره في إثراء الإنسانية، بمؤلفات وبحوث في شتى المجالات العلميّة، والأدبية، الأمر الذي يؤدي إلى تغيير الصورة النمطيّة لدى بعض المجتمعات. بدورها أوضحت كامرا دافيلتو أن توجهات الجائزة تظهر في أعضاء مجلس أمنائها، حيث تضم أعضاء من ثقافات مختلفة، بهدف بناء جسور ثقافية تطلع مختلف دول العالم على الإرث التاريخي الغني للأمة العربية والإسلامية، إلى جانب قيمتها المعنويّة من الناحية الفكرية لدور النشر، وقيمتها المادية التي تبلغ مليون و300 ألف درهم. وأكدت كامرا دافيلتو أن اختيار دار النشر الفائزة يخضع لعدد من الشروط، كسلامة النص، ودقة الترجمة، واستقائها من الموروث التاريخي العربي والإسلامي، إلى جانب ألاّ يزيد عمر العمل عن عشر سنوات، لافتة إلى أن الجائزة فرصة كبيرة لدور النشر لتقديم ترجمات أدبية ثرية. بدوره أوضح كانيدا أن جائزة ترجمان تسهم في تعزيز الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، في ضوء قلة الترجمات، كاشفاً أن من بين كل ألف كتاب يترجم في فرنسا هناك كتاب واحد فقط باللغة العربية، في حين تبلغ نسبة الترجمة من العربية إلى الإسبانية 0.3%. وبين أن الجائزة تسهم في تشجيع دور النشر على التوجه إلى التبادل الثقافي والحضاري، من خلال ترجمة الأعمال العربية إلى اللغات الأخرى، داعياً إلى إطلاق المزيد من المبادرات والجوائز المشابهة على غرار جائزة ترجمان. وأعربت إيفا فيرّي مديرة دار النشر الفائزة بجائزة دورة هذا العام عن سعادتها بهذا الفوز، معتبرة إياها تعبيراً عن التقدير للعمل الجيد، كما اتفقت مع زملائها فيما يتعلق بقلة الأعمال الأدبية، والعلمية، والتاريخية، المترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإيطالية.

نشاطات ثقافية

أسمهان الفالح : المعرض الدّولي للكتاب بالشّارقة في دورته ال38: يحتفي بالمثّقفين و المفكّرين العرب و الأجانب

انطلقت فعاليات الدّورة ال38 من معرض الشّارقة الدّولي للكتاب صباح يوم الأربعاء الموافق ل30 نوفمبر 2019 بمركز اكسبو الشّارقة، تحت شعار “افتح كتابا..تفتح أذهانا”. و أكّد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، خلال كلمة ألقاها بهذه المناسبة، أنّ لقب الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لم يكن الغاية النّهائية للشارقة للوقوف عنده، وستواصل مشوارها الثقافي حتى تستعيد الأمة العربية والإسلامية المكانة التي تليق بتاريخها وتراثها ومنجزاتها التي ملأت العالم نوراً ومعرفة، مشيراً سموه إلى أن الثقافة بنت الصبر، ومشوار الثقافة لم يكن مجرد خيار، بل السبيل الوحيد للوصول إلى الهدف المنشود. مضيفا: “منذ أربعين عام، لم تكن الشارقة كما ترونها الآن، ولم يكن أحد يتوقع أن تبني كل هذه المنجزات الثقافية، لكننا كنا نعرف أننا واصلون إلى هذه المكانة وذلك بفضل الله تعالى، وبفضل وضوح الرؤية والإصرار على تنفيذها”. و تابع قائلا: “ها نحن اليوم في العام 2019، حيث اختارت اليونسكو إمارة الشارقة عاصمة عالمية للكتاب، وهي مكانة لا تأتي إلا استحقاقاً للجهد والتخطيط والسهر، لقد وضعت اليونسكو ومعها مؤسسات دولية عريقة وهي الاتحاد الدولي للناشرين والاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات، معاييراً دقيقة لاختيار عاصمة الكتاب العالمية، هذه المعايير استوفتها الشارقة خلال مشوارها الطويل، وها هي مجسدة في كل مشهد في الإمارة، وفي مكتبة كل بيت، وثقافة كل طفل وشاب وشابة، وفي أخلاق المؤسسات وخططها للمستقبل، وفي طموح الأجيال واستقرار المجتمع ورفعته وتقدمه، وفي حجم الفعاليات الثقافية المتنوعة على مدار العام ومدى التفاف المواطنين والمقيمين حولها والإقبال عليها، بل وبمدى التزامها بعمقها الإقليمي وقيمها الإنسانية.” و بعد ترحيبه بالمكسيك ضيف شرف معرض الشّارقة الدّولي للكتاب في هذه الدّورة كرّم حاكم الشّارقة الدكتورة يمنى العيد بدرع شخصية العام الثقافية لهذه الدورة.

و تولّى توزيع الجوائز على الفائزين في معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث نال جائزة الشارقة لأفضل كتاب إماراتي (في مجال الرواية) الكاتب الإماراتي عبد الله النعيمي عن كتابه “شقة زبيدة”. و(في مجال الدراسات) نال الجائزة كلّ من المؤلفين عبدالله سليم عمارة من فلسطين، ولطيفة علي عبيد من الإمارات، وعفراء راشد البسطي من الإمارات عن كتاب “الموجز في تاريخ الإمارات العربية المتحدة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى 1971 الحضاري والسياسي”، وفي (مجال النصوص المسرحية) الكاتب الإماراتي صالح كرامة العامري عن مؤلفه “مسرحية خذ الأرض”. وذهبت جائزة أفضل كتاب إماراتي (مطبوع عن الإمارات) للكاتب السوري عزت عمر عن مؤلفه “أثر الحداثة وما بعدها في النص السردي الإماراتي”، و(جائزة أفضل كتاب عربي في مجال الرواية) للكاتب مقبول موسى العلوي من المملكة العربية السعودية عن روايته “طيف الحلاج”، فيما حصد (جائزة أفضل كتاب أجنبي واقعي) الكاتبة الأمريكية إيمي س. إدموندسن، عن كتابها “تنظيم بلا خوف” وتسلمها نيابة عنها عامر تشيتوا مدير المبيعات لدار النشر ويلي، أما جائزة (أفضل كتاب أجنبي خيالي) فكانت من نصيب الكاتبة النيجيرية شيلوشي اونيميلوكوي أونوبيا عن كتابها “ابن المنزل”. كما كرّم صاحب السمو حاكم الشارقة، الفائزين بجوائز دور النشر، حيث حصد جائزة أفضل دار نشر محلية للعام 2019 “دار الهدهد للنشر والتوزيع”، وفاز بجائزة أفضل دار نشر عربية 2019 “مؤسسة دار المعارف” المصرية، أما جائزة أفضل دار نشر أجنبية للعام 2019 فازت بها دار النشرAdeva Graz النمساوية. وجاءت جائزة ترجمان، من نصيب كل من دار النشر الإيطالية من روما “Edizione e/o”، عن ترجمتها لرواية “موت صغير” للروائي السعودي محمد حسن علوان الصادرة باللغة الإيطالية، وفازت “دار الساقي” من بيروت بجائزة الدار العربية صاحبة حقوق نشر الطبعة العربية الأولى للرواية نفسها. وقال أحمد بن ركاض العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، في كلمته خلال افتتاح المعرض: “يذكر التاريخ أن العرب إذا أرادت العناية بشيء قدمته”.. ونحن في إمارة الشارقة، قدمنا المعرفة والكتاب على العمارة والصناعة، فكان أن نجحنا فيها جميعاً، قدمنا العلم على المشاريع، فجاءت التنمية مستندة إلى المعرفة والوعي بحاجات المجتمع.” وأضاف: “في قراءتنا لتجربة العقود الأربعة الماضية نلمس أن هذا النجاح لمشروعنا الثقافي بتجلياته الواضحة أمامكم اليوم، جاء نتيجةً لعدة عوامل، أولها أنه ثمرة التزامنا بإرثنا وتراثنا الإماراتي الذي عملنا على بلورته مشاريع وبرامج وسياسات ليصبح صفةً ملازمة لدولة الإمارات في ساحة الثقافة العالمية، أما العامل الثاني فهو البعد العربي لمشروعنا الثقافي، حِرص سموه على إحياء حركة الشعر والمسرح والرواية في المدن والعواصم العربية، احتضان الشارقة لأحلام وطموحات المثقفين العرب، فكل مشروع ناجح يحتاج إلى حاضنة، وهذه هي حاضنتنا الإقليمية.” وألقى خوان لويس أرزوز رئيس الاتحاد الوطني للناشرين في المكسيك كلمة ثمن فيها اختيار المكسيك ضيف شرف للدورة 38، وما يعكسه هذا الاختيار من تنوع ثقافي ومعرفي تتمتع به المكسيك، مشيراً إلى أن صناعة النشر في المكسيك هي صناعة أساسية، وهي من الخيارات التي تعزز الهوية الوطنية وقيم المجتمع المكسيكي. بدورها ألقت الكاتبة والناقدة الدكتورة يمنى العيد، كلمة بمناسبة تكريمها شخصية العام الثقافية، عبرت فيها عن اعتزازها الكبير بهذا التكريم، معتبرةً أن هذا التكريم هو للثقافة بشكل عام وللكاتبة الأنثى بشكل خاص، تقديراً لدور الكاتبة في إثراء الثقافة العربية والإنسانية. ولفتت العيد إلى الذكريات التي تجمعها بإمارة الشارقة، ذكريات عنوانها الاحتفاء بالثقافة والمثقفين، وبالكتاب والكاتب والكاتبة دون تفرقة تقام على حدود الهوية والفكر والانتماء ودون تمييز بين الكاتب والكاتبة. ودعت العيد في كلمتها المؤسسات الثقافية العربية إلى الاهتمام بالكتاب الورقي وتعزيز نشره من خلال إقامة معارض الكتاب الدولي لما له من أهمية في ترسيخ ثقافة القراءة بين النشء وزيادة الوعي المعرفي بين أفراد المجتمع. هذا و كرّم صاحب السمو، الفائزين الستة بجائزة اتصالات لكتاب الطفل في نسختها الحادية عشرة، يرافقه سعادة المهندس صالح عبدالله العبدولي، الرئيس التنفيذي لـ”مجموعة اتصالات”، وتوزعت جوائز النسخة الحادية عشرة على الفائزين من الأردن ولبنان ومصر والعراق، حيث فاز بجائزة “كتاب العام للطفل” قصّة (عن “س” و”ل”)، وهو من تأليف أنس أبو رحمة، ورسوم لبنى طه، والصادر عن “الدار الأهلية للنشر والتوزيع” في الأردن، أما في فئة “كتاب العام لليافعين”، فقد فاز كتاب “لمن هذه الدمية؟” للكاتبة تغريد النجار، والصادر عن “دار السلوى للدراسات والنشر” في الأردن. وضمن فئة “أفضل نص” فاز كتاب “دمشق: قصة مدينة” تأليف ورسوم آلاء مرتضى، الصادر عن “دار البلسم للنشر والتوزيع” في مصر، فيما فاز عن فئة “أفضل رسوم”، كتاب “أنا أطير”، وهو من تأليف الدكتورة أماني سعد الناجم، ورسوم علي خالد الزيني، والصادر عن “ألف باء تاء ناشرون” في الأردن. وفاز ضمن فئة “أفضل إخراج”، كتاب “أبو كركوبة” وهو من تأليف نبيهة محيدلي، ورسوم وليد طاهر، والصادر عن “دار الحدائق” في لبنان، في حين نال جائزة “أفضل كتاب صامت”؛ الفئة الجديدة، كتاب “سر البئر” رسوم معصومة حاجي وند، وتأليف علي القاسم، والصادر عن “دار البراق لثقافة الأطفال” في العراق. يشار إلى أن جائزة اتصالات لكتاب الطفل، انطلقت برعاية من شركة “اتصالات”، وتنظيم المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، بهدف دعم صناعة كتاب الطفل في العالم العربي، والارتقاء به، وتكريم كتب الأطفال المميزة، التي تتناول مواضيع معاصرة تثري أدب الطفل، إلى جانب تحفيز الناشرين، والكتاب، والرسامين، للإبداع في مجال نشر كتب الأطفال الصادرة باللغة العربية. والمتتبع لمسيرة الجائزة منذ انطلاقها في العام 2009، يلحظ الدور المحوري الذي لعبته في تطوير كتاب الطفل العربي، وتحفيز الطاقات الإبداعية المتخصصة في تأليف، ورسم، وإخراج، ونشر كتب الأطفال واليافعين باللغة العربية، إلى جانب إثرائها مكتبة الطفل العربي بإصدارات مميزة ونوعية، وقدمت جوائز مالية بقيمة إجمالية تتجاوز 10 ملايين درهم، تكريماً لمبدعي الوطن العربي.

شعر

كواليس تحتفي بالباحث والقاص والشاعر المغربي الدكتور محمد آيت علو

محمد آيت علو

العودُ أَحمدُ…

اختلاطُالمشاعر في معالم دروب الخلاص

في مثل هذا اليوم، وأنا على مكتب الأخ  والصديق “عبدو” بمراكش الحمراء وقبل أن أحييه، بادرني بضحكته الرنانة، وهو يقول:” ما هذه المسافة التي ابتدعتها، يا كاتبنا” ، أم تراك عُدت؟”…

فابتسمتُ، ولم أنبس ببنت شفة…وحدثتُنفسي بمثل ما حَدثها به يومَ ذاك…”يفقدُ الإنسان لونه ويسيطر عليه الشر، فلا بد من البحث عن وسيلة لترويضه، وإعادته مرة أخرى إلى جادته وسيرورته”…

²²²²²²²

يوم ذاك كان الزحام، وفيضان بشري يغطي الصالة، وهو الشيء الذي لم نعهده من ذي قبل في محفل ثقافي كهذا، ونحن جلوس على الأرائك الوثيرة في باحة الاستقبال بإحدى الفنادق المصنفة بالبيضاء،

 صحبة ثُلة منَ الكُتاب الشباب والمخضرمين ضمن الوفد الذي يستعد للذهاب إلى مصر في الأسبوع الثقافي المشترك المنظم هناك بالقاهرة…

²²²²²²²

القاهرة زخة من الجنان، زرد وهدير على العتبات، القاهرة صاحبة القبول والجاه، كم من قلب في حبك شجاه ما شجاه، من هذا الأطلس الحر الشامخ، من هذا الجبل الأشم كمجدنا، نأتيك ببضاعة مزجاة….يا قاهرة، حبكِ في الفؤادِ كبيرُ، وله أريجٌ طيبٌ وعبيرُ، دوحةٌ أغضانُها كعروقِنا يمتدُّ فينا عطرُها المسحورُ… والعَينُ التي تَنْعَمُ في بحبوحةِ الـجَفنَينِ…القاهرةُالمعنى الذي ظلَّ يُطِلُّ: الوردُ والـمِسْكُ، وغصنُ البانِ والشوكُ …، وتلكَ النعمةُ السابغةُ: البسمةُ والنيلُ! ونأتيك بالحب الكبير يا  قاهرةْ…
أثناء ذلك كانت الذاكرةُ تبحثُ عن أي وهم منسي أو هَم ثقافي تداعبه، تجتره، وتجره كخيبات، فينصاع عنوة، ثم أصلبه على عمود أفكاري، وتجهش به أحاسيسي فأنفثُهُ…وأبتَسم، محدقا في المدَى…:  ذو العقل يشقى في النعيم بعقله    ²²²    وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.

²²²²²²²

الأصواتُ تتعالى، تقدم أحدهم ولم يكن مجبرا من رؤية كل ما يمكن أن يدفعه إلى مأزق ما، حتى لايعير النظر دافعا للهجوم، يغمض عينيه، يظهر اللامبالاة تماما مثل الآخرين، كل مستقر داخل حالته، كأنهم منقطعون عما حولهم، لايعنيهم شيء، تقوقع تام، يغردون خارج سرب وحدتهم، يعرفون مسبقا ما ينتظرهم وما يتطلعون إليه، مشىبخطوات متثاقلة بطيئة..كان يبدو في العقد الخامس،وقد غزا الشيب مفرقه، وهو يقدم بطاقات الأعضاء يمدها إلى من لايراهم…وكان ما يجري أمامه قد وصل إلى مرحلة انفلات الأصوات، حرارة الأنفاس لم تبرد بعد، فما زالت الأصوات تتعالى، وتختلطُ وتختنقُ حينها، وكان من بين ما راعني واستوقفني غياب كاتبين اثنين كبيرين، وثلاثةُ شعراء مرموقين، فقد كنتُ أعتبرهم مثل الشمس والأرض والسماء..في شموخهم ومجدهم وتميزهم وأنفتهم وكبريائهم وتمسكهم بهويتهم وتواضعهم…ولم أر أحدا في مثل عطائهم، فلم يكونوا يبخلون على أحد…وكان الشبابُ يجمعهمُالعُنفوانُ ورغبةٌ كبيرةٌ في تشكيل العالم بحثا عن الجديد،بدءا من الكتابة وانتهاء بالواقع….

ثم سمعنا أحدهم وهو يصعد على كرسي صائحا:”…حبدالو أقام العرب صندوقا للثقافة لعلنا نعدل قليلا من صورتنا المشوهة…”وبدأ التصفيق…واختلطت الأصواتُ مرة أخرى… وكان من جملة ما شد انتباهي وأثار فضولي، أن كاتبا شابا قد ذهب إلى الغرفة المجاورة التي اتخذت كمكتب خاص باللجنة المشرفةعلى النشاط، ثم عاد إلى الصالة منكس الرأس، متدمرا صحبة كاتب صحفي، وكأن شيئا قد عكر مزاجه… كان الشاب ممتقع الوجه، قد هز رأسه بطريقة آلية بادئ الأمر ، حينما التقت عيناي بنظراته الحادة، وابتسم بتصنع، لكن نظراته هذه المرة واهنة كجسده الواهن، الألم ينبض في جسده ورأسه، وكأن السيل بدأ بقطرات..ثم صار أمواجا عاتية في ومضة برق خاطف، ثم انشقت الأرض وفتحت فيها هاوية، والارتعاب يعتصر عينيه، ليستلقي بمعطفه الثقيل على الأريكة مخفيا رأسه بين يديه، وكان في عقده الرابع فيما يبدو، إنه حي لكن…، ثم ما لبث أن لحقهما آخران وهما يلعنان ويشتمان…ولم نفهم شيئا…حتى سمعنا فنانا تشكيليا يتحدث عن أحد الكتاب المخضرمين والذي تعامل معهم بازدراء وجفاء وغرور وحسد وحقد دفين…وهو من أعضاء اللجنة، وسرعان ما طفت على السطح قضايا أخرى وفي رمشة عين وكالنار في الهشيم …، ثم سمعنا كاتبا شابا يورد قصة دالة:”ذلك أن الشاعر الإيطالي “وفنزيو” كان مغرورا بنفسه إلى درجة التصلب في الرأي..وذات يوم وصلت إليه رسالة، وما إن قرأ العنوان حتى رفض أن يتسلمها، لأن العنوان كان كالآتي:”إلى أكبر شاعر في إيطاليا، ولما سئل عن ذلك، قال:”أنا أكبر شاعر في العالم”…ثمهمس أحد الشباب في تخاذل وقد حدجنا ببصره،وأردف: إن الأقنعة لا تدوم طويلا، فسرعان ما تتلاشى، فيظهر المرء على حقيقته…ابتسمت بتصنع، ونظرت بعيدا كما جرت العادة في مثل هذه المواقف، ولم أفهم ما كان يرمي إليه..، وبصوت خفيض علق أحد المخضرمين:”أيا كانفالمرء أحيانا لا يكون سوى دورة مياه تسير على قدمين” استغربتُ كثيرا متسائلا: أما زال هذا الوباء ينخر روح بعض الكتاب على الرغم من الروح الكلية التي بدأت تحل في الفرد المعاصر..؟ والذي أومنُ به أن الذينَ تخونهم أنانيتهملايستطيعون أن يبدأوا من جديد…وخاصة مع الآخرين، وكان مما أثارني كذلك في أحاديثهم هو أن بعضهم يربطُ بين الحياة الشخصية للأفراد وإبداعاتهم…في هذه الأثناء أخذ بعض الشباب ينسحب إلى الساحة، بجانب المسبح وهم يتابعون نقاشاتهم الحادة، ثم سمعنا مشاداة كلامية بين أعضاء اللجنة، وتعرت خلالها مجموعة من الحقائق وبودلت أثناءهااتهامات حول بعض الخروقات…لم تعد ثمة كلمات أخرى تُقال…وكانت السماء ملبدة بالغُيوم…

²²²²²²²

تقدم كاتبان وهما يحملان فنجانان يتحدثان ويرتشفان، ويحدقان في الوجوه، ثم بدا شاب غير أنه بادر بعناق آخر..عناقا ينم عن علاقة وطيدة، وإن مرحا يبدأ عنده الآن، في هذه الأثناء ظهر لي أحد النقاد المحترمين وكان يرتدي معطفا رقيقا، وهو يتطلع إلى ستائر النوافذ المغلقةوسط الصالة، كان يتطلع إلى اللافتات ويبدو أنه يقرأ أشعارا..ثم هو يطيل النظر في بعض اللوحات التشكيلية..، ثم تحرك ثلاثة إلى الصالة وليس معهم حقائب أو أمتعة..وكانت هناك شابة تومئ برأسها، يداها أمام صدرها، عيناها تشعان بالبهجة، كل من يلمحها يدرك على الفور أنها ذات وجد…ثم ظهر شاب حليق الرأس بملابسه الجلدية السوداء، سرعان ما تذكرته، كان شابا وسيما وأنيقا للغاية درس معي في السنة الأخيرة بالكلية، وقد تغيرت ملامحه كثيرا…وقد ولى وجهه إلى الزجاج …وبجواره كهل يعتمر قبعة، ويضع فوق ركبته جهاز حاسوب ويُدونُ بعضَالملاحظات في مذكرة صغيرة ويبدو وديعا…أما أنا فقد كنتُ مستغرقا في تجاعيد الصالة، وقد رسمتُ أملا ويمامة بالأفق…حتى التقيت صاحبا قديما فجلست بجانبه على الأريكة…وكانت أصداء المتعة سارية، وسرعان ما مالت شاعرة إلى ياقة الورود لتسوي أطرافها في المزهرية….

²²²²²²²

من اخترع المرآة، ليس ضروريا أن يكون نرجسيا، ربما اخترعها ليتشفى من الذين يتهربون من رؤية وجوههم فيها.إذا كانت المرايا تصوركم فأين ستولون وجوهكم؟ لقد هلكني البعد عنها ولم يهلكني المطر في الغابة.أنا حيث أنا، وجاري مثل جمجمة مصقولة في الصحراء، يحتمي فيها العقرب الأصفر هاربا من شروق الشمس…إن حياتنا هي تجاربنا، لكن الكاتب الحقيقي لايعلم التجارب، إنه يوقظ الإحساس بها.لم أجيء لأعلم، لكن لكي أوقظ “كما قال ميهربابا”فكلما تعمق الوعي في فهم العالم زاد تناقضه وغرابته.

هناك من ينظر إلى الآخر نظرة “ساتورنوس” إلى أولاده، فإذا لم يجد من يفترس من صلبه أو غير صلبه يتجه إلى نفسه بالذات ليسقط في عدمية مطلقة وليضاعف قبح العالم.

²²²²²²²

ثم ما لبث أن عاد بعض الشباب الذين غادروا مقاطعين…لما ظهر على حين غرة الكاتب المخضرم من جديد على المسرح، المنتشي بجنون العظمة المصطنعة الزائفة، ثم طاشت السهام، ويُفرض الرأي الواحدُ ويَتفرد بالساحة وحده، وبدا أن الآخرين في حالة انبهار، هو الذي يُفكر ويُقرر، فماذا يَبقى؟ كم في يم الغُرور من تمساح، فاحذر يا غائص!… وهاهو يتاجر بالمبادئ والشعارات…ولسان الجزاء يناديه:”يداك أوكتا، وفوك نفخ…”وبدل أن يصحح موقفه، اتبع هواه، فلم يسدد رأيه بالتأني، ولا ضميره باليقظة…بيد أن وجهه وصوتهمتغيران، كان يبدو أشبه بوجه سكران وصوته يتعالى،وكأنه يستهجنهم جميعا، حتى غمرهم الضحك، هكذا أصبحنا نضحك كي لانصاب بالإحباط الأخير، فقد اختلطت علينا المشاعر، ولكي لايصبح آخر ما تبقى في روحنا من ضوء…، همس أحدهم متهكما: يبدو بأنهملم يُقدروا أهميتَه ويرشحوه للجائزة، ثم تدخل آخر بقوله: إنه لم يعجبه انتقاد بعض الشباب له في إحدى الجرائد…وها هو يصب جام غضبه على من انتقده يوما…وفجأة صرخ أحدهم في وجه آخر: أنت مجرد نكرة…لا وجودلك..أنت صانع كذب، نارا أحيانا وحطبا في أحايين كثيرة.. كان فيما يبدو منتشيا، وسرعان ما غمرته صلابة، ولم يخمن أحدٌ في أية لحظة أن الرجل يمكن أن يكون مريضا نفسيا…كان يبدو كالمعتوه، ثم عمت الفوضى الصالة، ثم إذا بشخص يلتقط بلا وعي بعض الكتب، ورمى بها بعنفصوبه، أصابت رأسه…وضحك الجميع..وهومازال يحدق ويشتم، ارتفع صوته أكثر من ذي قبل…حتى شعر بجفاف في حلقه، حدق نحوه بصوت مرتفع نسبيا،بما يدرك بعض الحاضرين أنه كان سبا مقذعا دون شك…

وطبعا لن تكون المرة الأولى التي سيضطرون إلى أن يستلهموا فيها روح أصنام متحركة، فقد تجاهلوه رغم رعونته، ثم ما لبثت أن غطت القاعة هيستيريا ونقاشات عقيمة، تداخل فيه ما هو سياسي بما هو حزبي ونقابي وحقوقي..واختلط الحابل بالنابل…وبداكأنهم يحكون عن زمن فيه القنافذ والثعالب والضفادع والذئاب يحتقنون ويحتقرون وإن تواجد معهم حالما صداحا بين الزهور والورود أو في الشجر…

فكيف إذا تتعايش غالبة ساحقة من الكتاب مع مثل هذه المواقف، ولا تمتلك الجرأة في إذانة ما تبصره الحواس، التي تحولت إلى مستودع قديم مليء بالإحباط والتذمر واليأس، مصاب بالاهتراء وقليل من الحلم…

الآن… قد يموت الواقفون..وكل الشعراء الحالمين الأصفياء قد يتنقلون إلى الضفة الأخرى، وقد يموتون لأنهم رقيقوا الإحساس…ولم يكن أنا يُشغلني الآنَ ما يُقال وما لايُقال…ستلفظني وستغلقني الأبوابُ …بلا كلام.

أما اليراع فقد تفيأ منحى آخر من البوح، باقتحام الذات وانقلابها عليه في الآن نفسه…وببَسط ما شاءَ له الانفلات من الألم والكمد…

وقبل الختم وبعده، الكمد هو الكمد، وأن لاشيء تغير حتى بين بعض المثقفين، الكبر والعُجاب والحسد والتعالي والزهوُ الخَادع…وكل ما يجري بين المثقفين وللأسف هو ما يجري في كل لقاء..وكل ما أعرفهأن كل ما يجري أشبه بالذي يجري بالكهوف المجاورة…صرتُ أدركُ أن لفظة الثقافة التي هي شديدة الصلة بحياتنا،  قد تميعت بل مسخت، أو ربما نحن الذين ضخمنا معناها بشيء من الهلامية والفضاضة المائعة، أدركت الآن أن الثقافة فعلٌ وليست مصدرا، إنها قيم وارتقاء وسمو نحو إنسانية الإنسان، وعلينا أن نعبر عنها بما نقوم به ونفعله.وإلافويل للعالم من المثقفين إذا فسدوا،ثم لملمتُ ما تبقى من شدوي وحنيني، وما تبقى من فكري وصرخة روحي، ولم أستطع أن أتطهر أو أتخلص، فقد بقي هناك شيء ما يجثم على صدري…

²²²²²²²

أخي التوأم لم تكن هوايتُه القراءة ولا الكتابة، فهولم يخط خطا ولن يفعل…ولن يكتبَ شيئا، ولن يحكي أية قصة عن الذي يقع…، ولايستطيع أن يتبنى أي رؤية سردية، ولا أعتقد بأنه سيكتبُ سطرا على حين غرة، وهومثلُ أبيه لم يكتب خاطرة في حياته، لو سألت زوجته لفضلت الموت على كتابة رسالة، ولا أحد يكترث، لقد بدأت القصيدة بالتشتت والضياع لهذه الأسرة الصغيرة…مرة أخرى يُقتل الطفل في أحضاني…أم الذي كان طفلا سواي، لستُ أدري..؟وهأنذا أفتح عيني حين أفتحها على كثير …ولكن لا أرى أحدا…، ثم اقشعر بدني ورحلت…

²²²²²²²

وفي يوم آخر لقيت شكري كانت عيناه ساهمتان وكأنهما يغوصان في مستنقع رديء، حالة من قلق الأيام والأعوام البعيدة،ترتسم في عينيه الأزقة والدروب،والصامدون على الجراح، والأطفال الضائعين، والمتاجرة في أحلام الفقراء،والحكرة، وسيرة الإنسان في المكان، وأهل الهامش من المسحوقين والتائهين والمكلومين والمهاجرين ومن مرغتهم الحياة…وحساد النجاح والكلمة، وصراع الأجيال… والرجال الذين غابوا في تراب المقابر…، والشهوة الزائفة، وجنون العظمة، والشهرة بعد الموت، ومن يدعي أنه أنقدك من الويل والموت، والتكريماتالأفاقة…،في هذه الأثناء تذكرت إحدى مواقفه المتميزة كالعادة، “فما من أحد فوق النقد” فقد رأيت أنه يصول ويجول مشرحا نصوص الجميع بمبضع العارف دون خشية من سطوة الأسماء الكبيرة، فهو ينتقد بأسلوب يلغي التبعية الفكرية والفنية دون أن ينتقص من كمية الاحترام التي يكنها لإنجازاتهم، ولم يكن يريد أن يكون محبوباأومرهوبا بمقدار ما تشغله مسألة التعبير عن قناعاته الفكرية دون وصاية أو مصادرة..ذلك أن الكبار قبل الصغاريقعون في أخطاء كبيرة…فقد كتب “أندري جيد” ذات يوم تقريرا عن رواية “مارسيل بروست””البحث عن الزمن الضائع” أكد فيه أنها لاتصلح للنشر، ثم ندم على ذلك الحكم بقية حياته…لذلك دخل شكري إلى النصوص التي شرح من خلالها تجربته الابداعية وفهمه لدور الابداع الأدبي، مغسولا من كافة الأحكام المسبقة…ويبدو أنه كان في هذا الوقت بالذات كمن يقرأ كل أفكاري التي أحملها وأعتقد فيها…

فقد تخلى عن جائزته مقابل مبدإ كان يسكنه، ويتمثل في رد الاعتبار للجنوب المتوسطي تضامنا مع قوارب الموت…، مؤكدا على ضرورة رد الاعتبار لساكنته…

وكأنني ما زلت أسمع صدى صوته ونحن ننزل عبر سلاليم مبنى إذاعة طنجة الجهوية، بعدما توقفنا بقاعة الانتظار ، آنذاك وكأنني أرى الشمس وهي لا تكف عن مغازلة ضفائرها الذهبية…وحين رفعت بصري إلى السماء كان كل واحد في اتجاه..

²²²²²²²

حتى صاحبي لم يعد…كان قد خرج قبل قليل…سألت لحظة الساعة المعلقة وسط الصالة، والتي توقفت عقاربها برهة ثم سألت الغد…ولم يأت.

بحثت عنه في الدروب في الأزقة والزوايا في الطوابير المتراصة في “الموقف”وفي الغابات وفي شوارع المدينة المزدحمة، في الممرات وجنب الحدائق، في الدهاليز فوق الأرض وتحتها، بحثت طويلا طويلا…في الصياح والعويل والفحيح، سألت عنه الأيام الماضية التي لم أظفر منها بشيء، وسألت عنه العائدات المقبلات التي لن أترك فيها شيء، وهذه بدايتها، سألت كل غريب ومقيم، سألت كل قادم وسائح وجائل، قيل بأنه لم يمر من هنا، سألت وسألت… وفي خاتمتها لم أظفر بجواب، لا أحد استطاع أن يكشف لي عنه، ولم يجبني إنسان، كلهم غابوا…ثم راحوا إلى المقبرة….

وتساءلتُ مرة أخرى، أواهُ…قد مات…ومات الطيبون.

²²²²²²²

في مثل ذلك اليوم….وبعد شرود طويل، حييت “عبدو” وقلت له:لعل “العودُ أحمدُ”، ثم حدجني بنظرة، وقال مغمغما:”لواه العودُ محمدُ”…ثم بدأنا نضحك ونضحك حتى غرقنا في الضحك، ربما لكي لا نصاب بالإحباط والتشتت والضياع الأخير، فقد اختلطت علينا المشاعر…

ثم أردف وهو يبحث ويقلب بعض الكتب، وكأنهُ يريدُ أن يُفاجأني بكتاب جديد ككل مرة، لاعليك يا شاعرنا، الحياة كلها لاتستحق، كل ما يجري شيء طبيعي، لابد من الاندفاع والمشاكسة والاختلاف…ما علينا إلا التجاوُز والتعايشُ “والله يسامح”…وحيثُهناك ضوء…هناك نور….ثم خرجنا نهرولُ كل في اتجاه، حتى أنني لم أكمل شرب قهوتي، فقد كان “عبدو”مسرعا للمهرجان الذي أعد مواد برنامجه منذ ثلاثة أيام، أعرف بأنه لم يأكل ولم ينم جيدا، وإني أراهُ نموذجا لذلك المثقف الحقيقي،في تميزه وكبريائه وتواضعه وعطائه،سعيدٌ ومتفائل دوما، يشتغل في الظل ويُعينُ الجميعَ في المجال الثقافي والإبداعي، وهو لايبخل على أحد…أغبطهُ على سعة صدره، وإني أراهُ الآنَ يبتسمُ ويملأ زَواياهُ سعادة….








محمد آيت علو مع الناقد والكاتب عبد الرحيم جيران
*في حضرة المعدن الأصيلأو *تحليقٌ بأجنحة من ذهب.  
النهرُ الكبيرُ صامتٌ
في بعض الأحيان
فقط يبدو هادئا
عميقا تحتَ الجليد…
*هايكو”أمافونبودميرشون”
إحساسٌ غريبٌ انتابني..وكان مفاجئا ومليئا بغبطة لامتناهية، ولم أستطع كبحَ جماحه، فقد سعدتُ كثيرا لهذا التتويج المستحق لأخينا وصديقنا الرائع والرائق الروائي والناقد  عبد الرحيم جيران والذي فاز بجائزة المغرب في مجال سردي، والذي حظيَ بإجماع كبير،  وأنا أدركُبأنَّ المبدعَ الحقيقيَ لا ينتظرُ أحدا لتزكيته، وكذلك كان..، فهو مبدعٌ بحق، فقد كان يحفر مساره بمثابرة وثبات، ودأب كبيرين، قلما نجدهما عند الكثيرين، فضلا عن تواضعه وصدقه وصفاء سريرته وإنسانيته…تفسيرٌ واحدٌ وحيدٌ لكل ما أحسستُ به، إنه عطر الذكرى وسحر الزمن الجميل، إنهُ الوُد والتقديرُ الكبير الصافي من الشوائب، غير المشروط والبعيد عن المجاملة، ذلك أن الإنسانَ إذا أحبَّ شيئاً أكثرَ وكرَّرَمن ذكره، وشيء آخر وأنا أقدم هذا السفر الممتع الرائق، والتحليق الراقي، فإنني أحيي لحظات من وحي فيض الخاطر، وأصلُ وُداًّ عَزَّ نظيرُهُ مئنة برورلأخ فاضل أنيق…
²²²²²²²
انتهى قبلَ قليل السجالُ بين الأصدقاء
وبدت علامةُ الاستفهام
أما أنا فجائلٌ في المعنى
سائحٌ في أعماقي
في مونولوك داخلي
“جُلجُل، ترى المعاني، وافهمني يا فلان”
يطولُ الصمتُ
مثلما يطولُ الطريقُ طيلة القيض
وقتَ الزوال
بعد نداء بطة غواصة في الماء
اختفت الآنَ في السراب
أنا الذي كنتُ قد أطرقتُ
قبلَ قليل..
في أحايينَ كثيرة يمر بنا الأحبابُ مثلما الأصحاب والأصدقاء بطباعهم وطبائعهم، أومثل طبيعة داخل طبيعة، تلك الطبيعةُ الآسرةُ العميقةُ بأشجارها الفيحاء وأطيارها السجية، الغابةُ الكثيفةُ الموغلة والمحفوفة بالأسرار والمغامرة… فبعضهم يمر مثل الجبال الشم الشوامخ، أو الشلالات المنهمرة كالسيول المنسابة، أومثل الأنهار المتدفقة، وكالنجوم المضيئة المتلألئة… وبعضهم يمر مثل السحاب أو البرق الخاطف، وآخرون يمرون كالأشباح أومثل أي شيء لايمر…وأحيانا أخرى قد يمرون كعناوين الكتب…وأما أخانا وصديقنا الكبير “عبدالرحيم جيران” فهو طبيعة فيحاء داخل طبيعة، بحرٌ ليس له ساحلُ، صدرٌ رحبٌ يتسعُ للجميع، متواضع، متهلل الوجه، بابتسامته العريضة، إنسانيٌّ يحبُّالجميعَ،لم ولن أنس كلامهُوبمزيد من الاستدعاء الدائم، ” وذلك في أن يكون الإنسانُ سيد نفسه ممتلكاً مصيرهُ، وأن يصلَ إلى أن يأخذَ كفايتَهُ من الحياة، وأن يُحققَ شرطَ إنسانيته، وألا يتوقف عن الحلم،لأن الذي يتوقفُ عن الحلم،يفقد قدرتهُ على أن يستمرَّ في الحياة، وأنَّ الحُلمَ الأجملَ هو أن تَحلُم مع الآخرين، وأن ترى حُلمَهُم في حلمك، وأن تفهم أنهم يطمحونَ إلى ما تطمحُ إليه…” هنا تتجلى رؤيته المتميزة وحبه الكبير للآخرين…والطاقة الفولاذية الخلاقة الإيجابية والملهمة التي يتمتعُ بها، وإرادتهُ القوية في مشاطرة تلك الرؤى، وذلك الحلم مع وصحبةَ الآخرين” الحلمَ الأجملَ هو أن تحلُم مع الآخرين، وأن ترى حلمَهُم في حلمك”أجل،إن الحلم الحقيقي يتمثلُ في مشاطرة الآخرين هذا الحلم، حيث يتضاعفُ الإحساسُ، فالإنسانُ يكونُ بالآخرين، دونَ أنانية أوكبر، وإلا كانَ أروعَ فشل، وإن كنتُ أرى بأن الواقعُ صار لايتسعُ لأحلامنَا، غيرَ أن الحُلمَ كما نُريدهُ يكون…
²²²²²²²
وإذا كان من طبيعة الناس أنهم لايُقَدرون إلا ما يُذهلهم وما لايَفهمونَهُ بوضوح، فإننا نقدرُ أخانا لأنَّهُ واضحٌ ومُذهلٌ، نقدرهُ على ثقته واعتداله، وبراعته المتميزة بالأناة والحذق، المتمكن من تقنياته وأدوات اشتغاله ومن مشروعه عامة، العارف بجدوى تجربته الفكرية والوجدانية، والتي تنكشف كينونتها عن انسجام كبير…بدفء ووهج الكتابة، وأيضا في خلق تصورات ورؤى لانهائية..ووعي جمالي يتسم بالفرادة والتميز، عبقرية الموقف والمغامرة المحسوبة….
²²²²²²²
في فترة ما كنتُ شابا مُفعماً بالحماس والأمل والاندفاع، وكان معظم من أعرفهم يشجعونني على المضي في إنجاز روعة الإحساس بالمجد، وبدَا لاحقا أنهُ مجردَ وهم وزيف وسراب، وكانوا هم أيضا يشتركون معي في هذا الوهم، وكان بعضهم ربما متحمسا ومندفعا…وكنتُ مندهشا لهذه السذاجة، النزوة “الفخ كما يسميها الكاتب محمد شكري”ولحسن الحظ أنها لم تطل، وأدركتُ بأنني كما لو كنتُ أبني قصوراً من الرمال، ويرجعُ الفضل في جانب من هذا المسار “للأخ الناقد عبد الرحيم جيران”، كماأذكرُ أني جئتُ مرتيل بتطوان صيفا، كان ذلك في أواخر التسعينات من القرن الماضي، وقصدتُ المقهى المفضل “شمس المحيط”، المشرف على البحر صعـدتُ  عـبر السلاليم الخشبية الواسعة النظيفة جداًّ، إلى أعلى المقهى وفي الشرفة، حيث الكراسي البيضاء والبرتقالية تزيد من جمالية المكان، وتتعـدد عـبر الزجاج اللامع الذي يعكسها، ودون أن أدلف إلى الداخل، وضعتُ محفظتي الصغيرة ونسخة من كتابي الأولَ والجريدة على الطاولة، وقبل أن أتقدم إلى كرسي لأجذبه نحوي، وقـفتُ في ركن عال أتأمل،كان المقهى يـشرف على البحـر، حيث الماء الأزرق، ثـم زرقة السماء على مـد البصر، بانوراما عجيبة من الروعة والجمال بمكان، نسيج من بديع هذا الكون وهذه الحياة…، البحر منظرٌ لاَ يُوصف، أنظر إلى البحر مبتسما في ثقة مشوبة بحذر وخوف، وأقول في نفسي:” تُرى كيف ستكونُ ردوده…؟! وأنا أنتظر صديقنا “عبد الرحيم جيران” الذي سيعطيني قراءاته ومقارباته حولَ بعض النصوص، قبل الطباعة والنشر، وأنا على يقين تام بأنه لن يحابي أو يجامل، وعلى الرغم من الخوف الذي سكنني إلاَّ أنني كنتُ على يقين تام بأنها خطوةٌ مهمَّة…،  كُنتُ قد عرجتُ قبل ذلك على مدينة آسفي، هُناكَ شجعني الوديع الراحل ابن خالي، ولامني على التردد الذي لازمني لسنوات، وتَم الاطمئنانُ للعُنوان أخيراً، ونفحني بمقدمة مميزة، كما أخرجني من ورطة التجنيس صُحبة الشاعر مفيد، وبعد ذلك كنتُ قد عرجتُ على مدينة شفشاون الزاهية، والتي شكلت في الماضى مكانا لتنقيح إبداعاتي، هناك التقيتُ الشاعر الكبير “عبد الكريم الطبال” وقد عرفني به الصحفي النشط والمتميز” عبد الحق بن رحمون” علما بأن الشاعر الكبير كان مؤطراً في الوقت الذي كنتُ أشتغلُ فيه أستاذا يشفشاون…والتقيتُ مع ثلة من المبدعين بمقهى “عبد الخالق الطريس”، وكلهم باركوا التجربة ودعموني هناك، وفي طنجة – ومن محاسن الصدف- وأنا أصعدُ للأعلى التقيتُ بالكاتب الكبير الرائع الراحل “محمد شكري” لأول مرة، وكان آنذاك يقدم برنامجهُ المتميز”شكري يتحدث” بمبنى إذاعة طنجة الجهوية، في قاعة الانتظار لمحنا الإذاعي النشيط ” محمد بوعلو” الذي كان يشرفُ على برنامج في التربية، وطلب مني مداخلة من البحث الذي قمتُ به أنا والأستاذة الفاضلة “خديجة قرشي” زوجة المرحوم عبد النبي أغبالو الذي يشتغلُ بإذاعة “تطوان الجهوية”، اعتذرتُ وتفهم الموقف، وقدم لي تهنئة وتشجيعا بالمناسبة، ثم انتقلتُ إلى تطوان ولاقيتُ دعما كبيراً من كل الإخوة هناك، ولا سيما أستاذ التربية الكبير المرحوم ” أحمد احدوثن”…، كنتُ أريد من الأخ “عبد الرحيم جيران” أن يقرأ تلك النصوص ويبدي رأيه فيها، ولا سيما أنها بمثابة مشروع جديد يتلمَّسُ الطريق بجرأة كبيرة في التجريب القصصي، كبادرة سابقة آنذاك، وكنتُ على علم تام بأنه لن يتسامح أويتساهلَ في صرامته النقدية المبنية على أسس وقواعد مضبوطة، تميزه بهدوء شفاف يُنبيكَ عن معدن أَصيل..كان يُطيلُالتأمُّل ولا يتسرع أبداً، أذكرُ يوما كان يترجم كتاباً للفيلسوف “نيتشه”وعقبتُ كمن يريد تغيير حديث ما بجملة من الأحكام الجاهزة، ثم تدخل وكأنه يريد أن يحسم لائما محذراً من التعسف المنهجي الذي قد يحصل، وأن مختلف الأحكام لامبررَ لها ما لم نقرأ في الأصل، ووجدنا بعد ذلك أنَّ “نيتشه” كان يمارسُ ارتشاءً فكرياً…إنه لا يطمئن لجواب حاسم بل تجده يُديمُ النَّظَرَ والمعاودة بمبضع المدرك لآليات وتقنيات السرد، دائم المساءلة والمراجعة، يطرح الأسئلة أكثر مما يبحثُ عن الإجابات، وهوالرجلُ المحنَّكُ العارفُ بأصول وكواليس النقد، ودقته الفنية البارعة، وفوقَ ذلك لا يريدك أن تطمئن لجواب ما، ولايريدُ منكَ أن تكونَ مقلداً، وأن تكونَ على وعي تام بما تفعل..وتكون أنتَ كما أنت…كان انتظاري بقلق ورهبة مشوبة بحيرة تطل وتختفي، ثم أتى أخيراً وفي الموعد، كانَ يلقاكَ بوجه بشوش وبابتسامة عريضة صادقة ، لانفاق فيها ولازيف، تُحسُّ بأنها نابعة من القلب، كان يحرصُ أن يستقبل أصدقاءَهُ الخُلص بابتسامته وعناقه، كتعبير منهُ على محبتهم وتقديرهم، ومبادلتهمُ الوفاء والتقدير، ثم طلبَ قهوتهُ وبقي صامتا، كان مركزا وقد وضع نظارتهُ على تلك النصوص، تراجعت حماستي، أطرقتُ وكانَ يبتسم، لم أستطع أن أركز على شيء، وبعد صمت ضئيل، ابتسمَ وقال لقد كتبتَ نصوصا جيدة، لكن هناك ملاحظات، وأنا كنتُ أعرفُ حجمَهذه”لكن””أوليست حرفَ استدراك تفيدُ تعقيبَ الكلام بنفي ما يُتوَهَّمُ تبوثهُ وإثبات ما يُتَوهّمُ نفيُه”، ثم تابع أنا أقدرُ فيكَ هذا الجهد وهذه الإجادة…وقد وقع استحسانه على حوالي ثلث تلك النصوص جميعها، حنيت رأسي، وحين رفعتُ ناظري، كان يفيضُ حباًّ وطهارةً، حدجنيبعينين لامعتين مبتسما، وقال كلاماً فهمتُ منهُ بألاَّ أكون عجولاً، وبأنهُ لابُدَّ للمبدع أن يَعرفَ كيفَ يعيش لكي يصير مُبدعاً، أدركتُ بأنهُ يقصدُ تلكَ النصوص التي تنتقدُ الواقعَ، ولا تنظرُ إلاَّ للجانب الفارغ من الكأس، والمهووسة بالفكرة ليسَ إلاَّ، وكنتُ أدركُ أيضا بأنهُ يُكَوّنُ عني فكرةً مفادُها أنني لم أُجرب الحياةَ بما فيه الكفاية، وبأنني في أوَّل الطريق، وأريدُ أن أختزلَ المراحل بسرعة، وبأن العودَ ما زال غضاًّ طرياً، شكرتهُ وانتقلنا إلى مواضيعَ أخرى لازال بعضها في ذهني حتى الآن، أذكرُ أنَّ بعض الجرائد المغربية آنذاك بدأت فكرة مشروع نشر رواية على صفحاتها، كُنا قد ناقشنا بعض التيمات والمضامين، وانسحبنا…
²²²²²²²
لم يكن كغيره ممن عرفتُ وخبرتُ، فهو لا يتحرج أو يحرجك، إنما يصمتُ مبتسماً، ثم يبادرك حتى لاتحس بالثقل، كما أنَّهُ لم يكن مغروراً، ولن تحتاجَ إلى إنطاقه، أو أن تبحثَ عن وسيلة وباب أو مواضيع قريبة من قلبه لكي تُنطقَهُ، ويمكنُ أن ترتشفَ قهوتكَ التي أَمامَكَ، وأنتَ مرتاح وبلا تكلُّف، وهو مرتاح ولن يُسند ظهرهُ إلى دعامة الظهر في الكرسي، وبطريقة لبقة يتركُكَ على راحتكَ، ولن يُجاملكَ في شيء، ولوأَسند ظهرهُ إلى دعامة الظهر في الكرسي، ووضع رجلا على أُخرى قليلاً…وكلُّ الجولاتُ ناجحةً معه…هو في مخيلتي وجهٌ واحدٌ حتى الآن، شخصيةٌ هادئةٌ يكادُ أحياناً همسُها يصلُ حدَّالمونولوك الداخلي، فلم أَرهُ يوما في معركة حادة من معارك الفكر أو الأدب، لغة الاحتجاج المهذب والتحفظ الوقور، يتابع الحياة الثقافية والأدبية والفكرية، بعيد عن الشقشقات الزائفة، هدوء شفاف يُنبيكَ عن معدن صاف أصيلحواره مع ما هو عام ومجرد، سرعان ما يتحولُ إلى سؤال لا ينتهي…
 
²²²²²²²
ستستحملنيلأفرغ وحشتي وهمومي…بداخل المقهى في الأعلى، المحاط بالزجاج والستائرالوردية، تنبعث في المكان رائحة زكية،بدا المكان هادئا نسبيا،وإن كان الوقت آخر النهار…جلستُ مسترخياً أُتابع جمالَ المساءعلى هذا البحر، ولا سيما لحظات الغروب،كأن الشوق المبرح يدفعني نحوالبحر،مثل طائر نورس لطمته الأنواء، وألـقته فوق الصخر جانب هذا البحر، يتمتع بقلب قنوع يفيضُ جواهرا، هنا أنسى الناس والبهرجة، أختلي بنفسي في فضاء بعيد عن الزحام ، وأنغمس في كتابة حياتية أتأملُ وأسوق الأفكار من أجل كون مضيئ ساحر…، أنعشه وأتلذَّذُ به كثيراً في لحظات شروذ…وأرحل إلى ذكريات ووجوه وأمكنة ومدن لاحد لها،ثم أرحل إلى مآسي الأرض،يأخذني الترحال إلى حوادث وحكايات البشر…وكارتجاج صدى في بئرتتلاحق الأفكـاراتباعا في دواخلي،مَوْجَاتٌ كهربائية في جـسدي، أسترجع الأيام الخوالي فتغـزوني بذكريات لاتشبهني،كمن يعجزعن الإلتصاق بأي شيء جميل،أستعين بالحلم والخيال،نحوصفاء الأشـياء واخـتلاجاتها الأولى، أسافـر في الكلمات كما أُسافرُ في كل الأرجاء والأمكنة، في سفر جميل ممتع لاينتهي…وكانَ آخر يوم لي بتطوان، قبلَ السفر مرة أُخرى إلى طنجة…وكنتُ أودُّ الاستمرارَ وألاَّ أكونَ تحتَ وصاية أحد…وأن يكونَ قلمي أنا، ولا يهم أي شيء بعد، أنصتُ لأنقح، ولم أكن أُريدُ تزكية من أحد..وأنأتمتع بحرية كاملة، وكذلكَ كان. 
²²²²²²²
 
لقد كانَت رواية «الحَجر والبِركة» للروائي المغربي عبد الرحيم جيران الرواية الثالثة بعد «عصا البيلياردو»، و«كرة الثلج»، وهي تعبر عن نقلة نوعية في التجربة الروائية للكاتب، رؤية وشكلا وأسلوبا، مع الحرصعلى تمثيل المبادئ الجمالية التي تكمن خلف روائية أعماله.
ويكاد موضوع الرواية يدور إجمالا حول الانفصام التاريخي للشخصية العربية، ويمثل لهذا الموضوع من خلال ممكنات السيرة الذاتية. ويكمن في الواجهة الخلفية للموضوع تمثيل التاريخ المغربي منذ 1950 حتى 2011، ويستهدف هذا التمثيل تاريخ العيش والحياة لا التاريخ السياسي؛ كما أن تمثيل حياة الشخصية الرئيسة لا يتم انطلاقا من التركيز على لحظاتها الخاصة، وإنما يتم بواسطة حكي الحياة من خلال حكي حيوات الآخرين، الذين شاطروا الشخصية أهم محطات الحياة. نقرأ من ظهر الغلاف: «فلم يكن من ملاذ سوى ما تبسطه أمامك كازابلانكا من أمكنة، هربت إليها ضاجّا من نفسك، قبل أيّ شيء آخر، لم تكن الألسنة حول أمّك هي التي تُطاردك هذه المرّة، بل شيءٌ آخر غامض، لا هيئةَ له، ولا ظلَّ، تستشعر وجوده، تلمسه في خفقة قلبك، وفي تردّد خطواتك، لكن لا تعرف ما هو، كنت تشعر- وأنت تذرع الشوارع، والساحات، والحدائق- أن المكان ليس هو المكان، كان يُنكرك، كان يتسلّل إلى عينيك مائعا، من غير أبعاد، أو صلابة، لا نستطيع القول إنّك كنت لا تحسّ بالانتماء إليه، وإنّما بالتوه، عدم الانتماء قريب من الغربة ينزع منك ألفة الأشياء، أمّا التوه فله خصلة أن يمنحك الشعور بالضياع في عالم تعرفه حقّ المعرفة..»،ومن الملاحظات المستعذبة أن لكل كتاب من كتبه نكهة خاصة وغير متوقعة بدءا من العناوين وانتهاء بمشارب الثقافة والفكر والفلسفة، وبقية الأجناس الأدبية، وهذا ما سيكتشفه المبحرون معه في كتبه المتميزة….
²²²²²²²
على أن الكاتب “عبد الرحيم جيران” لم يكن يحصر ممارسته الكتابية في مجال النقد فحسب، بل أنتج أيضا في مجال الإبداع بدءا من الشعر والقصة القصيرة والرواية… وهذا التعدد في التكوين والممارسة الإبداعية مكنه بشكل جليمن أن يُكوِّن خبرة كبيرة بالنصوص، فالناقد الذي يمارس الإبداع يكون أكثر قدرة على النفاذ إلى أسراره. كما أن المبدع الذي يكون على قدر من الإلمام بمشكلات النقد، يكون أكثر قدرة على الإنصات إلى روح العصر، لأنه يستطيع فهم تشكل الإبداع، وتكون ملامحه الكبرى، ومن ثمة يستطيع موضعة فعل الكتابة قياسا إلى التحولات الحادثة في هذا الصدد…كما أن ما يميز أيضا الكتابة هو هذا التنويع الجديد في الكتابة السردية عند الكاتب “عبد الرحيم جيران”، دليلا على رغبته الأكيدة في إثبات قدرته على تطويع السرد القصصي كي يستجيب إلى الأسئلة الفلسفية تجاه الوجود، وتعاطي العالم في التباساته. وهو في هذا يخلص لتوجهه العام في الكتابة، والذي يلح فيه على ضرورة إقامة الإبداع على المعرفة.وفقاً لما راكمه من تجربة مخصوصة في الرؤية إلى الذات والطبيعة والعالم. إنّ ما لفت انتباهي في هو ذلك الوعي الحادّ والمبكِّر بالعالم الذي كانت تكتبه الأنا بدون أن تسقط في شرك الإيديولوجيا التي كانت متفشّية بين أبناء جيله لدواعٍ سياسية واجتماعية، وهو بحق بداية تشكُّل وعي جماليٍّ جديد داخل تجربته الخاصة.
²²²²²²²
يبقى د”عبد الرحيم جيران”من المثقفين الأفداد والهامات الشوامخ، فهو ليس  كغيره من الكتاب، وإني كنتُ دوماً أعدهُ من طينة المرحوم محمد عابد الجابري والمفكر الكاتب عبد الله العروي أمد اللهُ في عمره…في البحث والاستمرار، وفي التوهج والفكر والمعرفة والثقافة، لما راكمه من تجارب..وكأنهُ يقولُ بلسان الحال فإني أنا الطائرُ المحكي، والآخَرُ الصدى…
 
²²²²²²²
     واليوم وفي لجة هذا الإبحار والسفر الممتع الرائق، لايفوتنافي هذه الفرصة المواتية، ونحنُ نحتفلُ بتتويج صديقنا الغالي بجائزة المغرب في مجال السرد، أن نشكر السيدة حرمه التي آمنت بعبقريته، وكانت سنداً قويا له، فباسمها نحيي جميع سيدات هذا الوطن على تضحياتهن، لنؤكد مرة أخرى على أن وراء كل عظيم امرأة عظيمة…وفي غمرة هذا التحليق التلقائي الجميل، فإني أُحيي لحظات من وحي فيض الخاطر، وأَصلُ وُداًّ عَزَّ نظيرهُ، مئنَّةَ برور وعرفان لأخ فاضل ما يزالُ يُحَافظُ على أناقة التحليق، حيثُ يُرَفرفُ عالياً، بأجنحة ذهب الثقافة والمعرفة الحقيقيين. فطوبى لنا بك.
 

محمد آيت علو.

نص ومسافة جديدة.

محطةُ الأسرار…

أيامنا كالشتاء القطبي:

ساعات الفرح فيها كالضياء خاطفة

و الفواجع كالليل لا تنتهي

للإشراقات أوقات

ما أسرع ركضها !

وللظلمات المواسيم المقيمة !

(جبرا إبراهيم جبرا)

ـ 1 ـ

…في ظل غياب المعنى، يفتح الباب، ويطل برأسه ثم يقفله بسرعة، وقبل أن يفتح الباب ثانية توقف برهة كمن فطن إلى أن الشارع يعوم في سراب ووهم دائم، وباشتباكات الضغينة والشرور والمآسي…، يفتح الباب أخيراً كأنه نسي شيئا، لكنه لايطل…ويقفل الباب، لم يكن يعلم بأن شيئا قد انصرف من أمام بابه يحاول جاهداً اختلاس النظرات…!

ـ 2 ـ

          الغائبونَ تحتَ التُّرابِ أكثرُ حضوراً منَّا، وقد مَضَواْ فوقَ أَجْنِحَةِ الرَّحيلِ، كشواهدالقُبورِكانَ غِيَّابهُم، أُوَدِّعُهُم رغماً عَنِّي، ويمضون إلى حيثُ تستريحُ أرواحُهُم..، وجوهُهمُ المُشرِقَةُ كما لَوْ كانَ موتهُم اختيارُهم، كانوا نجوماً في الظُّلْمَةِ، ترَكُوا السَّاحَة مَلآ بالحُضورِ الزائفِ وغابُوا بشيءٍ يُشْبِهُ الفَقْدَ…لكن ذكراهُم ستظَلُّ مَوْشُومةً مُشِعَّةً في القلبِ، فلقد عاشُوا للخيرِ والحُبِّ والعطاءِ، وسيلهجُ ويَنْبُضُ القلبُ بذكرِهِم، قلوبهُمُ النابضة بالصِّدْقِ والإشْرَاقِ وحُبِّ النَّاسِ لن تتوقَّفَ، وستدقُّ دقاتٍ عديدةٍ إلى آخرِ العُمْرِ…! رحالة تركَ خلفَهُ أكبر الأثر!!

ـ 3 ـ

          كانَ ذلكَ آخِرَ يومٍ له بيننا هُنا، ورقةٌ أخرى تُطْوَى إلى الأبَد، لم يُسْعِدْهُ أحدٌ حتى الوداعَ الأخيرَ، حدَّ الرَّمق، رمق النهاية، لم يبقَ لي غير ذكراه الجميلة، صورتُه الوحيدَةُ على الجدار، لا أحدَ يشعرُ بكآبَتِها، عيناهُ تحدِّقانِ في، وكأنَّ رُوحَهُ تتلبسُ بي…ترتِّلُ أشواقَهَا في ثُقوبِ الشَّبابيك… وكأنَّ واحدنا يشبِهُ الآخرَ، لم يكن يحبُّ الصُّعودَ إلى القِمَمِ أو الإبحارِ، لكنَّهُ كان يحِبُّ البحرَ ويسيرُ قريباً منهُ، وَيتبعُ الغُروبَ إلى أقصى نُقطَةٍ، لكن كل ما فَخِرَ بهِ فيما مضى صارَ مجرَّدَ تخاريف، وعبثاً حاولَ الخروجَ، عبثاً حاولَ تَضْميدَ الجراحِ، لكن الريَّاحَ تأتي على غيرِ اشتهاء…

لم يكن ينامُ كثيراً في آخر أيامِهِ، كان يتَّكِؤ بحذائهِ المثقوبَ وكان دوماً على أُهبَةِ الاستعدادِ، لأنَّهُ كان يحلمُ بالحبِّ والسَّفرِ البعيدِ …

ـ 4 ـ

…لحظة أن لمح الإشارة، وهرول إلى باب الخروج لكن كان عليه بداية و قبل كل شيء، أن يحمل النهار وأجزاء الليل على كاهله مبتعدا، كي يجد الوقت الكافي ليبكي ذاته، فممكن الأمس القريب يغوص في المحال، وحده! لم يكن وحده واقفا في التقاطع بين الخروج لملاقاة هذا المساء، أو العودة إلى غرفته، ولم يستطع ذلك!؟

ـ 5 ـ

      هذانِ دَربانِ، الأوَّلُ يأخُذُني للبحرِ، والثاني يأخذُني للمَقْبرَةِ…فأَرْنُو إلى القبورِ، أستنفرُ خُطايَ، أفكر في النهاية، أحتاطُ من المجهولِ، أُنْصِتُ لنداءِ الغيبِ، البحرُ زاخرٌ بصنوفِ الحياةِ، يمنحُ الكائنَ أسرارَ الدَّهْرِ المنسابةِ كالأمواجِ في مدِّها وجَزْرِها، أشرعة بيضاء تنشرُ امتداداً من الحياةِ الذَّاهِبَةِ الفانيةِ، والقبرُ مليئٌ بحياةٍ أبديةٍ حقيقيةٍ خاليةٍ من الزَّيْفِ، حياة طاهرة صامتة لكنهاكاشفة، هُنا جواب واعضٌ يقينِيٌّ عن كل أسئلتي وحَيْرَتِي…

ـ 6 ـ

…وأرى ما لايُرى، فهأنذَا أطوفُ ما أطوفُ، لكن حتماً سَتَسْرَحُ بي قدمايَ رغماً عَني حيثُ تريدُ…أعتمِرُ قُبَّعَتي ثم أُصَوِّبُ خُطايَ من نُقْطةٍ ما ثم تنطلقُ الخطواتُ…، تتساقطُ اتِّباعاً في مَهَبِّ ما لايُدْرَكُ، والقلبُ يَنْخَلِعُ من مكانهِ، يتهَلَّلُ للوداعِ، قد تهدينا الخُطُواتُ إلى ما قد وُجِدَ بهما، قد أركضُ وأَجْتَرُّ حرَّ الآهِ…! ثم أنبِشُ عن مُسْتَقَرٍّ يمسحُ ما في القلبِ من كَمَدٍ، مستقر أُسائِلُ فيه عن حرفِ البَدْءِ وحرفِ الختمِ، فأطلبُ مدداً…، غير أنَّ خُطوةً واحدةً خاطئةً قد ترميني في الهُوَّةِ السَّحيقَةِ، لكن حَسْبِي الإحْتِمَاءُ بالحذرِ إن نفَعْ، أُقَدِّمُ رِجْلاً ويُؤَخِّرُ أُخْرَى، كمَنْ لايَنْوِي الوُصُول….

ـ 7 ـ

     بيتي كان يقبعُ وسطَ الدَّارِ الكبيرةِ، والدارُ الكبيرةُ تقعُ قُرْبَ السَّاحةِ الملقَّبَةِ بساحةِ الشُّهداءِ…، والسَّاحةُ تمتَدُّ قُربَ الغابةِ الوارفَةِ الظِّلالِ تمتَدُّ مسافةً يسيرةً منَ البحرِ…، والبحرُ يقبَعُ هناكَ وبينهُ وبينَ الدارِ الكبيرةِ مقبرَتُنا، هُنا يرقُدُ الآباءُ والأجدادُ…هُنا مُستَرْوَحُ العائلةِ، محطَّتُنا الأخِيرَة.

ـ 8 ـ

…          حتما لم يتغير شيء حتى الآن، ولن يتغير…ثم ماذا عساه أن يفعل …؟!وكأن الأبواب سدت كلها…! وما عادت هناك طريق…ماذا يفعل الآن سوى أن يتناسخ،أن يتنادى وأشخاصه الآخرين بين يقظتهم والسبات، الصدى يطول، والفراغ يتناسل، وكل أماني البارحة أصبح مستحيلا، لاشيء منها تحقق، لاشيء…، لا شيء غير الوهم والموت في الظلام.

يرى ما لايُرى، ها هو ذَا يَطوفُ ما يَطوفُ، لكن حتماً سَتَسْرَحُ به قدماهُ رغماً عَنهُ حيثُ تريدُ…يَعتمرُ قُبَّعَتَهُ ثم يُصَوِّبُ خُطاهُ من نُقْطةٍ ما ثم تنطلقُ الخطواتُ…، تتساقطُ اتِّباعاً في مَهَبِّ ما لايُدْرَكُ، يفتح يداه لكل صدفة أومفاجأةأوحظ، لاشيء يذكر، لكأن التطهيرالحقيقي أعطى الفرصة لكل ما يجري من حوله، وكي يطارده إلى أبعد نقطة، ولربما يطارده إلى نهاية الخط المقوس من الدنيا…

هو الذي اختار دربه، وإن شئت قلت دربه هو الذي اختاره، لم يختر البحر الذي عشقه، لحظة أن لمح الإشارة، وهرول إلى باب…

ـ 9 ـ

بيته كما أسلفنا يقبعُ وسطَ الدَّارِ الكبيرةِ قُرْبَ السَّاحةِ الملقَّبَةِ بساحةِ الشُّهداءِ…حيثالغابةُالوارفَةُ الظِّلالِ تمتَدُّ مسافةً يسيرةً منَ البحرِ القابع هناكَ بجوار المقبرة…مُستَرْوَحُ العائلةِ، المحطة الأخِيرَة.

محطة أسرار الدَّهْرِ المنسابةِ كالأمواجِ في مدِّها وجَزْرِها، أشرعة بيضاء تنشرُ امتداداً من الحياةِ الذَّاهِبَةِ الفانيةِ، والحنينُ يطفو، وتغزو الذكرياتُ وُشوما عن الغائبينَ تحتَ التُّرابِ…وقد مَضَواْ فوقَ أَجْنِحَةِ الرَّحيلِ، كشواهد القُبورِكانَ غِيَّابهُم، يُوَدِّعُهُم رغماً عَنهُ، وقد مضون إلى حيثُ تستريحُ أرواحُهُم..، وجوهُهمُ المُشرِقَةُ كما لَوْ كانَ موتهُم اختيارُهم، كانوا نجوماً في الظُّلْمَةِ، ترَكُوا السَّاحَة مَلآ بالحُضورِ الزائفِ وغابُوا بشيءٍ يُشْبِهُ الفَقْدَ…لكن ذكراهُم ستظَلُّ مَوْشُومةً مُشِعَّةً في القلبِ، وقد مَضَواْ فوقَ أَجْنِحَةِ الرَّحيلِ…

ـ 10 ـ

أجل، لقد غابُوا بشيءٍ يُشْبِهُ الفَقْدَ…لكن ذكراهُم ستظَلُّ مَوْشُومةً مُشِعَّةً في القلبِ، فمن بين ما أتذ كر من دُرَرهم  وحكمهم وبمزيج من العشق والشوق، ما ذكره لي ذات يوم أبي ناصحا” لو علمت السرعة التي سينساك بها الناس بعد موتك يا بني…فلن تعيشَ لإرضاء أحد سوى الله”.

منذُ ذلك اليوم، وأنا أدعو لوالدي أن يتغمدَهُ الله برحمته، ولم ولن أنساه ماحييتُ.

محمد آيت علو.

وقفة قادتني للبحث.

ضوء من فضاءات الرؤيا.

لا أحد ينكر بأن النقد اليوم جعل من مفهوم الإبداع ورشا معرفيا وجماليا للتحديد والتحليل والتفسير والتأويل…كما أن هناك نقدا كبيرا مواكبا للأعمال الابداعية، ولاسيما جنس الرواية في وطننا العربي، وذلك بحكم المسابقات والجوائز المتعددة والمغرية اليوم، وكذا انصراف أغلب الأقلام إلى هذا الجنس الإبداعي بالتحديد، المتميز والشديد التعقيد مثلما الواقع، والقريب من حياة الناس، وبالتالي ظهور مواهب وأسماء عديدة ومهمة جدا اليوم في الساحة، وبزوغ أسماء جديدة على الرغم من كونها تبدو غير معروفة، والتي أخذت تشق دربها وتفرض نفسها بقوة …ولن نهتم الآن بمعضلة الكم أو الكيف، فإن ذلك في اعتقادنا المتواضع يبدو مؤقتا، لأن الكم سيشكل منضدة قوية ثرية للحسم في نهاية الأمر، وسيسمح بظهور إنتاج نوعي مميز، فضلا عن كونه شهادات غنية على ملامح العصر من زوايا عديدة وخلفيات متنوعة ثقافيا واجتماعيا، وهي شهادات ووثائق معتبرة في نهاية المطاف…ولن نهتم كما جرت العادة بتسليط الضوء على ماله علاقة بالغثاثات انسجاما مع ما يمليه المشهد، والخوض في الشكل والجوهر، وتلك هي الحقيقة الواقعية التي تمليها ثقافة الاستهلاك… ومن زاوية أخرى لم يعد ثمة الحديث ممكنا اليوم عن كون النقد العربي واهن،أو القول بأنه خافت، في ظل التقدم المعرفي الهائل،بل أصبح مؤثرا في تحولات المشهد الإبداعي والثقافي بشكل عام، من خلال التصويب والتقييم وطرح الاشكاليات والتوضيح…والتغيير والبناء الفاعل وبرصد فرشاة جمال متابعة نحو الارتقاء والسمو والتنقيح والتجدد والحياة…

كما تجدرُ الإشارةُ إلى أن محنة الكاتب العربي اليوم هي أنهُ مُطالب بتطوير تقنيته وموضوعه أكثر من أي وقت مضى، إنه مزاحمٌ من الكتاب الغربيين في الأصل وفي الترجمة التي تخطت كثيرا مرحلة الاقتباس والتشويه والتعريب…الوعي بالزمان والمكان والحدث لايكفي، الشرط الإنساني المطلوب في أي عمل أدبي، صحيح أنه من مهمة الكاتب، لكننا سنوافقه أو لانوافقه على ما يختاره لنا، ملزمٌ عليه أن يخترعَ شرطهُ الأدبي، أن يتجاوز المسافات، واللحظاتوالأحداث التي من كثرة ما اعتدناها أفقدتنا الإحساس بها، لكن هذا لايعني أننا نلزمه بأن يتنبأ لنا بانفجار الأحداث كما لو كان تنبؤه قنبلة موقوتة، يكفيه أن يستشف بوادر الكارثة…لانطالبه بأن يصطنعَ لنا ما لايتصلُ بالواقع الإنساني. لابد من وجود مدرَك ذاتيا وموضوعيا…فالعدم لاينتج إلا العدم كما يقولُ “سبينوزا”…

في هذا السياق وأنا أتابع المشهد هنا وهناك، لعلي أظفر أو أقَعُ على قطعة أدبية وفنية تشق عباءة المألوف، وتصطنعُ في اندهاشا وتشويقا وجمالا وروعة…أوتصيبني في مقتل، إما بخرق المألوفأوبخيالجامح أو امتلاك رؤية فكرية أوفلسفية للواقع والعالم وغير منتظرة…،حتى وجدتني أمام نصوص معتبرة ومتميزة لكتاب عرب ومغاربة، وأنا أعرفُ الكثير منهم، وأدركُ براعتهم واشتغالهم بشيء من الأناة والجدة والتميز والتجديد الواعي والتمكن من التقنيات والآليات…، وبالمقابل وجدتُ من يواكبُ بعضها ويحاصرها بأسئلة تحاور مسألة التجنيس السردي، وإن كانت بعضها تُعلن منذ البداية بكونها قصص قصيرة تنطلق من الخيال…لكنها لا تولي أهمية لبناء الحكاية أوالحبكةوالعقدة والحل. ووجدتُمن يعتبرها حالات سردية، تجتهد لتقولُ رؤية الكاتب تجاه العالم الذي يحيطُ به..وهيحالة داعبت تفكيري كثيرا من حالات شتى، ضمن مقولات وموضوعات وعبارات تتعالق فيما بينها، مما جعلني أتوقف واستدعي مثيلاتها…، وأناأبحث وأجرب في مجال الإبداع القصصي والروائي، لكن بشيء من الأناة والدراسة والفحص والعمق، دون تجاوز أو تجني مع الحفاظ على قواعد التأصيل الإبداعي، وإن اتسم ذلك بشيء من المغامرة والتجريد والتجريب…، ذلك أن أحد الأساتذة الكبار في مجال النقد الروائي ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله:” إن الكتاب العرب اليوم، وعلى الرغم من هذا الزخم الكمي في الكتابة الروائية، وكثرة الاحتفاء…وحجم ما نراه من حيث الانتاجات، إلا أننا لانكاد نظفر أو نعثر على كتابة أصيلة، تُضاهي ما ينتج في أمريكا اللاتينية على سبيل المثال…وعلى أن الإبداع لايمكن أن يتكامل إلا بعد أن يتخلص من أكبر قوة تشده إلى الخلف، وبشيء من التمرد أحيانا على ما هو جاهز، والتخلص من بعض الأعباء والقيود، وجعل المعطيات الحضارية الحديثة تمس الإنسان عالميا…فضلا عن الاقتباسات والترجمات والتي تصلُ أحيانا حد السرقات للأعمال الغربية، والذي اتضح بشكل جلي الآنإلا لماما، أمام التقدم التكنولوجي الهائل…،ثم أضاف:ويتضح أيضا بأن كتابنا العرب يفتقدون الجرأة والتخييل في كتاباتهم، علاوة على ضبابية امتلاكهم رؤية للعالم في المستوى الذي تمسنا به معظم الحضارات الغربية الحديثة، وهو إجراءٌ في غاية الأهمية…ومن لايعيه أو يمتلكهُ أويضعهُ في الحسبان لا يُعد مبدعا، فهنا قد تتشكل الإضافاتُ أحيانا…وواصلتُ المغامرَةَ فاستدعى مني ذلك أن أبحث في عبارة ” رؤية للعالم” أو كما يعبر عنه بمفهوم “رؤيا للعالم” بعدما  أن استلهم مني المفهوم أن أصلَ إلى ما يمكن أن يقع ويحدث فيما يشبه بتداعي المعاني، ووجدتُ بأن جُل المواقف والآراء تكادُ تُجمعُ بأنه أصبح من اللازم اللازب جدا اليوم، بل صار من البديهيات أن يمتلك كل مفكر أو مثقفأو مبدع أصيل، نظرة شاملة إلى واقعه، وبيئته ومجتمعه وعلاقاته الداخلية، وحركية تطوره، ومنطلقاته الايديولوجية، ونظرته الفلسفية ورؤيته الفكرية والمستقبلية، وأن يمتلك رؤيته من خلال ذلك العالم…وهذا سواء كان مرتبطا بحزب سياسي معين، أو جماعة فكرية لاتربط بينهما مبادئ أوقيم أيديولوجية، أوتياراتونزعات فلسفية وسياسية  أومواقف محددة…

ويشكل مفهوم الرؤية للعالم الينبوع والأساس والمرتكز المتجذر للكثير من المفكرين والروائيين والمبدعين والكتاب، وهو مفهوم ليس من إبداع أحد، على الرغم من ربطه ببعض رواد النزعة البنيوية ولا من إبداع الفكر المادي الجدلي، كما رأى البعض، وقد كان استخداما يتسم بالعمومية…لكن الفضل في استعماله استعمالا دقيقا حسب بعض المنظرين مثل”كولدمان”، حتى أصبح جهازا للعمل في الدرجة الأولى، يرجعُ إلى”*ج.لوكاتش”حيث تبناه كمفهوم في العديد من الروايات…وقد استلهم منها “*غولدمان”بعض مكونات منهجه…وقد صار لهذا المفهوم مركزية أساسية في مقاربة وتحليل الأعمال الفلسفية الهامة والأدبية وبخاصة الروائية…

إن الرؤيا تتدخل في بناء النص الأدبي من خلال الموقع الذي يرتضيه الأديب لنفسه، والرؤيا التي يرغب في التعبير عنها. وقد يعبر الروائي في تجربته الفنية عن رؤيا شاملة أو جزئية، ولكن ليس من المحتم أن يفعل ذلك لتباين الروائيين في الزاد الفكري وفي التجربة الجمالية نفسها، ويتجلى اختلافهم في أن كلا منهم يتخذ موقعاً وراوياً أو رواة ليجسد رؤياه، وتحديد الموقع والراوي/ السارد أي تحديد بناء النص يتم انطلاقاً من الرؤيا…

من خلال ما تقدم نلاحظ أن مفهوم كل من الرؤيا، ورؤيا العالم، وعلى الرغم من وجود خلافات بسيطة حولها، إلا أنها تتفق جميعاً في كونها تعني رؤيا الإنسان ونظرته الشاملة للكون والطبيعة والحياة والمجتمع. وتختلف هذه الرؤيا من مكان إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر ومن إنسان إلى آخر.

ومن جهة ثانية يمتلك المبدع ملكة النقد، وهي التي تحدد ماهيته، وتجعل منه مثقفا. لنقل إنه يمتلك رؤية نقدية للعالم، ولا يكفّ عن إعمال هذه الرؤية تجاه مختلف الأفكار والنصوص والطروحات. ولا يسمى المثقف مثقفا ما لم يصل المثقف إلى مرحلة النقد الذاتي، ونقد هذا النقد الذاتي نفسه، في عملية لا تنتهي، لأنه متى توقف النقد توقف العقل، هذا الأخير والذي هو المسؤولُ عن هذه الرؤى في الاستلهام عبر التأمل واستحضار التجارب والتاريخ، ومختلف الحالات عبر الاستنباط والاسقراء وهلم جرا… لأن “النقد”واستبصار الرؤى منهجٌ في التفكير والحياة.

إلا أن هذا النقد وهذه الرؤيا مرتبطة بالنقد وبالرؤيا الجماعية، وبظروفها المحددة زماناً ومكاناً، وبالمجتمع الذي يعيش فيه الإنسان. وينعكس هذا الفهم النظري في الأدب عامة، وفي الرواية خاصة، إذ تمثل الرواية أيضاً رؤيا للكون والطبيعة والحياة من وجهة نظر مبدعها، رؤيا للعالم الذي تصوره أو تدعو إليه وهذا ما يفسر التباين والاختلاف بين الأعمال الروائية إذ تصدر كل رواية عن رؤيا خاصة بمؤلفها وتتأثر هذه الرؤيا للعالم .بموقع الكاتب في المجتمع وبفهمه للعالم وباعتقاده الذي يؤمن به، ولهذا تتعدى الرؤى…

ويرى “غارودي” أن المبدع لا يعيد تجسيد العالم، بل يخلق عالماً جديداً وواقعاً آخر له قوانين اصطناع جديدة، فالعمل الفني مدعو إلى عكس العالم بدرجة أقل من كونه مدعواً إلى اصطناع عالم آخر جديد.

 إن الانعكاس الواقعي ليس تقليداً بسيطاً للواقع ولكنه فعل خلاّق يقوم به المبدع. إن وسيلة التصوير هي وسيلة لبلوغ هدف تحقيق الوحدة في إطار التصوير الفني بين الواقع وموقف المبدع أو الروائي أوالكاتب الخلاق منه، على نحو يجعل القارئ يحس المتعة لمشاركته الفعالة فيه.

إن مفهوم التصوير يعني تصوير الواقع والإنسان والعالم الذي يعيش فيه من خلال رؤيا محددة لهذا العالم تصويراً فنياً، ولا يعني التصوير الانعكاس الآلي كما يحدث في المرآة. وبهذا يقوم التصوير بمهمة التعبير عن رؤيا العالم في العمل الفني الإبداعي، ونخص الرواية بالذكر وهي المفهوم الأخير الذي يحتاج إلى تحديد والذي تجتمع فيه العناصر السابقة جميعها أي الرؤيا والعالم والتصوير.

ويجسد الأدب كل جوانب الحياة الروحية للإنسان في تداخلها وترابطها الطبيعي، وعملية تشكيل الرؤيا الأدبية الفنية عملية معقدة، لا تقف عند الانتقاء لما قد يكونُ أيديولوجي مثلا، والتقييم والإدراك العقليين، فهي تتضمن أيضاً الحدس والخيال والانفعال والدوافع اللاشعورية. فكل كيان المبدع الروحي ينهمك في عملية الاصطناع، وخيال المبدع هو القوة الخلاقة التي ترتب المواد الأولية وتشكلها في كل موحد، وتعطيها الشكل الذي ينظم تيار الانطباعات المتباينة. ولا يؤكد الأديب رؤياه بالفكر وحده، وإنما بكل حواسه، فالتفكير المبدع، وفقاً لمعايير علم الجمال، لا ينفصل عن الإدراك الانفعالي. وليست الرؤيا الفنية شيئاً ذاتياً لا يرتبط إلا بالمواقف الشخصية للمبدع تجاه مواده وذوقه الشخصي، وإنما هناك أيضاً مقدمات موضوعية اجتماعية تحدد الرؤيا الفنية للواقع، وقد يوجد تناقض بين الصدق الفني، ووجهة نظر المبدع داخل الأعمال الأدبية، ويمكننا التفريق بين الرؤيا الفردية والرؤيا الاجتماعية فالأولى تبع للثانية، وقد تكون مطورة لها أو ناقدة. والرؤيا عند المبدع جزء من الوعي الجماعي للمجتمع والتاريخ، وهي محكومة به، ولا يمكنها التخلص منه، ولعل هذه الرؤيا المشتركة هي ما يربط بين الفنان المبدع والمتلقي، وفي حال انفصام الرؤيا الفردية عن الرؤيا الجماعية فإن التواصل بين المبدع

والمتلقي يصبح مهدوماً. والرؤيا “تجربة مع المستقبل من خلال الواقع عن طريق الذات المبدعة…،ومن علامات هذه التجربة الوعي، بمعنى أنها ينبغي أن تكون على دراية كافية، وعميقة لما هو ذاتي وموضوعي، وأن تكون على وعي تام بالقوانين، التي تحكم تطور الشخصية الفردية والقوانين التي تحكم تطور المجتمعات والعلاقات الإنسانية. ومن علاماتها أيضاً النضج الذي يحدده طول تجربة المبدع… والرؤيا تتجه إلى المستقبل من خلال الواقع. وكل رؤيا لا تتجاوز الواقع تظل رؤية محكومة بسيطرة الحواس، وتفقد دورها الأساسي في العطاء”. فالرؤية هي المرجعية الأولى التي تتشكل منها الرؤيا للعالم…

تظل الرواية جنسا أدبيا يعبرُ عن البيئة التي ينتمي إليها، ويرتبط هذا الجنسُ ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع، ويقوم بتصويره من خلال رؤيا محددة وشاملة، يتخذها الراوي تجاه الكون والحياة والمجتمع والعالم؛ وهي تعتمد على الخيال، لأن الخيال يستمد عناصره من الواقع. وهذا يعني أن الرواية ينبغي أن تكون معبرة عن البيئة أو المجتمع الذي ينتمي إليه الأديب، وهذا يفترض أصالة الرواية وما يجب أن تكون عليه الرواية في الواقع، لأن المصطلحات السابقة والتي تحدد الأسس التي تقوم عليها الرواية، وتنطلق في بنائها منها تجعل من كل رواية رواية أصيلة. وإذا كانت الرواية الغربية قد استطاعت أن تحقق هذا الشرط فإنها جاءت معبرة عن المجتمع الغربي وتطوراته، مثبتة بذلك أصالتها؛ فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لمَ لمْتَستَطعْ هذه الرواية العربية فعل ذلك؟ إن الإجابة عن هذا السؤال في اعتقادنا المُتواضع من شأنه أن يضعَ هذه الرواية على السكة والمسار الصحيح للتأصيل بدلَ التغريب…وهذا يحتاج إلىفحص ودراسة معمقة…

المراجع والمصادر المعتمدة

-لوكاتش، جورج، 1971- معنى الواقعية المعاصرة، تر: أمين العيوطي، دار المعارف، مصر.

-غولدمان، لوسيان، 1981- المنهجية في علم الاجتماع الأدبي، تر: مصطفى السباعي، ط1، دار الحداثة، بيروت.

-فتحي، إبراهيم، 1986- معجم المصطلحات الأدبية، المؤسسة العربية للناشرين المتحدين، صفاقس، تونس.

-فضل، صلاح، 1992- علم الأسلوب، مبادئه وإجراءاته، مؤسسة مختار دار عالم المعرفة، القاهرة.

-وهبة، مجدي- المهندس كامل، 1979- معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، مكتبة لبنان، بيروت.

شعر

نسبق مرايتي / زجل عبد العالي الوالي ـــ المغرب

ـــــ 1 ــــــ

نرسم وجهي كل صباح

نسبق مرايتي

للبسمة .

ــــ 2 ــــ

كي نفيق من نعاسي

نتبسم

نكون مليح

بحال شي حلم زوين

كي نخرج من راسي لشي قوم

يطير نعاسي .

ــــ 3 ــــ

شي نهار وانا ماشي مني ليا

كلت نحسب الخطوات على قياسي

لقيت باسي طويل

مزال راني نمشي

كاع ما وصلت لراسي .

ـــ 4 ــــ

خرجت بكري للقصيدة

لقيت التحواس كثير

وشي خبار ما كان في راسي

كلت نكتب ما كاين باس

درت الكاس قدامي

وشفايفك باش عمّرت الراس

ــــ 5 ـــــ

حجاية المسكين لهّاية

شربوه كلمة في بداية العمر

شرا بها السكات لقرايتو

صبر .. صبر.. صبر

ملي فاق لق شوية من العمر

اللي باقي

صرفو هضرة .

إصدارات

“ظِلّ متحجر لطائر لا يهدأ” لعبدالرازق بوكبّة.. قصص قصيرة كثيرًا تعاين فكرة الوجود فلسفيًا

عمّان-

تترك قراءة المجموعة القصصية للقاص عبد الرزاق بوكبّة والتي تحمل عنوان “ظِلّ متحجر لطائر لا يهدأ” سؤالاً هو، هل يمكن أن تغوص القصة القصيرة جدا في حقل الفلسفة.

لا تتأخر الإجابة كثيرا حينما نعلم أن المساحة التي توفرها القصة القصيرة جدا، أو كما أسماها القاص “القصة القصيرة كثيرا”، تقوم على مثلث الكثافة والاختزال والصورة كأضلاع متساوية لتقديم النص الخالص المصفى، بمعنى النص الذي يتخفف من الثرثرة والزوائد والإطالة، كسمات وخصائص تجوهر النص.

وهذا واحد من الجوانب الشكلية الذي يحوزه النص ويسعى له الكاتب بإدراك عميق لمفهوم القصة القصيرة جدا ومراميها بوصفها مقولة جدلية لا تتوقف عند التصوير والوصف، وإنما تعاين أفكارا طالما أنكرتها القصة لمصلحة الصورة واللغة.

في المجموعة التي تقع في 88 صفحة من القطع الوسط، الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمان، صورة ذهنية تنبش المسكوت عنه لمقارعة أسئلة الفلسفة ذاتها لملامستها بشعرية عذبة تنزع عن الفلسفة ثقلها وتجهمها ووعورتها، وتصيّرها حدثاً يومياً متداولاً بحنكة القاص، وأحياناً باحتيالاته باللعب على اللغة التي ظهرت في مفارقة العنوان، ووصفه للمجموعة بأنها “قصة قصيرة كثيرا” .

إن تلك الفلسفة تتجلى في اختيار عناوين القصص التي جاءت كعتبات مفردة، معرّفة كذوات متعينة بقصد، لتدل على بنية النص وتفاصيله ومغزاه بلا مواربة. ويختار القاص عناوين، مثل: “المفكر، الشاعر، السائح، الكوني، الصوفي، الكاتب، الفلكي،.. “، وهي أسماء وصفات تحيل للمعنى المباشر للبطاقة التعريفية لبطل القصة التي تحرض المتلقي على معرفة التفاصيل، فالعنوان هنا يمثل شركا وفخا للدخول إلى القصة.

ويقول الناقد عبدالله المتقي: إن هذا النمط من الكتابة “يؤثر في المتلقي أكثر مما يؤثر في السامع، لأن الإيحاء المقصود هو أسلوب استفزاز بنمط الكتابة كما في الفنون البصرية”.

ويقول المتقي: هذه المجموعة “تشن حربا عن قصد على الذات والواقع، لتحكي لنا عن الواقع الساخن وأجوائه، حيث تتفاعل ثيمات كبرى وحساسة.. في أعماق الذات والخارج”.

في قصص بوكبّة رغم صِغَر مساحة القصة وحجمها وعدد كلماتها انفتاح على القضايا الكبرى والكون كما يتراءى في متخيل أبطالها وإيماءاتهم وأسئلتهم وصمتهم أحيانا، وهي إشارات يقولها القاص برشاقة الومضة وقصف الرعد وشعاع البرق الذي يضيء ما حول الإنسان فيرى المشاهد كحركة سينمائية لشريط فيلم يمضي بسرعة.

ومن أجواء المجموعة:

“المستقبلي”:

تسلق قامته حافيًا

وحين بلغَ مخّه، أداسَ على خلايا الحنين.

ومن “الكوني”:

ذَرَعَ المدينة نائمًا، وهو يحلم بأن يذرَعَها صاحيًا، كي يقارنَ بين وشم جدّته، وزرقة البحر

ثم يقيم في الاختلاف.

يشار إلى أن المؤلف صدر له: «من دسّ خُفَّ سيبويه في الرّمل؟»، نصوص، ط2، 2011، «أجنحة لمزاج الذئب الأبيض، وتليها فصول الجبّة»، نصوص، 2008، «جلدة الظل: من قال للشمعة أف؟»، رواية، 2009، «عطش الساقية: تأمّلات عابرة للقار»، رحلات في المكان والإنسان، 2010، «نيوتن يصعد إلى التفاحة»، تأمّلات في المشهد الثقافي الجزائري، 2012، «ندبة الهلالي: من قال للشمعة أحْ؟» رواية، 2013. «يبلّل ريق الما»، تجربة زجلية، 2013، «الثلجنار»، تجربة زجلية مشتركة مع عادل لطفي، المغرب، 2014، «وحم أعلى المزاج»، سيرة نصّ قبل الكتابة، 2015، «كفن للموت» قصص، 2015، «يدان لثلاث بنات» سيرة، 2017، «ظلّك فليل الغابة شجرة»، تجربة زجلية، 2018.

حوارات

عصام سامي :ليس هناك تناقض أو صراع بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة/حوارالدكتور يوسف عوني

* ليس هناك تناقض أو صراع بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة..

*أثق في انتصار الربيع العربي ..

الشاعر المصري عصام سامي ناجي الذي يمضي بخطوات ثابتة وواثقة في الوسط الأدبي مسلحا بقدرته علي الإبداع والتميز خريج كلية الآداب جامعة عين شمس بالقاهرة نشر الكثير من القصائد والمقالات والقصص القصيرة في صحف مصرية وعربية ودولية ومواقع الكترونية ، صدرت له عدة إصدارات أدبيه و دواوين شعرية عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر وعدد أخر من الهيئات الآدابية.

ـــــ حدثنا عن النشأة وبدايتك في عالم الكتابة ؟

الميلاد كان في مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية ثم انتقلت بعد ذلك للإقامة في مركز بدر بنفس المحافظة مع الأسرة وكان ذلك في سن مبكرة وأتممت مراحل التعليم الأساسي بمحافظة البحيرة ثم التحقت بكلية الآداب وبالتحديد قسم التاريخ بجامعة عين شمس بالقاهرة . أما بدايات دخولي عالم الكتابة ، فانا منذ تكون وعيي ونعومة أظافري أحب اللغة العربية وكان هذا الحب هو الدافع للدخول إلى دنيا الكتابة وعالم الأدب وكانت البداية في مجال القصة القصيرة و أدب الأطفال ، ثم انتقلت بعد ذلك إلي عالم الشعر الثري الذى جذبني إليه بقوه .

ـــــ المتابع لتجربتك الشعرية سيلاحظ انحيازك إلي الربيع العربي فما سر هذا الانحياز ؟

هذا الانحياز ناتج عن كوني أحد أبناء الربيع العربي الذى أمن به ومازال يراهن على انتصاره برغم محاولات الثورات المضادة في الأقطار التي أزهر فيها الربيع العربي تحجيمه والحد من سيطرته ، لقد عملوا شعراء وكتاب الانتماء والمقاومة وانأ واحد منهم عملوا علي كسر حاجز الخوف لدي شعوبنا العربية ،وأثمر هذا المجهود عن بزوغ شمس الحرية في تونس ثم في مصر التي تأمر عليها المتآمرون ، ثم في سوريا جرحنا النازف واليمن السعيد الذي تحاول قوى الشر تمزيقه ، وليبيا الصامدة في وجه المؤامرة ، ثم جاءت الموجة الثانية من الربيع العربي في الجزائر العزيزة والسودان .

ــــ ما الدافع للكتابة لديك؟

الدافع لكتابة متغير بصفة مستمرة ، ولكن أهم دافع هو أن يكون لما أكتب تأثير في المجتمع وأن يثمر مجهودي أنا وغيري من الكتاب عن زيادة حالة الوعي الموجودة ولا نكون أشبه بالمؤذنين في مالطة كما يقولون .

ـــــ ما هي الرسالة التي تحب أن تواجهها للشعراء وخصوصا أبناء جيلك ؟

الرسالة التي أوجهها للشعراء هي أن يتبنوا قضايا أوطانهم وأمتهم ، وأن لا يبحثوا عن الشهرة وفي سبيل تلك الشهرة يرتمون في أحضان السلطة ويتخلوا عن الحق الذي بات أوضح من الشمس في كبد السماء ، أقول هذا حتي لا يبرر البعض انحيازه الخاطئ بأن الأمر أختلط عليه ، أما الرسالة التي أوجهها للشعراء الشباب فهي إن يهتموا بتطوير مشاريعهم الأدبية ولا يستسلموا للأحباطات الحياتية التي تعرقل مسيرتهم بين الحين والأخر .

ـــــ أيهما تفضل القصيدة العمودية أم قصيدة التفعيلة ؟

أنا أكتب الشعر العمودي والتفعيلة ولا أرى أن هناك أي تناقض أو صراع بينهما ولكن قصيدة التفعيلة تعطيني مساحة للتحرك وإبراز فلسفتي ورؤيتي الحياتية وبالتالي جزء كبير من إنتاجي الأدبي من شعر التفعيلة وأن كان هناك موضوعات تتطلب في كتابتها إلي الشعر العمودي .

ــــ هل التجارب مهمة للشاعر ؟

نعم التجارب الحياتية مهمة للشاعر فاصدق شعر هو شعر التجربة ، ومن مر بحالة أو ظرف معين هو اقدر من يعبر عنه ، وأن كان من جهة أخري الشاعر المتميز قادر عن التعبير عن أي حالة .

ــــــ حدثنا عن علاقتك بالنقد ؟

المشكلة أن هناك أراء نقدية متناقضة ، فمثلا عندما يكتب أحد الشعراء نصا نجد ناقدا يقول وهو يبرز نقاط الضعف ، أن النص يعاني من ما يسمى بالاستدعاء ، أي أن كل بيت يستدعى البيت الذي بعده ، وبالتالي الكتابة تكون بشكل مميكن أو ألي ,ونجد ناقد أخر يقول أن النص ليس به وحده عضوية أي أن كل بيت ليس مرتبط بالبيت الذي بعده وهكذا ،ومن هنا أنا أخذ من النقد ما يفيدني ويثرى تجربتي الشعرية.

ـــــ هل تجد الدعم اللازم للاستمرار في الكتابة ؟

منذ بداية دخولي عالم الأدب وأنا أعتمد علي نفسي ، ولا أنتظر دعم من أحد وحتي الثناء علي ما عاد يشغل ذهني بشكل كبير لأنه في الغالب يأتي من أشخاص غير متخصصين ،و لكن أن كنت تقصد دعم المؤسسات الثقافية فاعتقد أن الجميع يعلم مدى تدهور تلك المؤسسات التي تسيطر عليها البيروقراطية العقيمة وهذا المرض رغم خطورته هو أهون مرض أصاب تلك المؤسسات ، وهناك أمراض لا يتسع المجال لذكرها .

ــــــ هل القدرة علي الإلقاء مهمة للشاعر ؟

بلا شك القدرة علي الإلقاء مهمة جدا وفي هذا السياق أتذكر أن الشاعر حافظ إبراهيم والشاعر أحمد شوقي كانوا يشركان في ندوة دار الأوبرا ، وكما هو معروف حافظ كان أفضل من شوقي في الإلقاء ، فكان الحضور يعجبون بقصيدة حافظ ويقولون أنها أجمل من قصيدة شوقي ، ولكن وفي الصباح وعندما تنشر الأهرام القصيدتان نجد الذين أعجبوا بقصيدة حافظ وقالوا أنها أفضل من قصيدة شوقي يتراجعون ويقولون أن قصيدة شوقي أفضل بمراحل وهذا يدل علي أن الإلقاء المتميز يزيد من جمال وروعة القصيدة ، ولكن أعتقد أن كل شاعر هو الأقدر علي إلقاء نصوصه .

ـــــــ لماذا أنت مقل من المشاركة في المسابقات ؟

ربما لأن المسابقات الأدبية الكبرى في الوطن ترعاها وتنظيمها دول بأعينها وهذه الدول لها دور تدميري في البلاد العربية التي يطمح المواطنون فيها إلي الحرية ، وهي لا تنظم تلك المسابقات من أجل سواد عيون الأدباء أو خدمة للأدب ، بل كل ما في الأمر أنها تريد شراء ولاءات الكتاب والمثقفين العرب وربما يكون عدم مشاركتي في المسابقات ناتج عن التلاعب في النتائج الذى يحدث في الكثير من تلك المسابقات

ــــــ ما هي مشاريعك المستقبلية في النشر ؟

لدي كتاب بعنوان نصف تاريخنا كحل ونصفه طغاة وهو يتحدث عن حقب تاريخية مختلفة ،وكتاب أخر بعنوان المثقف والسلطة ونواة هذا الكتاب هي مجموعة مقالات كنت قد نشرتها في صحيفة الدستور المصرية منذ عدة سنوات ولدي عدة دواوين شعرية بالفصحى مثل سأترك للصحراء قافلتي , وجه طفولي ،ياسمين الغربة ولدي عدة دواوين عامية مثل سقطت جميع الأقنعة ، رسائل مجهولة العنوان ، لدي أقوال أخري ولدي كتاب في الأدب الساخر بعنوان خطوط لم تعد فاصلة ، ولدي مجموعة قصصية بعنوان الجانب الأخر ولدي رواية بعنوان الذي فطن ووعى وأن شاء الله يجدوا طريقهم للنشر في أقرب فرصة .

ــــــــ ما هي أمنياتك علي الصعيد العام ؟

أتمنى أن تنعم كل الدول العربية والإسلامية بالحرية وأن يسود فيها العدل حتي تعود الأمة إلي سالف عهدها وتقود قطار البشرية الذي تقوده الآن قوى متغطرسة تنشر الفوضى وتحول العالم إلي غابة يأكل القوي فيها الضعيف.

شعر

دقت الكنائس أجراسها/شعر عصمت شاهين الدوسكي ـــ العراق

*ألقيت في الأمسية الأدبية في مركز عشتار الثقافي – بمناسبة مرور 20 سنة على أنشاء المركز في زاخو

دقت الكنائس أجراسها
رفعَ الأذان هاجِسَها
رتلت القلوب .. هاجت النفوس
كاد الدمع يرتل أنفاسها
ما بال النهى ترحل
ما بال النوى يترجل
يضيء شموع أقداسها
ميادين خلت من الجمال
ميادين نأت للارتجال
وصاحب الطفل المعنى أسوارها
عيسى نور يجمع القلوب
يشع بظلمة الدروب
فما بال الشغاف لا ترى أنوارها ؟
فريق هنا وفريق هناك
دمعة هنا وحسرة هناك
والفرقة أضحت عنوانها
قدس بالحب بالجمال بالسلام
وارسم للحياة ألوانها
لا تُسمٍر الجسد بالجراح
لا تطلب المباح واللا مباح
فالأرواح تناجي أرواحها


صلبوني منذ ألف عام بلا صليب
وقالوا اتركوه بلا حبيب
فأتى السرور يحمل أسرارها
أحترم كن كالولد
كالبراءة والوفاء والعهد
واروي بشغف القلوب احترامها
اصدق ولا تكن كالحرباء
تلبس أقنعة جوفاء
وتقول أنا اصدق أشرافها
من التواضع خذ سبيلا
إن كنت غنيا أو عليلا
ولا تغر من قربانها
واهتم بغيرك متعمدا
وامسح الدموع ودا
لا يبقى إلا الطيب من طيبها
وكرم الناس فلست إبليس
وكرم النفس فلست نفيس
فالكراسي لا تبقى أقدامها
واسمع وأصغ لما أقول
كلنا على الأرض أفول
فاتبع السلام من سلامها


دقت الكنائس أجراسها
رفع الأذان هاجسها
فارمي الحقد والحسد والأنا
ورتل السلام والحب في محرابها.

دراسات

“أنغام وادي درعة ” للحسن أيت بها .. شعرية تتغنى بذاكرة درعة / بقلم الحسين أيت بها ـــ المغرب

غلاف ديوان أنغام وادي درعة للشاعر المغربي لحسن أيت بها
وراء كل تجربة ذاتية تختفي ظلال من المآسي والأحزان، يبلورها الشاعر ويصوغها، وقد اكتملت في دواخله، لتأتي محملة بأحاسيس وجدانية وشعورية قل نظيرها، فتصبح رؤى فياضة تغذي قريحة الشعر، وتسمو لتبلغ مراتب الإبداع المنشودة والمأمولة، غير مبالية بأية قيود أو حواجز تعترضها، تلك تجارب شعرية رائدة ورؤى منقطعة النظير، حافلة بكل مظاهر التجديد والخروج عن المألوف، لتتخذ لها اللغة وسيلة باعتبارها أقنعة وظلالا تختفي فيها انتكاسات النفس وعمق بواطنها النفسية واللاشعورية.     تأتي المجموعة الشعرية” أنغام  وادي درعة”، للشاعر المغربي لحسن أيت بها، لتثبت ما قلناه آنفا، فالذات الشاعرة فيها ترفض الواقع وتسمو عليه بل وتتخذ من ذاكرة المكان الدرعي مؤنسها الوحيد، غير أنها مزيج بين عبق الصحراء و أحزان الذات لتصنع قالبا شعريا متميزا وأصيلا.     أنغام درعة” هي تجربة جديدة للشاعر بعد مرثيات لواعجه المبثوثة والمسترسلة قمرا يفيض بنوره وأحاسيسه؛  جاءت التجربة الجديدة متفردة، مكتملة النضج، واشية بجمال لغتها الخلاقة والإبداعية والفنية ، مهما توارت خلف اللغة والرمزية،       جاءت “أنغام درعة” ، وقد ألقت بأفيائها  ورؤاها عميقة الدلالة، جيدة المعنى، أخاذة ورشيقة بجمال عباراتها الشعرية. ذات نفس شعوري موسيقى متنوعة الكلمات لتغدو منسجمة ومتآلفة تلقي بأطيافها على نفس القصيدة، مكتنزة بمعان ودلالات شعرية دافئة، سخية ، تجمع بين خواء نفسيته ومراثيه وذاكرته. وأحاسيسه الفياضة.    أنظر إليه مثلا وهو يقول:    هناك على ضفاف النهر  عرائس وادي درعة ترقص الريح في تلك الربوع الساحة المرعبة أمطارا تهطل تبلل الفسحة الريح تقصف المشاعر لتغني ترسم الضحى مشارف الليل  وحشة الظهيرة” ص: 7   تسترجع الأبيات حنين عبق درعة الفياض، والرياح تراقص أشجاره ومياه بحيرته الصافية، فتحضر صور ومشاهد في خيالات الشاعر تحاكي كل معاني الشوق، وحشة وحنينا وذكرى، ليحضر المكان بقوة وكثافة وكأن الشاعر يحمله معه في سفره، فتراه يلهج به ليلا ونهارا، في مشارف الليل ووحشة الظهيرة، يحمله معه ذاكرة و إحساسا فيتمثله صورا و أشعارا.  وفي ذات المكان ، تبحر الذات مسافرة عطشى  حاملة معها عبق المكان، تشتاق للقاء جديد .تحس بالخواء والعطش يقول:    إلى سبتة أشد الرحال من بعيد يقارعني الخواء في صباح الغد يسائل هل من جديد؟   تتجاذب بنية القصيدة نغمة التكرار التي تؤدي وظيفة تأكيدية، إذ نجد الكلمات التالية: أرض، الله، خشوع، بلادي، زاكورة. فتمنح القصيدة موسيقاها الخاصة، أضحت غنائية تتراقص كلماتها كاحتفالية بالبلدة زاكورة؛ انظر إليه وهو يقول:  أحييك يا بلادي زاكورة أرض الله وعلى مهدها عرفت الله سافرت حينا وحينا 
وعلى أرجائها
عرفت الأمان.  ص: 10.
هي تجربة صوفية شاردة تتأمل في الذات تحتفل بالحزن في صمت وخشوع، تردد صلوات الحب في الكون والحياة؛ والحلم البعيد، والذكرى الميتة، والأسئلة التائهة، يقول:

ياسيدي بشر
هلا دللتني على الطريق
طريق العارفين
من درعة
أو العراق الأخير  ، ص: 49

المراجع:
أنغام وادي درعة، لحسن أيت بها، صفحات؛ 7- 10- 49
شعر

قطار ينبح في بيت الأرملة / شعر فتحي مهذب ـــ تونس

تفر غزالة من عمودي الفقري..

يختفى المسافرون في غابة الهواجس ..

تؤلمني دموع الكراسي النائمة..

وملابس الأشجار المهترئة..

أنا أحب الأشباح التي تفكر في الحديقة…

التي تنادي بوم الدوق الكبير لحفل عشاء ليلي..

أحب الحصان الذي يطفر من قاع المرآة لتهدئة الخواطر .

أحب القوارب التي تغني في الكنيسة..

قمح العميان ولآلئ الأكمة..

الوردة التي تخفي براهينها في عش البصر ..

الذين إغرورقت أجراسهم بالنسيان ..

الذين دقوا الطبول وأبطلوا حجج النسيان..

الذين يرفعون سرير النهار على أكتافهم ..

إصدارات

الأعمال الكاملة لهيثم بهنام بردى في القصة القصيرة جدًا.. الكتابة بضوء البرق

عمان-

صدرت عن الآن ناشرون وموزعون بعمان الأعمال الكاملة .. القصة القصيرة جدًا للروائي القاص العراقي هيثم بهنام بردى في مجلد يشتمل 400 صفحة من القطع الوسط.

يحتوي المجلد على خمس مجموعات كانت صدرت قبل ذلك في مجموعات مستقلة، بأزمان وأماكن مختلفة، كما يحتوي المجلد على سيرة الكاتب الإبداعية ومختارات من آراء عدد من النقاد والكتاب حول تجربته في ريادة كتابة القصة القصيرة جدًا.

وكما اشتمل الغلاف الأخير على مختارات تلقي الضوء على تجربته الكتابية لعدد من النقاد ومنهم: د. نجم عبدالله كاظم، د. نادية هناوي السعدون، وناجح المعموري، فقد استهل المجلد الذي اقترح فكرة غلافه بيات مرعي على تقديم للقاص عبد الستار البيضاني، الذي أشار إلى أن هذا النوع من الكتابة القصصية لا يُعدم الجذور في التاريخ، إلا أن سبب شهرته غياب الجانب النقدي التنظيري لهذه الظاهرة.

وتوقف البيضاني عند الملامح الفنية والجمالية لتجربة الكاتب بردى في التكثيف والاختزال والمفارقة، كما ألمح إلى شخوص قصصه التي تعاني من العزلة والوحشة.

وفي تقديمه يقول البيضاني: إن بردى يكتب بحس مرهف يدفع المتلقي “لاكتشاف التفاصيل الكامنة وراء الإضاءات التي تفضي إلى عوالم وتاريخ طويل من الخيبة والحزن والانكسار، وبهذا يحقق القاص أهم شروط القصة القصيرة جدًا”.

ويجيب القاص هيثم بهنام بردى الفائز بجائزة كتارا للعام الحالي عن الرواية القصيرة عن سؤال لماذا هذا النوع والشكل من القص بالقول: “عندما شرعت بكتابة القصة القصيرة جداً، لم أكتبها لشيء، سوى تلبية لذلك الهاجس الذي يحلًّق بي عالياً إلى عالم خاص وأخًّاذ، كومضة برق، أو قصف رعد، أو قطرة ماء ضمن حالة إنسانية أعيشها بكل جوارحي”.

وفي مجموعة “حب مع وقف التنفيذ” التي تشتمل في غالبيتها على عنوان مفرد، مثل: علاقة، ذكريات، ثلج، النافذة، شمس، لقاء، العيون، وحب، يذهب القاص لالتقاط اللحظة التي تتصل بالأثر الذي تتركه الطبيعة وموسم الثلج في تحولاتها على الكائن بمشاعر الحزن أو الفرح.

وهو في هذا الفيض من المشاعر التي يدونها بحب، إنما يسعى ليس إلى أنسنة الأشياء والكائنات فحسب، بل يذهب لوحدة الوجود التي تمنح نصه القصصي شعريته التي يشبعها بالاختزال والتكثيف والمفارقة كجماليات حداثوية تمنح النص روحه المعاصرة.

ويقول ناجح المعموري: إن القصة القصيرة التي كرّسها القاص هيثم بردى “تميزت بالتركيز الشديد، مما جعلها قريبة من النص الشعري، وحيازة الفضاء الدلالي الذي تميز به الشعر الجديد”.

وفي مجموعته “الليلة الثانية بعد الألف” التي يستعير عنوانها من حكاية ألف ليلة وليلة التراثية، يستكمل القاص المسكوت عنه بعد انتهاء الحكاية التي لم تنته.

بهنام في المجموعة التي يقدمها بشهادة إبداعية تحيط بعوالم الكتابة الخاصة به، يركز في المجموعة على القضايا الوجودية وأسئلتها، وتغدو الذاكرة بما حملت من جراح وتعرضت لثقل عاجزة أمام امتحان الزمن.

وفي المجموعة الثالثة التي حملت عنوان: “عزلة أنكيدو”، يوضح الكاتب في مقدمة المجموعة ضمن إطار تنظيري الفرق بين القصة القصيرة جدا والأقصوصة عبر مقارنات في الأدبيات العربية والأجنبية.

وينتقل في فضاء القص إلى العلاقة مع الآخر، وقضايا الحرية، ويعمق ذلك من خلال تراسلات الحقول الفنية التي تشبع النص بعدد من المجسات الحسّية البصرية والسمعية.

وتتكون المجموعة الرابعة “التماهي” ضمن المجلد على قسمين، حمل الأول عنوان (الحياة) أما الثاني فقد اختار له القاص هيثم بردى عنوان “مارس” والتي تجسد ماحل على تطور التجربة لدى القاص في المواءمة بين الشكل والدلالة بالإفادة من البلاغة العربية وتيارات النقد الحديث في الإشارة والعلامة لتعميق بنية النص من جهة، ومن جهة أخرى في مقدرته التأويلية واستفزاز خبرات المتلقي.

ويقول الناقد جاسم عاصي في تقديمه للمجموعة: “تدل على حرص القاص على تحقيق خطوة جديدة مضافة.. تقوم على الجمع بين الإشارات والجمل القصيرة لصياغة ما وراء النص، من خلال توظيف الأسطورة وإحالتها إلى قناع تعبير آخر يرفد تجربته مع المعرف والموروثات”.

المجموعة الخامسة التي حملت عنوان “سفائن وفنارات”، قدم لها د. جاسم خلف الياس، قائلا: “تنهض المجموعة على اقتناص اللحظات الإنسانية بكل ما فيها من وجع وحبور، في لغة قصصية شعرية”.

وفي هذه المجموعة التي اشتملت على 44 نصا يستعيد الكاتب رحلة البحث عن الذات في ارتحالاتها، وتبدأ الرحلة في البحث عن دلالة الاسم كما في القصة التي حملت العنوان نفسه، ولكن المسألة بالنسبة للكاتب لا تكمن في بساطة المعرفة القاموسية التي يستدل عليها باللغة، بل في اختبار اليقينيات التي ألفها الإنسان بتغير المكان والزمان وتحولات الحياة والتاريخ والجغرافيا، فالغربة والمنفى كما يقول إدوارد سعيد: تحيل شكل المعرفة من النمط الجناسي إلى الطباقي التعددي الذي يتداخل مع الاختلاف بالحوار والقبول، وهو ما يجعل من تجربة القاص بردى لا مجرد تجربة كتابية، إنما تجربة معرفية تتصل بشكل الكتابة وأنماطها ولغتها وشخوصها وشكل التعبير بتعدد منصات التلقي.

ويذكر أن هيثم بهنام بردى ولد في العراق/ عام 1953. عضو اتحاد الأدباء العراقيين، عضو اتحاد الكتاب العرب، عضو نقابة الفنانين العراقيين، عضو فخري مدى الحياة في دار نعمان للثقافة اللبنانية، رئيس تحرير مجلة (إنانا) التي تعنى بشأن المرأة. حضر وشارك في مهرجانات وملتقيات عديدة أبرزها: الندوة العربية الأولى للقصة الشابة التي أقامتها مجلة الطليعة الأدبية، بغداد، 1980، ملتقى القصة العراقية، بغداد،1995، ندوة الرواية العربية، بغداد، 2002، الملتقى الثالث للقصة القصيرة جداً، حلب، 2005، الملتقى الرابع للقصة العراقية (ملتقى د. علي جواد الطاهر)، بغداد،  2008، مهرجان الجواهري، 2010 و2012، مؤتمر ثقافة الأطفال الدولي الأول، بغداد، 2010. معرض إيطاليا الدولي للكتاب، إيطاليا (مدينة تورينو)، «القاعة الزرقاء» عن الأدب السردي العراقي الحديث، 2014. مؤتمر الرواية العراقية – دورة الروائي غائب طعمة فرمان، بغداد، 2016. أصدر ثلاثين عملاً أدبيّاً في:في الرواية: مار بهنام وأخته سارة، مركز أكد للطباعة والإعلان، أربيل، 2007. قديسو حدياب، مركز أكد للطباعة والإعلان، أربيل، 2008. صدرت باللغة السريانية، ترجمة: كوركيس نباتي، دار منارة، أربيل، 2011. أحفاد أورشنابي، دار ثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، أبوظبي، بيروت،  2015. وفي الرواية القصيرة: الغرفة 213، مطبعة أسعد، بغداد،1987. صدرت طبعتها الثانية عن دار نون، الموصل، 2017. الأجساد وظلالها، دار أمل الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع،  دمشق، 2017. الطيف، دار الجواهري للطباعة والنشر والتوزيع، من إصدارات الاتحاد العام للأدباء والكتاب، العراق، 2017. أَبْرَاتُ، دار أزمنة للطباعة والنشر والتوزيع، عمّان، 2018. وفي القصة القصيرة:الوصية، دار الشؤون الثقافية العامة، وزارة الثقافة، بغداد، 2002. تليباثي، دار نعمان للثقافة، بيروت، 2008. صدرت طبعتها الثانية عن دار الينابيع، دمشق، 2010. صدرت طبعتها الثالثة عن دار أمل الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2015.  نهر ذو لحية بيضاء، دار رند للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2011. أرض من عسل، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، سوريا، 2012. الطوفان، دار أمل الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2015. الأعمال الكاملة (القصة القصيرة)، دار أمل الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2018. وفي القصة القصيرة جداً:حب مع وقف التنفيذ، مطبعة شفيق، بغداد، 1989. الليلة الثانية بعد الألف، منشورات مجلة نون، الموصل، 1995.عزلة انكيدو، مطبعة نينوى، بغداد، 2000. التماهي، دار الشؤون الثقافية العامة، وزارة الثقافة،  بغداد، 2008. القصة القصيرة جداً.. الأعمال القصصية 1989–2008، دار رند للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2011. وفي أدب الطفل:الحكيمة والصياد، مسرحية للفتيان، مطبعة بيريفان، أربيل، 2007. مع الجاحظ على بساط الريح، سيرة قصصية للفتيان، دار رند للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2010.العشبة، مسرحية للفتيان، مطبعة الديار، الموصل، 2013. قناديل جَدّي، مجموعة قصصية للفتيان، دار أمل الجديدة، دمشق، 2017.سكاكِر جَدّي، مجموعة قصصية للفتيان، دار أمل الجديدة، دمشق، 2018.وفي النقد:القصة القصيرة جداً في العراق، إعداد وتقديم: المديرية العامة لتربية نينوى، الموصل، 2010. صدرت طبعتها الثانية “مزيدة ومنقحة” عن دار الشؤون الثقافية، 2015. القصة القصيرة جداً، الريادة العراقية، دار غيداء للطباعة والنشر والتوزيع، عمّان، 2016.وفي الإعداد والتقديم:سركون بولص عنقاء الشعر العراقي الحديث، إعداد وتقديم: إصدار المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية، أربيل، 2011. سركون بولص الذي رأى، إعداد وتقديم ومشاركة، إصدار المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية، أربيل، 2017. وفي الكتابة المفتوحة: الذي رأى الأعماق كلها، كتاب انثيالات، مطبعة ميديا، أربيل، 2007. وفي سلسلة “مبدعون عراقيون سريان”: قصاصون عراقيون سريان في مسيرة القصة العراقية، إعداد وتقديم  إصدار المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية، أربيل، 2009. صدرت طبعتها الثانية عن دار تموز للطباعة والنشر، دمشق، 2012. صدرت ترجمتها إلى اللغة الكوردية من قبل أحمد محمد إسماعيل وصدرت عن المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية، 2012.  قصاصون عراقيون سريان في مسيرة القصة العراقية القصيرة جداً، دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2012. روائيون عراقيون سريان في مسيرة الرواية العراقية، دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2012. كتّاب أدب طفل عراقيون سريان في مسيرة أدب الطفل العراقي، مطبعة شفيق، بغداد، 2013، (إصدارات مجلة “إنانا”). كتب صدرت عن أدبه:في الرواية: دلالات المكان في روايات هيثم بهنام بردى، محمود ناصر نجم،  مطبعة الدباغ، أربيل، 2016. تجربة هيثم بهنام بردى الروائية، د.سوسن البياتي، دار غيداء، 2018.وفي القصة القصيرة: تجليات الفضاء السردي.. قراءة في سرديات هيثم بهنام بردى، إعداد وتقديم: أ. د. محمد صابر عبيد، دار تموز للطبعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2012. شباط ما زال بعيداً، دراسات نقدية في المجموعة القصصية أرض من عسل لهيثم بهنام بردى، إعداد وتقديم: جوزيف حنا يشوع، مطبعة الديار، الموصل، 2012. الكون القصصي، تجليات السرد وآليات التمظهر، قراءة تحليلية في المجموعات القصصية لهيثم بهنام بردى، محمد إبراهيم الجميلي، مطبعة الديار، الموصل، 2013.

المهيمنات القرائية وفاعلية التشكيل السردي في مجموعة نهر ذو لحية بيضاء، إعداد وتقديم ومشاركة: الدكتور خليل شكري هياس، دار نينوى للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2014. جماليات تشكيل الوصف في القصة القصيرة، قراءة تحليلية في المجموعات القصصية لهيثم بهنام بردى، د. نبهان حسون السعدون، دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2014. وفي الحوار:أسماء في ذاكرة المدينة – هيثم بهنام بردى، حوار: نمرود قاشا، تقديم: معد الجبوري، مطبعة شفيق، بغداد، 2013. دراسات أكاديمية عن أدبه:حاز الأستاذ محمد إبراهيم الجميلي على شهادة الماجستير بدرجة “جيد جداً” من كلية التربية الأساسية، جامعة الموصل بتأريخ 3/3/2013 عن رسالته الموسومة (السرد في قصص هيثم بهنام بردى القصيرة). حازت الأستاذة نادية نزهة سليمان على شهادة الماجستير بدرجة “امتياز” من كلية التربية للبنات، جامعة تكريت، بتاريخ 17/ 2/ 2014 عن رسالتها الموسومة: (جماليات القصة القصيرة جداً، هيثم بهنام بردى مثالاً). حاز الأستاذ همام حازم عطا على شهادة الماجستير بدرجة “جيد جداً عالي” من كلية الآداب، جامعة تكريت، بتاريخ 11/1/2015 عن رسالته الموسومة (العتبات النصية في سرد هيثم بهنام بردى القصصي).حاز الأستاذ محمود ناصر نجم على شهادة الماستر بدرجة “امتياز – بدرجة 90%” من كلية الآداب والعلوم الإنسانية- دائرة اللغة العربية وآدابها، جامعة (بلمند اللبنانية)، بتاريخ 20/1/2016عن رسالته الموسومة (المكان ودلالاته في روايات هيثم بهنام بردى). كتب عن تجربته في الكتابة: د. عمر الطالب، د. محمد صابر عبيد، د. فاضل عبود التميمي، د. نادية هناوي سعدون، د. ثائر العذاري، د. جميل حمداوي (مغربي)، د. خليل شكري هياس، د. فيصل غازي النعيمي، د. سوسن البياتي، يوسف الحيدري، جاسم عاصي، سليمان البكري، ناجح المعموري، معد الجبوري، عبد الستار البيضاني، د. فاتنة محمد حسين الشوبكي، د. فرح أدور حنا، د. إيمان العبيدي، د. نبهان حسون السعدون، د. سمير الخليل، د. محمد أبو خضير، د. قيس كاظم الجنابي، زهير بردى، إسماعيل ابراهيم عبد، ايمان عبدالحسين، حمدي الحديثي، سعدون البيضاني، محمد يونس محمد، صباح الأنباري، زهير الجبوري، أنور عبد العزيز، علي محمد الحلي، عباس خلف علي، محمد عطية محمود (مصري)، ازدهار سلمان، د. جاسم خلف الياس، د. فيصل القصيري، د. علي أحمد محمد العبيدي، د. سالم نجم عبدالله، بولص آدم، عباس خلف، علي محمد الحلي، خالص ايشوع، شاكر سيفو، جوزيف حنا يشوع، إسماعيل عيسى، هناء عبدالهادي (مصرية)، جمال نوري، حميد حسن جعفر، حمدي الحديثي، ناظم السعود، حسن السلمان، شاكر الأنباري، علوان السلمان، أحمد محمد الموسوي، سمير إسماعيل، د. مثنى كاظم صادق، د. كريم ناجي، د. محمد ابراهيم الجميلي، د. جاسم الخالدي، د. علي صليبي المرسومي، د. محمد يونس صالح، د. موسى الحوري، محمود ناصر نجم، بشار عليوي، نمرود قاشا، وعدالله ايليا، شاكر محمود الجميلي، نزار الديراني، جبو بهنام، لؤي ذنون…. وغيرهم. الجوائز:حائز على جائزة ناجي نعمان الأدبية اللبنانية لعام 2006.

حائز على الجائزة الأولى في مسابقة القصة القصيرة التي أقامتها دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة العراقية، 2006 عن قصته القصيرة “النبض الأبدي”. حائز على الجائزة الثانية في مسابقة وزارة الثقافة لمسابقة أدب الأطفال،  دار ثقافة الأطفال، جائزة (عزي الوهاب للنص المسرحي)، 2010، عن مسرحيته الموسومة (العشبة). حائز على الجائزة الثانية في مسابقة القصة القصيرة التي أقامها قصر الثقافة والفنون في محافظة صلاح الدين، 2011، عن قصته الموسومة (الرسالة). وردت سيرته في: في كتاب (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين– الجزء الثالث– صفحة 281) الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة عام 1998 لمؤلفه الأستاذ حميد المطبعي. في كتاب (موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين – صفحة 600) الصادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة الموصل، مركز دراسات الموصل، 2007، لمؤلفة الأستاذ الدكتور عمر الطالب. ترجمت بعض قصصه إلى اللغات الإنكليزية والهولندية والفرنسية والإيطالية والسريانية. عن تجربة هيثم بهنام بردى في كتابة القصة القصيرة جداً:“حبة الخردل”دراسات نقدية عن تجربة القاص هيثم بهنام بردى في كتابة القصة القصيرة جداً، إعداد وتقديم: خالص ايشوع بربر، جهة الاصدار: دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع، سنة الإصدار: 2010، الطبعة الأولى عام 2005 “منشورات اتحاد الأدباء السريان”. عدد الصفحات: 178، القياس: 21,5 x 14,5 cm2، بحوث وقراءات ودراسات نقدية وبحسب الحروف الألفبائية لأسماء النقاد، لكل من: أنور عبدالعزيز، بهنام عطالله، جاسم عاصي، جمال نوري، حمدي مخلف الحديثي، حميد حسن جعفر، سليمان البكري، سمير إسماعيل، شاكر مجيد سيفو، صباح الأنباري، زهير الجبوري، عبدالستار البيضاني، علي محمد الحلي، ناجح المعموري، ناظم السعود، وعدالله ايليا، يوسف الحيدري. “شعرية المكان في القصة القصيرة جداً” قراءة تحليلية في المجموعات القصصية (1989- 2008) لهيثم بهنام بردى، د. نبهان حسون السعدون.، جهة الاصدار: دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع.، سنة الإصدار: 2012. عدد الصفحات: 158. القياس: 21,5 x 14,5 cm2. “الثُّرَيَا” دراسات نقدية عن تجربة القاص هيثم بهنام بردى في كتابة القصة القصيرة جداً. إعداد وتقديم: خالص ايشوع بربر.جهة الإصدار: مطبعة شفيق- بغداد.سنة الإصدار: 2014.عدد الصفحات: 159.القياس: 21,5 x 14,5 cm2.بحوث وقراءات ودراسات نقدية وبحسب الحروف الألفبائية لأسماء النقاد، لكل من: إسماعيل إبراهيم عبد، إيمان عبدالحسين، حمدي مخلف الحديثي، سعدون البيضاني، شاكر الأنباري، علوان السلمان، د. قيس كاظم الجنابي، محمد عطية محمود، محمد يونس، مثنى كاظم صادق، د. نادية هناوي سعدون.

شعر

الذل / شعر عصام سامي ـــ مصر

لا وطنَ لشعبٍ منهار

يعشقُ شُـربَ الذلِ

بكأسِ العارْ

شعبٌ يكرهُ أن يحيا حُـرًا

يكرهُ حتي الأحرار

**

لا وطنَ لشعبٍ

دجّنهُ القهرُ

ودجّنهُ الخوف

ودجّنهُ الاستعمارْ

شعبٌ يحيا كالأمواتْ

لم يمنحهُ الصمتُ الأمنَ

ولم يمنحهُ الاستقرار

**

لا وطنَ لشعبٍ

لا يعرفُ

ما معني الثورةِ

لا يقرأُ نبضَ الثوار

لا يعرفُ كيف يعيشُ عظيمًا بالأحرارْ

لا يعرفُ كيف يكسّرُ هذا القيدَ

وكيف يحطّم هَـذِي الأسوار

**

لا وطنَ لشعبٍ يترنّحُ

ما بين الصمتِ وبين الخَـوفْ

يخشى الحريةَ حين تجيءُ

فيستدعي السحرةَ والزَّيف

لا يعرفُ ما معنى: الغمد

وأين السَّيف ؟

مقالات

الإلياذة والأوديسة…رحلة إلهام عبر التاريخ/ محمد فتحي عبد العال و ضحى أحمد

تعتبر الإلياذة والأوديسة من أهم الملاحم الشعرية التاريخية القديمة.. الموضوع الحقيقي، مركز الإلياذة هو القوة… القوة هي ما تحول أي شخص يخضع لها إلى شيء، فعندما تمارس حتى نهايتها تجعل الإنسان شيئا بالمعنى الأكثر حرفية لأنها تجعله جثة، وإذ بعد لحظة ليس هناك أحد… إنها لوحة لا تمل الإلياذة من تقديمها لنا… “كانت الخيول تجرّ العربات الفارغة ترّن على طرقات الحرب… هي في حداد على سائقيها الذين لا ملامة عليهم فهم كانوا على الأرض” وينسبا إلى هوميروس الشاعر الإغريقي وتعني كلمة هوميروس بالإغريقية : الرهينة أو الأعمى وهو شخصية ذات حضور طاغي علي ساحة الأبحاث التاريخية بين مؤكدا لوجوده ومعاصرته لحرب طروادة التي كتب عنها في ملحمتيه وبين من يشكك في حقيقة وجودة أصلا مع غياب سيرته من الترجمات الموثوقة في الحقبة الكلاسيكية والطريف هو وصول هذه الحالة من الجدل الي تسميتها بالمسألة الهوميرية the Homeric Question. وبحسب بعض الدراسات فقد كان هوميروس رئيسا للمنشدين في بلاط الأمراء مما سمح له بجولات واسعة في مصر وإيطاليا واليونان إلى أن استقر به المقام بعد أن فقد بصره في جزيرة إيوس وهناك وافته المنية… تحكي الإلياذة عن باريس ابن ملك طروادة والذي كان يعيش فوق جبل أيدا حيث احتكمه الاله زيوس في ثلاث نساء مقدسات أيهن الأجمل ؟!!في الوقت نفسه كانت الإلهة أيريس (آلهة النزاع ) قد أسقطت تفاحة ذهبية نقش عليها للأجمل لتكون من نصيب السيدة الأجمل .. قام باريس بإحضار السيدات المقدسات الثلاث ليرى من سيحصل علي التفاحة الذهبية ويحوز لقب الأجمل ؟! فتبارت النساء الثلاث في تقديم الوعود للحصول علي اللقب من باريس فقدمت الأولى وتدعى هيرا وعدا له بالمجد الملكي ووعدته الثانية أثينا بأن يصبح منتصرا أبدا في حروبه بينما استطاعت الاخيرة أفروديت أن تمس وترا حساسا من قلبه بأن وعدته بالزواج من أجمل نساء الأرض مما جعل التفاحة الذهبية من نصيبها …. قامت أفروديت بتنفيذ وعدها وأوصلت باريس الي أجمل نساء الأرض وهي هيلين زوجة مينيلاوس ملك أسبرطة فأستطاع أن يستحوذ علي قلبها بين طرفة عين ففرت معه إلى طروادة وهنا ثارت ثائرة الأغريق واشتعل فتيل الحرب بين الإغريق وطروادة كما أنقسمت الآلهة حول مناصرة طرفي المعركة لتدور معركة من أشهر معارك التاريخ على مدار عشر سنوات متتالية أسفرت عن خسائر بشرية ومادية جمة أوقعت هيلين في الندم الشديد بعد النهاية المأساوية لطروادة والقضاء النهائي عليها .. وترصد الإلياذة حادثة من مجريات الحرب في السنة العاشرة حينما سلب القائد اليوناني أجممنون ابنة أحد كهنة أپولون بطروادة وتدعى كريزيس مما دفع الكاهن لدعوة الإله أپولون المنحاز لطروادة فتفشي الطاعون في الجيش اليوناني فأمر أخيل (أحد أبطال اليونان ) أجممنون بإعادة الفتاة لأبيها فأذعن أجممنون في مقابل أن يحصل على محظية أخيل وهي بريزيس مما أوغر صدر أخيل فوافق مضطرا ثم أمتنع عن القتال فأوعزت أمه ثيتس الي أبيها زيوس أن ينتقم لابنها أخيل فضلل أجممنون وجعله يدخل في حرب ضد الطرواديين دون مشاركة أخيل فهزم هزيمة منكرة أجبرته أن يتفاوض مع أخيل على إعادة محظيته والذي رفض رفضا قاطعا العودة إلى حرب سئمها . استطاع هكتور قائد طروادة أن يستغل هذا التفكك في صفوف اليونان وأن يحرز نصرا سريعا كاد فيه أن يحرق سفن اليونانيين مما جعل أخيل يلجأ لصديقه پاتروكلس ليتنكر بزيه ويحرز نصرا على طروادة غير أن تدخل الإله أپولون حال دون الإنتصار علي طروادة فقضي هكتور علي پاتروكلس وقتله واستولي على أسلحة أخيل .. كان موت پاتروكلس إضافة إلى موقف الإلهة أثينا دافعا لتخلي أخيل عن موقفه والعودة إلى المعركة وقتل هكتور قائد طروادة وابن ملكها والتمثيل بجثته بكل وحشية …تحول كبير يحدث في طروادة بعد مقتل قائدهم الشجاع هكتور حيث زار ملك طروادة ( پرياموس) لأخيل لاستعطافه كي يعيد له جثة ابنه لتدفن بالشكل اللائق بابن ملك ومدافع عن وطنه … استجاب أخيل لتوسلات الأب المكلوم وبعد أن لاحظ أن الآلهة قد احاطت جثة هكتور وحمته من التعفن … أما الأوديسة فتتحدث عن رحلة العودة بالفرسان اليونانيين في شخص أوديسيوس او يوليسيس أو عوليس في الترجمة العربية والذي يعتبر الأب الروحي لمصطلح النوستالجيا حيث حمله الحنين إلى وطنه وذكرياته إلى تحمل مشاق رحلة استغرقت عشر سنوات للعودة إلى وطنه بعد حرب طروادة كما رفض عرض الحكيمة كاليبسو بالخلود مقابل لحظات حب يقضيها معها .. ومن ناحية أخرى نجد أنه علي الرغم من انقطاع أخباره وإشاعة موته كان على زوجته (بينيلوبي) الوفية وابنه (تلماخوس) التصدي إلى محاولات الإغراء والإغواء من العديد من طالبي الزواج من بينيلوبي وإقناعها بالتخلي عن وفاءها لزوجها .. ظلت الإلياذة والأوديسة تتمتعان بقدر كبير من العناية والتقدير لدي الإغريق في العصر الهيليني كما كانتا كتابا الإسكندر المفضلين وكانتا تدرسان في مصر في القرن الرابع الميلادي …كما كانت الملحمتين هما الملهم للشعراء لكتابة ملاحمهم الشعرية أمثال دانتي بالايطالية وفيرجيل بالاتينية … الطريف هو أن الفلسفة الإسلامية غاب عنها استعمال الملحمتين في التدليل علي حكمة الوحدانية لله والتي دلل عليها القرآن الكريم في قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} وقوله تعالي { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ… }

فلقد حفلت الملحمتان بصور من صور تعدد الآلهة وكم من الصراعات التي كانت الالهة تتلاعب فيها بمصائر البشر على سبيل التسليةو الإفساد في الأرض مما يتنافي مع حكمة الخلق والوحدانية الحتمية والتنزيه اللائق بالإله الخالق لذا فالقرآن كان معجزا في تطرقه إلى التدليل على الوحدانية عبر مران العقل في التفكير على وضع البشرية إن كان مرتبطا بآلهة عدة تتصارع وتتلاعب بالبشر ودور الفلسفة الإسلامية هو النقل من الحضارات الإنسانية ما يدلل على هذه الحقيقة ويدعمها وما أكثر الأساطير الإنسانية .. مهما يكن من أمر.. إن المرارة تُعزى إلى سببها الوحيد فقط وهو خضوع النفس البشرية للقوة، أي للمادة في نهاية المطاف هذا الخضوع هو نفسه عند جميع البشر، مع أن النفس تعزوها إلى أمور مختلفة وذلك حسب درجة الفضيلة، لا أحد مستثنى منها في الإلياذة، مثلما لا أحد مستثنى منها على الأرض، ولا أحد ممن يرضخ لها يُحتقر على ذلك إن كل شيء داخل النفس أو في العلاقات الإنسانية ينجو من سلطان القوة يصبح محبوبا… ولكن يحب حبا مؤلما يسبب خطر التدمير الكامن فيه باستمرار، هذه هي روح الملحمة الحقيقية الوحيدة التي يمتلكها الغرب، وما الأوديسة إلا محاكاة بارعة للإلياذة تارة، وللقصائد الشرقية تارة أخرى.. *استاذه ضحى احمد كاتبه سوريه د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصري

نشاطات ثقافية

عصمت شاهين دوسكي في مركز عشتار الثقافي الموت والميلاد في مركز عشتار في زاخو /بقلم أنيس ميرو

للمرة الثانية في هذه المدينة الجميلة ” زاخو ” تحتضن الأديب الشاعر عصمت شاهين دوسكي  بحب كبير وشغف فكري راقي واهتمام من نور  يدعو للمحبة والتواصل والتسامح والسلام ،وهذه المرة في مركز عشتار الثقافي في زاخو ،  بمناسبة مرور (20 ) عام على تأسيس مركز عشتار للثقافة والفنون في زاخو وبالتعاون مع مديرية الثقافة والفنون في زاخو تم استضافة الكاتب والشاعر والناقد (عصمت شاهين الدوسكي) عن نقد أدبي عن المجموعة الشعرية للشاعر ( إبراهيم يلدا) (الموت والميلاد) التي صدرت في أمريكا وبحضور السادة المهتمين بالأدب والشعر في زاخو.


كل عام وانتم بألف خير ،رغم الشاعر يسكن في مدينة دهوك إلا أن زاخو قدمت له من خلال مثقفيها دور أكبر للتعارف والاهتمام وتبادل المعرفة والثقافة ، الأدب في كل أنواعه يجسد روح الإنسانية وتطورها وتألقها في كل الأزمنة وأساس مهم وقيم في طاقتها وقوتها وجوهر سموها ونهضتها وعلو حضارتها من علو إنسانيتها ، فالفكر ، الثقافة تلعب دورا مهما في مراحل الشعوب وتقدم الإنسانية البهية في المشاعر والإحساس والمسؤولية والوجدان ،من هنا كان توجه الشاعر عصمت شاهين في ارتقاء وسمو وتطلع الإنسانية للتجدد والنشاط والتغيير في حضارة عصرية راقية عبر مقالاته الأدبية وقصائده المشرقة بالإنسانية ورؤيته الفكرية  لمجموعة الشاعر الكبير إبراهيم يلدا ” الموت والميلاد ” التي أطلق عليها في كتابه ” الرؤيا الإبراهيمية بين الموت والميلاد ” والذي طبع في أمريكا بإشراف الأستاذة شميران شمعون ، بدأت الأمسية التي حضرها نخبة من المثقفين والأدباء ومنهم مدير الثقافة في زاخو الأستاذ دلخاز موسى ومدير مركز زاخو الثقافي فرهاد بافى والأستاذ شفان عبدي والشاعر والإعلامي عيسى بنستانى والأستاذ سربست عبد المجيد والأستاذ دلزار عدنان وغيرهم من عشاق الشعر والأدب وبدأ بتقديم وتعريف من الأستاذ أمين عيسى شمعون مدير مركز عشتار الثقافي في زاخو للشاعر عصمت دوسكي ،ثم بدأ الشاعر بحديث موجز عن أعماله الأدبية التي صدرت وطبعت في دول مختلفة منها أمريكا والمغرب وتونس وسوريا وبغداد ودهوك ، وتحدث  عصمت دوسكي عن الشاعر إبراهيم يلدا المقيم في أمريكا وفي حالة مرضية مؤلمة واستهل الحديث عن الكتاب بتصميم غلافه الفنان التشكيلي السبعيني نزار البزاز وتقديم الدكتور هشام عبد الكريم وتعمق في شرح وكشف المضامين الفكرية والصورة الشعرية والمعاني الجوهرية لبعض قصائد الشاعر إبراهيم يلدا مختصرا وموجزا وفي نهاية حديثه قال الشاعر عصمت شاهين دوسكي ( العدل والتسامح والتعايش السلمي والتربية الخلاقة وتقبل الآخر والتواضع من شيم وصفات الأنبياء وعلينا التعلم الأثر ونبذ الحقد والأنانية والحسد والكره فكلنا أولاد آدم وحواء فحينما نسن فكرة جميلة وتصرف وأسلوب جميل فهذه السنن تتناقل بين أفراد حتى لو كانوا قلة ،ومن هذه القلة تنتشر وتأخذ دورها الريادي في فكر المجتمع  ..)

ألقى الشاعر عصمت دوسكي قصيدة كتبها لهذه المناسبة عنوانها ” دقت أجراس الكنائس ” نالت إعجاب الحضور ودوى تصفيق حار في المكان ، ثم ترك مجالا لأسئلة الحضور ،كانت هنالك مداخلات قيمة وكانت كلها  تحمل كلمات وتساؤلات مهمة  أكسبت اللقاء رونقاً وجمالاً ، الحضور محور اللقاء فقد كانوا متألقين بكلماتهم ذات القيمة البلاغية والفكرية وأسئلتهم الجميلة المرافقة بالمنطق والحجة  وفي النهاية شكر عصمت دوسكي الحضور ومدير مركز عشتار الثقافي ( أمين عيسى شمعون ) وكل المنتسبين للمركز الثقافي عشتار .

الشاعر عصمت شاهين دوسكي في أمسيته استمد الصور والحالات الإنسانية انتصارا وانكسارا ، عنفواناً وهواناً ، وفي الوقت نفسه يبقى الفكر والشعر والأدب مدادا بلا حدود ولا قيود ،تستمد منه البشرية والمجتمع العزم والقوة والتواصل والإصرار والإبداع .

***************************

الصور بعدسة مصور مركز عشتار الثقافي

شعر

رسالة إلى مُدرِّس محمد السراوي / اوطاط الحاج ـــ المغرب

*بمناسبة اليوم العالمي للمدرس

حين تنبثق أنوار الصبح،

تخضّبها أشعّة عشقٍ،

كان أصيلا بيني وبينك

يولدُ اسمك بهيا،

رغم الأسى، رغم الجرح،

تعانقه أبجديتك الساكنة

الناطقة في صمت،

تحت ظلال كل المتاعب والنّبوءات،

لتملأ سمائي الزرقاء

وقد اتّسع أفقها بضيائك.

كنت أنت وحدك

تسطّرها على عتبات الروح

حروفا وكلمات

مدادا لا ينضب،

وقلبا لايتعب..

كلمات امتدت أنوارها

قبل أوارها..

كنت تستعبد الحرف،

تنقله ،

تطوّعه،

ترصّعه على جبين الذاكرة

أحلاما وردية،

وأغنيات..

يرتشفه صبرك المزهر

في نداءات تشبه تراتيل

نبوءةكنت سيدها.

حين تعلو الكلمات

يصبح صوتك بريئا

يملأ بريقه كل الشرفات

كصلاة فجر هادئ

تصل سبحاته الروح قبل البدن

يغذيه أمل في غدك المشرق

هو زاد كل الحيارى والتعساء

تملأ أفواههم بالحرف

قبل الرغيف

تشدّ آذانهم نحو اخضرار الربيع

قبل يباب الخريف

تحمل شمعة كلما اتّقدت

ازدادت وهجا..

يولد اسمك على كل الشفاه

أسماء لكل المواسم والولادات

لا عبئا ولا حرجا

تشدني إليك أبجديتك

بصوتك الموجوع

وهمّتك العالية

ورودا ندية

وعبيرا يتألق

في زمان الحب الأصيل

والعشق الجميل

يداك مسحت جراح الخطأ والنسيان

عبرت صفحة الزمان والمكان

ها قد أضحت حروفك هوى،

عشقا لا ينضب،

من فعل كتب أو لم يكتب

في براءة لا تعرف الغش

لا تكذب.

أستظلُّ تحت أرقامك

حين يعبرني كدح السنين

وعطش الروح

الساكن مع كلّ أنين.

ضاعت أرقامي وحروفي

 بين الذكرى

والحنين.

هذا الزمن يسقيني

جرعة الضياع

ومرارة ذاكرة لا تستكين

وغربة تقسو

تجتاز المدى

علّمتني … كيف تموت الوردة

لكن لا تذبل.

علمتني كيف تطوى الحقيقة،

لكن لا تهمل.

علمتني كيف أحارب

طواحين القدر والنسيان،

بسيف خشبي

يتجاوز سطوة المكان والزمان

ويتعدى حقيقة حصان طروادة

الأبدي.

علمتني…

هذا الصدق صدقك

هذا العشق عشقك

وهذه أبجديتك تتحرك بغدرك

بين الأنامل

ترسم سطورك من نور

وضياء

بين متاهات طفولة كأداء

موشومة بالصبر والشقاء،

سخية كل السخاء

وبريئة مثل براءة أمطار

فصل الشتاء..

يسبقها صوتك

المولود قبل ميلاد الظلم والكبرياء..

ميلادك صلوات

وسبحات لا تنتهي.

مدادك

أفراح عرس سرمدي

يسكن الروح

أنا فيه العاشق الأبدي..

أعترف بضياعي دونك،

وسط مساحات موبوءة

الخلاص منها

يتطلّب الأعوام والسنين..

لك مني كل التقدير

ملء العين،

ملء الذاكرة،

وما أشعلت أحرف تعلمتها منك هذا الجبين.

إصدارات

الشاعر.. مجلة دولية محكمة ترسخ المشترك الكوني

عمّان-

صدر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان العدد الثامن من المجلة الدولية المحكمة “الشاعر”، ومؤسسها ومديرها العام ورئيس التحرير الشاعر نصر سامي.

تشتمل المجلة على عدد من الدراسات الأدبية والتثقافية التي تتناول جملة من القضايا المعاصرة والتراثية حول النص والبلاغة والمناهج النقدية واتجاهاتها المعاصرة، كما تتناول قضايا عن الشعر الجاهلي وتحديدا الصعاليك، وشعرية الإنشاء، وظواهر شعرية.

واحتوت الترجمات قراءات في القصيدة الغربية ومعاينة للحداثة ونقاشات حول الحكاية الشعبية ومختارات شعرية.

استل العدد بكلمة د. رضا عبدالله عليبي من تونس، نيابة عن رئيس التحرير حيث لفت إلى الصعوبة التي مرّت بها المجلة منذ تأسيسها، والانعطافات والمسارات التي تجاوزتها مع اتساع الحلم، وقال: “من منطلق القطع مع ثقافة القطر الواحد أو ثقافة الخمول الراكنة إلى التقديد بالسمت، انبرت (الشاعر) علما في مجال الفكر خفاقا إلى جوار المجلات العلمية المحكمة الأخرى على الصعيد العربي تحدوها الرغبة في خلق ثقافة منفتحة بناءة”.

وكشف في تقديمه أن “الشاعر” ابتداء من العدد المقبل ستخصص نشر الدراسات الموضوعة في أصل تأليفها باللغة العربية أو اللغات الأجنبية في مجالي اللغة والآداب والإنسانيات ليتسنّ للباحثين والدارسين والطلبة الإفادة من الدراسات الحديثة والمتميزة.

ويستذكر الشاعر نصر سامي تحت عنوان “البراق” الشاب البوعزيزي الذي فجر الثورة التونسية قبل نحو عقد من الزمان، “اللعبة اكتملت، أعدني يا حصاني للشعوب لكي أرتب أولوياتي مع الغيمات والسمرات وأحجار الطريق، وردّني لطفولتي، أتأمل الغدران وألقط الزيتون خلف الطير، كيف لي أن أُفهم الطاغوت أن الوقت فات.. خذني بعيدا كي أرى شجري الذي كسروه ينبت مرة أخرى هنا، يسقيه من دمه الشهيد”.

العدد الذي أخرجته فنيا المهندسة سجود العناسوة، ولوحة الغلاف وتصميمه لنصر سامي، يشتمل في المقالات على “متخيلات النص الخمري.. أبو نواس أنموذجا”، د. آمال كبير، ” بلاغة التشبيه الاستعاري (الدائري) في الشعر العربي القديم”، د. فاطمة صغير، “آليات الحجاج في رسالة القشندي في فضائل الأندلس”، د. عامر محمود ربيع.

كما يشتمل العدد على قراءة في “المناهج الغربية والمتن التراثي”د. مجيد قري ود. زهر الدين رحماني، و”الاتجاه البنيوي في ضوء المنجز النقدي الجزائري المعاصر”، د. صليحة الأطرش، “العوالم الممكنة في شهر الصعلكة”، د. رضا عبدالله عليبي، “الاستلزام الحواري وإشكالية تمثل القوة الإنجازية”، لبية زياني، ومقاربة في “شعرية الإنشاء واللون في قرنفليات التشكيلي بهايدن”، د. ربيعة الرينشي، “الصوت الشارد في قصيدة “هكذا حدث بروموثيوس” للشاعر نصر سامي، د. سهام خضير، و”أيروس يتجرع السم”، فدوى العبود.

وفي الترجمات نطالع،” جيم هاريسون، شعر السلحفاة”، ترجمة: ميلاد فايزة، “حوليات سان جون بيرس”، لخالد النجار، ” قصائد للإيطالية أمليا روسيللي، ترجمة وتقديم: أمارجي، “تسوكورو تازاكي عديم اللون وسنوات حجه”، لهاروكي موراكامي، ترجمة بيان مصطفى.

ومن الترجمات أيضا، “عن الحداثة وما بعد الحداثة”، لملك اليمامة القاري، “ساد، جورج باتاي”، لمحمد عيد إبراهيم، مقدمة لكتاب “مختارات من الشعر التونسي المعاصر”، د. رضا مامي، ومناقشة إثنوية للحكايات الشعبية جنوب عُمان”، لـ د.مارييل ريسي، ترجمة أ.وئام الجيلاني.

وعلى الغلاف الأخير ما يشي برسالة “الشاعر” باحتوائها على أعمال ترسخ دائرة المشترك الكوني، وتنمي الاختلاف، وتقطع مع اليقينيات التي تدعي امتلاك الماضي باعتباره إقطاعا خاصا يقع تصريفه غالبا لإيقاف التاريخ.

شعر

الذئب الملعون/ شعر فتحي مهذب ـــ تونس

في الغابة قايضت رأسي برأس ذئب..
صرت أعوي وأقلق المارة النائمين.
أعدو سريعا مثل صحن طائر ..
راصدا حركات النجوم في الأسطح الهادئة..
إفترست قطيع جارتنا الضريرة..
طاردت هواجس الرعيان في العتمة..
ومن حين الى آخر أعض كتف قس
يجر باخرة حزينة بحبل المتناقضات..
في الليل يلاحقني القناصة وسيارات الإسعاف والصبية الملاعين ..
وتناديني الذؤبان من أعلى الأكمة..
لعشاء فاخر من لحم الضأن الطازج
غير أن قدمي متهدلتان
مثل شفتي عجوز..
والرصاصة التي أطلقها الكاهن
لم تزل تغني بين كتفي المتعثرتين..
في الغابة بكيت طويلا..
مثل طيار واعد أمام أيقونة العذراء..
لأن رأس الذئب لم يرقني بالمرة..
لم أعد أنام مثل إوزة خجولة..
أو أعمل نار المخيال في الكلمات ..
أتعبت العالم بعوائي المتهدج..
في الغابة ألقيت رأس الذئب في البئر ..
تحولت إلى شجرة ضحوكة..
في الأوقات الحرجة
تزورها بركات المطر ..

دراسات

قراءة في نص” شكرا لكم ” للشاعر عصمت شاهين الدوسكي/ الصديق الأيسري ــ المغرب

* استئصال الورم الخبيث من فكر الإنسان ومن جسد الوطن

الشكر هو الثناء الجميل على من يقدم الخير والإحسان، هو العرفان بفضل أسدي لإنسان ،هو اعتراف وامتنان بنعمة قدمت لشخص
ومن القصص التي تحكى على الشكر أن هناك رجلا ابتلاه الله بالعمى وقطع اليدين والرجلين، فدخل عليه أحد الناس فوجده يشكر الله على نعمه، ويقول: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به غيري، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلا، فتعجب الرجل من قول هذا الأعمى مقطوع اليدين والرجلين، وسأله: على أي شيء تحمد الله وتشكره؟ فقال له: يا هذا، أَشْكُرُ الله أن وهبني لسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا وبدنًا على البلاء صابرًا. وفي هذه القصيدة ” شكرا لكم ” للشاعر عصمت دوسكي لها وجهة نظر ورؤية إنسانية بلا حدود .

( شكراً ، شكراً لكم
قابلتم بالتصفيق معاناتي
شكرا ، شكرا لكم
قابلتم بالضحكة انكساراتي
نداءكم كان لعبة
ولعبتم على جراحاتي
كان صمتي غائرا
فصنعتم للصمت مسلاتي
وعدتم كثيرا ، كثيرا
وعودكم مجرد حبر على توسلاتي
حينما اخرج من غرفكم السرمدية

تضحكون على مأساتي )

الشاعر عصمت شاهين دوسكي  بإيمانه القوي بالبلاء والاختبار،وتراكم الأزمات والمكابدات صار يتسم بالصبر الشديد وتقبل مجريات الواقع رغم تناقضها مع مبتغاه، مما يدل على قوة شخصيته وتحديه لكل الصعاب، فهنا يخاطب ذوي الوعود الكاذبة والنفاق الظاهر للعيان حيث يواجه هؤلاء المنافقين إخفاقات الشاعر وانكساراته بالبهجة والتصفيق، فكل نداءات الشاعر لم تعد بين أيدي الماكثين في غرفهم الأبدية سوى لعبة يتسلون بها في مجالسهم السرمدية تحت وابل من التهكمات والاستهزاء وهنا يعري ذوي المناصب والأشخاص الذين يوعدون ولا يوفون بوعودهم ، ويضحكون على ناس هم بأمس الحاجة إلى عمل شريف  .


( شكرا ، شكرا لكم أيها السادة
ما تركتم هذه العادة ، عاده
تسرقون رغيف اليتيم
بلا وجل ، بلا قلب رحيم
وترفعون أعلام عباده
شكرا ، شكرا لكم أيها السادة
تنتفخ بطونكم
وبطون على المزابل عاده
تغتصبون الميراث
وتقتلون الأجداث
تسجدون وترمون الشيطان بسجاده
شكرا ، شكرا لكم أيها السادة
قررتم أن تبيعوا كل شيء
وتبقون أنتم على رماده ) .


رغم ما يقترفه هؤلاء المنحطين فكريا وأخلاقيا هؤلاء المنافقين من أعمال دنيئة وأفعال مشينة، مازال الشاعر يتمتع بالتحدي ،يشكرهم عن أفعالهم حيث صارت شفافة وواضحة لم تعد مخفية فقد أعماهم الطمع وسيطر عليهم الجشع، رغم أنهم يحملون راية الطهارة والصفاء فقد سرقوا ونهبوا قوت ورغيف الأيتام بدون خوف ولا شفقة، يستولون على ممتلكات الفقراء والمعوزين ويكتنزون الأموال والعقارات ، ويدَّعون السجود والركوع رياء ، بل يتقاسمون ويشاركون السجادة مع شياطينهم بكثرة نفاقهم وسلبهم وسرقتهم وكذبهم فهم الشر بعينيه.


( شكرا ، شكرا لكم أيها السادة
أنتم السبب
أنتم السبب لكل خراب
وجوع وفقر وجهل واغتصاب أغتصب
أنتم السبب لكل قتل وتهجير
وضياع وتيه وكل ما ذهب
أنتم السبب لقلع النخيل
وعطش الورود والأزهار والقصب
أنتم السبب أيها السادة
ملأتم الدنيا كذبا فوق كذب
نهبتم الأرض
فانتم أروع ما نهب
سلبتم حتى الروح
فمن دونكم سلب  ..؟!! ) .


لقد شن هؤلاء المفسدين حملة دمار وخراب شامل على كل مكونات المجتمع فاغتصبوا براء الطفولة واغتصبوا تربية الأمومة واغتصبوا كفاح النساء واغتصبوا فحولة الرجال، عج المجتمع بكل أشكال التخلف وساد الفقر والجوع في كل البقاع ،نشروا الجهل والبهتان بين طبقات المجتمع حتى صار الإنسان تائها بين دروب الحياة، وضاع بين الزمان والمكان لا يتذكر ماضيه ولا يستهويه حاضره ولا يأمل في مستقبل. فكل معالم المكان تغيرت فصارت خرابا ودمارا ،كل محاسن الجمال شوهت فلا النخيل بقي سامقا شامخا ولا الثمار ظلت عسلية، حتى الطبيعة ذبلت فلا ورود ولا أزهار، اندثرت رائحة العطر الزكي، وغاب عبير الجنان الفواح ، بفعل النفاق والوعود الكاذبة نهبوا خيرات الأرض وكنوزها، فأصبحت جثة بدون روح بعد أن سلبوا حيويتها وعنفوانها، هؤلاء الجبابرة المفسدين وحدهم من يملكون مفاتيح السلب والنهب ويدعون الشرف والحرية والدين وحب الوطن .


( نعم أيها السادة أنتم السبب
ليس سواكم من هب ودب
من يصرخ ، ينتفض ، يعلو
يخرج من ساحة الغضب
لا يعجبكم النور والحق
ولا الصيام في رجب
وضعتم في مناهجكم
أسطورة السكوت من ذهب
نعم أيها السادة أنتم السبب
شوهتم الألواح والصحف والكتب
وضعتم فيها رغباتكم من رقص وطرب
أتعبتم الأجساد وأرهقتم الأجيال ) .


هؤلاء الوحوش نهبوا الحياة وسلبوا الحريات، دبوا وافترسوا الجمال، وأزالوا الأنوار هم من دعاة الظلام، طمسوا العقول وشلوا الإبداع، أنتجوا كتبا وصحفا تمجد أطلالهم الخرافية وديانتهم المزيفة وشرفهم العاري في الحانات والبارات وقاعات اللهو والرقص وتقدس عروشهم الثلجية، زينوا ونمقوا صفحاتهم برقصات بهلوانية وطرب من واحدة ونصف، لا قيمة لمن ينادي فقد يتباهون بشعارهم السرمدي ” السكوت من ذهب ” فقد كمموا الأفواه ،فكل الثغور تهلل وتنشد موال خيالي لا أثر له على الأرض ويعدوها إنجازات ناجحة في كل الميادين وتقدم ملموس في كل المجالات، أنهكوا الأجساد وأرهقوا الأجيال بحماقتهم وتحركاتهم العشوائية أتعبوا المناضلين بأكاذيبهم .


( فلا عمل حتى في حمل الحطب
جعلتم كل إنسان بريء
من صنع أبي لهب
تلعبون على أوتار الناس
ولا تكفون عن اللعب
في منابر منقوشة محمية
تلقون أجمل الخطب
وحينما تنزلون من المنبر
تلعنون هذا الصخب
نعم أيها السادة أنتم السبب
شكرا لكم
لم يبقى لنا نهر ولا تين
ولا زيتون ولا عنب
فما لنا باقون
لا وجود لنا
باعونا في سوق بلا أدب
نعم أيها السادة شكرا لكم
أنتم السبب ، أنتم السبب ) .


باعوا الأخلاق الفاضلة والمثل العليا، طلوا من فوق المنابر بوعودهم الكاذبة وشعاراتهم المرمرية، يهتفون بخطاباتهم العاجية ، ولكن هيهات بين الواقع والخيال فقد انعدمت شروط الحياة الشريفة لا عمل ولا أدب فالكل يتخبط في البطالة والجهل، حتى الطبيعة لم تسلم من سلبهم ونهبهم فلن تجد الخيرات والنعم من حلاوة العيش ورغد الحياة، فهم السبب في رسم هذه اللوحة المفعمة بالظلام والبكاء والدمار والخراب.
شكرا لقد عرفت ريشتكم وقلمكم وكفاءتكم وأطماعكم، شكرا لقد تكسرت مرآتكم وفضحت صورتكم المزينة بالكذب والبهتان،
هنا الشاعر عصمت شاهين دوسكي في هذه القصيدة يوجه الشكر لهؤلاء المفسدين لأنهم عروا عن حقيقتهم وفضحت ألاعيبهم وبينت صورتهم الدنيئة للجميع، وهذه رسالة يوجهها الشاعر لكل الشرفاء والمناضلين الأحرار أن يتسلحوا بالعزيمة والإرادة القوية لإزالة هذه الجراثيم التي تنهش خلايا الإنسانية السمحاء ،رسالة قوية يوجهها الشاعر لكل من يملك ضمير نقي وقلب طاهر أن يحرر منابر الخطابة من هؤلاء السفلة لتعود الحياة إلى رغدها وتنعم البشرية بجنان الطبيعة وبكنوز الوطن في عالم من العدالة الاجتماعية من عمل وثقافة وتقدم بعد استئصال هذا الورم الخبيث من فكر الإنسان ومن جسد الوطن .

شعر

في جُبَّة الأجمة / شعر العربي الحميدي ـــ المغرب

جُبَّتِي
كَسَرْت جناحي /كي
لا أتمكن من الطيران.
ذُلَّت كرامتي ووضع كفني
بين يدي.

أَرْهَبْت نفسي داخلي
من رؤية جحيم الحمم.
و
رَميي في وديان النسيان
ضنكا
في عز الأيام العجاف.

جُبَّتِي
سَرَاباً جافا أنت أتنفسه
بين الموتى والأحياء.
جسد في أيام الصيف من الفخار.
أنت زهرة الخشخاش من إكسيرها..
طال طريق عذابي
وألم يولد كل يوم
في بطين القلب من العناء.

جُبَّتِي
أنت دَفَّتا صحراء تُفْقِدُ الشعور بالأمان.
لا أعرف أين أضع
قدمي من عمى الأحزان.
ضريرا
يبحث عن السَّحَال ضياء النجوم النيام.
أنت أعظم درس حب حُفِّظْت
مند الولادة على الإطلاق.
سحابة تحجب سِرَّ الكلمات
والحقيقة بِعِطْرِ الظلام والدخان.

جُبَّتِي
أنت المرئي والمخفي تحت زَبَد الْغُرْبة.
أبحت عن بذرة الجذور
بين الحجارة مَخْبَأ العقارب والأفاعي.
أنت مذبح يهوى دماء القربان
أنت أين أحببت العيش
مُجَاوِرا غُرْبَتي.
أنت صمت العطش القاتل في كل مكان.
صورة لامعة من
الماضي القديم / والقادم القاتم.

جُبَّتِي
أنت اللعنة التي أصابتني.
حطمت شوكة كبريائي وآمالي.
أنت كَوْر الدبابير
الخوف منك أشد من لهيب النار
أنت الريح الباردة لفحتها
تُلاَحِقُ جسدي العاري.
معك لا أعرف ساعة يقظتي
ولا وقت منامي.

جُبَّتِي
عندما تقترب نهايتي
سأقول للجميع أعرف كل شيء عن جمال
موطني..
سأقول لهم كيف أهواك مع كل المآسي،
بالأسود لون الحداد والأخضر لون الربيع
والأرق التي تفخر به  الشواطئ المداد.
ورائحة الرماد التي تأخذ أنفاسي بعيدا في الْأَزَلِ.

جُبَّتِي
أَصْبَحْتُ رمز المهانة في دروب الغرب.
فقط
واحدة من ابتساماتك الصادقة يا موطني
تذهب الأحزان بعيدا عني وعنهم… إخوتي
بين اضلع القوارب.
فَنُحْسِن بك الظَّنّ
لتعلو الرؤوس الصفصاف.
أعلم أني ابنك الأكثر حظا الذي
ولد فوق تربتك وتحت هذه السماء.
الصريح منك يطاردني.
المضمر فيك استفزني.
رغم كل المآسي.
أنت كل شيء بالنسبة لي
وأكثر من ذلك بكثير.

قصة قصيرة, شعر

من ذاكرة البلداء/قصة محمد الفقي

توقفت هذه المرة عن مطالعة الأشياء من نافذة القطار وانهمكت على غير العادة فى قراءة جريدة كنت قد اشتريتها قبل تلك الرحلة ، لكن هذا لم يدم طويلا فقد توقف كل شئ فجأة حينما استرعى انتباهى سيدة خمسينية تقاوم زحف العجز فى وجهها بقليل من المساحيق،تتوارى ملامحها خلف نظارتها السوداء ، لم تكن صامتة ، لم تكن ثرثارة أيضا ، ضاق بها الحال ذرعا وتساوى عندها الفسدة فلم أعد قادرا على تحديد مذهبها السياسى غير أنى ما سمعت منها إلا سخطا على العسكر وسبا على الإخوان ، كانت تجلس وصديقتها فى المقعد المقابل لدهشتى وقد تبين فى كلامهما أنهما عائدتين من مراقبة امتحانات المدارس ، لم أنشغل بصديقتها إذ تبدو عادية جدا وغير ملفتة للنظر كهذه المرأة التى سرقت كل حواسى وبدأ صوتها يدق فى أذنى كصوت القطار نفسه وكل دقة هى فى الأخير دقة على الذاكرة، وكلما خرج الكلام مقرونا بنبرتها ارتفع مؤشر التركيز فى رأسى وزاد التشبيه عليها. نظرة واحدة كانت تكفى وعدة من كلمات كانت مألوفة على لسانها ذات يوم ما جعلت تشدنى إليها بخيوط واهية وتربطنى بجزء قديم من حياتى أظنه قبل ستة عشر عاما من اليوم يوم فى المدرسة الإبتدائية وأستاذة العلوم الضخمة التى كادت أن تحتل بجسدها كل ما تبقى فى الفصل من فراغ وكلامها الذى لم ينقطع يوما عن الطعام ، الطعام فقط ، فكان بإمكاننا أن نستمع لنجوع ونشبع لا أن نصوغ ونفهم فالأحياء فى معجمها وجبة دسمة فوق مائدة عامرة ، هكذا تكونت صورتها فى عقولنا..اللعنة على تلك البطون الواسعة. تلاشى كل شيء في ذاكرتى .. كل شئ عدا تفاصيل ذلك الزمن البعيد تداعت بنهم كما تداعى الأكلة إلى قصعتهم وأخذت تجرنى إلى أطفال أبالسة كان لهم عقول شابة وأفكار شيطانية منذ الصغر ، إلى مقعدى فى آخر الصفوف والذى لم أغيره يوما رفقة البلداء الفاشلين الذين ينعمون بتساقط اللعنات فوق رؤوسهم فى كل وقت من هذه الأستاذة حين يقابلون حديثها بالضحك تارة ، وبالسخرية تارة أخرى ( تبا لخبثنا فى ذلك العمر) . فى النظرة الثانية سهوا كان المشهد المعكوس فى النظارة السوداء لأطفال ينظفون فناء المدرسة من مخلفات الكانتين الذى تشرف عليه ويكنسون أحلامهم التى تبعثرت هذا الفناء الضيق . على ما أتذكر وقتها كان لنا هدوء أهل القرية، لكن لا أحد كان بإمكانه أن يتمالك نفسه عند دخول هذه المعلمة إلى الفصل ، وكان البلداء رفقائى هم أفضل من يقلدونها ، ويضحكون عليها إذا أدارت ظهرها ، وعند خروجها يصيحون بالتهليل ويلتقطون أنفاسهم الأخيرة بما تبقى خلفها من أكسجين، ومع ذلك كانت تعاملنا كبارا ، وكثيرا ما كانت تقطع الدرس وتحدثنا عن أشياء شخصية لا تشغلنا ومع أننى كنت أكره منها حديثها معدوم الجدوى الذى يجعل الفصل سوقا للأغنام ومرتعا للسهارى لكن سأظل إلى الأبد مدينا لها فقد كرهتنى فى العلوم وأبعدتنى تماما عن بشاعة تشريح الضفدع بعد ذلك ، لا أنسى يوم دخلت وتحت إبطها أوراق إجابتنا فى امتحان شهر ما ، كان كل ما يمت بسيرة امتحان كفيلا بإثارة الرهبة فينا ، وقد أفسح لها صمتنا فى ذلك التوقيت واديا متراميا راحت تندد فيه بخيبة أملها فينا، وبعد أن التقطت أنفاسها اللاهثة راحت تقرأ علينا اللعنة حزنا على إجابتنا التى لا تمت بصلة للنموذج الأصلى للإجابة ( عن البلداء أتحدث) ، كان كل ما تذكرته وأنا جالس أمامها مجرد قبضة سريعة من ذكريات مرت بخاطرى فأشعلت النار فى حياة بأسرهاعشتهاونسيتها منذ ذلك الحين حتى انتهيت إلى هنا وجدت نفسى أمامها أذكرها بنفسى ، بالمدرسة . فى البداية لم تبدى اندهاشا كافيا ، لكن سرعان ما انتبهت لعلها تذكرتنى أو بالأحرى تذكرت صبيا صغيرا يحمل نفس ملامحى ، لذا بدأت تجارينى الكلام وتسألنى عن المدرسة، عن رحلتى فى التعليم ، لكن الوقت لم يمهلها لتعرف شيئا فقد جاءت محطتها الأخيرة ونزلت وانهمكت مرة أخرى فى قراءة الجريدة حتى جاءت محطتى بعد رحلة مقدارها ستة عشر عاما .

مقالات

رواية “المتنبي يعود من جديد ” لـــ عبد الله الجكاني… الخيال في خدمة الواقع / عصام لبحر ـــ المغرب

في أول عمل روائي له، يسبح بنا الكاتب المغربي عبد الجكاني في عالم من الأحداث و المفاجآت، إنها رواية “المتنبي يعود من جديد ” الصادرة حديثا عن دار تسراس للنشر والتوزيع.

حينما يفقد المرء بوصلته في الحياة، حينما يجد المرء نفسه في متاهة مليئة بالذئاب وقلة ممن يحبونه، حينما يكون في

قدرك أن تعيش داخل مجتمع فاسد ومنحط أخلاقيا وفكريا،

حينما يكون الإنسان بلا هدف، أن لا يربطك بالحياة شيء..

هل يستطيع الواحد منا أن يصلح مجتمعا بأكمله؟ أن يفرض

رأيه داخله ؟ ، أم أن المرء مهما تمسك بمبادئه فإنه حتما

سيدخل في قوقعة مجتمعه سالكا مجرة القطيع؟.. كلها أفكار

تراود بطل الرواية ” أحمد”؛ الذي وجد نفسه بلا هدف في

الحياة، فاشلا في كل شيء..

عندما نسلك طريقا آخر غير الذي كنا نحلم به، عندما نسلك

طريقا الإجرام وسفك الدماء، بل حينما يصل بنا الأمر أن نكون سبب معاناة مجتمعات بأكملها.. هل يحدث ونعود إلى

إلى ذواتنا الحقيقية؟ إلى حياة مفعمة بالحب والسكينة؟ إلى حياة تتماشى مع فطرتنا التي جبلنا عليها؟… هذا ما عانى

منه فرانشيسكو أحد أهم عناصر الرواية، الذي تحول من زعيم عصابة “مافيا ” ،يصدر الأوامر بالقتل وسفك دماء أطفال لم تنفتح أعينهم على الحياة بعد، إلى عالم يطيع ربه ويمتثل لأوامره.. يبدو أن الخير انتصر على الشر، وهنا انتصار كبير للخير الذي يسككنا، وأنه حتما أقوى من كل المشاعر الخبيثة التي يتسم بها أصحاب النفوس الضعيفة.. إنها باختصار، تلميح بليغ على  إمكانية التغيير إلى الأفضل

طالما هناك عزيمة وإرادة فعلية نحو الأفضل…

ولا شك أن مجيء قرين المتنبي كان الحدث الأكثر تشويقا في الرواية، ولذلك ارتضى الكاتب أن يضعه كعنوان للرواية كاملة؛ فقد كان بمثابة المرشد الناصح لشباب بلا أهداف، ومنقذ لمجتمع لا ينعمون فيه بأدنى حقوقهم.. ونأخذ على سبيل المثال مقطعا من الرواية على لسان قرين المتنبي : ” إن عالمكم يشهد انحلالا أخلاقيا لا مثيل له..انحلال تغلغل في مجتمعاتكم جيلا بعد جيل.. كل جيل يتخلى عن مبدأ، لينتهي الأمر بأسوأ جيل عرفته الخليقة.. جيل دفع ثمن تخاذل الأجداد، وتهاون الآباء، وتساهل  الأمهات.. جيل أناني، يفكر في مصالحه فقط، فاقد للإحساس بالآخر..جيل ضعيف الشخصية، لا يحسن إلا التقليد واللهو والعبث! سطحي التفكير! يعبد المظاهر الخارجية، يقدس من يحفزه، ويحتقر من يحترمه!..

أنى له أن يكون راشدا!..أنى له أن يحقق العدالة”

في هذا المقتطف الرائع، درس بليغ لهذا الجيل الذي يشهد انحطاطا ما بعده انحطاط،مجتمعات تغرق في ظلمات من الجهل والتخلف، مجتمعات لا تنتج شيئا سوى التفاهات.. فمتى تستيقظ من سباتها وتواكب السير مع قادة الأمم؟

“الخيال في خدمة الواقع “، بهذا المبدأ صخر الكاتب خياله ليذكر لنا مجموعة من الجوانب الاجتماعية والثقافية،التي تعتمر في مجتمع يسوده الجهل والفقر، في مجتمع مازال يعاني من العور الفكري الثقافي.

إن رواية ” المتنبي يعود من جديد ” بحق، عالم ينبض بالحكم والأفكار الجاهزة؛ إذ إن القارئ ما يلبث يأخذ حكمة، حتى ينتقل إلى حكمة أخرى أجدر أن يدركها، ومن فكرة إلى فكرة أجدى وأعمق.

مقالات, شعر

أسئلة الأسماء إثم الليل/شعر بادر سيف ــ الجزائر

لم يعد يفصلني عن غابة المعنى

سوى سر في عيون الموج

لأتوج صيغ الحناء بالجنون

أتهجى خطى الحب

ارحل في دليل الليالي المثخنة بالآثام

افكك رجج الأسماء اللاهثة في عجينة الصحاري

أرجعها أصل اللوثة أسئلة الدروب

و إذا شاخ الوقت تعذر الكلام

أمد بساط السلام

اهوي إلى قناديل الشعر

أطفأ حمى الجدران الهاوية إلى رتل الظلال

استنطق مفردات جامحة

أتسلى بغلال الشتاء

وإذا داهمتني موسيقى الرمال

أدس زند الرؤى دن الخيال

أواسي مجاري الضوء و رياح الأماني

اعلمها لغة العباءات الطرية

انصب لها خيما قرب زيتون العهود

ثم امضي بمجاديف الزمن المترهل

إلى الوجوه السابحة في صحاري الرمق

استل منها نجما يضئ كف الترانييم

ليلك السفر في متاريس البهجة

أعيش هذه الأيام و ضوء القمر

اكسر لفافة العشق

كي يضحك الموت بشفاه غليظة

يرتل معي صلاة الرعاة

يركن دابة الحنين صواري النحاس

بدايات الحياة

ألف الصباح في خرقة المجاري العابثة

اكتب على شمسها تعاويذ الموج

دمع البحر

ابكي كلما ازدانت السنابل بفراشات السهو

و في مهب الشرود

دهشة المطر العابر قرب براعم اليأس

انهي اليوم قرب شبابيك الفصول

وعشب الشهوة

أطرز الأسماء و الينابيع القشيبة

على جلد الغبار

و حينما تنام العصور / القصور / أغصان الجراح

ألوح للجة الفتح بمقافيل السرر المنتهية

وكان الليل نسيجا من صوف

يسامر الأحجار و الكآبة

ليل كنرد يحبل باحتمالات المرايا

ووجوه تتكسر كلما هب صهد التشهي

ليل يرحل قبل الوقت

إلى سكرة المشاعر

يهدهد الأجفان بوسن الغمامات الخفية

يلسع نبض الظلام بنور من شتات المصائر

و يعشق الإثم

بلادة الثلوج ، كنه الرحيل إلى فلزة النخيل

لجسد يكتسي مفارق الرحيل

جسد هزيل

أنهكته السوسنة

يهز جذع الصور القتيلة

المصلوبة فتيل

أنسج من غيمة الفصول طرق الرجوع

اكنس عواصم الوجوه الواجمة

اصبغها تعب الكلام

وطء الصخور و الرخام و البخور

أنمق لمدن العرفان مجاهرة الأسرار و النسور

احلل تركيبة الظلام و القبور

أرتل مع قناع الصبح ما تبقى من دشم الدهور

ألطخ مرآة الجسد الموشى

المبهور تسانيم اللفظ و السرور

ثم امضي بساطة النيام و الشعور

العابث بسحب الخصام

اهمس لفنجان الرفض المهمل المكسور

خرائف المسالك في ضفاف الريب

راسما بريشة الوهم

بمخمل الوهم آية النفور .

شعر

لمثل هذا يلين قلبي/شعر محمد الناصر شيخاوي ــــ تونس

*مهداة إلى روح الشاعر الصغير اولاد احمد
أخاله
و هو من عمره في السادسه
يلهو مع أقرانه
رجله حافيه
مرتع جدب
و جدران بيت هاريه
و أم غير بعيد
ترمقه بعين دامعه
فيدمع قلبي أسى
و تسحبني الذاكره
:” عيال الله ” هم
فقراء و فاقره
خاوية بطونهم
عطشى
ناموا كما البارحه
غطاؤهم جلودهم
حصير بال
و فرش يابسه
منكسرة قلوبهم
أحلامهم خافته
يشدني مشهدهم
إلى الإله الواحد
و الآخره
لمثل هذا يلين قلبي
و ليس لوعظ داعيه
عفا الله عنك يا ابن أمي و أبي
صِلْتُ رُحْمًا غَابِرَه
و أدخلك الكريم فسيح جنانه
قُطُوفُهَا دانيه…

نشاطات ثقافية

نتائج الدورة الثانية لجائزة زهرة زيراوي لإبداعات الشباب

بنفس الوفاء واعترافا بما أسدته الأديبة والفنانة التشكيلية زهرة زيراوي للثقافة والفن، وانتصارا للفكر الحر ،

وفي نفس الموعد تعلن جمعية ملتقى الفن ، وجامعة المبدعين المغاربة ، عن نتائج الدورة الثانية لجائزة زهرة زيراوي لإبداعات الشباب ،

وقد خصصت هذه الدورة لجنسي القصة والشعر ،

حيث استقبلت اللجنة المنظمة للجائزة

البروفيسور محمد رضائي / الشاعر محمد اللغافي / الأستاذة سميرة رضائي / الشاعر أيوب مليجي /

بمجموعة من المجاميع القصصية والشعرية من مختلف الدول العربية ،

أشرفت على تقويمها وفرزها لجنة متكونة من أعلام بارزة في الشعر والقصة والنقد /

في جنس الشعر تكونت اللجنة من ،

الشاعر د محمد علي الرباوي

الشاعرة د مالكة العاصمي

الشاعر د محمد عرش

الشاعر والمترجم نورالدين ضرار

وفي جنس القصة

القاصة د لطيفة لبصير

القاص والناقد د رشيد الإدريسي

الناقد د حسن الغشتول

الروائي د محمد الوادي

أسفرت النتائج عن فرز اسمين في الشعر واسمين في القصة مع التنويه باسمين من كلا الجنسين،

بالنسبة للشعر /

أصابعي درجات بيانو قديم للشاعر سعيد أكزناي الفريُول

أحفروا القلب عميقا للشاعرة فدوى الزياني

في القصة القصيرة

حينما استهلكتني الحياة ولدت للجزائرية بثينة معافة

غرفة المجانين للمغربي حسن الكشاف

………………………….

تنويه القصة

حجر الدومينو ل محمد عبد اللوي

من صلصال كالفخار

صلاح محمد هاشم من مصر العربية

في الشعر

ماذا أرى في البعد: عمر لوركي ( المغرب

عكاز السماء: ضرغام عبد الرحمن من العراق

من المنتظر توزيع الجوائز على الفائزين الأربعة / بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل الأديبة والفنانة التشكيلية زهرة زيراوي خلال شهر نونبر القادم في حفل ثقافي وفني يتخلله  قراءات شعرة وقصصية وفقرات موسيقية الجوائز / طبع الأعمال الفائزة/ إضافة إلى درع الجائزة.

قصة قصيرة

اختلاف بسيط / قصة ممدوح عبد الستار ــ مصر

برفق، وضع يديه على صدري مبكراً، فمسح عني غلالة الليل، وسمعتُ الديوك تبتهل بالدعاء القديم، وانفتح قلبي يسمع ترنيمة البدايات، بعدما غرقتْ الديوك في نقرها المستمر، لتنفتح عين أخرى للنهار.

     الديوك تعلن صيحات الحقيقة الأبدية كل يوم.

        زينتُ وجهي وهندامي، فقد كان هو الآخر مزهواً بنفسه. لم أر ابتسامته هذه منذ فترة. كثيراً ما سألته عن حياد تقاطيع وجهه، فكان يشهق، فتشهق روحي معه، وأصمت لجلال الحزن البائن في عينيه.

     تأبطني هذه المرة، وخرجنا سوياً مزهوين بما لدينا، وكنتُ قد قَبّلتُ زوجتي على جبينها، ولم أفلح في أكثر من هذا. كان يمكن أن أتركها، وأمضي..لكني وجدته يوشوشها بغنج. وأنفاسه قريبة تلسعني في قلبي، وتحفزني لإثبات رجولتي، فرحتي طوت كل فعل سوء أو سوء ظن، فقلبي أبيض اليوم، ولعلها تريد منه شيئاً عصياً لا تستطيع طلبه مباشرة مني، تحرضه، ليضعني في (خانة أليك) فهو عزيز على قلبي، وأثق فيه على كل حال.

 أوصلني إلى عمي، هذه هي المرة الأولى. لوح لي لما دخلتُ، ولوحتُ له بشدة لما بعُد

. قابلني أحمد شرف بلهفة، وأمسك معصمي بعنف:

.      ــــــــ تأخرت كثيراً

        مازلتُ ألوح له بشدة، وهو يبعد أكثر. أوجع أحمد معصمي من كثرة القرص، فأنزلتْ يدي غصباً، فالعميد على بعد خطوات قليلة ينتظرني. الوحيد الذي ينتظره دائماً.

     – آسف. أسف لتأخري. المسافة من البيت إلى هنا كانت طويلة اليوم.

         أستطيع الآن- والآن فقط – أن أتحمّل رذائل الجنرالات والمجانين. سبّ أبي، وأمي، ولعن يوم رؤيته لي. لن أتخلى عن صفاتي هذه اللحظة.

        تخليت بأحمد شرف، وأخرجتُ له شريط لساني الطويل، وقرأ كل حروفه.

      – كان يوشوش زوجتي تصور.

         فعانقني أحمد، وأحسستُ بسعة صدره ودفئه.

         اليوم هو أول الشهر، استلمتُ مرتبي على عجل، وانزلقتُ أغني، مدركاً رغم ذلك خشونة صوتي.

        شيء غير عادي. لمّة. لا بد من إزاحة هذا الحشد قليلاً لمعرفة الخبر. جسد يغطيه دم. ركعتُ أمسح وجه الجسد، والواقفون يحذرونني. الاقتراب منه مصيبة. تبينتُ ملامحه، هذا الذي أوصلني اليوم إلى عملي، وكان يوشوش زوجتي. كان أحمد يقف عند رأسي، فمسكتُ معصمه بعنف.

    – لقد تربصوا به يا أحمد.

        ودعوته أن يساعدني في إبلاغ الشرطة، فعندي من الشك ما يقتلني.

     – سيدي الضابط. أعرفه جيداً. لقد تربصوا به.

        لف الضابط حول الجثة مرات، والتف زملائي أيضاً، ومن واجبي أن أساعد في مصاريف الجنازة. تبرعتُ بمرتبي كاملاً، وجاستْ يد الزملاء في جيوبهم، فصنع أحمد من منديله المحلاوي كيساً. لمحتُ العميد يدس في الكيس بعض النقود، وقد أفسح زملائي له مكاناً ليعاين الجثة أيضاً، لم أعرف أن له قلباً رقيقاً أيضاً. هذه أيضاً زوجتي، ربما أدركتْ بحدسها ما أصابه، أو أنها قد جاءتْ لتطمئن على طلبها الذي طلبته عندما وشوشته به أمامي. إنها تبكي. ابكِ يا زوجتي. إنه عزيز علىَّ أيضاً. لقد كان سعيداً، وأيقظني من النوم هذه المرة بأن همس في أذني بتحنان، وتبسّم. فتش الضابط عن أشياء، حتى عثر على أوراق كثيرة. مسك البطاقة الشخصية، وقرأ بصعوبة بعدما مسحها من بقع الدم.

     – من له صلة بممدوح عبد الستار؟

         الوحيد الذي رفعتُ يدي، وكنتُ متعباً جداً، والعيون تخلع عني ملابسي، وقد التف حولي الزملاء، والعميد. قال الضابط:

    – من أنت؟

        فمسكتُ حافظتي منعاً للإحراج، وصوبتها أمام عينيه، ولم أقو على إخراج بطاقتي الشخصية، فأخرج الضابط صورة من بطاقتي الشخصية، وكان مكتوباً فيها: ممدوح عبد الستار. موظف بوزارة الدفاع، فاعتمد العميد صورة بطاقتي الشخصية، وكان أحمد شرف يعطي زوجتي كيس النقود. *قاص وروائي من مصر

شعر

حب سماوي/ شعر محمد السراوي ــــ المغرب

وحدي كنتُ

شريدا،

تمزقني شوارع مدينةٍ

معا عبرناها؛

تردّني

إلى رؤى بعيدةٍ

إلى أشجان دفينةٍ.

***

تراب هذه الأرض

لم يزل يحملُ أريج الورد

صفاء الود

ينثره

في كلّ الدروب التي

عبرتنا

حالميْنِ.

***

كم كان الكلام وديعا

بيننا

تداولنا أنغامه

رتبنا مفرداته

منحناها معنى طوباويا

يشبه قوافي قصائد الوجع

تلامس الروح

فتشبعها

وتفيض.

***

موسيقى العشق الخفيضة

تحملها النسمات

كي تلبس المسافات..كل المسافات

حبّ مخملي

يُسافر في كلّ اتجاهات الروح

ولا يتعبُ.

***

أنا الضائع الغريبُ

وسْط هذه الساحة القديمة الجديدة

بيد أني يومها

عشتُ

ملوّنا صفحاتي

بجنون العاشق الأقرب.

***

وحيدا كنتُ

كسول الخطى، أمشي

أهدل باسم حبيبتي

وردتي التي ذوبها البعادُ

سارقا مني الابتسامة

والأحلام السخية.

***

لكأن ظلالا من الماضي البعيد

تناغيني

تدغدغني ببشرى غريبة:

هنا / هنالك

في المحطة الموالية

ألقاكِ

أطارد خيوط السراب

أراك في كل الوجوه

وكأنك تختزلين نسوة الدنيا كلهن.

***

آهٍ

تضيق بي الشوارع والحارات

تبعثرني

تمزّقني

مثل عصفور فقد سربه

فانحنى منكسرا

راح يبحث عن آخر الأصدقاء.

***

كمتيّم

تنزف جراحاته

لفصول النأي والصمت

بين العائدين

بعد أجراس المدارس والجامعات

مزهوا بأجمل البدلات

كنت ومازلت حمامته البيضاء.

***

يشتعل القلب ويشتعل

حتى الاحتراق

توجعني الذكرى

ظلال نوفمنبر

كانت الملاذ

أحمل هذا الحب وأكثر

صليبا

رغم الجراح

رغم النزيف

تسبقني ملامحك

إليك

وأنت تسكنين كل الأمكنة

ترتلين أبجديات الأماني

وتهمسين بما يستفزني فيك

من أغنيات.

***

ضفائرك الشقراء

تسحرني

تغذي فيّ كامل الجنون

كولِه مفتون

يشتهي السكن في عينيك

مأخوذا

بصلاة الجفون.

***

سقط القناع

ليت الحقيقة عني تنزاحُ

بعد أن نسفت حبّنا

بأكثر من كبرياء حواء

أيتها الغائبة التي باتت تحتل كل نواة مني

بشتى أسماء الحضور.

***

أجهدتني أسرار هذا الحب السماوي

الذي ما ينفكّ يكبر

مع قطوف الرمان والزيتون

يتوهج مع أوجاع العطش

ومرارة القلق والخذلان.

***

أسمعها

رغم رجْعها الضعيف البعيد

سيدة الحرف والقصيد

بين جوانحي

وجدها يشتعلُ

أتنفس ذكراها اليوم

حدّ اخضرار الدموع

وعدل ما شاغبتْ

ولوّنتْ أوراق حبّ

كان

رافلا

 كإشراقة الوليد؛

ولم يزل مثلما عهدته

على القلب مطبوع.

إصدارات

كتاب “بنية الشخصية في الرواية العُمانية” لثاني الحمداني.. قراءات في الخطاب السرديّ

عمّان-

يقول المؤلف على الغلاف الأخير للكتاب: إن “الرواية عالم حكائي يصوغه الروائي يتخطى فيه واقعاً معيشاً إلى عالم الخيال، ضمن زمن لا منتهٍ يجعل القارئ يغوص في أنواع شتى من المتاهات التأويلية والدلالية”.

ومن هذه الزاوية يتناول المؤلف ثاني الحمداني في كتابه الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان بعنوان “بنية الشخصية في الرواية العُمانية”، دلالات الشخصية التي يقسمها إلى خمس أنماط، وهي: الشخصية الفاعلة ،المهزومة، المأزومة، السلبية والإيجابية ممثلا على تلك الشخصيات بنماذج من الرواية العمانية بتطبيقات تتصل بالسياق الدلالي والبعد النفسي وتطور الشخصية ونموها وهواجسها وخوفها.

ويخص المؤلف تلك الدراسة بعدد من التجارب الروائية العمانية لكل من: عبد العزيز الفارسي، محمد بن عيد العريمي، حسين العبري، جوخة الحارثي وبدرية الشحّي.

يتناول الكتاب الذي يقع في 130 صفحة من القطع الكبير أربعة فصول، يستهل بمقدمة الكاتب الذي يتناول فيها جملة من الدراسات السابقة التي تناولت الرواية العمانية ومنهاجها، ويقف الفصل الأول عند مفهوم الشخصية والراوي والسارد، بينما يخصص الفصل الثاني للعلاقات بين الشخصيات، وفي الفصل الثالث يطل على فضاء الشخصيات، ويختم في الفصل الرابع بقراءة دلالة الشخصيات.

وهذه الدراسة التي يقول المؤلف أنها اتكأت على المنهج الوصفي التحليلي في ضوء المقاربات السردية التي تعنى بالخطاب وبنية الشخصية وإن كانت تمثل نماذج من الرواية العمانية إلا أنها في موضوعها ومنهجها تمثل دراسة تأسيسية ومدخلا لدراسات مشابهة على الرواية العربية وخطابها السردي وعلاقاتها وأنماطها.

ويرى المؤلف أن الشخصية ثمثل حجر الأساس في الرواية ومدماك البناء في كونها تمثّل الحركة وتطوّر الحدث، فهي تعد بحسب الحمداني: “عالما مبنيا بواسطة اللغة”، ومنها تتكون الإحالات الدالة على المكان والزمان والأحداث ومستويات اللغة، فأهمية الشخصية في تكوينها للحدث وتحوّلاته.

ويستهل المؤلف من خلال الإطار النظري تعريف الراوي السارد/ الشخصيات التي “تخبر عن الحكاية، سواء أكانت حقيقية أم متخيلة”، مستندا لعدد من التعريفات التي ساقها النقاد العرب والأجانب ممحصا تلك المفاهيم بمقاربات تراثية ومميزا بين الراوي والمؤلف متوقفا عن أنماط الراوي ووظيفته.

ويقسم المؤلف الشخصيات الروائية إلى رئيسية ومحورية أو أساسية وأخرى ثانوية أو جامدة مسطحة، كما يقسم الشخصيات إلى : مرجعية، تخيلية، عجائبية بحسب ورودها في السياق الاجتماعي وعلاقاتها مع البيئة.

ويشير المؤلف إلى أنه يحاول من خلال هذا الكتاب الخروج عن مألوف الدراسة التاريخية للرواية العُمانية، مركّزا على بعض جوانبها التي تتصل ببنية الشخصية الروائية، وما يتصل بها من عناصر تؤسس للخطاب السردي بشكل عام دارسًا العلاقات بين الشخصيات التي قسّمها إلى: متحولة، ثابتة وظيفية، ولكل من تلك الشخصيات شكل حضورها الروائي وفاعليتها، معرّجا على الفضاء الذي تتحرك فيه الشخصيات من خلال ثنائيات البحر/ الصحراء، هنا / هناك، وثنائية الإقصاء/ الجذب.

وفي تركيز المؤلف على الفضاء الروائي، فهو يركز على البعد الاجتماعي الذي يشكل فلسفة الرواية كوسيلة للتعبير توفر الفرصة لقراءة هواجس المجتمع وأحلامه وقضاياه ومشكلاته وأنماط تعبيره. 

شعر

همسات الروح/شعر عصمت شاهين الدوسكي



أحب فيك نظرتك الساحرة 
وهمسة شفتيك ورقة إحساسك وطيبة قلبك 
أحب أن أذوب في روحك
أحب أن أكون وسادتك وخيالك 
وحرقة شوقك ولوعة الحب في صدرك
أحب أن تشتتيني على جسدك المرمري 
وأبحث عن كل مسامات جسدك 
لأذوب من خلالها إلى أحشاءك 
واستقر فيها للأبد رغما عنك

***********
أحب أن أقبل جبينك وراحتي يديك 
وأدنو من وجهك السحري 
واضع أناملي بين خصلات شعرك 
وامرر بهدوء يديً على وجهك 
كأني أبحث عنك وأنت معي 
أحب أن اقتل رغبتي

في محراب روحك وجسدك 
وأبحث بين ثياب صدرك 
وأناملي ترتعش عندما تلمس 
وتنغمس بلا إرادة مني لشعلة هضابك
أحب أن أكون مرآتك وصورك وفراشك 
أحب أن أكون مشطك وماءك

وقهوتك وشاي صباحك 
أحب أن أكون حلما من أحلامك 
ولمسة من لمساتك 
وخيطاً جميلا في قميصك 

**********
أحب أن أكون

بردا لشتائك ودفئا لصدرك 
وذكرى لا تفارق ذكرياتك 
أحب أن أكون حرقة قبلاتك

وهمسة دافئة لشفتيك 
أحب أن أكون خبزك وعطشك 
أحب أن أكون

الممنوع واللا ممنوع في حياتك 
فهل تقبلين كل هذا الحرمان 
الذي يسكن روحي

وقلبي وجسدي يا سيدتي

قولي كل ما في قلبك .. ؟!

إصدارات

“في خدمة العهدَين” لفايز الطراونة.. شهادات للتاريخ

عمّان-

يتناول كتاب “في خدمة العهدَين”، الصادر حديثاً عن “الآن ناشرون وموزعون” لدولة د.فايز الطراونة، رئيس الوزراء الأردني الأسبق ورئيس الديوان الملكي السابق، مسيرة الرجل الذي تسلم الكثير من المناصب الرسمية على مدار نصف قرن، وساهم في عدد من المحطات المهمة في تاريخ الأردن المعاصر.

والكتاب الذي يقع في نحو 530 صفحة من القطع الكبير وإن كان يمثل مذكرات لحياة رجل تقلّد مناصب عدة في الدولة الأردنية، إلا أنه في مثابة شهادة على حقبة مهمة من تاريخ السياسة الأردنية التي خبرها من خلال رفقة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وجلالة الملك الراحل الحسين بن طلال.

ويقول د.الطراونة أن حرصه على كتابة المذكرات يتأتى من قناعته “بأنّه كلما طال الزمن وطُويت صفحاته، تعذّر التدقيق في سطور الحكايات وتفحُّص التحليلات والكتابات التي تسمّى تاريخاً. فكلمة «التاريخ» رديفة لكلمة «الماضي» بمعنى من المعاني”.

ويقول “هأَنَذا وقد أصبحت في السبعين من عمري، أرى نفسي تلميذاً في مدرسة التاريخ، لكنني لست بمؤرخ. وكلّ مبتغاي من هذا الكتاب الذي أصبح بين أيديكم، أن أوضح أنّ الحكم على التاريخ البعيد، وبالرغم من شواهده القائمة، أمرٌ جدليّ للغاية، بل يزداد جدليةً كلما ذهبنا بعيداً في أغوار الزمن. ولكن، ماذا عن التاريخ المعاصر ونحن شهود عليه وشركاء فيه؛ عشنا أحداثه، وصنعنا وقائعه، وشاهدنا مجرياته، وتفاعلنا مع تفاصيله، وما نزال نكتوي بناره أو ننعم بحلوه حتى لحظتنا هذه؟! لا شكّ في أنّ الجدل سيبقى هنا أيضاً، لأنّ قراءة التاريخ ليس بالضرورة أن تكون موضوعيّة، وكذلك الحديث عنه. فهناك مَن يهتمّ بنتائج الأحداث فيكون واقعياً، وهناك مَن يتمسّك بحبال الهواء فيكون رومانسياً”.

ويتابع د.الطراونة “حين توجّهت للعمل في القطاع العام، بعد تخرجي في الجامعة الأردنية، كان هدفي خوض المعترك السياسي. وقد أتاحت لي الدولة الأردنية، في ظلّ المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيّب الله ثراه، ثم في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله، الفرصةَ تلو الفرصة في هذا المضمار، فتولّيتُ مناصب عدة، في تدرُّج، وشهدتُ محطاتٍ مفصلية في تاريخ الأردن المعاصر، وأرى أنّ ما تجمّع لديّ من معلومات وما تحصّلته من معارف تجاه قضايا ومسائل متنوعة، وما تبلورَ في معتقدي من فكر سياسي عبر سنوات العمل، لم يكن ليتحقق لولا إشغالي هذه المناصب. فهل أحتفظ بهذا المخزون والفكر لنفسي، أم أشارك به -ما استطعت- أبناء جلدتي وأولئك المهتمين في الشأن الأردني من خارج حدود الوطن؟!”

ويقول د.فايز الطراونة ” قرّرت الكتابة والعودة إلى الماضي. فمن واجبي أن أضع بين يدَي الحقيقة والتاريخ ما حدث من وقائع كنت طرفاً أو مساهماً فيها، وخلال ذلك لا بدّ أن أبديَ تفسيري لها ووجهة نظري إزاءها. وللقارئ أن يقبل التحليل أو يرفضه، فهذا حقّه لا ينازعه فيه أحد. ولعل في القبول تصحيحاً لانطباعٍ خاطئ أو مشوَّه تولَّد لديه، ولعل في الرفض أرضيةً لنقاشٍ مستقبليّ يتوق إلى الحقيقة لا إلى سواها.”

ويؤكد د.الطراونة أنه «ابنُ مدرسة الهاشميين، ولا يساورني شكٌّ في أنّ ما أنجزه الهاشميون عبر عقود يمثل ثورةً نهضويةً مستلهَمة من الثورة العربية الكبرى ومبادئها السامية، وأن قيادتهم الحكيمة منذ نشوء الدولة الحديثة في الأردن تمثّل صمّامَ الأمان للمملكة الأردنية الهاشمية، وبوصلةً للأردنيين في عبورهم نحو المستقبل الواعد».

إلى ذلك يشتمل الكتاب على ستة عشر فصلاً تتناول، البدايات ومصادر الوعي الأولى، ثم خطوات على درب المستقبل، ويتعرض الكتاب إلى انتقال د.الطراونة من الديوان إلى العمل الحكومي، ثم  عضوية مجلس الوزراء، والقضايا العربية من غزو الكويت إلى تحريرها والطريق إلى السلام، ومعركة المفاوضات الثنائية والمباحثات متعددة الأطراف، وكيف جرى التعامل مع “أوسلو” والوصول إلى اتفاقية “وادي عربة”، ويتناول د.الطراونة انتقاله من السفارة في واشنطن إلى وزارة الخارجية، ثم العودة إلى الديوان الملكي رئيساً وتشكيل حكومته الأولى، ويتوقف عند لحظة حاسمة من تاريخ الأردن عند عودة الحسين ووفاته، ويلقي الضوء على أحداث دراماتيكية تهز المنطقة والعالم، ويناقش د.الطراونة في الكتاب عدداً آخر من القضايا تحت عناوين منها: «بعيد عن المسؤولية.. قريب من الحدث»، و«الربيع العربي.. خلط الأوراق والنسخة الأردنية»، و«التعديلات الدستورية وتشكيل حكومتي الثانية»، ثم يعود للكتابة عن عمله في رئاسة الديوان الملكي للمرة الثالثة، ومسيرة الإصلاح والتحديث في عهد الملك عبدالله الثاني .

ويختتم د.الطراونة الكتاب الذي اشتمل على عدد من الصور بالقول:” ملِكان من ملوك آل هاشم، الحسين بن طلال وعبدالله الثاني ابن الحسين، سكنا مهجتي وضميري وعقلي، وأقاما في سويداء القلب مني. ملكان عشت معهما أكثر من ثلثَي عمري في الصفوف الخلفية ثم الصفوف الأمامية، وواجهنا خلال ذلك الهينَ والصعب، والحلو والمر، والسمين والغثّ، والخفيف والشديد، والصديق والعدو، والموالي والمعارض، والصادق والكاذب، والأمين والمنافق، والشجاع والجبان، والكريم والبخيل، والوطني والمدّعي، وانهارت عروشٌ من حولنا، وتبدّلت أنظمة، وشهدنا حروباً وقلاقل ومؤامرات ودسائس، وعشنا الازدهار والتراجع، والابتسامات والدموع، والربيع والخريف، وما هانت عزيمة الملكين ولا خبَت ابتسامة التفاؤل عن وجهيهما ولا غابت النظرة الثاقبة الواثقة عن عيونهما، وما انحنى الأردنيّون إلّا لله وظلوا كالرواسي الشامخات».

ويضيف د.الطراونة في خاتمة كتابه في منتدى شومان:

“ليس هناك صفة تمنح الإنسانَ إنسانيته أكثر من التواضع. فالتواضع مؤشر على الخلق الرفيع قبل أيّ شيء آخر. وهذه الصفة أصيلة، تُجبَل في شخصية الإنسان وجوهره، ولا يمكن اكتسابها أو ادّعاؤها أو اصطناعها. وقد تحلّى الحسين الأب، ونجله عبدالله، بهذه الخصلة، حتى إنك تنسى في حضرة أيّ منهما أنه ملك، ولا ترى فيه سوى الإنسان بأرقى صوره وتجلّياته.”

يذكر أن د. فايز الطراونة وُلد يوم 1 أيار 1949 في عمّان، وفيها نشأ وترعرع، حصل على شهادة الدراسة الثانوية العامة/ الفرع العلمي من مدرسة المطران في عام 1967، ثم التحق بالجامعة الأردنية وحصل منها على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد (1971).

عمل في الديوان الملكي الهاشمي؛ مساعداً لرئيس التشريفات الملكية ومديراً لمكتب الملكة علياء الحسين (1971-1980). وخلال ذلك تابع دراسته العليا في الاقتصاد في جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية، فحصل منها على شهادة الماجستير (1974)، ثم شهادة الدكتوراه (1980).

عمل سكرتيراً اقتصادياً لرئيس الوزراء (1980-1984)، ومستشاراً اقتصادياً لرئيس الوزراء (1984-1987)، ووزيرَ دولة لشؤون رئاسة الوزراء (9/1-19/12/1988)، فوزيراً للتموين حتى 24/4/1989، وعضواً في الوفد الأردني لمفاوضات السلام (14/11/1991-15/6/1993)، وسفيراً للأردن في الولايات المتحدة الأميركية (2/1/1993-18/3/1997)، ورئيساً للوفد الأردني لمفاوضات السلام (15/6/1993-25/10/1994)، ووزيراً للخارجية (19/3/1997-17/2/1998)، ورئيساً للديوان الملكي الهاشمي العامر (17/2/1998-20/8/1998)، ورئيساً للوزراء (20/8/1998-4/3/1999).

تولّى رئاسة الديوان الملكي الهاشمي العامر للمرة الثانية (13/1/2000-9/3/2003)، وعُين عضواً في المجلس العالي لتفسير الدستور (4/12/2003-27/12/2004)، ثم أصبح رئيساً للوزراء للمرة الثانية (2/5/2012-10/10/2012)، ثم رئيساً للديوان الملكي الهاشمي العامر للمرة الثالثة (28/1/2013-19/6/2018).

عُيّن عضواً في مجلس الأعيان الثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين، والحادي والعشرين، والثاني والعشرين، والثالث والعشرين، والرابع والعشرين، والخامس والعشرين. وهو عضو في مجلس الأعيان السابع والعشرين منذ 20/6/2018.

رأس مجلس أمناء جامعة الحسين بن طلال (1999-2009)، ومجلس أمناء جامعة آل البيت (2009-2011)، والنادي الدبلوماسي الأردني (5/12/1999-1/12/2003)، والجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط (2011-2012).

يتولّى الرئاسة الفخرية للجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط منذ عام 2012، وهو نائب سموّ رئيس مجلس الأمناء لجائزة الملك عبدالله الثاني لتميُّز الأداء الحكومي والشفافيّة منذ عام 2002 (مركز الملك عبدالله الثاني للتميُّز منذ عام 2006).

يحمل العديد من الأوسمة الأردنية والأجنبية، من بينها: وسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الاستقلال الأردني من الدرجة الأولى، وغيرها.

شعر

لتهدئة خواطر الأشباح /شعر فتحي مهذب ــــ تونس

هذه  المقاطع مهداة الى  الدكتور  الحبيب  الى  قلبي محمد  الدفراوي.

– أطلقت بلبلا من قفص حنجرتي.
شكرني تمثال يحرس بيتي..
بهواجس يولسيس..
(كان ضيفي منذ سقوط أوديب
في هاوية الطابو)..

ا********

أغزو قرى ومدائن
وعلى كتفي ببغاء 
تطارد الكلمات بشراهة..
أبصر ثيرانا مجنحة تتحاور..
نشأت في شقق نظيفة..
تبتلع ضبابا طازجا
ثم تدخل بوابة صدري..
أبصر قسا يستقبل غرقى
في بهو كنيسة..
يصعدون تلة ماضيهم
ويتلاشون.

ا*********

لن أزور تمثال غوتاما بوذا
لأني مفلس ومفتش عني..
تلاحقني تماثيل مسنة..
ونساك عميان وأجهزة الأنتروبول..
لأني قتلت بوذيا في قارب صيد..
اختلست ذكرياته المملحة..
وكيس أرز .

ا**********

أنا وحصاني وكلبي
هربنا من آخر صفحة
في رواية 
الى غابة مجاورة..
ثمة استقبلنا هنود الأباتشي
بقذائف الآربجي..

ا***********

وليمة قصائد
في جحر ترتاده جوقة من الأضداد.
أيل حصد ذكريات صديقته بمنجل.
نسور محنطة دائمة البكاء..
تمثال فر من فضيحة..
جحر أثثته لي سحليات
وزينه غراب بضحكته المريبة.

ا**********

سعيد بصداقة شجر الهندباء..
أنا قارئ جيد لأسرار الهاوية..
أنام مع ذئبة على سرير ضحوك..
بينما غيمة تفر مذعورة من مجزرة
في حانة يرتادها صيارفة من التنك..وباعة شواهد القبور .

ا*********

دائم النسيان
أبتلع شجرة آخر الزقاق..
يرشقني سرب متناقضاتي بفواكه جافة..
يحوم غراب فوق رأسي
بحثا عن شقة أنيقة
مؤثثة بحرير ذكريات حلوة..
آلات موسيقية لتهدئة الأشباح..
امرأة لشن مظاهرة في مرتفعات النوم..
دائم النسيان..
مخيلتي في المستشفى..
يطاردها ممرضون بالعصي..
والهراوات..
وحين يشتد زئير الأضداد
تختفي في مغارة .

ا***********

لم أره الا وأنا سكران
هذا الهواء الذي تحول الى كنغر..
يضرب الباب بحوافره..
يقفز من تلة كتفي الى مخيلتي
يختلس قصائد نيئة..
كنت سأطبخها على نار هادئة..
هاهو يسقط مثل تفاحة نيوتن
من أعلى الرأس ..
مكركرا عظامه الهلامية..
باتجاه شباك جارتي الأرملة
طارقا بابها مودعا قصائدي 
بين ظهرانيها ..
طعاما لرهائن لم يولدوا بعد..

ا***********

أعذروني
أنا في تابوت
في مقبرة مهجورة..
أهاتف طفولتي التي قتلوها
في قطار نائم يتنفس بصعوبة..
ان شئتم
اتصلوا بي من خلال موميائي الحنونة .

ا************

حياني ميت
من شباك المشرحة..
كان يحاضر في رواق الأبدية..
أنا بانتظار زوجتي آخر الأرض..
لتسلمني مفاتيح الخميلة..
تشيعني دموع الموتى..
الى كهفي القديم .

ا************

مثل نيزك 
ابتسم لي حظي الأعمى..
اختلست مصباح علاء الدين
من طائرة صغيرة
تنام في مخيلة قس..
صرت مربي خيول في شقق ضحوكة..
رائدا جيدا لفضاء اللازورد..
صديقا صميما لخيميائيين ومهربين..
ونجوم متهتكة 
تخبئ نقودها في حديقتي..
لا أدفع الضرائب للأشباح..
لا أمشي وراء جنازة الأضداد..
يحترمني ناس كثر..
جبلوا من قش الحداثة..
تنحني لي ذئاب المستنقعات..
ويلمع حذائي كبير الدببة
يحملني أسخيليوس على ظهره
(في زقاق ضيق) .

ا**************

أنا ميت منذ قرون
يحرسني جنود أفارقة..
ويزورني قس مرة في الأسبوع..
يهديني ملابس نظيفة في عيد الشكر..
لا أخرج الا نادرا الى مقهى أو حانة
أروض متناقضاتي في دار الأوبرا..
وأغني لهاديس في مظاهرة..
أو في رحلة صيد مروعة
داخل غابة الذكريات ..
أنا متورط في جريمة نسيان..
سأقتل اوزة بيضاء يوم القيامة..
وأبيع قوارير عطر فاخرة للملائكة.
سأبحث عن باخرة ضريرة
فرت على ظهر حصان من محرقة
هتلر .

إصدارات

مجموعة “ملابس أميركية” لدينس أبيلا.. موجز تاريخ الخوف والعطش

عمّان-

“ملابس أميركية”، هو عنوان المجموعة التي اختارها الشاعر والمترجم الشاعر فخري رطروط للشاعر الهندوراسي دينس أبيلا المقيم في كوستاريكا.

وتشتمل المجموعة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” على ثلاثة أقسام، هي: “حديقة الرماد”، “موجز تاريخ العطش”، و”الحلم الأميركي”، وتنضوي تحت تلك الأقسام عناوين القصائد التي جاءت كمحطات في حياة الشاعر وحياة الناس في أميركا اللاتينية ومعاناتها مع الجوع والفقر والقهر والخوف.

ومن العناوين: “جولة في مدينة مدمرة”، “صدمة الأيام”، “مذاقات فاسدة”، “تفكيك الخوف”، “أقاربي القتلى”، “الوحش”، ” موجز تاريخ العطش”، “ملابس أميركية”، “الجانب المظلم”، “كيف يمكن أن يسمى بلد بهندوراوس”.

لم تكن خيارات المترجم رطروط عفوية بل في منتهى الوعي واليقظة التي تلتقط المتشابه في الوجع على اختلاف المكان والزمان. ليشعر القارئ وهو يقلب صفحات المجموعة أن الشاعر يقيم بين ظهرانينا، ويصور بعين الكاميرا ما يراه في الحارات والشوارع التي حزّتها الحروب والكوارث.

وقد أثبت المترجم دافعه لترجمة الكتاب في المقدمة الضافية التي استهل بها المجموعة، لافتا إلى أن كتاب “ملابس أميركية”، لا يبحث فيه الشاعر دينيس عن استعراضات بلاغية لا تترك أثرا في القارئ، بل يتحدث عن واقع حقيقي، وعن طريقة العيش وعن الأحلام، وإعادة استعمال الأشياء التي تغزونا، سواء أكانت ملابس أو أفكار أو يورانيوم منضب.

وأحد ثوابت الكتاب الذي يقع في نحو ثمانين صفحة ، كما يقول المترجم: بأنه لا يقاوم الزمن، ولا يمحو الندوب والضربات والمأسي، بل يحاول استثمار هذا الغزو في صناعة الأمل والمسقبل.

ويقول الشاعر:

“أقسم

سأرحل عن بلدي كلما كان ذلك ضروريا

جسدي جواز سفر

والندوب، هي الأختام على صفحاته”.

يكتب دينس عن الطفولة المحرومة التي تغطي جسدها بالملابس المستعملة التي يعرف الشاعر فيما بعد أن تلك الأزياء تسمى “ملابس أميركية”:

“كنا في العيد سعداء بسبب عروض الملابس

ملابس لعيد الميلاد الرابع والعشرين من ديسمبر

وملابس لرأس السنة

بعد سنوات عرفت بأن الملابس الأميركية والملابس المستعملة تعني الشيء نفسه

عزيزي صاحب القميص الأصلي

لو تعلم رغبتي بمعرفتك لأخبرك بأن قميصك

لبسته حتى آخر يوم في طفولتي”.

وينتقل من أجواء الطفولة البريئة والحالمة إلى مناخات الخوف، حيث تتحول الملابس المستعملة إلى حلم بالهجرة، والتي تكون محفوفة بالخوف والموت من العصابات التي تصادر أرواح الشباب وتباع أعضاءهم بالمفرق، وتُغتصب الفتيات، ويقول المترجم:

مواضيع الكتاب تبحث عن عالم أفضل، وأسباب إجبار رجال ونساء الجنوب الفقير بالبحث دائما عن الشمال المتقدم، حيث الأحلام تتحقق، وإن لم تتحقق فالصراع للبقاء على قيد الحياة.

ويقول الشاعر في قصيدة “الحدود الأولى”:

“ولدت في أميركا الوسطى

أنا شراع قارب المحرومين

أطلق ذكرياتي مثل ضربات قلب كهل على مفترق طرق”.

ويعيد سبب كل ذلك العناء والوجع إلى تلك التحولات العاصفة التي فعلها الوحش الامبريالي بهندوراس الوادعة ، الجميلة، ولعل جمالها كما قيل في أحد مشاهد الأفلام الهوليوودية هو الذي أثار شهوة الذئاب.

ويقول الشاعر:

“في الصف الثالث

علمونا أن هندوراس تخلو من البراكين

لمواساتنا كانوا يقولون لنا: لكننا البلد الأكثر جبالا في أميركا الوسطى

خصوبة الأرض تأتي من مكان آخر

……

في النهاية ليس مهما أن جبالنا ولدت عمياء

هذا الجزء من العالم تعلم أن يتقيأ إل الداخل”.

يشار إلى أن الشاعرمن مواليد تيغوسيغالبا عام 1981، صدرت له مجموعات شعرية عدة، هي: «المتسربة» (2000)، و«مفاهيم للحب» (2005)، و«ربما أكثر من أي وقت مضى» (2008)، و«هندسة ابتدائية» (2014)، و«الطفولة شريط من الطقوس» (2016)، إضافة إلى روايته «انقلاب السقّالة». تُرجمت قصائده إلى لغات عدّة من بينها الإيطالية والعربية والإنجليزية والبرتغالية. وهو يقيم منذ 2007 في كوستاريكا.

أما المترجم فخري رطروط فهو شاعر ورسام ومترجم أردني، مواليد الزرقاء، الأردن، 1972، حاصل على شهادة البكالوريس في اللغة العربية، جامعة اليرموك، الأردن، عمل مدرّساً في مدارس مدينة أريحا في فلسطين، انتقل إلى نيكاراغوا في أمريكا الوسطى، يعمل كتاجر أقمشة منذ عام 2000، صدر له في الشعر:

جنة المرتزقة، صنع في الجحيم، 400 فيل أزرق، البطريق في صيف حار، تحت جناحي الممزق تستريح الريح.

صدر له باللغة الإسبانية (جنة المرتزقة)، ومختارات (طبول الرب) في كوستاريكا والإكوادور، شارك في عدة أنطولوجيا باللغة الإسبانية، ترجمت بعض أعماله إلى الإيطالية والتركية والرومانية، شارك في مهرجانات للشعر العالمي في كوستاريكا ونيكاراغوا والإكوادور وغواتيمالا وكولومبيا والسلفادور وهندوراس والمغرب.

شعر

ماذا أهديك /شعر محمد الناصر شيخاوي ـــ تونس

*مهداة إلى زوجتي الحبيبة بمناسبة عيد المرأة


احترت ماذا أهديك 
في عيد ميلادك السعيد
يا توأم الروح 
و نبضا في وريدي
يا صديقتي 
يا حبيبتي 
يا أم البنين و الوليد
يا فجر عمري و غروبه 
يا أجمل المواعيد
يا عنوان سكني 
و سكوني 
يا صندوق بريدي 
شاخ الزمان 
و أنت بعد طفلة ..
فراشةتلهو 
فِي ضَيِّ الْأَنَاشِيدِ
من شمسك الوضاءة 
مُدَّتْ ظلالي 
و من حروف اسمك
نَبْعُ أسانيدي 
بوركت حيثما كنت 
جسدا و روحا
و حسبي
أن تكوني حبيبتي 
ما دمت حيا   
و يوم العرض على المليك.

حوارات

علي السباعي : القصة القصيرة فن مراوغ وحصان جامح/حوار أمجد مجدوب رشيد ـــ المغرب

علي السباعي قاص عراقي،الولادة والمنشأ إنساني الهوى،عرفته منذ 2014 هذا القاص المتميز  تعرفت عليه من الفضاء الأزرق،وامتدت هذه الصداقة سنوات وقرأت له،وشغفتني كتابته بدأت ثمارها تنضج، فكان كتاب ((السرد ومرايا الذاكرة)) ط1-2016.وفي هذا الكتاب الذي جعلت له نصيبا منه درست قصصا من مجموعته:”مدونات أرملة جندي مجهول” وركزت على نضاله ضد مسح الذاكرة،وهذا يكاد يكون مشروعه الوجودي، وظهرت له مجموعته :”إيقاعات الزمن الراقص” ولم يكن الكتاب قد ارسل للطبع ،فأضفت دراسة عن هذه المجموعة وكانت بعنوان:”العجائبي والرمزي في الكتابة القصصية ،قصة عرس في مقبرة” .وحضر في كتابي الجديد (( السرد :الأنساق السيميائية والتخييل)) ط 1/2019 بالعراق..حيث تناول الكتاب تجربته القصصية في سياق تجارب قصصية عربية أخرى ( خمس تجارب خليجية و سبع  أخريات  من  باقي الدول العربية) وهكذا تم مقاربة أعماله القصصية ومن أهمها مجموعته: ( (  مسلة الأحزان السومرية )) .

نقدم للقارئ الكريم قبسا من تجربة هذا المبدع من خلال الحوار التالي والذي يحمل خبر فوزه بالمرتبة الثانية في مسابقة للقصة القصيرة جدا والتي عل إثرها تم إصدار كتابه القصصي: ( ( ألواح .. من وصايا الجد   )).ط11/2019.

كيف يُعرفُ علي السباعي الكتابة القصصية؟

فن أدبي قديم رفيع جامح مراوغ عالمي، أبصر النور حكاية مكتوبة مستمدة من الواقع تسجل أحداثاً مر بها الإنسان فتح فيها عينيه على مشهد الكوارث وعايش الحروب الطويلة في فترة معينة من الفترات سواء كانت أحداثاً كبيرةً أم حدثاً واحداً، وهذه الكروب والكوارث تركت في نفس المبدع أثراً، فكتبها لتعبر عن حياته ومشكلاتها، لتلبي حاجاته الإنسانية والاجتماعية والنفسية بسردها للأحداث والوقائع، ولكونها فن مراوغ وحصان جامح، لابد لها من فارس بارع وماهر يكبح جماح فرس القصة القصيرة، هذه الفرس الحرون المشاكسة المراوغة الجميلة الرائعة جعلت مهمة المبدع أن يربطنا بالآم الإنسان الرئيسة في هذا الكون.

حصلت مؤخراً على المركز الثاني في مسابقة القصة القصيرة جداً دورة نظمتها منشورات أحمد المالكي بالعراق. ماذا حملت هذه المناسبة لك؟

حملت لي آلاماً جديدةً وأحزاناً إضافيةً وأعباءً كبيرةً وقارئاً نابهاً جديداً يقرأ هذا الفن الأصعب بعد انحسار الضوء عن القصة القصيرة.

” ألواحٌ . . . من وصايا الجد ” مجموعة قصصية تضاف إلى مجاميعك القصصية:( إيقاعات الزمن الراقص، زليخات يوسف، بنات الخائبات، مدونات أرملة جندي مجهول، ومسلة الأحزان السومرية . . . )، وغيرهن. هل تقترح في هذه المجموعة نمطاً آخر للكتابة؟

ج3 /  رفعت راية القصّة القصيرة جداً خفاقة مرفرفة بقصص مفعمة براهنية العراق الذي أعيشه قصصاً كتبت كل يوم حياة العراقيين، وعشت بكتابتها مليئاً بالعراق، حاولت بكتابتها أن لا أسجن نفسي في نمط قصصي معين لجأت إلى البراءة الصافية في تدوينها، و” غاية الأدب هي أن لا يطلق الغبار بل الوعي ” مثلما علمني صديقي ” وول سوينكا ” بذلك يكون جوهر القصة التي أكتبها يتمحور حول عذابات الإنسان في عالمنا الموغل في الخراب والاضطراب والحروب والمجاعات والمذابح والممتلئ بالمأزومين والموتورين والمتوترين والمضطهدين والهامشيين هو عالم القصة القصيرة المثالي باعتبارها أداة متميزة فنياً وإبداعياً على مقاربة هذا العالم، إنه عصرها، عصر قصص بمنزلة برقيات من الجحيم العراقي  وتعتبر بامتياز ملحمة الإنسان المتمدن في هذه الحياة. إن الأساس في الأجناس الأدبية هو الإبداع، والدافع لوجودها هو المكان الملائم للحديث عن قضايا الإنسان، ويملك كتابها صفة كونهم باعثي الحياة في نصوصهم الإبداعية، لأنها تفتح باباً للإطلاع على المعاش وتمزقات الواقع، وأعتبرها أقرب ما تكون لما يقوله العرب البلاغة في الإيجاز، معرباً فيها عن اعتقادي بأن القصة القصيرة جداً في شكلها الحقيقي تجسيد للبلاغة في الإيجاز. اعتمدت ما اعتمدته العرب قديماً الحبكة الحكائية حتى في التوصيف وبث الرسائل والأخبار، لأنها تعبر عن الحالة العراقية ليس من واقع سياسي ثوري فقط، وإنما انعكاس الحالة السياسية على الإنسان في حياته الاجتماعية وسلوكياته، لكنها مازالت تحتاج إلى غاية واهتمام اكبر من المثقفين باعتبارها الصورة اليومية التي تعكس مفارقات مجتمع مليء بالمتناقضات، القصة القصيرة جداً هنا تمثل حالة وطن معذب.

ما سر هذه العودة إلى التاريخ والحضارة العراقية القديمة؟

” ألواحٌ . . . من وصايا الجد “

“زليخات يوسف “

 “مسلة الأحزان السومرية “

…لأن الحاضر سيء وعائم وبلا جذور، هي دعوة للعودة إلى الجذور حتى لا نكون سطحيين لأننا أصحاب حضارة عريقة وكل ما هو قديم أصيل وجيد وخلوق وخلاق ومبدع … وهي محاولة مني لللفت نظر الشبّان لماضيهم العريق ولجعلهم يتكؤون على أرث حضاري عميق وغني وثر وعريق..

ماذا يمكن أن يقول القاص علي السباعي عن واقع القصة في العالم العربي؟

تراجع جنس القصة القصيرة في العالم العربي مؤخراً إلى مراتب متدنية مقارنة بالرواية التي باتت تعيش ذروتها، هجر الكتّاب للقصة القصيرة جعلها تعاني من أزمة حقيقية، يلمسها كل مشتغل ومهتم بالكتابة الإبداعية، رغم وجود الكم الكبير من المجموعات القصصية على رفوف المكتبات العامة والتجارية، إلا أن اهتمام القراء محدود جداً بها، فالأولوية للرواية، كما انحاز النقاد لتناول الروايات والكتابة عنها، فهي موضة العصر، وسيدة الرفوف، وحلم كل كاتب أن يقال إنه روائي.

لمن يقرأ علي السباعي؟

أعتبر نفسي قارئاً للشعر وللسرد العراقي والعربي والعالمي ، وأقرأ لكبار كتاب القصة والرواية في العالم اللذين تفتح كتاباتهم على روحي وعوالمها أبواباً، أقرأ عراقياً لفؤاد التكرلي وعبد الملك نوري ومهدي عيسى الصقر ونزار عباس وغائب طعمة فرمان والشاهق محمد خضير وعبد الستار ناصر وعبد الرحمن مجيد الربيعي وكاظم الأحمدي وعبد الخالق الركابي واحمد خلف وجليل القيسي وعبد الإله أحمد وفهد الأسدي وغيرهم من كتاب العراق فضلاً عن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ويوسف السباعي وعبد الرحمن منيف والشاهقة نوال السعداوي وادوارد الخراط وإبراهيم أصلان وجمال الغيطاني وصبري موسى وزكريا تامر وعبد السلام العجيلي وواسيني الأعرج وياسمينة خضرا والطاهر وطار وأحلام مستغانمي، ولعبد الكريم برشيد وعبد الكبير الخطيبي ومحمد شكري ومحمد زفزاف  وغيرهم من العرب، فضلا عن الكبير دوستويفسكي وتشيخوف وكوكول وبوشكين وأدغار ألن بو وموبسان وميلان كونديرا وارنست همنغواي وجون شتاينبك وديفيد سالينجر وغابريل غارسيا ماركيز وكاليفينو وباتريك زوسكند، وغيرهم من كتاب العالم وروائييه. هذا التلاقح العراقي والعربي والعالمي، هو الذي تمثلته كي يكون معيناً لي في عملية الإبداع، فضلاً عن تجارب حياتية، وما قد يصلنا من تجارب الآخرين على المستويات كلها، ويجب أن لا ننسى موهبة الكتابة وهذا الإصرار الشغوف بأخذ موقع في هذا الخضم الهائل من مختبرات الإبداع وعوالم الكتابة المعذبة والجميلة في آن معاً.

بماذا تحلم أيها القاص؟

أَنْ أُخَلَّدَ كما خُلِّدَ الأُلى من قبلي .

*ناقد مغربي

إصدارات

“رسائل إلى كارلا” للأمجد بن أحمد إيلاهي.. أسئلة الكتابة الجارحة

عمّان-

“رسائل إلى كارلا”، هو عنوان الكتاب الصادر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان للشاعر والفنان التشكيلي التونسي الأمجد بن أحمد إيلاهي.

وكارلا هي المرآة والظل الذي يناجيه الكاتب، وربما هي الوطن أو صورة الآخر، وفي كل الأحوال هي الاسم السري للوجع الذي يبثه إيلاهي في موجات الفضاء حينما تجرحه الوحدة ويحزّ قلبه الحنين والألم الذي يفرد جناحيه على مساحة البلاد العربية، والوحش الامبريالي الذي يمضغ بمسنناته عظام الناس.

ورسائل إيلاهي لا تشبه رسائل عبد الحميد الكاتب في إنشائها الثقيل لإيقاع الدواوين وبروتوكولاتها الرسمية، وصناعة بلاغة الإطناب والإطوال والإكثار، ولا تشبه رسائل غادة السمان لغسان كنفاني أو رسائل مي زيادة أو حتى رسائل سارتر لسيمون دي بوفوار، فهي ليست مراسلات متبادلة بل صوت من جهة واحدة، يتلاشى في الكون ويذوب فيه، ولا يجد جوابا.

وهي رسائل كتبت لكارلا، التي ربما رآها للحظة، أو تهيأ له ذلك، ولكنها كتبت للجمع وليس المفرد، وأرسلت إلى لا أحد، لأنها رسائل لا ترتجي إجابات، بل هي إجابات ناجزة لأسئلة جارحة ومستفزة، ولا تقل عن الرسائل استفزازا سوى المقدمة التي كتبها الشاعر والروائي التونسي سامي نصر بنصل سكين على راحة يده.

ربما هو نوع من الرسائل الوجدانية التي يبثها الشاعر للغائب الموجع والوجع الحاضر فيه، يهدهد أحزانه، ويهدهد أحزاننا حينما يتشابه طعم الوجع في حلق القارئ والكاتب معا.

وفي تلك الرسائل يدوّن إيلاهي أسطورته باسم كارلا التي تتماهى مع الوطن والأم، وهو يكتب تلك الصور بحس الرسام الذي يحفر بالسكين بروح الشاعر وقلب المقاتل، وبين تلك الصفات والأسماء تتبدّى التناقضات، ليكون الواحد في صورة المتعدد بتناقضاته وتضاداته، كما يقول: “أنا كل هؤلاء واحدا واحدا، بمفردي، فتعددي ليستقيم الحوار”. فالتناقض هو الذي يمثل الوعي كما يقول: “لست شخصا واحدا لأكون على الوتيرة نفسها والمزاج، أنا أكثر من شخص”، فهو كما يصف نفسه “راعٍ ومتمدن وآخرون كثر”؛ الراعي الصارم الغاضب من الطريق التي أدمت أقدامه الحافية، غليظ الصوت، حزين، وهو الحضاري في الصورة الآخر الذي ربته المدن الكثيرة بما رأى وجرّب وعرف من طباعها المخاتلة.

ويكتب عن الصحراء التي تحضنه ولكنها تمتد من داخله، ويكتب من مكان، ولكنه يعيش بظلال سيكولوجية المكان الأول الذي  أصابه بجرح ومقتل.

ويكتب عن الحب والشعر بتعريفات طازجة كفاكهة قطفت للتو عن صدر أمها الشجرة، وأحيانا تكون تلك الفاكهة واخزة كثرة الصبر أو ساق الوردة تدمي اليدين.

ويشتق من خلال تلك النصوص جمله ومفرداته وتشبيهاته الخاصة التي تحمل ملامحه وجوانياته، وتنطوي على مفارقة ووخز للسائد، ومنها: “عرس الذئب”،”كتبة قصف عشوائي”، “وجوه الخشب لا تصدأ”، “الناس يكذبون بقوة مئة حصان”، “أرجم الوقت بالحجارة”، “السراب لا يصبح ماء ولو نفق البعير”، “اليد الواحدة لا تصفق ولكنها تصفع وتصافح”..

ويذهب إلى تعريفات خاصة به، ومنها: “الحب لعنة الطيبين وأصفاد الشعراء”، و”الشعر تابع لهذا الوحش الموغل فينا، نصلا بعد نصل، ورصاصة بعد أخرى..”، أما الثورة كما يراها، فهي كما يقول حلم رومانسي يقطفه الكائن من صفحة السماء نجمة نجمة، فالثورة والشعر والحب هم أبناء حكاية واحدة، وأمهم الحب: “فالحبُّ ليس خُرافةً أو أحجية، وليسَ مملوكًا بسوقِ نخاسةٍ، نبتاعهُ لنُذِلّهُ. هو ما لا يمكنُ حصرهُ في الوقتِ مثل حياتِنا”، أما الثورة يا كارلا، كما يقول: فهي “شأن لا علاقة له بالتوحش والقتل والخراب الذي نراه اليوم”، ويقول: “عليك أن تعلمي أن الحب هو الشيء الوحيد يا كارلا الذي لا تمنحه الصحراء، ولن تفعل”.

في تلك الرسائل كثير من الشعر، والسرد والألم والوجع، والمعنى والوصف والتصوير الحسي والنفسي الذي يجعل مرآة ليس للكاتب، بل صفحات تتراءى عليها صورنا.

وفي واحد من حواراته الصحفية يستعير إيلاهي من الفيلسوف الألماني فريدرك نيتشه: “إن الفنُّ يقول لنا لكي لا تقتلنا الحقيقة”، “وأنا أعمل للشّعر وبه وله وما دون ذلك فهو ترفيه، والشّعر بالنّسبة لي أسلوبُ حياة وأكثر وأداة مقاومة لمن لا مسدّس له سوى العقل والذّائقة، الشعر هو ملاذنا الوحيد بعد أن احتلّتنا الامبرياليّة، والشّعر هو البوصلة للخروج من دائرة الموتى الأحياء وهم أغلبية في عالمنا العربي المرير، وهو محرار الحياة للقلّة من قرّاء الشعر ومريديه في كل زمان ومكان.

يشار إلى أن الكاتب، أستاذ في الفنون التشكيلية، خريج المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة، صدر له في الشعر : “مسافات ديمقراطية”، “يساري الهوى قلبي”، و”لا وقت لي”، عمل مدرسا في غير بلد عربي، بينها السعودية والإمارات ويعمل حاليا في صحار بسلطنة عمان.

دراسات

قصيدة (سيدة الأعالي … أزيلال ) للشاعرة المغربية خديجة برعو : أزيلال في أعالي القلب والسماء/مجدالدين سعودي ـــ المغرب

الشاعر والناقد المغربي مجد الدين سعودي

برولوغ
_ _ _ _ _ _ _

خديجة برعو …
شاعرة السلام وعشق الوطن ..
أحبت الشعر منذ صغرها وتأثرت بشعراء كبار وسموا مسيرة الشعر العربي بالفخر والتجديد (أدونيس ،سميح القاسم ، نزار قباني ، محمود درويش و غيرهم … )…
أبحرت في روايات أدباء كبار أمثال نجيب محفوظ و حنا مينة …
الشعر يسكن قلبها ومشاعرها وتفرح وتحس بدهشة الابداع وروعة العر عندما يتحول إلى أغنيات تهتف بالسلم ومحبة الوطن والقيم الإنسانية النبيلة …
والشعر بالنسبة لخديجة برعو رسالة للسلام و العفو و التسامح و نبذ العنف …
عاشقة للوطن ومتشبثة بالقيم الإنسانية ومدافعة فن التسامح الديني …
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في السيرة الذاتية
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

خديجة برعو خريجة معهد علوم الآثار بالرباط ، تخصص شعبة المتاحف …
شغلت منذ التحاقها بقطاع الثقافة في مارس 2001 عدة مهام من قبيل الإشراف على قطاع التراث و التنشيط الثقافي و إدارة دور الثقافة ….
تقول خديجة برعو في حوار معها : ((هذه المهام الثقافية أكيد حفزتني على الإبداع في شتى صوره من سينما وكتابة السيناريو و شعر وتصوير فتوغرافي….وإن كانت بداياتي مع الإبداع تعود لمرحلة الطفولة … 1)).
سبق أن ترأست لجنة تحكيم المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة في دورته التاسعة…
شاركت كعضو تحكيم في مهرجانات سينمائية أخرى…
كما تم تكريمها وتتويجها سنة 2018 من طرف نادي الصحافة وجمعية أجيال المستقبل للتربية والتنمية كامرأة السنة…
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في العنوان
_ _ _ _ _ _

يقول الناقد والكاتب هشام غازي عن قصيدتها (سيدة الأعالي … أزيلال) : ((و هي المجذوبة السالكة في مدارج عشق هذا الوطن، المتبتلة في محرابه؛ لينطلق هذا السفر الشعري العرفاني، غير أن المفرد بالعرفان، الموصول بالعشق، المتصف بصفات الجلال و الكمال، المحجوب عن أعين الخونة و المارقين و الفاسدين، هو هذا الوطن الذي فني رسمه، و استوى اسمه في ذات الشاعرة … 2))
جاء في الموقع الرسمي للمديرية الإقليمية لوزارة الشباب و الرياضة -ازيلال- 2014: (( توجد مدينة أزيلال الصغيرة، بين إقليمي بني ملال ومراكش، في الأطلس الأعلى.. وهي بحكم موقعها في سلسلة جبال الأطلس، محاطة بسلاسل جبلية وهضاب. وبين هذه الجبال انفجرت عيون وانهار ووديان، تضفي على المدينة هالة من الجمال والشموخ، وأسبابا إضافية للعزلة التي تعودتها المدينة منذ سنين بعيدة. الإقليم يتوفر على خصائص جمالية وطبيعية مثل شلالات “أوزود” الشهيرة، ووفرة الثروة المائية، وغنى الفلكلور الشعبي، والصناعات التقليدية، بل تعرف الجهة بأنها من أغنى مناطق المملكة بالمخطوطات والآثار،. “توجد بالاقليم مناطق جبلية خلابة، ومناخ جاف وصحي، يستهوي الكثيرين من أجل الاستجمام والعلاج من أزمات الربو وغيرها، كما تتوفر على مناطق تاريخية، ورصيد أركيولوجي مهم، مثل بوكماز ايمينفري بدمنات (70 كلم غرب أزيلال)، وشلالات أوزود (36 كلم في اتجاه الغرب أيضا)، وهو المكان الطبيعي الذي يبهر الناظرين، والغني بثروة الحفريات والمنحوتات… ))

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في التشبث بالحلم الجميل
_ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الذات الشاعرة تعتز بتطلعها نحو الأعالي والسماء لتحرس الأحلام الجميلة :
(( أنا سيدة الأعالي
أعانق أبواب السماء
وأحرس أحلام كل مساء ))
عكس شاعر فلسطين الكبير محمود درويش الذي يخاف على حلمه :
(( نَخَافُ عَلَى حُلُمٍ : لاَ تُصَدِّقْ كَثِيراً فَراشَاتِنَا
وَصَدِّقْ قَرَابِينَنَا إِنْ أَرَدْتَ. وَبوْصَلَة الخَيْلِ صَدِّقْ، وَحَاجَتَنَا لِلشّمَالْ
رَفَعْنَا إِلَيْكَ مَنَاقِيرَ أَرْوَاحِنَا. أَعْطِنَا حَبَّةَ القَمْحِ يَا حُلْمَنَا. هَاتِهَا هَاتِنَا
رَفَعْنَا إِلَيْكَ الشَّواطِئَ مُنْذُ أَتَيْنَا إِلَى الأَرْضِ مِنْ فِكْرَةٍ أَوْ زِنَا مَوْجَتَيْنِ
عَلَى صَخْرَةٍ فِي الرِّمَالْ
وَلاَشَيْءَ، لاَ شَيْء. نَطْفُو عَلَى قَدَمٍ مِنْ هَوَاءٍ…هَوَاءٍ تَكَسَّرَ فِي ذَاتِنَا
وَنَعْرِفُ أَنَّكَ ترْتَدُّ عَنَّا، وَتْبنِي سُجوناً تُسَمَّى لَنَا جَنَّةَ البُرْتُقَالْ
وَنَحْلُمُ… يَا حُلُماً نَشْتهِيه, وَنَسْرقُ أَيَّامَنَا مِنْ تَجَلِّيهِ في ما مَضَى مِنْ
خُرَافَاتِنَا
نَخَافُ عَلَيْكَ ومِنْكَ نَخَافُ. آتَّضَحْنَا مَعاً، لاَ تُصَدِّقْ إِذَنْ صَبْرَ زَوْجَاتِنَا
سَيَنْسُجْنَ ثَوْبَيْنِ, ثُمَّ يَبِعْنَ عِظَامَ الحَبِيبِ لِيَبْتَعْنَ كَأسَ الحَلِيبِ لأَطْفَالِنَا.
نَخَافُ عَلَى الحُلْم مِنْهُ وَمِنَّا. وَنَحْلُمُ يَا حُلْمَنَا. لاَ تُصَدِّقْ كَثِيراً فَرَاشَاتِنَا !))

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في شموخ الشمس والدفء:
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

يقول محمود درويش في قصيدته (
(( وأدركنا المساء ..
وكانت الشمس
تسرح شعرها في البحر
وآخر قبلة ترسو
على عيني مثل الجمر
خذي مني الرياح
وقبليني
لآخر مرة في العمر
وأدركها الصباح ..
وكانت الشمس
تمشط شعرها في الشرق
لها الحناء والعرس … ))

لكن مع الشاعرة خديجة برعو ، الشمس – الدفء تغسل كل أوجاع الناس وتدفئ الأرواح :
(( أنا حبيبة الشمس
تهديني طلعتي الأولى
تداعبني أشعتها الفيحاء
أزيلال ))
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في التشبث بالهوية
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

يقول نزار قباني في قصيدة (ورقة الى القارئ) عشق الوطن : 
(( أنا لبلادي … لنجماتها
لغيماتها …للشذا …للندى
سفحت قواوير لوني نهورا
على وطني الأخضر المفتدى
ونتفت في الجو ريشي صعودا
ومن شرف الفكر أن يصعدا
تخليتُ حتى جعلت العطور
ترى ويشم اهتزاز الصدى))

الذات الشاعرة متيمة بعشق أزيلال التاريخ والمكان والهوية :
(( أنا سيدة الأعالي
أنا البكر الشامخة المعطاء
أنا الأرض والسماء والهواء
أنا الشعر واللحن والحلم
أزيلال ))
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في النضال والكفاح
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الذات الشاعرة ترسم صورة المدينة الرمز والتاريخ : مدينة الكفاح والنضال :
(( أنا قصيدة ما أوجعني الأعداء
أرسم الحاضر والآتي
أنا مهد الكفاح ومنبت الشهداء
غلبت النار والحديد فما أنحني
هؤلاء أطفالي قد كبروا
يزرعون ورود السلام …
هؤلاء رجالي يزيدون من همتي
يمسحون الغيم عن عيوني
يعيدون بسمتي ومهجتي
أزيلال ))
وفي النضال والكفاح يقول نزار قباني في قصيدة (طريق واحد) :
(( أريدُ بندقيّة
خاتمُ أمّي بعتهُ
من أجلِ بندقية
محفظتي رهنتُها
من أجلِ بندقية
اللغةُ التي بها درسنا
الكتبُ التي بها قرأنا
قصائدُ الشعرِ التي حفظنا
ليست تساوي درهما
أمامَ بندقية
أصبحَ عندي الآنَ بندقية
إلى فلسطينَ خذوني معكم
إلى القبابِ الخضرِ.. والحجارةِ النبيّة ))
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

مميزات الكتابة عند الشاعرة خديجة برعو
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

يقول الناقد والكاتب هشام غازي : (( إن هذه “الأنا” في معراجها العرفاني الشعري، عبر مدارج عشق الوطن، في مراوحتها بين الكتمان و البوح، بين التضمين و التصريح، نجدها تتلون بعدة تلاوين؛ فهي العاشقة، الحالمة، و المؤرخة، و الأركيولوجية، المبشرة و الفارسة المدافعة، و الساخرة المتهكمة. إنها “أنا” متعددة الأبعاد، و هذا التعدد نابع من نضج الوجدان و عمقه و توهجه، و تشربه للثقافة الأم، و اطلاعه على ثقافة الآخر، تعضد الوجدان في ذلك؛ هندسة العقل الذي يحتفي بجمالية العبارة، ليصب فيه ألق المعنى، و يضبط الإيقاع مثل “مايسترو”، ليتهادى النص مثل “أوبرا”. 2)) 
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

خاتمة
_ _ _ _ _ _ _

تبقى كتابات الشاعرة خديجة برعو غنائية ، لأنها معطرة بحب الوطن والتفاني في خدمة الوطن ، لهذا يتهافت الجميع على انشاد قطعها الشعرية الغنائية ( كريمة الصقلي، مراد بوريقي … ) .
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

احالات
_ _ _ _ _ _ _

1 حوار مع الشاعرة و الأديبة خديجة برعو مديرة دار الثقافة بأزيلال سابقا (حاورها أبو يحيى / أزيلال الحرة)

2 هشام غازي : في أثر “الأنا” الشاعرة عند “خديجة برعو”، أنا “الوطن”
_ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

نص(سيدة الأعالي … أزيلال) للشاعرة خديجة برعو
_ _ _ _ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

1
أنا سيدة الأعالي
أعانق أبواب السماء
وأحرس أحلام كل مساء
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

2
أنا حبيبة الشمس
تهديني طلعتها الأولى
تداعبني أشعتها الفيحاء
أزيلال
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

3
أنا سيدة الأعالي
أنا البكر الشامخة المعطاء
أنا الأرض والسماء والهواء
أنا الشعر واللحن والحلم
أزيلال
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

4
أنا قصيدة ما أوجعني الأعداء
أرسم الحاضر والآتي
أنا مهد الكفاح ومنبت الشهداء
غلبت النار والحديد فما انحنيت
هؤلاء أطفالي قد كبروا
يزرعون ورود السلام …
هؤلاء رجالي يزيدون من همتي
يمسحون الغيم عن عيوني
يعيدون بسمتي ومهجتي
*عن جداريات الصديق الأديب مجد الدين سعودي

شعر

بكاء الأرض/حنان ودي ـــ المغرب

في هذا الزمن المجنون

في هذا الكون

أقف بين عالم يموت

وعالم يولد من جديد

أبصر وإذا بي أسمع

للأرض صراخ ونداء

في الأرض مخاض

وألف بكاء

دماء أبرياء

دموع كربلاء

جسد معجون بالجرح والدماء

هموم تسري في عروق الأرض

آآآآه ترهقني بابل الحبلى بالشهداء

تبكي الأرض

سرقوا زرقة السماء

سرقوا السحب والماء

صار البحر بلون الرماد

في مماليك الرقاد

تبكي الأرض

تتجرع الألم وتبصقه

تتوقف عن إكمال دورتها

تنادي :

بيرووووت

ماهذا الجبروت ؟ !

آآآآآه من وقع هذا الصوت

بكت جدران البيوت

سقطت خيوط عنكبوت

إنني أصبو إلى وجع الأرض

رباه ما هذا الموت ؟ !

هولاكو في كل مكان

رأيته لا يموت

يحمل مصباحا مبهوت

روحي في جسدي

تتمرغ في حزن بيروت

ترتفع وتهوى

تموت ولا تموت

هولاكو في كل مكان

تدوس أقدامه القمح

تعصر الزيتون عصرا

تدوس الأعشاب والزهر

وشقائق النعمان

تبكي الأرض

تتنفس ألم الشام

وتصدر زفرة شجن تزلزل هذا الكون

تنجب بركان

 تردد في شجن :

هنا إنسان مخصي اللسان

هنا بيت بلا جدران

 ديوان بغيرعنوان

هنا التاريخ

هنا أشعار نزار

هنا زمان بغير مكان

هنا الا قرار

إنسان فقد موهبة الحب

فقد نعمة الكلام

مصلوب على سارية الخذلان

هنا سفن من الأحزان

هنا مغول وتتار

تيمور يلبس الحديد

ينزع عنه جلباب الرحمة

يقيم مسلخا كبيرا

يمتص عمر الإنسان

هنا غربة في حضن الأوطان

ورود ذبلت قبل الأوان

عبث عصر هذا الإنسان

هنا سلطة بغير سلطان

هنا جرذ سكران

اليوم بين أحضان امرأة

وغدا فوق ذراعي أخرى نشوان

هنا جرم ومقتل

أضغاث حلم لا يكتمل

دموع أمهات كنهر ينهمر

جراح عميقات لا تندمل

تبكي الأرض

جرحا يشق السماء

يحيل الكون شاحبا

أيها اللاهث فوق الأرض :

تسفك الدماء وتمضي

أيها العابث فوق الأرض :

أرضنا تصرخ كل عيد:

وجعي شديد

حزني مديد

أكثروا في الفساد

متى يشتد السلام في عروقي ؟

متى الفناء كي يبعث الإنسان من جديد ؟

شعر

أنت لا مست الروح/شعر عصمت شاهين دوسكي ــ العراق

أنت لامست الروح

بان شغاف  القلب  مجروح

تنهيدة تتلظى على سرير

تبوح تارة بالقبلات وتارة القبلات تبوح

أنا أميرك المعنى

غرقت في محيط شفتيك

تنازلت عن العرش والصروح

تركت النساء وراء النساء

سلمت أقفال الأبواب

ودونت ما بحت وأبوح

********

من يصد قلبي يا سيدتي

نبضاته بين حلم هارب وليل كتوم

وما النعم إلا أنت

إن كنت على وسادة

أو كأشعة الشمس تحوم

صمتك إرهاب فلا ترهبيني بالصمت

فلست إلا عاشق يبحث عنك بين الهموم

انهضي ، تحركي ، تفجري عشقا

كوني كالفراشة بين ألوان الورود

تشم عبير المقسوم

**************

سيدتي

يا بلسم الجراح

وملاك النبض المنكوب

لا ترفعي راية الخنوع

بين هوى حاسب ومحسوب

لا ترمي جمال الإنعام بالضباب

فالنصر آت بعد دمار الحروب

صبرك الجميل جنان

فيه يزقزق العصفور ويغرد البلبل الدؤوب

يكون حلمك حضارة كبرى

تكوني ملكة وفيه النساء نجمات

ليس صور متحركة على اليوتيوب

***************

سيدتي لامست الروح

فكوني في حياتي روح الروح .

شعر

من قبل قلبى ما اشتكى/ محمد ضباشة ـــ مصر

من قبل قلبى ما اشتكى

الشكوى دموعها زمان

تطرح كلام ما اتحكى

بالزيف والبهتان

ولا جرح براحة اهتدى

ورسي لبر أمان

يا مسلسلين النهار

بقيد ما فيه إحسان

بكرة يكسر قيوده

ويزرعها حنين وحنان

وأعود إنسان ……!

أمد الخطوة تسبقني

تقطف شجرة الرمان

تطعم ضحكة تشاور لى

ثوبها من الحرمان

وتروى أرض عطشانه

جرفها ذل وإهانة

تتوسم فيك يا بهانه

تكونى درة فى كل مكان

يرفرف عدلك ميزان

يرفع غصنك الدبلان

ما ينحني ظهره

لا يومه يكون عدمان

مكتوب مع الحرافيش

قتله رغيف العيش

وبايت عليه حيران

افتح جرابك يا زمن

وعدل لنا الموازين

أو أنسج لى كفن

وأكتب لناس سامعين

تحفر لى على المقبرة

كانت حياته أنين !

وما حد سمع أنينه

ولا نجده من يومه

فكيف هنا تلومه

وهو ما له جناحين .