دراسات

عبد المجيد بطالي:سيميائية السرد العجائبي في رواية “سوق الجن” للروائية رولا حسينات

تعتبر السيميولوجيا Semiology المجال الأكثر اهتماما بالبحث في علم العلامات كما جاء به “سوسير” وقد اختلف كثير من الباحثين في ترجمة مصطلح سيميولوجيا إلى (علم العلامات، علم الدلالة، علم الأدلة، علم العلامة…) وبذلك أصبح مجال البحث فيها واسعا يشمل، كل ما له علاقة بالعلامة أو الدليل أو السمة أو القرينةبل يستدعي القرينة والبصمة والصورة والحركة والإماءة والإشارة…

ومن هذا الباب الشاسع آثرت أن أتناول بالبحث والدراسة (سيميائية السرد العجائبي في رواية: “سوق الجن”).. على اعتبار أن النص الروائي قيد التشريح ما هو إلا سلسلة من العلامات المتشاكلة والمتباينة التي تنتظم من خلالها رسالة الروائية رولا حسينات…

سيمياء العجائبية في عتبة الرواية:

يعدّ العنوان/ العتبة علامة سيميائية بامتياز، تثير في المتلقي فضول الاستكشاف والاستطلاع إلى ماهية البنية النسقية لعنوان المقروء/ الرواية/ الخطاب.. لذلك فعنوان الرواية: (سوق الجن) علامة مثيرة جدا لمخيلة المتلقي، حظيت بعجائبية مدهشة استدعتها الكاتبة رولا حسينات من أرشيف الحكاية العجائبية…

لا أبالغ إذا قلت بأن السرد في رواية (سوق الجن) يبدأ بالدهشة من أول خيط للمسرود لذلك فهي رواية شدّ الانتباه للمتلقي/ القارئ بامتياز…

تستند سيميائية “العجائبية” في سرد رواية “سوق الجن” على عنصرين أساسيين هما: الخرق، والغرابة… ذلك أن “العجائبية” هي اسم منسوب دال على (العجب) أو مايدعو إلى التأمل العميق في الأمور..إذ لحقت بآخر هذا الاسم ياء مشددة للدلالة على نسبة شيءٍ ما يستدعي الدهشة وإثارة الإعجاب والانبهار… وقد ورد في (معجم النفائس الكبير): “أمر عَجَبٌ وعُجابٌ وعُجَّاب، بتخفيف الجيم وتشديدها للمبالغة، أي: يُتعجّب منه، وعجبٌ عُجاب: مبالغة… والعَجَبُ، إنكار ما يرد عليك، وروعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء.. والعجيب: الأمر يتعجب منه، والعجيبة: اسم لما به التعجب وهو جمع عجائب..” ([1])

الخرق/ خرق المألوف

بداية من العنوان: (سوق الجن) يظهر نوع من الخروج عن المألوف على مستوى عمق الدلالة لبنية العنوان المؤَلَّفُ من مفردتين: (سوق) و(الجن)إذ تشكلان تناقضالعالمين متباينين: عالم مرئي هو (سوق) وعالم مخفي هو (الجن)… على اعتبار أن الأول/ يحيلنا إلى المكان، أو الموضع الذي يحوي تجمعا بشريا كبيرا لترويج البضاعة، ومعاملات البيع والشراء بين أناس يمتهنون التجارة… لكنها في بنية العنوان، سوق مختلفة تماما في مخيلة السارد بإضافته كلمة لتعريف هذه السوق على أنها سوق الجن.. وليست كما يتوقعها الإنسان…وهو خروج عن المألوف على مستوى المعنى وعلى مستوى الدلالة، فعندما يقرأ المتلقي كلمة “سوق” فإن الحمولة المعرفية لديه تحيله إلى مرجعية سوق بشرية.. غير أن المضاف إليه في كلمة “الجن” تحوِّل اتجاه التفكير إلى سوق غريبة مرتبطة بمخلوقات وأرواح خفية، يستعصي على المتلقي تخيلها أو التفكّر فيها.. ومن هنا جاءت فجوة التوتر عند تلقي الخطاب، والتي تحملها عتبة الرواية، ومنها إلى أبوابها ومداخلها الأخرى…

سيمياء العجائبية في غلاف الرواية:

يتفرد غلاف رواية “سوق الجن” باحتوائه على لوحة تشكيلية تميزت بالاستغراب والعجائبية إذ تعكس الساردة من خلالها مجموعة من السمات الدالة على تصورها لعتبة روايتها.. والذي ارتكزت فيه على مرجعية أو نظام من الرموز الثقافية والاعتقادية، “ويتكون هذا النظام من أشكال تعبيرية مختلفة، مثل اللغة وتصنيفات الأشياء والكائنات والمعتقدات والأعمال التقنية والفنية، وقواعد الأخلاق والطقوس والتقاليد…” ([2])

يلاحظ المتلقي على مستوى الكتابة أن العنوان على غلاف الرواية قد كُتب باللون الأبيض محاط بالأسود وبشكل مثير للتساؤل، يحيل على ارتعاش الأنامل من الخوف أثناء الكتابة.. لأن الأمر يتعلق بشيء غريب إنه (سوق الجن).. ويلاحظ كذلك أن خلفية اللوحة تشكل جدار باللون البني الغامقمنحوت أو محفور بنقوش وطلاسم تدعو إلى الغرابة والغموض…أسفل اللوحة صورة تخييلية غريبة (للجن) بقرنين ومنقار وعين طافية وأخرى بارزة، معلقة على صدره أشكال غريبة جدا وعظام نخرة.. يحمل في كفه اليسرى بومة عجيبة الشكل لا تنتمي إلى عالم الواقع.. لوحة مشحونة برموز وسمات تحيل على عالم الجن اللامرئي لتقريب المتلقي من عجائبية مختلفة…

قوة البطل الخارقة:

استطاعت الساردة رولا حسينات أن تصور مجموعة من الأحداث الكامنة في المُتَخَيَّل السردي العجائبي، لتعبر عنها بالوصف المرتب الدقيق،لتقريب القارئ من عالم المخفيات تقول حكاية عن بطل الرواية: “…لم يعجزه أن يزيح الحجر الثقيل فوق الحفرة.. قوة غريبة تدفقت إلى جسده… في الظلمة كان الأمر غريبا.. رأى أشياء لم يرها من قبل…”([3])فكان للمكان دوره الهام في عملية السرد، إذ يجعل المتلقي في بؤرة الحدث، بما تقدمه سيميائية المكان في حبك خيوط السرد، وربطها بما يحيل على عجائبية تستدعي التأمل العميق في الغيبيات، يلاحظ القارئ حضور أمكنة توحي بشيء مختلف تماما، (الحفرة – القبر.. أرض موحشة مقفرة.. البركة…)، وكذلك استعمال الساردة لزمن الماضي والحاضر معا: للحكي وتصريف الأحداث والاعتبار منها: (الليل، الظلمة، الفجر..)”عندماأذنالفجروأتمّالمصلونالصلاةكانالجميعقداستغربذلكالصوتالعظيمالذيجاءهممنمقربةالمسجد..” ([4])

المؤثرات الخارجية

تعتبر المؤثرات الخارجية علامات سيميائية دالة على وقوع أحداث في المكان والزمان، لها تأثيرها الهام بشكل أو بآخر على شخصية الفرد الذاتية والسلوكية.. كما أنها تعد أهم المنبهات المثيرة لأفعال سلوكات إرادية ولا إرادية يقوم بها الفرد.. كما هو الشأن بالنسبة لبطل رواية “سوق الجن” تقول الساردة:”شدّ انتباهه شيء يعوم تارة فيه ويغرق أخرى، نظر حوله.. تمعن بالشواهد، استوقفه شاهد مثبت إلى قبره…” ([5])ويلاحظ المتلقي هذه المثيرات الخارجية في علاقتها بنفسية البطل تقول الساردة: “ماشغلهأنيجدعصًاصغيرةينتشلفيهاتلكالقطعةالحمراء…التيأرقتهأكثرمماهوفيه،ماتراهكانفيجوفهوتقيئهالآن؟! كانتعصًالشوكيابس،جعليعبثبتلكالبركةبقليلمنالصبروكثيرمنالوقت،ظلَّيحاولأنيركززيغعينيه،منالقيءأخرجالقطعةالحمراءالصغيرةعدةمراتحتىاستلقتإلىجانبالبركةبلونهاالأحمراللامع…” ([6])

الغرابة والاستغراب:

تأخذك فيدواليبها الدهشة والاستغراب.. وأنت تقرأ بتمعن وتشوق لرواية (سوق الجن)،متتبعا خيوط الحكاية لمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن البطل، فتصدمك غرابة الأحداث وعجائبيتها.. حيث تروي الساردة عن البطل: “…لسعةالبردهيالتيأيقظتهحاولأنيثبتعليهكفنهالأبيض،فطنلماهوقابضعليهبيده،بيدينمرتعشتينوبأصابعرقيقةفتحها،كانتورقةغايةفيالصغرمحشورةفيهاالأسطر..” ([7])وهذا ما يحيل القارئ على سيميائية دالة على عالم يعج بالخارقات والغرائب…

تقلبات الأحوال:

                يعيش البطل تقلبات شتى نفسية وذاتية… يكون العامل المؤثر فيها (مثيرات خارجية) كما هو مسرود في رواية (سوقالجن) “فيغمرةالحيرةالتيأصابته..ثارتزوبعةبالمكانوهاجتالأرضمنحولهوزفرتآخرفلولالنهارلفظتها الأخيرة شبحأسودمدبجسدهأبعدمنالجبلالذيعلىيمينه…برزمنبينالغبارالكثيف؛كانمخيفًاحتىأصابهبالعجز،ليقوممنمكانه…أغمضعينيه،والتفبيديهعلىوجهه..ماالذييفعله؟،أخذيحدثهبكلماتبهاجلافة…” ([8]) (غمرة الحيرة، ثارت زوبعة، هاجت الأرض، شبح أسود، الغبار الكثيف..) وكلها علامات سيميائية توحي بالغرابة،كما تصوّر واقعا تخييليا سرديا عجائبيا…

                من خلال تتبع القارئ لأحداث رواية (سوق الجن) يستكشف عالما مختلفا يحكي عن مغامرات عجائبية لها علاقة بعالم ليس كعالمه تبرز في أحداث مبهرة للعقل مرتبطة بـــ (عالم الجن/ استدعاء الأرواح/ الموتى/ الحفر المخيفة/ الجن الذي يسكن الجبل الذي يمتلك الكثير من الجرار المليئة بالذهب والخرزيات والأثريات والكنوز وغيرها…) تقول الساردة “بضعةرجالمناستطاعالصعود،ودخلوافيه،ولميظهروامنذوقتبعيد،قيل: أنَّوحوشالجبلقدنهشتهمأوأنَّجنيةالجبلالتيتحرسهاالفئرانالبيضاءهيمنابتلعتهم،وهيالتيتُسمعضحكاتهافيالليلالهادئ” ([9])

                كثيرة هي المشاهد والصور الخيالية والعجائبيةالمبثوثة في فضاء المتن السردي لرواية “سوق الجن” ككل.. والتي أبدعت الكاتبة في تركيبها على مستوى البناء السطحي، كما استطاعت أن تحلق بالقارئ عبر جمل تركيبة للنص نحو مداخل مختلفة لمضامين ودلالاتوعلامات سيميائية شديدة الغرابة والإثارة والاندهاش، تشد المتلقي إلى المتعة الجمالية، وتُجبره في ذات الآن على تتبع مجريات الوقائع والأحداث، بل اكتشاف ما سيقع من عجائب ونوادر خارقات في عالم المخفيات…


[1]– معجم النفائس الكبير، جماعة من المختصين، إشراف د. أحمد أبو حاقة، دار النفائس للطباعة والنشر…/ الطبعة الأولى 2007 مادة: (عجب) ص: 1211

[2]– د. محمد السرغيني، “محاضرات في السيميولوجيا” دار الثقافة/ الدار البيضاء/ ط. 1/ 1978.. ص: 50

[3]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 8

[4]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 30

[5]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 10

[6]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 11

[7]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 12

[8]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص: 13

[9]– رولا حسينات “سوق الجن” دار للعالمين للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى، 2019/ ص، ص:20، 21، 22، 23.. 26…

إصدارات

احمد الشيخاوي :

رواية ” عودة الدم المسروق” ، لمبدعها الكاتب المغربي المصطفى لخضر ، جديد منشورات جامعة المبدعين المغاربة، طبعة أولى 2020، وتمثل عالما موازيا لشخوص وأخيلة ودوالّ رواية “عائد إلى حيفا” للأديب الفلسطيني غسان كنفاني ، وكأن هذا المنجز السردي يحاول اختزال الهمّ الإنساني والوطني ومحاصرته في رحم القضية الفلسطينية ،وجوهر هواجسها وأسئلتها ،بوصفها إشكالية وجودية من القداسة والحساسية والأزلية بمكان.

تقع الرواية في 145صفحة من القطع المتوسط ، وقد وزّعت إلى فصول لتشاكل جملة من القضايا تذوب فيها الحدود ما بين الانشغالات الذاتية والوطنية والعربية والإنسانية ، على نحو تنجلي له كائنية العنصر البشري، وتصب في غرض أشمل وأنبل، يتجسّد في نضالنا وسلوكياتنا الإيجابية وجودنا اللامشروط واللامحدود، تجاه ذواتنا أولا ثم الغيرية والعالم.

إذ المطلوب منا تقديم المزيد من التضحيات والتنازلات والروح الفدائية والمنح للوطن ، دون أن ننشغل بالمقابل والأوسمة والنياشين ، وألاّ نسقط من واقع انكسارنا وهزائمنا على وطن ، نحن من نرسم ملامحه ،وما هو إلاّ انعكاس لتجاربنا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، بحيث يجدر أن تبطّن مثل هذه القناعات، فلسفة النكران أو التعالي على الأنانيات المريضة ، دونما الوقوع في الجلد الذاتي.

كتب مقدمة هذا المنجز الدكتور والروائي والناقد الحبيب الدايم ربي ، نقتبس له الأسطر التالية :

“بعد أن جرب الأستاذ المصطفى لخضر تعبيرات لغوية راوحت بين الدارج والفصيح ،شعرا ونثرا ، في منابر إلكترونية ، ها هو يعقد العزم ، أخيرا ، على انتهاج الترسل أداة كتابية .وهو إذ يختار تدشين مغامرته بـــــ ” عودة الدم المسروق ” فليؤكد على إناخته بأرض المحكي زائرا ومقيما في آن ، سيما وأن له من المسوغات الذاتية والموضوعية ما يكفي لتسريد حيواته وأخيلته.”.

*شاعر وناقد مغربي

*عودة الدم المسروق (رواية) ، المصطفى لخضر، منشورات جامعة المبدعين المغاربة ، طبعة أولى 2020، البيضاء.

قراءة في كتاب

عيسى الدودي : ترانيم الزجل في ديوان “جذبة المداح” لـــــ مولاي الحسن بن سيدي علي

لقد أحسن الكاتب مولاي الحسن بن سيدي علي الاختيار عندما أبدع في هذا اللون الأدبي، وكان موفقا كل التوفيق عندما اتجه للزجل وآثر القصيدة النابعة من التراث الشعبي. لهذا نجده يخوض هذا التوجه الأدبي بمهارة واقتدار، وهو العارف بمسالكه ودهاليزه، والمتحكم في تضاريسه ودواليبه، والخبير بتقنياته ومقوماته. ويمكن للمتلقي أن يدرك ذلك بالملموس، عندما يتصفح مجموعته الزجلية المعنونة ب “جذبةالمداح”، فيجد نفسه في حضرة زجال يملك ناصية الزجل، ويجيد الأخذ بمربط فرسه، ويبدع قصائد غاية في الروعة والجمال، تأتي مطواعة ومنسابة انسيابا، بفضل بنائها المحكم، وشحنتها المعجمية الفياضة والمكتنزة، وجرسها الموسيقي الأخاذ. وهكذا، يحق لنا أن نحكم منذ الوهلة الأولى على إبداعه الزجلي أنه تربع على عرش أدبه وإبداعه، ونال السبق والريادة لأنه جري على لسان جزال خَبٍرَ الزجلَ، وعرف مقوماته ومستلزماته، فتَـفَتحت قريحتُه في رياضه ومرابعه.   

إن الإبداع الزجلي في عمومه لا يمكن أن نحصر وظيفته باعتباره إبداعا أدبيا بالمفهوم العام، بل هو لون إبداعي من نوع خاص، لأنه هو الأقرب إلى الهوية الوطنية، واللغة المتداولة بين شرائح واسعة من المجتمع المغربي، ومن ثم فهو من سمات حضارته ومن مظاهر أصالته، والأكثر التصاقا به. كما أنه يمثل سجل أفراحه وأتراحه، ومنبع آرائه وتصوراته.  لهذا، فإن المتتبع للساحة الأدبية المغربية سيجد خلال العقود الأخيرة أن أهم أعلام الأدب المغربي اتجهوا إلى هذا اللون الأدبي أمثال الدكتور عباس الجراري، والدكتور محمد الفاسي، والدكتور محمد السرغيني، والدكتور محمد بنشريفة، وغير هؤلاء كثير. ومن هنا، فإن الزجال ـ من حيث يدري أو لا يدري ـ فإنه يعمل على ترسيخ الثقافة الشعبية، ومن ثم الثقافة الوطنية، والرفع من منسوب استعمالها والتواصل بها، وفي الوقت نفسه التعبير عن الصورة الصادقة للشعب والأمة.

المتصفح لهذا الديوان الزجلي، سيجد أن الزجال مولاي الحسن بنسيدي علي يحسن تصيد الموضوعات، فينتقيها بعناية فائقة، فهو لا تفوته مناسبة أو حدث هام، إلا وتفاعل مع مجريات الأمور، وأطلق العنان لقريحته الزجلية كي تتفنن في النظم وحسن القول. ومن المواضيع المطروقة والتي طفت على السطح بشكل لافت، المواضيع الوطنية، فنجده ينافح عن الصحراء المغربية، ويتشبث أيما تشبث بالوحدته الترابية للمغرب، بل إنه لا تفوته الفرصة دون أن ينبه أعداء الوطن لزيغهم وضلالهم. ويمضي في هذا المسار، فيدافع عن القاضايا العربية والقومية، كالقضية الفلسطينية وما يتعرض له العالم العربي من تحديات. كما تهيمن على الديوان قصائد الشعر الغنائي بشتى أنواعه، كوصف الطبيعة أو ما يسمى بالربيعيات، وقصائد مجالس الأنس والمرح مع التعرض لذكر محاسن الجميلات والفاتنات. وفي الديوان قصائد أخرى خاصة بالمدح والرثاء والزهد…

بالإضافة إلى ذلك، ففي هذا الديوان يستوقفنا طغيان الجانب الروحي، والاتجاه نحو البعد الجُوَاني الداخلي، إذ يُعَد التصوف من الروافد التي ينهل منها الزجال لتكتسي النصوص مسحة روحانية، وشَحْنِها بطاقة نورانية. وهكذا، فالأولياء والصالحون لهم مقام خاص في الديوان (سيدي عزوز الوالي، سيدي أحمد أركان، سيدي يحيى الوالي). وأهل الله هم أفضل من يُطلبُ منهم المدد والسند، خاصة أثناء المدلهمات من الأمور. كما أن الزجال ـ على غرار الزهاد والمتصوفة ـ يستغل منبر القصيدة للدعوة إلى الزهد في الدنيا، والإعراض عن مباهجها، والاستعداد للموت ويوم الحساب (قصيدة: الفلك عايم).       

المتمعن في اللغة التي يكتب بها الزجال، يجد أنها لغة رصينة ومتينة، مفرداتها مصقولة ومختارة بعناية. إذ أن الجانب المعجمي في هذه المجموعة الزجلية هو الذي يفصح عن لغتها المتميزة، التي تنحو لتوظيف كلمات تبدو غريبة لكونها قليلة الاستعمال والتداول، إلى الدرجة التي نصادف فيها مفردات لا يفهمها إلا من له دراية بالزجل. بالإضافة إلى كلمات أخرى مقترضة من الأمازيغية أو من اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والإسبانية “صولدي، الكات كات، كوستيم”، وهي كلمات موجودة أصلا في اللغة الدارجة، دخلت إليها عن طريق العولمة والتلاقح الثقافي.

ودائما في إطار إغناء معجم النص، فإن الزجال يسترفد من التراث الشعبي، ويستعين بالعناصر الثقافية التي تحيا وتعيش في الممارسات اليومية، وفي مقدمتها الأمثال، التي تعتبر آثارا خالدة، وحكما مختزلة، لأنها خلاصة التجربة الإنسانية العميقة. وتضمين هذه الأمثال في ثنايا النصوص هو عبارة عن حِـلْيَةٍ تزين نسيجها العام، وتضفي التأنق على منطوق الكلام. كما أنها تعمل على إيقاظ الضمائر، وتوعية العقول، وتنبيه الناس في المواقف والأحوال المختلفة.  

ومن التقنيات التي يوظفها الزجال، والتي نصادفها مرارا في نصوصه، اللازمة التي تتكرر في القصيدة الزجلية، فتزيد من نبرة الإيقاع، وتقسم النص إلى لوحات متناسقة ومنسجمة، فترقى بمستوى الصورة البصرية عندما يعتمد الزجال استراتيجية التقسيم حيث يجعل اللازمة في مطلع كل مقطع زجلي، فتتحول القصيدة إلى مجموعة من الجداريات المتتالية والمتتابعة. ومن هذة اللازمات في الديوان: (قل الله الله، ياك الا خير خير، الله الله سيدي). ثم إن الزجال في إطار تنويع موسيقى النصوص يتكئ كثيرا على مسألة التناظر والتناسب والتماثل، بحيث يحدث التناغم والاطراد بين الأجزاء كما هو الحال في الفن الموسيقي، كما في هذا المثال: (شي كوخو مضلام/شي قصرو ضاوي).  كما أنه لا يمكن أن ننسى دور القافية في تعزيز النظام الموسيقي، إذ يلجأ الزجال إلى توزيع القوافي وفق نسق معين، مما يجعل القصيدة الزجلية تبدو مرصعة ومزركشة بهذه الجواهر الثمينة التي تزينها وتزخرفها فتظهر في حلة متميزة. وعليه، فتارة يلجأ الزجال إلى التنويع في القوافي كما في قصيدة “زينة لحباب”: (لهبال، عضال، الحال، سال…/لحباب، شباب، غراب، لصحاب)، وتراة أخرى يعمل على توحيدها كما في قصيدة “اولاد الشرفا لحرار”، إذ جاء القافية تائية في جل الأسطر الزجلية: (ترجيست، بغيت، تسطيت، حليت، تمنيت، تهنيت…)

وهنا لا بد من إشارة مهمة، وهي أن الزجل كان على الدوام صنو الموسيقى، إذ هو في الأصل والصميم قائم على الانتقاء في كل شيء؛ في المواضيع والمفردات والبناء والأوزان … ليزايل الكلام الشعبي العادي، ويرقى إلى الكلام الراقي الذي يصلح للمجالس الأدبية والمقامات النخبوية، وليتناسب مع اللحن والأنغام التي تطرب الآذان ويتسمِعَ الجوانح والأفئدة أعذب الألحان والكلمات. ومن هنا، فإن هذه التجربة التي برع فيها الزجال مولاي الحسن بنسيدي علي تستحق أن يلتفت إليها أصحاب الغناء الشعبي وأهل السماع من المتصوفة، لتاخذ قصائد هذا الديوان آفاقا واسعة وأبعادا أكثر رحابة، وتتحول إلى لوحات أدبية ترافقها معزوفات وأنغام موسيقية تأخذ الألباب وتستهوي النفوس والقلوب.  

وفي الأخير، نحيي بحرارة الأستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي على هذة التجربة الزجلية التي تتسم بالمتعة والفائدة. وأفضل وصية نقدمها له في هذا المقام، هي دعوته للاستمرار في العطاء في هذا اللون الأدبي الذي يجيده، ومنحه مساحة أكبر وأوسع بين إبداعاته الأخرى، ونحن على يقين أن سير الزجال في هذا الاتجاه، سيمنحه مكانة الصدارة والريادة، ويضعه في مقام عالٍ بين الزجالين وأدباء الأدب الشعبي.

نبذة عن الكاتب:

ـ عيسى الدودي.

ـ من مواليد:26-06-1973.

ـ مزداد: بفرخانة/الناضور/المغرب.

ـ رقم بطاقة التعريف الوطنية S 294066.

ـ حاصل على الدكتوراه في الأدب العربي.

ـ أستاذ اللغة العربية بالمعهد الإسباني لوبي دي بيغا بالناظور.

ـ عضو اتحاد كتاب المغرب/ فرع الناظور

ـ له ثلاث مؤلفات، ونشر عدة مقالات في مجلات مغربية وعربية.

ـ حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة عام 2000.

ملاحظة:  

العنوان البريدي: صندوق البريد 230، فرخانة،الناضور، المغرب.  

 FARKHANA BP.Ñ230  62024 NADOR MAROC        

البريد الإلكتروني: aissa.daoudi1@yahoo.com

الهاتف: 0667343879

شعر

فتحي مهذب : القطة السوداء


الشجرة المعمرة العمياء تتحسس بأصابعها الطويلة المغضنة  المتشابكة زجاج النافذة التي تشبه نافذة مظلمة في كنيسة مهجورة.
لتوقظ( ن) كما لو أنها أم مسكونة بسحر الأمومة الأزلي.
شجرة وحيدة حزينة تقف على ساق معقوفة إختفت عصافيرها في مكان ما من هذا العالم. قد تكون الأسباب ملغزة شائكة.
هذه الشجرة شهدت جنازات كثيرة في هذا البيت المتداعي.
وقاسمت أهاليها الحلو والمر.
لم يبق الآن أحد غيره . ماتوا جميعا بوباء الكورونا بعد هجمتها الشرسة على بني الإنسان. 
حتى  القطة السوداء  التي كانت تؤنسه آناء الليل وأطراف النهار نفقت منذ أيام يبدو أن رئتيها أصيبتا بجرثومة مستعصية لم يقف على حقيقة جوهرها جهابذة البياطرة.
جائحة تصيب القطط كل مائة سنة كما يتداول لدى كبار السن.
تشبه جائحة الكورونا.
وثمة فرضية أخرى قد تكون مساوقة للحقيقة وهي وضع مادة سامة في  غذاء مغر قد أودى بحياتها من قبل أحد الجيران الذين يكنون حقدا دفينا للحيوانات المنزلية وهذا متداول لدينا وبخاصة في الأحياء الشعبية التي لا تقيم وزنا لهذه الكائنات التي لا تعترف بكثافة الجدران وتنهد أحيانا إلى اكتشاف وغزو منازل الآخرين.
كان (ن) حين يختلي بنفسه يقلد مواءها المتقطع بشكل مذهل ويناديها بعبارات لطيفة كما لو أنها لم تزل على قيد الحياة.
حبيتي تعالي ها هي سمكة لذيذة في انتظارك.سأختار لك شريكا يليق بفخامتك. بجزالة طبعك المرن وروحك المتوهجة.
سيكون قطا فحلا قادرا على تمزيق بكارتك في رمشة عين.
ستحملين بسرعة فائقة وتنجبين قططا على قدر عال من الجمال والذكاء والخفة والرشاقة.
لكن القطة لم تكن حاضرة إلا في مخياله الشاسع.
بينما كان يجلس (ن) على كرسي خشبي رث غاطسا في تأملات لم يجن من ورائها غير مزيد من الأوجاع إذ غزاه صوت نابع من قاع عميق لا ضفاف له.
قطتك لم تنجب ولو فأرا ضئيلا
برغم عهرها وميلها إلى ممارسة الجنس مع قطط شتى .
ألم تنكمش في غالب الأحايين وتتضاءل حد إستحالتها إلى قطعة من البلاستيك أو قطرات من الزئبق لتمرق من شقوق الباب المليء بالتخاريم والشقوق.
لتمنح جسدها البض لأول قط وافد من الخارج ولو كان أفظع لص في الحارة. المهم أن يتسلق مؤخرتها ويطلق رصاصاته في أستها الحارق.
وهكذا يتداول عليها الغرباء من القطط اللقيطة دون مقابل.
وبرغم هذا لم تكن تفارق البيت طويلا.تتكوم مثل كرة من قماش رديء زائغة العينين مشبعة بنعاس عارم مأخوذة بمغامراتها الجسدية المكرورة.
يرتمي (ن) صوته مثل قطعة معدن في الحجرة الضيقة.
أنت تشبهين أمي تلك المرأة البائسة وهي تتخبط تحت كلكل الثور الشهواني الأهوج زوجها الثاني الذي اختلس ما تبقى من مشمش شبابها بعد هروب بعلها الأول إلى مدينة الضباب.
حين كنت أنام تحت سريرها الكلاسيكي مثل ذكر حمام مذعور.
مصغيا إلى تساقط الآهات على رأسي الصغير وصراخ حلمتي ثدييها بين مخالبها. مصغيا إلى زلزلة السرير وعواء العضلات وصفير الشهوة المتوحش فأتحسس عضوي الذكري موقظا وطاويط كهفي السفلي منتشيا بأنين الكمنجة الغريزية التي تنبعث من مفترق جسدين يتلوان قداسا فخما في كنيسة الروح المكتظة برائحة الخبز والنبيذ. رائحة الصلصال المحترق وأزهار الأكاسيا.
لقد اكتشفت تفاصيل جسدي تحت سرير والدتي في أعماق الليل حين يحمحم جسدها في غابة اللذة المترامية الأطراف مناديا الحصان الجامح الذي يقاسمها السرير.
وفي هذه البؤرة الموحلة انطلقت مهرة عادتي السرية لتكون جزءا ضروريا حميميا في حياتي المهزوزة.
إن (ن) لا يهاب الأوبئة ولا يخاف الموت لأن علاقته بالأشياء فقدت طعمها ولونها وجوهرها.
هو مثل قطته السوداء لم يتزوج ولم ينجب بيد أن له علاقات كثيفة بنساء كثيرات ما فتئن يشبعن نوازعه الداخلية المشتعلة.
لقد تعفنت روحه وشاخ جسده وها هو ينتظر قدوم الموت على جواد بطيء الخطى.
إنه آخر حبة عنب تحتضر ببطء في عنقود العائلة المندثرة.

إصدارات

رحلتي مع النهر الثالث.. ذكريات غدير الشمري مع عبدالرزاق عبدالواحد في الذكرى الخامسة لوفاته

عمان-

يستعيد الشاعر غدير الشمري في كتابه الصادر عن “دار الآن ناشرون وموزعون” بعمّان، بعنوان “رحلتي مع النهر الثالث” طفولته التي ارتبطت بالحرب التي فتحت النافذة على القصيدة الوطنية وأشرعت أمامه بوابة الشعر، مسجلا القصائد المغناة التي عُرف من خلالها الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد مطلع الثمانينيات من القرن الماضي أبّان الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت لثمان سنوات.

وبين حربين ينبض قلب غدير بالشعر مطلع تسعينيات القرن الماضي عندما كان يكتب القصائد دون أن ينشرها قبل أن يجد التشجيع من الأصدقاء، ثم ينضم لرابطة الشعراء الشعبيين، ويصف خلال ذلك ضراوة الحرب على العراق، ثم المنفى بعد احتلال العراق عام 2003 الذي جمعه مع عدد من المناضلين والشعراء والمثقفين الوطنيين في غير بلد عربي.

ويشي العنوان الذي اختاره الشاعر للكتاب بمقاربة بين نهري دجلة والفرات بما يمثلان من عظمة وخلود ليلقى بالصفة على الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد الذي يُعدّ من رواد الشعر الحديث مع بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وشاذل طاقة.

ويلتقي الشاعر الشمّري خلال وجوده في دمشق الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد عام 2007 مصادفة، خلال نشاط ثقافي نظّمه الإعلامي زياد المنجّد في حماة، وترافقا في الراحلة التي أقلتهما مع زوجة الشاعر أم خالد، ويقول: من ذلك اللقاء بدأ مشوراي مع عبدالرزاق عبدالواحد، مسجلا الحوار الذي دار بينهما، والعلاقة التي ربطت عبدالواحد بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وحكايات لبعض قصائده، ومنها “المنعطف”، ومطلعها.

الحمد لله يبقى المجد والشرفُ

 أن العراق أمامي حيثما أقفُ

ثم يسرد المؤلف الشاعر الشمري في الكتاب الذي يقع في (380) صفحة القراءة الأولى له أمام الشاعر في أمسية مشتركة بحماة، وأصرّ فيها الشاعر عبدالواحد أن يقرأ غدير أولا ويتناول خلال الكتاب المناسبات التي شارك فيها الشاعر عبدالواحد.

ويستعيد غدير في الكتاب التحريض الذي تعرض له الشاعر عبدالواحد، والجدل الذي دار حول إحدى قصائده وحمله للسفر لعمّان، واستقبال الملك حسين له، وتخصيص مكان له للإقامة.

ويسترجع المؤلف علاقة الشاعر عبدالواحد بمحمود درويش ولقاءهما الأول في مهرجان المربد، وحزنه على على وفاة درويش.

ويتناول الكاتب الشاعر غدير خلال الكتاب الكثير من النشاطات السياسية والثقافية واللقاءات التي كانت تجمعه مع الشاعر عبدالرزاق عبد الواحد وعدد من السياسيين والمثقفين العراقيين في دمشق.

ثم يتناول الفترة التي رافق فيها عبدالواحد في عمّان، والنشاطات الثقافية التي تشاركا فيها، ويكشف عن قصة إسلام أبي خالد (عبدالرزاق عبدالواحد الذي كان ينتمي لطائفة الصائبة) ويقول: اتصل بي بصوت متعب جداً وطلب مني الحضور لنقله للمشفى، وجدته في حال سيئ جداً، في هذه الأثناء رُفع أذان العشاء، حيث كانت شقته خلف جامع الطباع في شارع (وصفي التل)، فجلست إلى جانبه وأمسكت بيده وقلت: “أنا راح أصلي العشاء ومن أخلِّص نروح للمشفى , بس أريد منك شي واحد (التفت إليّ متسائلاً فاستطردت) أريدك تردد بينك وبين نفسك اللّهم صل على محمد” فهز رأسه موافقا، وكانت لديه سجادة للصلاة معلقة دائماً على أحد كراسي سفرة الطعام في الصالة، ففرشتها بالقرب منه، وبدأت بالصلاة وهو يراقبني بسكينة، ويمسك بطنه، لكني لا أعلم حينها كيف أحسست بيقين وإيمان تام بأننا لن نذهب للمشفى.

 و ما أن وصلت للسجدة الثانية، وإذ به ينهض مسرعاً، ويدخل الحمّام, انتهيت من الصلاة وجلست أنا وأم خالد، وبعد قليل خرج ووجهه متعب يتصبب عرقا، وأسند يده على الحائط في الصالة وهو ينظر إلي بصمت، ثم قال: غدير أنت مو طبيعي.. الحمد لله والشكر، الحمد لله والشكر..

ثم عاد و جلس في مكانه وهو يردّد مو معقول، قلت: يقول النبي – عليه الصلاة والسلام – الصلاة عليّ شفاءٌ للأبدان ثم قمت وقبلت جبينه.

وأحس براحة نفسيّة واطمئنان يملأ قلبه “أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله”.

ثم قرأ هذه القصيدة:

كنت طفلاً أنام على السطح في الصيف

في بيتنا في العمارة

كنت أسبحُ بين رحاب الفضاءِ

وأحلم

 أرحل بين الغيوم..وبين النجوم

وأحلم

في أيما نجمة ٍ يسكن الله؟

كان المعلم يخبرنا

أنه فوق كل النجوم وكل السحاب

وهو في كل باب

فإذا ما دعته القلوب استجاب

يا ما تلمست جنبي

وتمنيت من كل قلبي

لو أرى الله..

ثم أنام

ويعرض المؤلف في الكتاب الذي يشتمل على الكثير من القصائد ومناسباتها إلى قصة اللوحة التي رسمها فائق حسن للشاعر عبدالواحد خلال عمله مفتشا بمعهد الفنون الجميلة.

ويستعيد المؤلف في الكتاب الذي يشهره الكاتب في الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر، فصولا من سيرة الشاعر الذي لُقّب بشاعر أم المعارك والقادسية وشاعر القرنين والمتنبي الأخير وعلاقاته وموقعه ومحطاته الشعرية ودواوينه الشعرية، وذكرياته مع الشعراء العراقيين، ومنهم الشاعرة لميعة عباس، التي تمت له بصلة قرابة حتى رحيله في فرنسا عام 2015.

شعر

مزامير / شعر فتحي مهذب ــــ تونس

الغراب مسدس ضرير..
كل طلقة أقحوانة ميتة..
الهواء يمشي على قدميه
مثل راهب شغلته هواجس الميتافيزيق..
كان أبيض الرأس وله دشداشة
تلمع من بعيد..
كان الهواء حزينا وله مشية الأرملة.

****

إمرأة عميقة جدا
أمواجها بنات شقراوات..
كلما أعبر طريقي الى قاعها..
ترشقني نهداها بضحكة ماكرة..
أخمن أن اسمي في قائمة ضحاياها الجدد .
لذلك غالبا ما أبدو مرتابا
مثل أرنب عضه فراغ عائلي.

****

أيها الصديق الراعف بسم الشوكران..
لا تتسلق قامتي مثل سنجاب قميء
أنا مسلح بشوك الأكاسيا.

****

مثل ورقة قيقب
تسقط يراعة الندم..
الكاهن في البستان
يقلم نتوءات صليبه
صوته أقحوانة حزينة..
استسلم أيها الهدهد المسلح بتاج العارفين..
هبني حقيبتك الملآى بفصوص الحكم..
وليكن ندمي أضيق من سم الخياط.

****

الليل متسول سيمياء..
في ألبوم الرأس عابرون كثر..
ناووس صديقتي العمياء..
شجرة دائمة النسيان..
وبنادق صيد لزلزال مروع..
لكن الفأس لم تزل بفصاحة جيدة
القتل متواصل ..
اشرب أيقونة القديس لتشفى..
واعتن جيدا بقمح التفكير .

****

الفراشة وردة الصوفي..
الجدول مثل نهد ثرثار
مشنوقا يتدلى على حافة أصابعك
البراقماتية..
نسيت خاتمي على أريكة النعاس..
صوتى منسدلا على الكنبة..
خوفي معلقا على حبل أعصابي..
في انتظار أن تعبر أمي مرة ثانية
من شقوقي مخيلتي .

****

نحات جيد
التحيات لك ولتبر الهيولى..
البديهيات تماثيلك المضطهدة..
والرأس ورشتك الأثيرة.

****

اللكمة مروعة جدا..
حواسك نساء عمياوات..
مطوق بأسد أشقر
وبرج مائل من الهنود الحمر ..
آه ما آشقاك أيها الغريب .

****

في المرآة بجعة
هاربة من حوافر جاسوس..
الحرب خلفت بناية مهشمة
تبكي مثل أرملة..
نوافذ سيئة الطباع..
عربة اسعاف مكفهرة
قتلى يسخرون من خاتمة المسرحية..
كان خبزهم طازجا ..
وعيونهم مصابيح مهشمة .

****

انه الشقيق الأصغر
فر من أسد يزأر تحت شباك الأرض
حاملا حزمة يراعات..
صلبانه الأبدي..
هواء المارة النائمين..
يوقظ حصان العمر بمهماز
ليواصل ابتلاع الضباب..
والعدو الى الوراء..
انه السيد النهار ..
مجلجلا مثل نواقيس كنيسة
في صحراء الشك.

****

يا مسيح
لا تذرني ..
المهرج يفقأ عين النبع..
السلوقي لا يعبأ بصلاة الأرنب الهارب..
وتتبعه سنابل الساحرة-..
على الجسر جحافل الغزاة..
سأحاول الهروب مع نيزك
قبل انطفاء الوردة.

****

ما أكثر العميان هنا
العين بندقية صيد المحسوسات..
من الحكمة أن نشحذ عيون الباطن.
واستدراج الأفق الى مكيدة.

****

مصباح صغير
يطوي جناحيه مرة في اليوم..
بيد ساحر من ألف ليلة وليلة.

****

يلبس التاج
ويغزو الحقول..
عائدا من جزر اللامعنى
الى ثلج اليقين.

****

السعادة
تحصين الكلمات
من شرك العادة..
انه لزوم ما لايلزم في فهرسة
الهواجس .

****

دموع الأواني..
حجر يتنهد اثري..
اللاشيء الفارد جناحيه..
الثور الذي يدفع الى التهلكة
بحواس شرهة..
لن أصعد السلالم
ثمة شيطان وملاك
يتقاتلان بضراوة..
أنا شحاذ مجازات في المنفى..
وراوية على عجل يرتق سير النعامة.

مقالات

العلاج بالخلايا الجذعية بين الوهم والحقيقة / د.منی كيال و د.محمد فتحي عبد العال

هل ثمة علاج نرمم به أجسادنا المتهالكة ونعيد لأعضائها الحياة خاصة مع التقدم في العمر؟ هل يمكن تعويض خلايا القلب والكبد والكلية والبنكرياس والدماغ، والسيطرة على قصور هذه الأعضاء وإعادتها إلى سابق عهدها كما في أيام الشباب؟ حلم راود المفكرين وجادت به قرائح الشعراء ولم يتخيل أحد أن يتحول هذا الحلم يوماً إلى واقع. لقد نجحت تقنية استخدام الخلايا الجذعية في تحويل الخيال إلی واقع ملموس، و رغم أن استخدامات هذه التقنية ما زالت محدودة، إلا أن الأمل كبير في إمكانية استخدامها على نطاق أوسع في ترميم واستعاضة أعضاء وأنسجة فقدها الانسان بفعل المرض أو التقدم في السن. تتلخص فكرة العلاج بالخلايا الجذعية في أن هذه الخلايا بإستطاعتها التحول إلى أيٍّ نوع من أنواع خلايا الجسم المختلفة، وذلك لقدرتها على الإنقسام والتكاثر لتعطي أنواعًامختلفة من الخلايا المتخصصة (Specialized cells)، كخلايا العضلات والجلد والكبد والخلايا العصبية وغيرها. وهي بذلك يمكن أن تقوم بأعمال الترميم والتعويض عن الأنسجة المتضررة أو المفقودة، ويأمل المتخصصون الاستفادة من هذه الخصائص وتطويعها في علاج الأمراض المختلفة. أنواع الخلايا الجذعية ١- الخلايا الجذعية الجنينية لكل خلية من خلايا الجسم وظيفة محددة وذلك بحسب الجهاز أو العضو الذي تنتمي إليه، أما الخلايا الجذعية الجنينية فتتميز أنها ليس متمايزة وليس لها وظيفة محددة ويمكن تحويلها لخلايا أي عضو في الجسم، وبالتالي استخدامها لترميم واعادة وظائف الأعضاء المصابة كالقلب والبنكرياس والكبد. يمكن الحصول على الخلايا الجذعية الجنينية من المشيمة والحبل الشوكي والسائل الأمنيوسي ومن الأجنة المتبقية من عمليات أطفال الأنابيب. ٢- الخلايا الجذعية البالغة تحتوي أعضاء جسم الانسان البالغ على خلايا جذعية يمكنه استخدامها لتجديد خلايا الجسم عند الحاجة، وهي عبارة عن خلايا جسمية أكثر تمايزاً من الخلايا الجنينية متخصصة بكل عضو. تساعد الخلايا الجذعية البالغة على اعادة تجديد الخلايا المستمر خلال الحياة وتوجد خاصة في نقي العظام وخلايا الأمعاء، كما توجد في الجلد والكبد والعضلات . وهي التي تساعد على تجديد خلايا الدم وشفاء الجروح وترميم الأعضاء خلال حياة الإنسان والوقاية من الشيخوخة المبكرة. و رغم وجودها إلا أنه ليس من السهل العثور عليها ويمكن أن تبقى بصورة كامنة في الجسم لمدة طويلة. والفرق الرئيسي بين الخلايا الجنينية والبالغة يكمن في قدرة الخلايا الجذعية الجنينية على التخصص والإنقسام المستمر بفعل انزيم التيلوميراز، بينما الخلايا الجذعية البالغة تنتج هذا الانزيم بكميات قليلة وعلى فترات متباعدة لذا فهي محدودة العمر. اضافة إلى أن الخلايا الجنينية يمكن استخدامها لترميم أي عضو بالجسم بينما الخلايا البالغة أكثر تخصصاً، فالخلايا الجذعية في نقي العظم تنتج خلايا الدم من الكريات البيض والحمر والصفيحات الدموية ولكنها لا يمكنها انتاج خلايا الكبد والجلد والعضلات. ٣- الخلايا الجذعية الجنينية المبرمجة بتقنية الأي.بي.اس ( iPSCs) إن استخدام تقنية التمايز العكسي Retrodifferentiation يشكل قفزة علمية هائلة في مجال زراعة الخلايا الجذعية، يمكن من خلالها العودة بالخلايا المتمايزة البالغة إلی أصولها كخلايا جذعية. حيث يمكن استخدام خلايا المريض نفسه واعادة استنساخها وتحويلها إلى حالتها الجنينية. هذه الطريقة تعد بالكثير خاصة أنها تستخدام خلايا الشخص نفسه وبالتالي يمكنها تجاوز القضايا الأخلاقية المتعلقة باستخدام الأجنة البشرية،اضافة الى تجاوز مشكلة الرفض المناعي كونها من خلايا المريض ذاته. ما هي أنواع العلاجات بالخلايا الجذعية المتاحة حالياً؟ يوجد حاليا عدد قليل من علاجات زرع الخلايا الجذعية التي أثبتت فاعلية وأماناً، و أفضل مثال على ذلك هو زرع نخاع العظم لعلاج أورام الدم، وما زالت الأبحاث تجري على قدم وساق للبحث عن علاجات واستخدامات أخرى. ويتوقع العلماء أن تشهد السنوات القادمة مزيداً من التقدم في هذا االمجال، خاصة في علاج أمراض مستعصية كمرض السكري من النمط الأول، حيث تعمل الدراسات على إيجاد طريقة لتعويض خلايا بيتا التي تفرز الأنسولين في البنكرياس والتي تعرضت للتلف نتيجة آلية مناعية ذاتية. كما أن أبحاث تجرى لإيجاد علاج لمرض التصلب المتعدد و داء باركنسون ومرض الضمور البقعي للعين. في المقابل، يساء استخدام تقنية زرع الخلايا الجذعية لأغراض تجارية، حيث تستخدم طرق غيرمعتمدة علمياً في مجالات مختلفة مثل بعض الاجراءات التجميلية ، ويجب توخي الحذر وعدم الانجراف وراء هذه الاعلانات البراقة واستخدام علاجات تفتقد للفعالية والأمان يمكن أن يكون لها نتائج كارثية في بعض الأحيان.

د.منی كيال – استشاري المختبرات د.محمد فتحي عبد العال – كاتب وباحث

دراسات

“مسرى الأشواق” للشاعرة فاطمة قيسر تجربة إبداعية تنهل من قوة اللغة وانسيابية المعنى الشعري/ لحسن أيت بها ـــ المغرب

الشاعر والناقد المغربي لحسن أيت بها

تنفرد الشاعرة المغربية فاطمة قيسر من خلال ديوانها الأنيق “مسرى الأشواق”[1]، في خضم الإبداع الشعري النسوي الجديد، كصوت مختلف، يبوح بما يختلج ويتأجج في الذات من أشواق روحية أصيلة ، وغربة متدفقة، أقرب إلى الصوفية، مناجاة شعرية ذات أبعاد روحية، فإنك عند قراءة المقطع الشعري الأول ضمن أشواقها حتى يأخذك النفس الشعري، والأسلوب الأصيل واللغة المتينة في مواصلة القراءة، إنها معان تنساب انسياب الماء فوق خمائل الجداول، تنساب معها خفقات الروح لتعبر عن معان جديدة للغربة، هكذا هي ديباجة الديوان من أشواقه الأولى ومعراج روحه الملهمة، وقوة شخصية صاحبته، وعباراته البديعة.

وهو التجربة الثانية في ميدان الشعر والصادر عن جامعة المبدعين المغاربة، سنة 2019، تصدرته لوحة جميلة للفنانة خيرة جبران، أما تجربتها الأولى فهي  بعنوان “ترانيم من بوح بلقيس”عن مؤسسة آفاق بمراكش، كانت خلاصة تجربة متميزة من العطاء في المجال الإبداعي، والعمل في التدريس، والولع باللغة العربية، وجمالية حروف لغة الضاد.

يقول تولستوي: “إن الهدف الرئيس للفن هو أن يظهر الحقيقة عن روح الإنسان، وأن يكشف عن الأسرار التي لا يمكن التعبير عنها بكلمات يسيرة، إن الفن ميكروسكوب يسلطه الفنان على روحه، ويعرض تلك الأسرار المشتركة مع الناس”[2].

الحقيقة الكاملة التي بحث عنها المفكر والأديب الروسي تولستوي عن الفنان وروحه، وصاغها في هذه الكلمات عن النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، تعبر بحرارة وصدق عن أحاسيس الشاعر الفنان، والشاعرة فاطمة قيسر تعانق أرواح النفوس بمقطع من قصيدة تمهلي:

سأقول للأحلام تمهلي

آن الأوان أن ترحلي

تراءى الخريف مزمجرا

يجتث الجمال بمعول

حتى النفوس تصحرت

قد جف عذب المنهل[3]

دعنا ننهل من هذه القصيدة جمالية العبارة، ورقة الأديبة التي تسافر بالروح كي تعانق أشواقها المتناثرة، فتغدو القصيدة ملاذا للأحلام ومرتعا للفصول، فتغذي النفوس دون الحياد عن موازين الإيقاع الذي اكتسى حلته التي تشبه معلقة امرئ ألقيس في قوافيها، فالشاعرة خالفت نمطية القصيدة الرقيقة الأداء. الرقة في العبارة والمعاني، والقوة في السبك والديباجة.

وتراها حينما تناجي الأرواح في قصيدة عنونتها بنفس العبارة  فتقول:

هي السهام توالت

فكيف أتقي الرماح

وكيف لقلب تهاوى

فمن يضمد الجراح

وحين تذرف قسرا

فمن يكبح الجماح؟

أماه أناديك تعالي

أما تسمعين النواح[4]

هكذا يجد المتلقي أمام هذه القصائد التي تحمل في طياتها حمولات الاغتراب، يواصل القراءة بلا ملل، ينتقل من قصيدة إلى أخرى يقتفي أثر مباهجها فينتقل من معنى إلى آخر يبهره دقة العبارة وجمال الصياغة، بحيث تنساب القصيدة كالماء في صفاء السريرة وهدوء الفكر والروية ، حقا ونحن نطالع هذا العمل الأدبي نعتز بشاعرة متميزة وتجربة خصبة، ومتدفقة الأحاسيس والمعنى، مع دقة المعجم الذي ينم عن ثقافة إلمام بلغة الضاد.


– مسرى الـأشواق، فاطمة قيسر نشر جامعة المبدعين المغاربة، الطبعة الأولى 2019.[1]

[2] – حكم النبي محمد تولستوي، الطبعة الأولى 2008.  ص: 7.

– مسرى الأشواق ص:22.[3]

-مسرى الأشواق ص: 43.[4]

شعر

لغة شاردة / شعر فريدة مزياني ـــ أوطاط الحاج /المغرب

يَلْسعُنِي الرَّيبُ

 يَهزُّ يقيني

 بين حُلمِ الفرَج

 وظنٍّ يعوقُ  ظِلالا تَقينِي.

***

 أُناجي السَّمعَ

 بِوَشْوشةِ الرضا

 بِكُلِّ المدى المُمتَدِّ

على مِساحاتِ الرُّوحِ

 المُبعثرةِ الأطراف

 جفَلَتْ مُخضَّبة الفؤاد

 سَكنتْ هذْبِ الغمام

 شارِدة في بغاءِ الكلام

وشساعة الوَجَع

 تَلْثم في استحياءٍ

ستائر قمرٍ

 وجَفنٍ خجولٍ لا ينام.

***

…لا زِلتُ شحرورة

تنزِفُ حُبّا..وحَبّا

 تتدلَّى قطوف تِين ورمَّان .

***

كالفُصولِ أنا

يَتَقلَّبُ الجمال فيها

يُعانِد قهْرَ الزمان

تُطبْطِبُ الذكريات

 كتِفَ الحاضر

وتُعلن الرِّهان.

***

 سليلة شهْرزاد

 أُرتِّقُ هنّات الليالي

 حكايا الحُمق اللذيذ

 وخوْفِ المكان

 أدثِّر النبْضَ

عباءات الغرام

 عَلِّميني .. أُمّنا الأيام

كيف أجْدِل خيوط السلام

 كيف أنتَزِع آهاتَ الليالي

في حلكَةِ الظلام

 في هدير الشُّجون

 في عِزِّ الألم.

***

 دثِّريني من همومي

 من صقيعِ الحروب

 من دمْعةٍ تحَجَّرت

في صُلْبِ السأم

 علميني

.. كيف أقتات من فُتاتِ الهيام

كيف انْثُر زهورا

من بساتين وِجدك

 ومن عينيك  أضيئ الظلام.

دراسات

بين الترابط والتناثر / بقلم محمد رحمان

*دراسات نقدية وقراءات في مؤلف” باب لقلب الريح” للكاتب والشاعر محمد آيت علو…

في غمرة هذا اللقاء البهيج، وفي لجة هذا المنتدى البديع الذي يجمعنا لأول مرة، يشرفني ويسعدني أن أشارك في تقديم مؤلف حديث في طبعته الثانية2011، لمؤلف زميل بدأ يطأ أرض الإبداع والنشر، قادما إليها من تخوم التفكير الصعب والمساءلة العميقة.

إنها مناسبة مناسِبة هذه التي تجمعنا اليوم ، والتي أبدأها بقولي: -<<  سلام عليك أيها الواقف عند مدخل القلب…سلاما أيها القلب الراقص على جدران الحزن الراكض في اتجاه النافذة بحثا عن كوة فرح ملفوف بمرايا من ضوء عشتاروأنا شيد لوركا>>

و أختمها بقولي:<<إنها عشتار اليوم بيننا حية، نابضة، ولوركا يعلمنا النشيد الكوني الأبدي>>.

أيها الحضور الكريم، ليس في نيتي- في هذه المداخلة- أن أدخل في تفاصيل نقدية حول مؤلف “باب لقلب الريح” للأستاذ محمد آيت علو ، ليس في نيتي كذلك الخلوص إلى استنتاجات نهائية، فكل هذا متروك للقراءة المتأنية، ولكن بغيتي هي:ـ الوقوف على التعالق المفترض بين العنوان وغيره من عناوين مختزنة في الذاكرة.

ـ الوقوف على شساعة الدلالة التي يحملها التجنيس الغريب الذي وضع للمؤلف.

  1. العنوان:

جاء عنوان المؤلف مضغوطا بخط بارز متكون من ثلاث لكسيمات لغوية:

  • الأول باب و هو إسم نكرة مفرد يحيل على الإنتماء إلى حيز الدخول والمدخل، الدواخل، المدخلات، أي إلى حيزما هو جواني/ مغلق.
    • و الثانية لقلبوهوإسم مفرد مجرور بلام الجر، ويدل على المشاعر والأحاسيس التي تؤثث نفسية الإنسان باعتبارها حيزا مغلقا، وقد يدل على التغييرالذيتفيده لفظة القلب.
    • و الثالثة الريحوهوإسم مفرد معرف بأل  ومذكر تداوليا، ومؤنث لغويا.

ويقودنا هذا إلى الوقوف على شبكة التعالق المفترض بين هذا العنوان الجريء وغيره من العناوين، فتحضرنا في هذا الإطار العناوين التالية:

فيالإبـداع العربي:

  • مسرحية “الباب” لغسان الكنفاني
  • رواية “سبعة أبواب” لعبد الكريم غلاب.
  • رواية “باب تازة” لعبد القادر الشاوي.
  • رواية “الأبوابالموصدة” لرفعت الخطيب.
  • مسرحية “افتحوا الأبواب” لمعين بسيسو.
  • قصيدة “الباب تقرعه الرياح” لبدر شاكر السياب.

و في الإبداع الغربي:

  • رواية “أبواب الخلود” لميلان كونديرا
  • رواية “القط الأسود وراء الباب” لفلاديميركرافشتكو.
  • رواية “أبواب القلعة الخامسة” لإزابيل ماريان.
  • مسرحية “باب المطر” لفرنسوا جيرار.

و كلها نصوص سردية و تمثيلية هاجسها المشترك هو الدعوة إلى التغيير وإعادة بناء الذات والحياة.

إن التعالق الموجود بين العنوان وغيره، تعالق نصي يكثف التجربة الإبداعية و يلخصها.

  • دلالة التجنيس:

      ورد أسفل الغلاف تجنيس يبدو منذ الوهلة الأولى غريبا غيرمألوف، جاء فيه:”نصوص منفلتة ومسافات”غيرأن توغلنا في فهم مقصدية النص وتراكماته الدلالية يجعلنا نلمس كون هذه النصوص قد انفلتت من عقال التجنيس نفسه، وانفلتت كذلك مـن صـهـوة المقصـديـة الجمـاليـة، أقصـد أنها نصوص/ طبقـات تداخل فيهـا مـا هو نفسي واجتماعي و قصصي وسيري وشعري و إخباري…

     أما لفظة المسافات، فهي تؤشرعلى حقيقة بادية، ولكنها غيرعادية، تتمثل في المسافات التي تفصل هذه النصوص من حيث الزمن(1993-97-98-99-2000ـ2011) مسافة زمنية استطاع الكاتب أن يكثف فيها تجربته الحياتية، وأن يصقل تجربته الإبداعية، ومن حيث المكان(من تزنيت جنوبا وصولا إلى طنجة شمالا، وألميريا، والشاون، بل إلى تخوم الشرق الصادعبالأناوالأنوية(تنغير-ورزازات مثلا) أماكن دافئة جعلت النصوص تمتلك دفقا شعوريا وإحالة على المسافـات.]لقد دخل المؤلف في سباق المسافـات الطويلة مع الزمـن والمكان وهذه طبيعة الأدب[.

شعر

طيف أحلامي / شعريوسف بن لحسين

ﺃﺧﻔﺖ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﻭﻟﻬﻲ

ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍلمنساب ﻳﻐﺮﻳﻨﻲ

ٱﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻬﺎ ﺇﺷﺮﺍﻗﺔ صبحٍ شهيٍّ

ﻭﺯﺭﻗﺔ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ..

مداي الفسيح..

فستانها حريرٌ من شغف

بملقاها..

تزهر ﻗﺼﻴﺪﺓً من وله

حروفها احتراقي بهواكِ

وخاتمتها لهيبُ جمر ..

ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﺃﻧﺖ ﺣﻜﺎﻳﺘﻲ ﻭﺯﻣﺎﻧﻲ

أنت صحوي وفرحي..

و ﺑﺴﻤﺔ ﺷﻔﺘﻴﻚ ﺷﻬـــــﺪ مصفّى

يسكرني ﺑﻼ رشفٍ..

ﻋﻄﺮ ﺃﻧﻔﺎﺳـــــﻚ يغويني

ﻳﻐـــــــــﻞ ﻓﻲ شراييني

ﻳﻼﻣـــــﺲ ﺇﺣﺴﺎﺳــــــﻲ

يحتلُّ كياني..

أنتِ حلمي ﻭﺍﻟﻮﻋﺪ الآتي

أراكِ فرح العمر ﺗﻬﺪﻳﻨــﻲ

ومن رضاب ثغركِ الظمآن

ترويني..

ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ يا أميرة ﺍﻟﺴﺤﺮ

ﻭﺍﻟـــﺪﻻﻝ…

تميتني بهواها و ﺗﺤـــﻴﻴﻨــﻲ

لها أوقفت نبصي ودم الوريد

وشرّعت لها أشرعة الغرام..

ونوافذ الهوى

ودفء أحضاني

يا سرّ هنائي وبقائي

فتعالي فأنا عاشقكِ الأزلي

وصدري سريرٌ من هناء..

إصدارات

“من زاويةٍ أنثى” لمحمد حسن العمري.. رواية تعاين التحولات السياسية والاجتماعية في الأردن

عمان-

تسجل رواية “من زاويةٍ أنثى” الصادرة عن دار “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان للروائي محمد حسن العمري ما يشبه السيرة الغيرية التي لا تتوقف عند حياة شخص واحد، بل تمتد لحيوات عددٍ من الأشخاص ممن يرتبطون معه.

تعتمد الرواية تعدّد الأصوات والمذكرات والإضاءات والتوضيحات والشهادات التي تلقي الضوء على مسار الأحداث وتحولاتها، ليس بالنسبة لأبطال الرواية وحسب، وإنما في المجتمع بشكل عام.

تتصيد المشاهد المجتزأة لتواريخ متعددة خلال نصف قرن، مثقلة بالهموم الإنسانية والعاطفية التي تصاحب سيرة شخصية تبوأت موقعا رسميا رفيعا يقرر منذ دراسته للقانون في الجامعة الأردنية أن يخوض غمار السياسية بعد أن يصطدم بمجتمع متخم بالشهادات.

على صعيد الشكل تأتي الرواية ضمن شبكة سردية متداخلة لأحداث بطل الرواية الطموح الذي يدرس القانون من أسرة “ريفية” ووالده أصيب في حرب عام 1948، ويصف خلال ذلك ملامح القرية وحكاياتها التي تنحى في نمطها إلى الحكاية التراثية.

تتطرق الرواية إلى عدد كبير من التابوهات الجدلية منذ سبعينيات القرن الماضي في المجتمع المحلي، كما تسبر أغوار التحولات في مجتمع رجال السياسة ومسائل الاختراقات الحزبية وقضايا الكبت والتبني والتحرش وغيرها.

وتتتبع الرواية حياة البطل ظافر منذ طفولته وعائلته ووالده وأمه، وفترة دراسته وزواجه من المرأة  التي يحبها (سعاد) خلال فترة الدراسة، وتسلمه بعد ذلك للوزارة، وعمله في المحاماة وزواجه بامرأة أخرى(هيام). 

وخلال الرواية التي تمتد على زمن يزيد على الخمسين عاما، وتقع في نحو 250 صفحة من القطع الوسط يلقي الضوء على أحداث أيلول 1970، والظلال التي ألقتها على المجتمع الأردني، ويكشف بعد ذلك خلال تسلمه الوزارة أجواء الطبقة السياسية، كما تتطرق الرواية للأعمال الإرهابية التي جرت في عمّان 2005.

الأشخاص التي أسمائهم ترد في الرواية التي اعتمد فيها الكاتب على أرشيف ووثائق كثيرة، هي شخصيات حقيقية من لحم ودم، وأخرى واقعية استعارها من الخيال لاعتبارات جمالية وفنية، وبعضها ما يزال يعيش بين ظهرانينا، وإن تبدلت أسماء الأماكن وأسماء الأشخاص وصفاتهم وأزمانهم.

والرواية ترصد التحولات السياسية والاجتماعية في المجتمع الأردني منذ سبعينيات القرن الماضي بلغة تتنوع بين التقريرية والوصف والرومانسية أحيانا المغلفة بالشعرية العذبة، وهي وإن كانت واقعية إلا أنها تنطوي على أبعاد رمزية تتصل بسياق الشخصيات، ومنها حكاية الضبع وأبعاد الشخصيات التي تمنح المتلقي مساحة من التأويل لمآلات الحكاية.

وترسم الرواية ملامح الشخصيات القادمة من الريف والبادية وعلاقتها وتحولاتها في المدينة، كما يرسم صور لشخصيات أخرى من أصول مركّبة لإلقاء الضوء  على تحولات تلك الفترة وتغيراتها، فهي رواية ثلاثة أجيال وثلاثة حروب. فالرواية من خلال الاسترجاع الزمني تعود لنهاية الأربعينات بالإشارة لظلال الحروب (نكبة 1948، وهزيمة 1967، وحرب 1973) وانعكاساتها على المجتمع الذي عاش جملة من الكبوات والقفزات، ولكن الروائي يبقى متفائلا بختام الرواية التي تشهد الولادة كرمزية لاستمرار الحياة.

ومن مناخات الرواية: “عندما دلفت هيام إلى ممر غرفة الولادة، كان المطر يهطل غزيرا في الخارج، والنوافذ كلها مظللة بالبخار، ترسم قطرات الماء عليه لوحات من الفن التجريدي التي ليس لها دلائل إلا في عقول الفنانين، … خلع سيف نظارته ومسح عينيه بمنديل، ثم صار يفرك بأصبعه الذؤابات المبتلة من شعر الحفيدة الصغيرة، تسور الثلاثة في حلقة من البشاشة حول الحفيدة (أيما) التي ظلت تموء بين ذراعي عمتها هيام..”.

يشار إلى أن الروائي محمد حسن العمري من مواليد إربد، حصل على البكالوريوس تخصص الصيدلة عام 1995، ويعمل في قطاع التسويق  الدوائي، صدرت له رواية بعنوان “وهن العظم مني” سنة 2008. 

حوارات

عصمت دوسكي : ستبقى المرأة هي القصيدة التي لم تكتب بعد / حوار خالد ديريك

…وحينما اكتب عن الفرح يتسلل الحزن فيه .

لا يرد دوسكي على النقد السلبي، ويهمه العوالم الإيجابية :

بدأ بكتابة الشعر في الثامنة عشر من العمر، وفي نفس العام نشرت قصائده في الصحف والمجلات العراقية والعربية. يوصف بشاعر الحب، الفقراء، الإنسانية، فهو يستحق الألقاب الثلاثة فالمرأة بالنسبة له كائن مثير ولغز عجيب، وهي بمثابة الوطن! ولا يبخل بقلمه تجاه الفقراء والمقهورين الذين يعانون البؤس والحرمان سواء أكانوا في ظل الحروب أو حكم الطغاة أو الحكومات الفاسدة وما ينتج عنها من المآسي والمظالم، زد على ذلك، قلمه يتجاوز حدود الوطن ليلامس آلام الناس في مختلف بقاع العالم، فهو شاعر إنساني يود أن تصل رسالته للعالم أجمع رغم ذلك يشعر بالمرارة والتهميش فلم ينصفه أحد، فلا يمكنه اجتياز الحدود لتردي وضعه المعيشي، رغم هذا الانعزال غير الطوعي يكتب بغزارة للحب للفقراء للوطن للإنسانية، والحزن والوجع يجتاح كتاباته فهو مقتنع بأن بالكلمة وحدها يمكن أن ترقى بالأمم. أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة الموصل، وحصل على شهادة المعهد التقني، قسم المحاسبة –الموصل وهو عضو في اتحاد الأدباء والكتاب العراق، ومستشار الأمين العام لشبكة الإخاء للسلام وحقوق الإنسان للشؤون الثقافية. شارك في مهرجانات شعرية وأدبية عديدة في العراق حصل على دروع وشهادات تقديرية للتميز والإبداع من مؤسسات أدبية مختلفة. وحصيلة جهده الأدبي المطبوع والمخطوط 18 ثمانية عشر كتابًا بين الشعر والنقد الأدبي. عصمت شاهين دوسكي من مواليد 1963 م من محلة شيخ محمد التي تقع وسط مدينة دُهُوك في إقليم كُردستان ـ العراق.

حول الإصدار الجديد ” القلم وبناء فكر الإنسان ” رؤية أدبية عن قصائد الشاعر عصمت شاهين دوسكي للأديب أحمد لفتة علي ومواضيع أخرى أجرينا هذا الحوار معه

 نص الحوار ….

* صدر مؤخرًا كتاب ” القلم وبناء فكر الإنسان ” رؤية أدبية عن قصائد الشاعر عصمت شاهين دوسكي للأديب أحمد لفتة علي، عن المراحل التي مر بها الكتاب وفكرة ولادته، وما يحمل بين دفتيه، صرح دوسكي قائلًا: * كتاب ” القلم وبناء فكر الإنسان ” مر بمراحل عديدة وزمن طويل أكثر من سنتين، وكان الأديب والإعلامي الكبير أحمد لفتة علي يكتب بفكر عميق عن قصائدي وفي نفس الوقت بعفوية وصدق ودقة متناهية وبفكر ورؤية إنسانية معاصرة. الكتاب يعتبر مصدر فكري وثقافي مهم وموجز، سلط الضوء على الأفكار والمضامين والمعاني الإنسانية في طرح رؤية بناء الإنسان فكريا وأخلاقيا وتربويا. ولادة الكتاب أتت بعد جهد ذاتي من الأديب الكبير أحمد لفتة علي، علمًا لم أراه شخصيًا، تعارفنا مازال عبر الفيس بوك، وقد تحمل كلفة طبع الكتاب ونفذ غلاف الكتاب الفنان التشكيلي السبعيني نزار البزاز وكتب المقدمة الكاتب أنيس ميرو ويضم الكتاب قسمين ، القسم الأول نقد فكري وأدبي لبعض قصائدي والقسم الثاني شهادات أدبية وفكرية من أدباء من دول عديدة ومنهم ( الأديبة المحامية نجاح هوفاك من ” ألمانيا ” والدكتورة عدالة جرادات من ” فلسطين ” والأستاذة الإعلامية هندة العكرمي من ” تونس ” والأديب الصديق الأيسري من ” المغرب ” والفنان التشكيلي سالم كورد من ” السويد ” ). في الإصدار الجديد ” القلم وبناء فكر الإنسان ” أشار المؤلف بأن دوسكي يستطيع توظيف الجمال والعشق لخدمة قلمه، فماذا تعني المرأة بالنسبة للشاعر، وبماذا وصفها؟ وهل استطاع أن يصل إلى أعماقها وبالتالي إخراج لآلئ من بحر عظمتها وأنوثتها وإنسانيتها: المرأة كائن جميل ومثير ولغز عجيب، فهي مصدر الرقة والجمال والرحمة والحنان والدفء والعطاء وفي نفس الوقت مصدر الجرأة والتمرد والجنون، ومصدر التحمل والصبر والعناد، فهي وطن! فما أجمل المرأة حينما تكون وطنًا تلجأ إليه دائمًا، كتبت عنها الكثير، وعلى لسان حالها، فلها إحساس لا يوصف وجمال أخاذ يجبرك على الوصف، وتحمل من الجواهر واللآلئ الكثير والنفيس وليس من السهل التعمق والتبحر في أعماقها ! فأنوثتها أسوار لا يجرأ من التقرب إليها إلا من كان جديرًا وجريئًا ومتحملًا، فهي لا ترفع الراية البيضاء إلا لمن تراه قويا بأفكارها وروحها وإحساسها وكينونتها، وحتى حينما ترفع الراية البيضاء ترفعها بعنفوان وإرادة وتجسد شخصيتها ووجودها وتأثيرها في كل الحالات، ولو كتبت عنها آلاف القصائد لا تنتهي ستبقى هي القصيدة التي لم تكتب بعد. وهذا مقطع من قصيدة” أحكم الدنيا بكلماتك “.

(( أذوب خجلا من تقف على أبوابي لا تقف،

أقسمت روحي لك

لولا إني امرأة لطلبت من كل سجان أن يسجنك

لولا التاج على رأسي

لقلت لكل النساء أنا أميرتك

أنت تملك قلبي، فرحي، جنوني

وكل سعادتي من سعادتك

نعم يا شاعري المغترب شهد أنوثتي

يتسلل بحنان لخليتك

وأظافري تترك دماءً على كل بقعة من جسدك

أنا ملكة على عرش قصائدك

أتحدى كل نساء العالم إن كن مثلي يحملن عشقك

أنا دكتاتورية في الحب

ولا أحب أن يشاركني أحد في حبك

ولا في خيالك ولا في أحلامك

فأنا ملكة أحكم الدنيا بكلماتك

وأنا متوجة منذ ألف عام على عرشك

ولا أتنازل لحظة عن حبك …)).

* يقول مؤلف الكتاب : دوسكي بين نقاء الإنسانية ونبض الإبداع * واقع بين حروب وجوع ونزوح … إذن، هل دوسكي يشعر بالفقراء والمظلومين ويكتب قصائد جريئة بحق الطغاة والمفسدين؟ جاء رده على الشكل التالي :

الشاعر بإحساسه وفكره وخبرته وتجاربه يمهد لكل جمال وتألق وإبداع شعري، إنساني، حضاري، يترجم أدق الحوادث والأزمات وينفذ إلى دقائق النفوس والآهات والأنات والحرمان والفقر والبؤس في واقع مليء بالتناقضات والإرهاصات والمكابدات والمعاناة خاصة في هذه البقعة التي امتلأت بالحروب والخراب والدمار والويلات والنزوح والهجرة والتشرد، وما عانته الإنسانية من الظلم والقتل والإرهاب والنفي والإقصاء والاغتصاب بل وحتى بيع أعضاء البشر وغيرها من صور الكوارث التي محت من الضمير والرحمة والإنسانية بإحراق الأراضي الدونمات من الحنطة والشعير وتهجير العقول وإدخال المواد السامة والفاسدة والتجارة فيها وتوزيع المخدرات والحشيش وزراعتها علنًا أمام أعين الناس بلا رقابة وبلا حساب كل هذا أدى إلى الفساد وبسط الجهل وترويج ثقافة راكدة، فثقافتنا الآن تحتاج إلى ثقافة أخرى رائدة لتصقلها وتطهرها من الشذوذ والشوائب الكثيرة. وهذا مقطع من قصيدة ” ماذا تبيع يا ولدي …؟ ”

(( ماذا تبيع يا ولدي …؟

الجبابرة باعوا كل شيء

حتى العشق باعوه بلا ماعون

ماذا تبيع يا ولدي في زاوية الدار …؟

فالفقر يجري فينا كمس مجنون

ماذا تبيع يا ولدي في (صينية) الزاد …؟

ألم يبقى طعام في البيت ليأكلون …؟

ماذا تبيع يا ولدي

لم يبقى شيء في البلاد لم يباع

حتى الضمير المكنون …؟ )).

* تناول مؤلف الكتاب قصائد عديدة للشاعر دوسكي منها قصيدة “عفرين” وأيضًا رواية ” الإرهاب ودمار الحدباء” عن هذا الجانب أجاب :

قصيدة عفرين كلمة ورسالة للإنسانية فعفرين كباقي المدن المجروحة التي ظلمت وخربت ودمرت مثل مدينة نينوى وغيرها وحينما لم يكن بيدك سلاح فأفضل سلاح فتاك هو الكلمة فمسؤولية الأديب أن يكشف للعالم ماذا يجري هنا وهناك وقد كتبت ( رواية الإرهاب ودمار الحدباء ) التي تعتبر وثيقة تاريخية عن بعض أحداث نينوى ولو صدرت في الخارج لاعتمدوها كوثيقة أدبية تاريخية وربما تجسدت في فلم سينمائي ، ما زالت قصيدة عفرين تناقلها القلوب والعقول ويتصلون بي لأرسلها لهم والأستاذة السورية ” أمينة عفرين ” أعدت ونفذت وأخرجت فيديو للقصيدة وهي في قناتي الخاصة على اليوتيوب فالقلم والبندقية فوهة واحدة وربما يكون تأثيرها أقوى وأشد.

قصيدة عن عفرين

(( أصبح للكلاب حقوق… وللقطط بيوت من لبلاب…

وللحمير جواز مرور… وللقرود عرس وسرور بين لألئ وموز وأطياب وما زال الإنسان…. يدمر، يشرد، يغتصب… يهجر الروح فوق السحاب

ما زال الإنسان يسلخ جلده…. تابعا بلا جلد… ويشعل ترابا فوق التراب … عفرين…. زيتك العفريني خلف خنادق وأسوار… غدروا، قطعوا، هجروا الشعاب

ما بال ” نبي هوري ” خالية… يبكي التراب على التراب … ؟

“ما بال ” عين دارة ” … أ حجار تواسي أحجار …. وتمسح غبار الأغراب  ؟

ما بال ” سمعان ” بلا عيون …. بلا بريق، بلا حبيب، بلا أحباب ؟

 يا ضحية النهى …. يا وجع الفؤاد…. يا سيدة الزيتون…. لست أرض على الأرض…. بل آية الله، يطويها الضباب

عفرين عودي إلي لا تحزني…. يوم الزيتون آت…. والحب والجمال آت… وستفتح كل الأبواب…. وستفتح كل الأبواب  ))

نبي هوري، عين دارة، سمعان: مناطق أثرية سياحية // عفرين مدينة كوردية في سوريا

*سلط المؤلف الضوء على روائع دوسكي الإنسانية، فالشاعر عصمت لا يكتب عن فئة معينة وإنما عن الإنسانية جمعاء، فهل تصل رسالته إلى العالم؟ وهل أنصفته جهات معنية، حيث قال :

لكل شاعر إنساني رسالة يحب أن يوصلها للعالم، للإنسانية بلا حدود وقيود، ولكن ضنك العيش وعدم وجود إمكانية للسفر وإقامة أمسيات ومحاضرات فكرية خارج كوردستان والعراق رغم أن الدعوات تأتيني من تونس ومصر والمغرب وغير الدول، ولكنني لا أملك ثمن تذكرة السفر للذهاب والإياب كوني أولًا بلا عمل منذ أكثر من خمسة سنوات بسبب أوضاع الموصل، وبعد لجوئي إلى دهوك استمر الحال رغم الوعود الكثيرة من المسؤولين والشخصيات لإيجاد عمل لي، وبعد مرور الزمن اكتشفت إنها مجرد وعود وكلمات. لم ينصفه أحد: لا أحد أنصفني حتى اتحاد أدباء دهوك يرفض إعطاء هوية الانتماء له لأني أكتب بالعربية، هذه أبسط الأمور رغم أنني منذ الثمانينات حاصل على هوية اتحاد الأدباء والكتاب العام في العراق. نحن ما بيننا لا نرحم بعضنا فكيف سيرحمنا الآخرون …؟ نزح من مدينة الموصل إلى مدينة دهُوك بكردستان العراق، لكنه لم يظفر إلا بالقليل من الفرص الأدبية والثقافية هناك، ووضعه المعيشي لا يزال سيئًا، وترجع الذاكرة به إلى الخلف، فيقول: مدينة دهوك هي مهد أمي وأبي وما زلت أتذكر كيف كنا نحيا في أزقتها البسيطة النقية في الستينات وكنا نلعب في الحارة مع أطفال المسيحين واليزيدين وباقي الأطياف الأخرى ولم نكن نهتم هذا من أي طائفة بل كنا نحيا بنقاء وتعايش وأمان وسلام ،والنفوس والرحمة والكرم كانت في ذروة التواصل الإنساني رغم إني لم أفارقها أبدا حيث كنا نزور الأقارب والأهل والأصدقاء بين حين وآخر رغم وجودنا وانتقالنا لمدينة نينوى منذ نهاية الستينات وحتى حصولي على دبلوم محاسبة في مدارسها ولكن بعد دمار بيتي وسيارتي ومكتبتي وأرشيفي في حوادث الإرهاب رجعنا إلى دهوك وأقمنا فيها ولكن شتان بين أعوام الستينات والسبعينات وبين حاضرها الآن حيث تجلى بنيان العمارات والمظاهر العصرية وفي نفس الوقت تدنى البنيان الإنساني بصورة كبيرة حيث الكذب والحقد والغيرة والأنانية وأقرب الناس يغتصب ورثك وأرضك وأفكارك ولا أشمل الجميع فلو خُليت قُلبت، وأشكر الأستاذ المهندس المدني سربست ديوالي أغا الذي وقف في جانبي وكذلك الدكتور حميد بافي وبدل رفو واحمد لفتة علي وأنيس ميرو وعلي سنجاري وسالم كورد ونزار البزاز وغيرهم من الطيبين. من الناحية الثقافية نعم استفدت ولكن قليلًا ليس بمستوى الحلم الذي أريده، أما المعيشية ليس لي وارد مالي أعيل به عائلتي فما زلت بلا عمل رغم الوعود الكثيرة، لكنها وعود كلمات وليست وعود أفعال. مخطوطات مكدسة تحتاج إلى الطبع: أنا الوحيد ربما الذي كتب نقدًا أدبيًا لأكثر من (150) شخصية كوردية أدبية شعرية وفنية وقصصية وتشكيلية كلاسيكية ومعاصرة ومنهم موجودين في مدينة دهوك ولكن مع الأسف يطبقون المثل القائل (أنا والطوفان بعدي). لست نادمًا لكني أتألم لما وصلنا إليه. هناك كتب حاضرة للطبع عن الأدب الكلاسيكي الكُردي وعن المرأة الكُردية بين الأدب والفن التشكيلي حينما تعرضها على مؤسسة ثقافية من أجل الطبع يقولون ” أزمة مالية ” وهذا تناقض مؤلم حيث الطبع لا يكلف سوى 600 دولار أو أقل مقابل الحفلات والليالي الساهرة التي تكلف 5000 ألاف دولار أو أكثر، ما أعنيه إن التوجه للفكر والثقافة شبه ميت أو موت سريري روتيني إلا ما ندر.

تطفو نبرة الحزن على معظم كتاباته بسبب ما تعانيه المجتمعات من المظالم: الحزن صوت تسمع أنينه الملائكة، صوت الفقراء والأتقياء والعظماء والأنبياء، عشنا وما زلنا نعيش على أرض عليها الأوجاع والآلام والمعاناة والأزمات والحروب والخراب والتشريد والتهجير والنزوح والفقر والحرمان إضافة إلى الجهل والفساد والركود الثقافي والاقتصادي وغيرها من التناقضات الإنسانية فكيف لا يأخذ الحزن مساحة طافية في كتاباتي حتى حينما اكتب عن الفرح يتسلل الحزن فيه، وكما يقول المثل ” كل إناء ينضح بما فيه “. فالوجع والحزن يجسد نفسه خلال كلمات فيها الإحساس والصدق مثلا قصيدة ” أنا بلا عمل ” التي تتحدث عن البطالة وهجرة الشباب للبحث عن عمل. أقول في مقطع منها.

(( أنا بلا عمل

في جعبتي الحب

والجمال والسلام في حروفي أجمل

في صدري ورودا وأزهارا

وفراشات تحمل رحيق العسل

في خاطري شلالات إبداع

ونساء وملكات حُلٍلْن بلا حُلَل

في وطني بسطاء بلا نفاق وشقاق ومنعزل

لا أركض وراء شهادة ورقية

أنا الشهادة، أنا الهوية، أنا الأجمل

فهل تبحث لي عن عمل

أم أحمل وطني وأرحل …؟ )).

* لا يرد على النقد السلبي، ويهمه العوالم الإيجابية :

ما بين التراكمات الزمنية والعولمة التي غيرت النفوس والعقول تجد النقد ” التسقيطي، التحطيمي ” غايته أن يحطم الجمال والمحبة والإبداع، ومن شدة كرهه وحسده وغيرته يتخبط حتى في نقده ومثل هؤلاء لا أرد عليهم فسمومهم تقتلهم، وهذا أيضا يمدني بطاقة متجددة لأكتب أكثر، وأنظر إلى العوالم الإيجابية الجمالية والإبداعية المشرقة المفعمة بحب الناس وعنفوان الوطن أكثر.

* لحظات انطلاق القصيدة لديه :

القصيدة تولد من الإحساس بالأشياء ربما رؤية وردة جميلة وسنبلة منحنية أو دموع طفل وامرأة واهنة ووطن جريح، مرات عديدة يسألونني كيف تأتيك أفكار القصيدة فأقول لهم: الأفكار موجودة بيننا وحولنا، في محيطنا، بيئتنا وعالمنا ولكننا مشغولون عنها، فالأفكار لا تتبعك بل أنت من تتبع وتبتكر وتجدد الأفكار، والإحساس عندي أهم شيء في القصيدة وبلا إحساس تكون القصيدة بلا روح بلا طاقة بلا تأثير.

* الفيديوهات الشعرية بالنسبة له هي النافذة التي توصل من خلالها رسالة الإنسانية إلى العالم :

حينما أجد نافذة توصل من خلالها رسالتي الإنسانية إلى العالم ألجأ إليها وبصراحة خبرتي قليلة في إعداد وتنفيذ الفيديو في البداية كانت ابنتي هيلين ولكنها تفرغت للدراسة وهناك أصدقاء من المغرب مثلا الأستاذة الإعلامية وفاء المرابط والدكتورة حنان والأديب المغربي الصديق الأيسري والأستاذة وفاء أحمد والصديق الفلسطيني خالد الأغا والصديق السوري المقيم في السعودية الأستاذ أكرم عز الدين والصديقة السورية أمينة عفرين جزيل الشكر لهم جميعا هم من نفذوا وينفذوا أشرطة الفيديو وأنا انزلها في قناتي اليوتيوب كنافذة إعلامية أدبية شعرية ولا أنسى صحيفة ” واحة الفكر Mêrga raman ” الغراء تنزل في صفحاتها أشرطة الفيديو الشعرية الخاصة بقصائدي شاكرًا لهم هذا الجهد الإنساني الكريم.

* الإنترنت والصحف أيضًا صلة الوصل بينه وبين العالم :

صوتي يصل عبر الإنترنت والصحف الورقية المنتشرة في كندا وبلجيكا ودانمارك والسويد وغيرها إضافة إلى العربية والمحلية وبإمكانك أن تقول أنا معروف في الخارج أكثر من الداخل !

* أهمية الكلمة والكتاب لدى الأديب دوسكي :

ذات يوم سألني شخص قبل أن أبدأ أمسيتي الأدبية في دهوك قال : إن أي كتاب هو مجرد كلمات فلماذا تصدرون كتبكم. هي كلمات فقط ؟ فأجبته  بما قاله الحسين عليه السلام للوليد ممثل يزيد بن معاوية عن الكلمة وقيمة الكلمة، فقلت له: أتعرف ما معنى الكلمة …؟ مفتاح الجنة في كلمة، ودخول النار على كلمة، وقضاء الله هو كلمة، الكلمة لو تعرف حرمة زاد مذكور، الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاع يعتصم بها النبل البشري، الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة فالكلمة نور دليل تتبعه الأمة، عيسى ما كان سوى كلمة أضاء الدنيا بالكلمة، الكلمة زَلزَلت الظالم، الكلمة حصن الحرية إن الكلمة مسؤولية إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة، شرف الله هو الكلمة.

سبل زرع حب الكتاب في النفوس :

نحتاج إلى القراءة كحاجتنا إلى الزاد والماء، فالطعام لبناء وديمومة الجسم أما القراءة لنمو وديمومة ووعي العقل والقلب، إرضاء جميع الأذواق صعب أما التشجيع على القراءة ليس صعبًا وهذا ما أوصي به دائما أولًا نفسي ثم الآخرين، أول كلمة نزلت على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ”  أقرأ .” وهذه رسالة وتوجيه وإرشاد سماوي إلهي، وفي الكتاب المقدس الإنجيل ” قرأوا في السفر ” ” وفسروا المعنى وافهموهم القراءة ” سفر نحميا 8: 8 ” كذلك ” تظلون إذ لا تعرفون ” إنجيل متي 22:29 فالقراءة والمعرفة والوعي مهم جدًا لكل فرد ومجتمع ، حينما فتح أول صالون أدبي مختص في دهوك ” صالون قوبهان الأدبي ” كنت أول ما كتب عنه ونشره في الصحف المختلفة وكتبت العديد من القصائد عن قيمة العلم والقراءة وقد ألقيت قصيدة ” نعمة العلم ” في حفل تخرج طالبات المعهد الصحي العالي – الموصل والمكان البديل – دهوك في قاعة شندوخا ، ومقطع منها أقول:

(( أنعم َعلمٌ إنعاماً حتى لمسَ فاها

تنطقُ الكلمةَ كالشهدِ، ما أحلاها  

ينزلُ الإلهامُ، يُطاوعُ النُهى

ليناً مع الفكرِ دون مداها

عليمةٌ من تأملت الحاضر أملاً

وارتوت من الأملِ شوقاً أحياها

لا تدري هي من عشقت علما

أم العلم عشق كل ما هواها ؟)) .

* أبدى رأيه بإسهاب عن أسباب قيام المظاهرات الأخيرة في العراق: العراق منذ أزمنة طويلة وهو من أزمة إلى أزمات من تراكم إلى تراكمات في الفكر والجهل والإدارة وكلما نهض قليلًا أتته أمواج صفراء هابه من الخارج طمعًا وحقدًا وحسدًا مرة باسم الدين ومرة باسم الحرية ومرة باسم الديمقراطية ومرة باسم الإنسانية تعددت المسميات والعناوين والهدف واحد تحطيم البنية التحتية العمرانية والإنسانية للسيطرة على ثرواته وأنهاره ومعادنه النفيسة ، فالمحتل يأخذ صور كثيرة ومنها أن يكون من أهل البلد محتلًا يبسط الفقر والجهل واللا مبالاة في فوضى الفكر والثقافة والاقتصاد والزراعة والصناعة والسياحة والتربية والعدل. وحينما نسأل عن سبب المظاهرات يظهر الحل حينما ترفع الأسباب التي أدت إلى قيام المظاهرات، ومنظمة هيومن رايتس ووتش ” منظمة حقوق الإنسان ” أجابت بصورة الأرقام عن سبب مظاهرات الشعب مفسرة حالة العراق خلال الأربعة عشر عامًا من الأعوام الماضية وهذه هي الإحصائية: ٣ ملايين و٤٠٠ ألف مهجر موزعين على ٦٤ دولة. ٤ ملايين 1٠0 ألف نازح داخل العراق. * ١ مليون و ٧٠٠ ألف يعيشون في مخيمات مختلفة. * ٥ ملايين و ٦٠٠ ألف يتيم (أعمارهم بين شهر – ١٧ عاماً). *(٢ مليون أرملة (أعمارهن بين ١٥- ٥٢ عاماً (. * ٦ ملايين عراقي لا يجيد القراءة والكتابة (البصرة وبغداد والنجف وواسط والأنبار في الصدارة (. * نسبة البطالة ٣١٪‏ (الأنبار والمثنى وديالى وبابل في الصدارة تليها بغداد وكربلاء ونينوى). * ٣٥٪‏ من العراقيين تحت خط الفقر (أقل من ٥ دولار (. * ٦٪‏ معدل تعاطي الحشيش والمواد المخدرة (بغداد في الصدارة تليها البصرة والنجف وديالى وبابل وواسط (. * ٩ ٪‏ نسبة عمالة الأطفال دون ١٥ عاماً. * انتشار ٣٩ مرض ووباء أبرزها الكوليرا وشلل الأطفال والكبد الفايروسي وارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية. * توقف ١٣ ألف و٣٢٨ معملاً ومصنعاً ومؤسسة إنتاجية. * تراجع مساحة الأراضي المزروعة من ٤٨ مليون دونم إلى مليون دونم. * استيراد ٧٥٪‏ من المواد الغذائية و٩١ ٪‏ من المواد الأخرى. * التعليم الأساسي في أسوأ حالاته (١٤ ألف و٦٥٨ مدرسة تسعة آلاف منها متضررة و٨٠٠ طينية والحاجة إلى ١١ ألف مدرسة جديدة (. * الديون العراقية ١٢٤مليار دولار من ٢٩ دولة. * مبيعات النفط (٢٠٠٣-٢٠١٦) ألف مليار دولار لم تسهم في حل أي مشكلة من مشاكل العراقيين! المصدر: ‏Human Rights Watches Organization منظمة حقوق الإنسان “هيومان رايتس وتش”. هذه هي أسباب المظاهرات الشعبية الثائرة. ولو حلت لا تبقى مظاهرات.

* يختم الشاعر الأديب عصمت شاهين دوسكي حوارنا معه بالقول:

القول كثير ولكن أوجز القول : العدل والتسامح والتعايش السلمي والتربية الخلاقة وتقبل الآخر والتواضع من شيم وصفات الأنبياء والعظماء وعلينا التعلم الأثر ونبذ الحقد والأنانية والحسد والكره فكلنا أولاد آدم وحواء فحينما نسن فكرة جميلة وتصرف وأسلوب جميل فهذه السنن تتناقل بين أفراد حتى لو كانوا قلة من هذه القلة تنتشر وتأخذ دورها الريادي في فكر المجتمع، وعلى الدولة أن تهتم بعلمائها وأدباءها ومفكريها فهم يحملون نور الحضارة الإنسانية المعاصرة وتجديدها، فأي دولة لا تهتم بهم تعتبر واهنة ضعيفة الجوهر والوجود. شكرا جزيلا لجهودك الأدبية والإعلامية وتسليطك الضوء على المفكرين والأدباء والفنانين وغيرهم وهذا الجهد لا يقدر بثمن بكل المقاييس المادية فأنت تسجل تاريخًا مشرقًا للحاضر والمستقبل ولكل الأجيال.

نشاطات ثقافية

رسالة الشّارقة/ أسمهان الفالح :ضمن فعاليات “الشارقة الدولي للكتاب” أربعة أدباء يناقشون أثر الجوائز على الحراك الثقافي العربي

شهدت فعاليات اليوم الأول من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي انطلق أول أمس (الأربعاء) بتنظيم من هيئة الشارقة للكتاب، في مركز إكسبو الشارقة، والذي يستمر لغاية 9 نوفمبر الجاري، تحت شعار “افتح كتاباً تفتح أذهاناً، جلسة حوارية بعنوان “صيادو الجوائز”. وجمعت الجلسة التي قدمتها الكاتبة الإماراتية صالحة عبيد، كل من الكاتبة والناقدة اللبنانية يمنى العيد، والكاتب والباحث في الأنثربولوجيا السياسيّة المغربي محمد المعزوز، والروائية والأكاديمية السورية شهلا العجيلي، والروائية العراقية ميسلون هادي. وتطرق ضيوف الجلسة إلى مفهوم صيادي الجوائز، ودور الجائزة في تحفيز الكاتب أو تثبيطه، إلى جانب سلبيات الجوائز، وإيجابياتها، ومدى قدرة لجان التحكيم وخبرتها في اختيار الأفضل من الأعمال الأدبيّة المقدمة، ضمن معايير تعتمد التخصص والشفافية. وحول هذه التساؤلات أوضح المعزوز أن الاعتراف بالكاتب من خلال جائزة، هو بمثابة إخراجه من منطقة الغربة إلى منطقة الألفة، مشيراً إلى أن العديد من كبار الفلاسفة والمفكرين شاركت أعمالهم في الجوائز، ومنهم من تحصل عليها ومنهم من لم يظفر بها. وعلى الرغم من ذلك، لفت المعزوز إلى أن بعض اللجان التي تقوم بنقد واختيار النصوص الأدبية، تفتقر إلى التخصصية، بالإضافة إلى تفشي ما وصفه بالبعد الانتسابي، والعلاقات الزبونية التي تغولت في تقدير الأعمال الأدبية، فأضعفت العمل وظلمت الكاتب. ودعا الروائي المغربي إلى الارتقاء بالجوائز الأدبية بلفظ ما وصفه بالانتسابية، والزبونية، وإتاحة الفرصة للصوت الآخر الذي يمثله الكتّاب المبتدئين الموهوبين، وتعزيز إنصاف الأثر الفكري، عبر لجان متخصصة، وتحويل الجائزة إلى طقس إبداعي من خلال نقد محايد لها، باعتماد الشفافية وقول الحقيقة. بدورها أكدت الروائية يمنى العيد، أن الجوائز تؤثر بصورة أو أخرى على الحراك الثقافي، غير أن هناك من يحصدها دون أن يستحقها، متسائلة حول ما إذا كان الكتاب هو السبب، أم الجائزة بحد ذاتها، أم لجان التحكيم. وبينت أن هذه التساؤلات تطرح ذاتها في ضوء ظهور ما بات يعرف بصيادي الجوائز، مشددة على ضرورة أن يقوم الأديب والمفكر الحقيقي بدوره، الذي يشمل إلى جانب الكتابة، قيمتا الأخلاق والسلوك، وأن يمارس كتابته دون التفكير بجائزة أو غيرها، معرفة الجائزة الحقيقية بالأثر الذي تتركه الرواية في نفوس القرّاء. وأوضحت العيد أنها من خلال احتكاكها بالعمل التحكيمي بشكل مباشر، عبر اختيارها في أكثر من لجنة تحكيم لجوائز أدبية، اكتشفت أن بعض اللّجان تلعب دوراً في توجيه الجائزة نحو عمل ما، مؤكدة في الوقت ذاته أن مفهوم الجائزة والهدف من منحها هو من المظاهر الراقية لا سيما أنها تسهم في خدمة الثقافة والأدب. من جانبها قالت الأديبة شهلا العجيلي: “إن إشكالية بعض الجوائز، تكمن في انطوائها على براغماتية، حيث تحتاج الجوائز إلى كتّاب جادّين، ومخلصين، ذوي مصداقيّة، في كتاباتهم، مفترضة حسن النيّة في مختلف الجوائز”. وأكدت أن ترشيح بعض الأعمال لجائزة ما يعرض الكاتب لمغامرة نقدية كبيرة، وبالتالي فإنه أمام تحديات تتجاوز قيمة الجائزة المادية والأدبية، لا سيما إذا تعرضت أعماله للترجمة، باعتبارها ناقلاً لثقافة مجتمعه وتاريخه، نظراً لأن المؤلف العربي عادة ما يستمد نصوصه من واقع أو تاريخ بلده. وأردفت العجيلي: “الكاتب الحقيقي هو من يتوحد مع نصوص روايته، وشخصياتها، دون أن يفكر بالجوائز، لأن انحراف تفكيره عن الإبداع الأدبي يشوه الرواية”، لافتة إلى أهمية وجود المصداقية والأخلاقيات في اختيار الأعمال الفائزة، وعدم الاكتراث في حال غيابها أحياناً ومواصلة الالتزام بشغف الكتابة، وتقديم ما يستحق القراءة. وتبنت الروائية ميسلون هادي رأياً مخالفاً لزملائها، فيما يتعلق بلجان التحكيم التي ترى أن أعضائها عادة ما يكونون خبراء ومتخصصين في مجال نقد الرواية وتقييمها، لافتة إلى أن هامش الخطأ في تقييم النصوص الأدبية قد لا يتجاوز 5 في المئة. وحول تكرار ترشيح أسماء بعض الكتّاب لنفس الجائزة، أوضحت أنه من الإنصاف الأدبي تكرارها، في الحالات التي يواصل الكاتب تقديم أعمال متميزة، لافتة إلى أن جميع الأعمال التي فازت بجائزة البوكر خلال السنوات الماضية، كانت أعمالاً متميزة، ولاقت صدىً أدبياً واسعاً. واختتمت هادي بقولها: “إن الجوائز التي تقدم للأديب والمفكر، أسهمت في تعزيز الحراك الثقافي، وأعادت إلى حد ما المجتمع العربي إلى اقتناء الكتب، لا سيما تلك التي فازت بجائزة ما، بعد العزوف عن القراءة الذي أحاط بمجتمعاتنا”.

حاكم الشارقة يشهد ندوة الكاتب أورهان باموق ويدشن النسخة الماليالامية من كتاب اسطورة القرصنة العربية في الخليج شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يوم الأربعاء 31 نوفمبر 2019 في مركز اكسبو الشارقة، ندوة للكاتب والروائي أورهان باموق التي قدمها وأدارها سعادة عمر سيف غباش مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الثقافية، ضمن فعاليات الدورة 38 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، التي تقام تحت شعار “افتح كتاباً.. تفتح أذهاناً” بالتزامن مع اختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب. ويعد أورهان باموق من أهم روائيي الأدب التركي وحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2006، وقدم خلال مسيرته العديد من الإصدارات الأدبية، من أهمها “اسمي أحمر، متحف البراءة، واسطنبول، وغرابة في عقلي”، وترجمة رواياته إلى 63 لغة. واستهل أورهان باموق حديثة حول بداياته الأدبية كونه ينتمي إلى أسرة تركية مثقفة أغلب أفرادها درسوا الهندسة، فدرس في مستهل حياته الجامعية الهندسة ولكنه قرر أن يصبح فناناً قبل أن يتجه إلى الكتابة والأدب، موضحاً أن في بداية مسيرته الأدبية كان من الصعوبة أن ينشر رواياته وكانت الإصدارات الروائية محدودة في تركيا. وحول قلة الروايات أرجع باموق الأسباب إلى كون الثقافة التركية وخاصة في مرحلة الدولة العثمانية، اهتمت بالشعر والشعراء، وكان للشعراء الحضوة والمكانة الاجتماعية المرموقة بين أفراد المجتمع، ولم تحظى الرواية آنذاك باهتمام من قبل المثقفين أو الناس، مبيناً أن للعولمة والحداثة تأثير في حياتنا اليوم حيث أصبحت الرواية في متناول الجميع، وأصبح الكثير من الناس يكتبون ويقرؤون الروايات، وأحياناً يهرب الناس من واقعهم إلى قراءة الروايات والأدب لما يجدونه من متنفس. وأشار باموق إلى أن كتابة الرواية هي فن عالمي وعمل وطني، ينقل فيه الكاتب تجاربه وأفكاره للعالم الآخر، معتبراً أن كل كاتب أو روائي يملك أسلوب خاص يميزه ونزعة فردانية خاصة به، تُأثر فيها العديد من العوامل المجتمعية التي تترك بصماتها في أسلوب وكاتب الراوية. ولفت أن كتابة الرواية وخاصة التاريخية ليست عملية سهلة بل تتطلب إجراء البحوث والعديد من المقابلات وجمع أكبر عدد من المعلومات، حتى تستطيع إيصال رسالتك والمعنى المنشود للقارئ. حضر الندوة إلى جانب سموه الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مجلس الشارقة للإعلام، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي نائب رئيس الاتحاد الدولي للناشرين المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة كلمات، وهوغو سيتزر رئيس الاتحاد الدولي للناشرين، واللواء سيف الزري الشامسي قائد عام شرطة الشارقة، وسعادة عبدالله محمد العويس رئيس دائرة الثقافة، وسعادة أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، وسعادة محمد عبيد الزعابي رئيس دائرة التشريفات والضيافة، وعدد من المسؤولين وممثلي الهيئات الثقافية. كما دشن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي كتابه “اسطورة القرصنة العربية في الخليج” باللغة الماليالامية مساء أمس الأربعاء في جناح منشورات القاسمي المشارك في معرض الشارقة الدولي للكتاب. ويعتبر الكتاب أطروحة علمية نال بها سموه درجة الدكتوراه من جامعة اكستر بالمملكة المتحدة، تناول فيه فترة تاريخية مهمة من تاريخ منطقة الخليج العربي وصحح العديد من المعلومات الخاطئة من خلال الشواهد الصادقة وذلك بالرجوع إلى أرشيف عدد من المكتبات التاريخية العريقة في الهند وبريطانيا، وكشف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي زيف الأسطورة التاريخية المغلوطة عن القرصنة العربية في الخليج.

خلال ندوة ضمن فعاليات “الشارقة الدولي للكتاب” ناشرون ومترجمون متخصصون: جائزة “ترجمان” تعرّف العالم بالأثر الحضاري للأمة العربية والإسلامية

نظمت الدورة 38 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي تنظمه هيئة الشارقة للكتاب، تحت شعار “افتح كتاباً، تفتح اذهاناً” خلال الفترة من 30 أكتوبر وحتى 9 نوفمبر الجاري، ندوة بعنوان “ترجمان”، شارك فيها 3 أعضاء من مجلس أمناء جائزة ترجمان، الجائزة العالمية الأولى من نوعها في مجال الترجمة والتأليف، التي ترعاها هيئة الشارقة للكتاب. وشارك في الندوة كلٌ من صبحي البستاني، وإيزابيلا كامرا دافيلتو، ولويس ميغال كانيدا، بالإضافة إلى إيفا فيرّي، مديرة دار النشر الإيطالية E/O Edizioni، الفائزة بجائزة ترجمان بدورتها الثالثة 2019 عن ترجمتها لرواية “موت صغير” للروائي والكاتب السعودي محمد حسن علوان إلى اللغة الإيطالية. وتطرق المتحدثون إلى أهمية جائزة ترجمان، التي جاء إطلاقها خلال فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته الـ 35 بتوجيهات ورعاية مباشرة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. بدوره أكد البستاني أن الجائزة التي تشمل مختلف دور النشر في شتى أرجاء العالم، جاءت تعبيراً عن مدى حرص صاحب السمو حاكم الشارقة على تشجيع العاملين في صناعة الكتاب نحو ترجمة الأعمال الإبداعية العربية، التي تستلهم نصوصها ومواضيعها من التراث العربي والإسلامي العريق. وبيّن أن الجائزة تسهم في تعريف المجتمعات الغربية بحقيقة التاريخ العربي والإسلامي، ودوره في إثراء الإنسانية، بمؤلفات وبحوث في شتى المجالات العلميّة، والأدبية، الأمر الذي يؤدي إلى تغيير الصورة النمطيّة لدى بعض المجتمعات. بدورها أوضحت كامرا دافيلتو أن توجهات الجائزة تظهر في أعضاء مجلس أمنائها، حيث تضم أعضاء من ثقافات مختلفة، بهدف بناء جسور ثقافية تطلع مختلف دول العالم على الإرث التاريخي الغني للأمة العربية والإسلامية، إلى جانب قيمتها المعنويّة من الناحية الفكرية لدور النشر، وقيمتها المادية التي تبلغ مليون و300 ألف درهم. وأكدت كامرا دافيلتو أن اختيار دار النشر الفائزة يخضع لعدد من الشروط، كسلامة النص، ودقة الترجمة، واستقائها من الموروث التاريخي العربي والإسلامي، إلى جانب ألاّ يزيد عمر العمل عن عشر سنوات، لافتة إلى أن الجائزة فرصة كبيرة لدور النشر لتقديم ترجمات أدبية ثرية. بدوره أوضح كانيدا أن جائزة ترجمان تسهم في تعزيز الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، في ضوء قلة الترجمات، كاشفاً أن من بين كل ألف كتاب يترجم في فرنسا هناك كتاب واحد فقط باللغة العربية، في حين تبلغ نسبة الترجمة من العربية إلى الإسبانية 0.3%. وبين أن الجائزة تسهم في تشجيع دور النشر على التوجه إلى التبادل الثقافي والحضاري، من خلال ترجمة الأعمال العربية إلى اللغات الأخرى، داعياً إلى إطلاق المزيد من المبادرات والجوائز المشابهة على غرار جائزة ترجمان. وأعربت إيفا فيرّي مديرة دار النشر الفائزة بجائزة دورة هذا العام عن سعادتها بهذا الفوز، معتبرة إياها تعبيراً عن التقدير للعمل الجيد، كما اتفقت مع زملائها فيما يتعلق بقلة الأعمال الأدبية، والعلمية، والتاريخية، المترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإيطالية.

نشاطات ثقافية

أسمهان الفالح : المعرض الدّولي للكتاب بالشّارقة في دورته ال38: يحتفي بالمثّقفين و المفكّرين العرب و الأجانب

انطلقت فعاليات الدّورة ال38 من معرض الشّارقة الدّولي للكتاب صباح يوم الأربعاء الموافق ل30 نوفمبر 2019 بمركز اكسبو الشّارقة، تحت شعار “افتح كتابا..تفتح أذهانا”. و أكّد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، خلال كلمة ألقاها بهذه المناسبة، أنّ لقب الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لم يكن الغاية النّهائية للشارقة للوقوف عنده، وستواصل مشوارها الثقافي حتى تستعيد الأمة العربية والإسلامية المكانة التي تليق بتاريخها وتراثها ومنجزاتها التي ملأت العالم نوراً ومعرفة، مشيراً سموه إلى أن الثقافة بنت الصبر، ومشوار الثقافة لم يكن مجرد خيار، بل السبيل الوحيد للوصول إلى الهدف المنشود. مضيفا: “منذ أربعين عام، لم تكن الشارقة كما ترونها الآن، ولم يكن أحد يتوقع أن تبني كل هذه المنجزات الثقافية، لكننا كنا نعرف أننا واصلون إلى هذه المكانة وذلك بفضل الله تعالى، وبفضل وضوح الرؤية والإصرار على تنفيذها”. و تابع قائلا: “ها نحن اليوم في العام 2019، حيث اختارت اليونسكو إمارة الشارقة عاصمة عالمية للكتاب، وهي مكانة لا تأتي إلا استحقاقاً للجهد والتخطيط والسهر، لقد وضعت اليونسكو ومعها مؤسسات دولية عريقة وهي الاتحاد الدولي للناشرين والاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات، معاييراً دقيقة لاختيار عاصمة الكتاب العالمية، هذه المعايير استوفتها الشارقة خلال مشوارها الطويل، وها هي مجسدة في كل مشهد في الإمارة، وفي مكتبة كل بيت، وثقافة كل طفل وشاب وشابة، وفي أخلاق المؤسسات وخططها للمستقبل، وفي طموح الأجيال واستقرار المجتمع ورفعته وتقدمه، وفي حجم الفعاليات الثقافية المتنوعة على مدار العام ومدى التفاف المواطنين والمقيمين حولها والإقبال عليها، بل وبمدى التزامها بعمقها الإقليمي وقيمها الإنسانية.” و بعد ترحيبه بالمكسيك ضيف شرف معرض الشّارقة الدّولي للكتاب في هذه الدّورة كرّم حاكم الشّارقة الدكتورة يمنى العيد بدرع شخصية العام الثقافية لهذه الدورة.

و تولّى توزيع الجوائز على الفائزين في معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث نال جائزة الشارقة لأفضل كتاب إماراتي (في مجال الرواية) الكاتب الإماراتي عبد الله النعيمي عن كتابه “شقة زبيدة”. و(في مجال الدراسات) نال الجائزة كلّ من المؤلفين عبدالله سليم عمارة من فلسطين، ولطيفة علي عبيد من الإمارات، وعفراء راشد البسطي من الإمارات عن كتاب “الموجز في تاريخ الإمارات العربية المتحدة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى 1971 الحضاري والسياسي”، وفي (مجال النصوص المسرحية) الكاتب الإماراتي صالح كرامة العامري عن مؤلفه “مسرحية خذ الأرض”. وذهبت جائزة أفضل كتاب إماراتي (مطبوع عن الإمارات) للكاتب السوري عزت عمر عن مؤلفه “أثر الحداثة وما بعدها في النص السردي الإماراتي”، و(جائزة أفضل كتاب عربي في مجال الرواية) للكاتب مقبول موسى العلوي من المملكة العربية السعودية عن روايته “طيف الحلاج”، فيما حصد (جائزة أفضل كتاب أجنبي واقعي) الكاتبة الأمريكية إيمي س. إدموندسن، عن كتابها “تنظيم بلا خوف” وتسلمها نيابة عنها عامر تشيتوا مدير المبيعات لدار النشر ويلي، أما جائزة (أفضل كتاب أجنبي خيالي) فكانت من نصيب الكاتبة النيجيرية شيلوشي اونيميلوكوي أونوبيا عن كتابها “ابن المنزل”. كما كرّم صاحب السمو حاكم الشارقة، الفائزين بجوائز دور النشر، حيث حصد جائزة أفضل دار نشر محلية للعام 2019 “دار الهدهد للنشر والتوزيع”، وفاز بجائزة أفضل دار نشر عربية 2019 “مؤسسة دار المعارف” المصرية، أما جائزة أفضل دار نشر أجنبية للعام 2019 فازت بها دار النشرAdeva Graz النمساوية. وجاءت جائزة ترجمان، من نصيب كل من دار النشر الإيطالية من روما “Edizione e/o”، عن ترجمتها لرواية “موت صغير” للروائي السعودي محمد حسن علوان الصادرة باللغة الإيطالية، وفازت “دار الساقي” من بيروت بجائزة الدار العربية صاحبة حقوق نشر الطبعة العربية الأولى للرواية نفسها. وقال أحمد بن ركاض العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، في كلمته خلال افتتاح المعرض: “يذكر التاريخ أن العرب إذا أرادت العناية بشيء قدمته”.. ونحن في إمارة الشارقة، قدمنا المعرفة والكتاب على العمارة والصناعة، فكان أن نجحنا فيها جميعاً، قدمنا العلم على المشاريع، فجاءت التنمية مستندة إلى المعرفة والوعي بحاجات المجتمع.” وأضاف: “في قراءتنا لتجربة العقود الأربعة الماضية نلمس أن هذا النجاح لمشروعنا الثقافي بتجلياته الواضحة أمامكم اليوم، جاء نتيجةً لعدة عوامل، أولها أنه ثمرة التزامنا بإرثنا وتراثنا الإماراتي الذي عملنا على بلورته مشاريع وبرامج وسياسات ليصبح صفةً ملازمة لدولة الإمارات في ساحة الثقافة العالمية، أما العامل الثاني فهو البعد العربي لمشروعنا الثقافي، حِرص سموه على إحياء حركة الشعر والمسرح والرواية في المدن والعواصم العربية، احتضان الشارقة لأحلام وطموحات المثقفين العرب، فكل مشروع ناجح يحتاج إلى حاضنة، وهذه هي حاضنتنا الإقليمية.” وألقى خوان لويس أرزوز رئيس الاتحاد الوطني للناشرين في المكسيك كلمة ثمن فيها اختيار المكسيك ضيف شرف للدورة 38، وما يعكسه هذا الاختيار من تنوع ثقافي ومعرفي تتمتع به المكسيك، مشيراً إلى أن صناعة النشر في المكسيك هي صناعة أساسية، وهي من الخيارات التي تعزز الهوية الوطنية وقيم المجتمع المكسيكي. بدورها ألقت الكاتبة والناقدة الدكتورة يمنى العيد، كلمة بمناسبة تكريمها شخصية العام الثقافية، عبرت فيها عن اعتزازها الكبير بهذا التكريم، معتبرةً أن هذا التكريم هو للثقافة بشكل عام وللكاتبة الأنثى بشكل خاص، تقديراً لدور الكاتبة في إثراء الثقافة العربية والإنسانية. ولفتت العيد إلى الذكريات التي تجمعها بإمارة الشارقة، ذكريات عنوانها الاحتفاء بالثقافة والمثقفين، وبالكتاب والكاتب والكاتبة دون تفرقة تقام على حدود الهوية والفكر والانتماء ودون تمييز بين الكاتب والكاتبة. ودعت العيد في كلمتها المؤسسات الثقافية العربية إلى الاهتمام بالكتاب الورقي وتعزيز نشره من خلال إقامة معارض الكتاب الدولي لما له من أهمية في ترسيخ ثقافة القراءة بين النشء وزيادة الوعي المعرفي بين أفراد المجتمع. هذا و كرّم صاحب السمو، الفائزين الستة بجائزة اتصالات لكتاب الطفل في نسختها الحادية عشرة، يرافقه سعادة المهندس صالح عبدالله العبدولي، الرئيس التنفيذي لـ”مجموعة اتصالات”، وتوزعت جوائز النسخة الحادية عشرة على الفائزين من الأردن ولبنان ومصر والعراق، حيث فاز بجائزة “كتاب العام للطفل” قصّة (عن “س” و”ل”)، وهو من تأليف أنس أبو رحمة، ورسوم لبنى طه، والصادر عن “الدار الأهلية للنشر والتوزيع” في الأردن، أما في فئة “كتاب العام لليافعين”، فقد فاز كتاب “لمن هذه الدمية؟” للكاتبة تغريد النجار، والصادر عن “دار السلوى للدراسات والنشر” في الأردن. وضمن فئة “أفضل نص” فاز كتاب “دمشق: قصة مدينة” تأليف ورسوم آلاء مرتضى، الصادر عن “دار البلسم للنشر والتوزيع” في مصر، فيما فاز عن فئة “أفضل رسوم”، كتاب “أنا أطير”، وهو من تأليف الدكتورة أماني سعد الناجم، ورسوم علي خالد الزيني، والصادر عن “ألف باء تاء ناشرون” في الأردن. وفاز ضمن فئة “أفضل إخراج”، كتاب “أبو كركوبة” وهو من تأليف نبيهة محيدلي، ورسوم وليد طاهر، والصادر عن “دار الحدائق” في لبنان، في حين نال جائزة “أفضل كتاب صامت”؛ الفئة الجديدة، كتاب “سر البئر” رسوم معصومة حاجي وند، وتأليف علي القاسم، والصادر عن “دار البراق لثقافة الأطفال” في العراق. يشار إلى أن جائزة اتصالات لكتاب الطفل، انطلقت برعاية من شركة “اتصالات”، وتنظيم المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، بهدف دعم صناعة كتاب الطفل في العالم العربي، والارتقاء به، وتكريم كتب الأطفال المميزة، التي تتناول مواضيع معاصرة تثري أدب الطفل، إلى جانب تحفيز الناشرين، والكتاب، والرسامين، للإبداع في مجال نشر كتب الأطفال الصادرة باللغة العربية. والمتتبع لمسيرة الجائزة منذ انطلاقها في العام 2009، يلحظ الدور المحوري الذي لعبته في تطوير كتاب الطفل العربي، وتحفيز الطاقات الإبداعية المتخصصة في تأليف، ورسم، وإخراج، ونشر كتب الأطفال واليافعين باللغة العربية، إلى جانب إثرائها مكتبة الطفل العربي بإصدارات مميزة ونوعية، وقدمت جوائز مالية بقيمة إجمالية تتجاوز 10 ملايين درهم، تكريماً لمبدعي الوطن العربي.