نشاطات ثقافية

بولمان الثقافية..الشعر يصدح في سماء أوطاط الحاج/ خالد بركاوي ـــــ المغرب

نُظّمت احتفالية بهيجة برحاب المركز الثقافي 2 0أكتوبر بمدينة أوطاط الحاج/ إقليم بولمان، بتاريخ 24/03/2019 على الساعة الرابعة مساء، من قبل جمعية شباب المستقبل للتنمية الثقافية، بتنسيق مع المركز الثقافي، بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للشعر الذي يذكرنا بالقرار التاريخي الذي تبناه المؤتمر العام في دورته 30 سنة 1998 من لدن منظمة اليونسكو، قرار تاريخي بموجبه أضحى يوم 21 مارس يوما أمميا للشعر.
كان ضيفا شرف هذه النسخة الشاعر المغربي والعربي أحمد الشيخاوي الذي صدر له ديوان يحمل عنوان بأقل من شسع كليب، والزجال المغربي مصطفى اصغيري الذي صدر له باكورة أعماله أصداء مجاورة الموتى.
في واقع الأمر، استهل هذا الحفل بآيات بينات من الذكر الحكيم، أعقبه الترديد الجماعي للنشيد الوطني، تم كلمة للسيدة مديرة المركز الثقافي التي لا تتوان لحظة واحدة في نشر الثقافة الحاملة للقيم الإيجابية والحضارية، وتفتح أبواب معلمتها الثقافية أمام كل الطاقات الخلاقة التي تروم ترسيخ الفعل الثقافي المنتج والراقي. تلتها كلمة من تقديم الأستاذ مصطفى العثماني رئيس الصرح الجمعوي الذي رحب بالحضور وهنأ المحتفى بهما وقدم معطيات رقمية للأنشطة التي تضطلع بها الجمعية وأجزل عظيم الامتنان لكل المساهمين في إنجاح كافة المحطات التي تنظمها الجمعية، داعيا الكل إلى الاستمتاع بالفقرات الثرية لبرنامج الأمسية الشعرية.
يسرت فقرات هذا الحفل الآنسة يكو ميساء باقتدار. أعطيت الكلمة للأستاذ خالد بركاوي من أجل تقديم قراءة نقدية في ديوان الشاعر الشيخاوي والزجال الصغيري. من بين المحاور التي تناولها العرض نشير إلى حكاية الاحتفال باليوم الأممي للشعر، والخطاب السنوي الذي وجهته مديرة اليونسكو الى جمهرة الشعراء وصفوة المتيمين بهذا الفن الراقي، ليعرج بعد ذلك للحديث باقتضاب شديد عن الحركية الشعرية في المشرق والمغرب، حاطا الرحال عند التجربة الفنية للشيخاوي ولمصطفى الصغيري، مبرزا بجلاء شعريتهما الكامنة في الانزياح والإيقاع والتخييل والتوظيف الجمالي للأسطورة والرمز في منجزهما الشعري.
تسلّم الميكروفون الزجال مصطفى الصغيري الذي شنف أسماعنا بجزالة اللفظ وبلاغة المعنى. ليتم تقديم فقرة فكاهية من إعداد وتقديم المخرج مصطفى العثماني. ومن المفيد الإشارة إلى أن المبدع الزجال عبد العالي الوالي الذي حل خصيصا من ميسور ألقى بصوته الدافئ والجهوري قصائد زجلية تفاعل معها الجمهور بحفاوة عز نظيرها، كما أرعينا السمع للأستاذ الباحث والزجال محمد أسرار الذي قدم قصيدة شعرية ماتعة تحمل عنوان لحروف أولمعاني ممفاهمينش، كما لا يفوتني التذكير أن الجمهور الغفير استمتع بفقرات فكاهية من قبل منخرطين شباب ومنخرطات يافعات استطعن انتزاع قهقهات مدوية وتصفيقات حارة. بعد إصاخة السمع لزجل السيد محمد الإدريسي الذي وجه رسالة إلى الشباب العازف عن الزواج، وقصيدة زجلية تتغنى بحب الوطن وضرورة الذود عن حياضه والمساهمة الوازنة في دينامية تنميته، بلغة رصينة ورهافة إحساس الشعراء.
أبت الجمعية في الختام إلاّ  أن تكرم الشعراء المحتفى بهم، فقدمت لهم شواهد شكر وتقدير واعتراف، متمنية  لهم  في شخص كوادرها، مشوارا فنيا متألقا يسمو بالذائقة الجمالية لجمهور جاء لقضاء أوقات رائقة رفقتهم.
في منتهى الاحتفالية، استمعنا واستمتعنا بالأهازيج الشعبية لفرقة الرحمة التي أطربت الحضور الأكارم، حضور كثيف ونوعي جاء لتمضية وقت أكثر إمتاعا وإفادة.

***إطار المركب الثقافي 02 أكتوبر ،مدينة أوطاط الحاج

قصة قصيرة جدًا

سعادة مجهضة / قصة محمد قصدي ـــــ المغرب

ها هي ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﺸﺮﻉ ذراعيها ﻻﺣﺘﻀﺎﻧﻪ.

 ﺗﻠﻮﺡ ﻟﻪ ﺑﻤﻔﺎﺗﻴﺢ ﺍﻟﺨﻼﺹ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺪﻟﻪ ﺑﺮﺍﻣﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺭﺓ ﻟﻴﺘﺠﺮﻋﻬﺎ؛ﻛﻠﻤﺎ انتهى ﻣﻦ ﺷﺮﺏ ﻛﺄﺱ ﻣﺮ. ﺳﻌﻴﺪ ﺷﺎﺏ ﻳﺎﻓﻊ،ﻣﻠﻴﺢ ﺍﻟﻘﺴﻤﺎﺕ،ﻧﺤﻴﻒ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ، أسمر البشرة،ﺣﺎﺻﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺟﺎﺯﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻱ.

ﻋﺎد للعيش ﺑﻴﻦ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﻗﺮﻳﺘﻪ،ﻳﺪﺍﺭﻱ ﺧﻴﺒﺎﺗﻪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻧﺒﺬﻩ ﺍﻟﻮﻃﻦ،ﻭﻟﻢ ﻳﻤﻨﺤﻨﻪ ﻋﻤﻼ ﻳﺤﻔﻆ ﻣﺎء ﻭﺟﻬﻪ،ﻭﻳﺼﻮﻥ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ. ﻟﻜﻨﻪ ﺍﻟﻴﻮم، ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻣﻤﻠﺔ يفضي ﺭﺍﺗﺒﻬﺎ ﺍﻟﺸﻬﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺎﻗﺔ ﻭﺷﻈﻒ ﺍﻟﻌﻴﺶ. ﺟﺎﺩﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎء ﺑﺤﺴﻨﺎء ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﺎﺭ ﺍﻷﻭﺭﺑﻴﺔ،ﺃﺧﺒﺮﺗﻪ ﻋﺒﺮ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻓﻴﺴﺒﻮﻛﻴﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻌﺠﺒﺔ ﺑﺸﺨﺼﻪ ﻭﺗﺪﻭﻳﻨﺎﺗﻪ ﺣﺪ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ. ﺷﻜﺮ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ، وعيناه تتلألأن بالدموع؛ على الأقل لم ﺗﺬﻫﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﺩﺍﺕ،ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺪؤﻭﺏ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻢ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺃﺩﺭﺍﺝ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ. فقد ﺗﻤﻜﻦ ﺑﺪﻫﺎﺋﻪ، وإنجليزيته الرفيعة؛ من إيقاع حمامته ﺍﻟﻮﺩﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﺷﺮﺍﻙ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻣﻔﺮﻣﻨﻪ.

ﺃﺻﺒﺤﺎ ﻳﺘﺤﺪﺛﺎن ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ﻭﺣﻴﻦ ﻣﺘﻨﺎﺳﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺎﺕ. ﺗﺮﺳﻞ ﻟﻪ ﺻﻮﺭﻫﺎ ﺑﺴﺨﺎء ﻛﺒﻴﺮ،ﺗﺎﺭﺓ ﺑﻤﻼﺑﺲ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ،ﻭﺗﺎﺭﺓ ﻛﻤﺎ ﺧﻠﻘﻬﺎ ﺍﻟﺮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺑﺪﻉ ﻓﻲ ﺻﻨﻊ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ؛ﻓﻴﻘﺮﺽﻫﻮﺍﻵﺧﺮﻓﻲ ﺣﻀﺮة ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﺃﺷﻌﺎﺭﺍ ﻻ ﺗﻨﻀﺐ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﺤﺐ الجياشة. مضت ﺍﻟﺴنون،ﻭﺣﺒﻬﻤﺎ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﺻﻼﺑﺔ ﻣﻊﺍﻷﻳﺎﻡ.

 ﻳﺴﺘﻴﻘﻆ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﻫﺎ،ﻭﻳﻨﺎﻡ ﻣﺤﺘﻀﻨﺎ ﻭﺳﺎﺩﺓ ﻣﻜﺘﻨﺰﺓ،ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻞ ﺃﻥ يذوب جليد المسافة ذات يوم،ويحل مكانه حبل الوصال الذي لا ينقطع. ﻟﻜﻦﺍﻻﻧﺘﻈﺎﺭ ﻟﻢ ﻳﺪﻡ ﻃﻮﻳﻼ. ﻳﻔﺘﺢ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻴﻨﺎﻩ ﺍﻟﻤقاومتين ﻟﻠﻨﻮﻡ،ﻋﻠﻰ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺸﻮﻗﺘﻪ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ ﺗقول له ﺃﻧﻬﺎ نزلت ﺑﺪﻳﺎﺭﺍﻟﻤﻐﺮﺏ،ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﺻﻮﺏ ﻗﺮﻳﺘﻪ ﺍﻟﺠﺒﻠﻴﺔ. ﻧﻂ ﻭﺻﺮﺥ ﺳﻌﻴﺪ ﻣﻞء ﺣﻨﺠﺮﺗﻪ ﻓﺮﺣﺎ،ﺯﻑ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﻟﺪﺗﻪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻯ،ﺃﺧﺒﺮﻫﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺮﺝ ﻗﺮﻳﺐ ﻓﺠﻠﺠﻠﺖ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﺑﺰﻏﺎﺭﻳﺪ ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ.

 ﺇﺭﺗﺪﻯ ﺃﻧﻔﺲ ﺛﻴﺎﺑﻪ ﻭﻏﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ،متوجها  ﺻﻮﺏ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻷﺑﺪﻳﺔ. ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺭﻋﺔ ﺍﻷﻣﻞ،ﻳبحلق ﻣﺘﻔﺤﺼﺎ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﻓﻼﺕ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ. ﻳﺘﺸﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻴﺒﺰﻍ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﻤﺮ،ﻭيضيء ﺑﻨﻮﺭﻩ ﻗﺘﺎﻣﺔ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ،ﻭﻟﻴﻨﺜﺮعبقه ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍء ﺍﻟﻄﻠﻖ. ﺍﻧﺘﻈﺮ، ﻭﺍﻧﺘﻈﺮ،ﺃﺣﺲ ﺑﻴﺪ حانية تلمس كتفه اﻷﻳﻤﻦ. ﺑﺪﺃ ﻗﻠﺒﻪ ﻳﺨﻔﻖ ﺑﺸﺪﺓ،ﺍﺳﺘﺪﺍ ﺭ ﻟﻴﺤﻘﻖ ﺣﻠﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ،ﻟﻜﻨﻪ ﺍﺻﻄﺪﻡ ﺑﻮﺟﻪ “ﺭﺣﻴﻤﻮ” ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ. ﻭﻫﻲ ﻓﺘﺎﺓ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ ﻗﺮﻳﺘﻪ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮﺩﺩ إﻟﻴﻪ ﺃﺛﻨﺎء ﻣﺮﺣﻠﺘﻬﻤﺎ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ.

 ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﻟﻤﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﻣﺰﺍﺝ ﺭﺍﺋﻖ،ﻭﻟﻦ ﻳﺴﻤﺢ ﻷﺣﺪ بتعكير ﺻﻔﻮ ﻟﺤﻈﺘﻪ. ﺍﺑﺘﺴﻤﺖ ابتسامة ﻣﺎﻛﺮﺓ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :(ﺗﻨﺘﻈﺮﺍﻟﺸﻘﺮﺍء ﺃﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ﺃﻧﺎ ﻫﻲ ﻳﺎ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻠﻤﺖ ﺃﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﺒﺎﺩﻟﻨﻲ ﺍﻟﺤﺐ ﺇﻻﺑﺎﻟﺨﺪﻳﻌﺔ) ﺗﺠﻤﺪ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻫﻮﻝ ﺍﻟﺼﺎﻋﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ.  ﻟﻢ ﻳﻨﺒﺲ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ،ﻭﺍﻧﻄﻠﻖ ﻳﺮﻛﺾ ﺣﺎﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪمين، ﻳﻠﻌﻦ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺻﺎﺩﻓﻪ ﻓﻲ الﻃﺮﻳﻖ،ﻳﻘﻀﻲ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﺃﻣﺎﻡ الملأ.ﻣﻦ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﻭﻫﻮ يهذي بكلمات ﺇﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ، اعتبرها الكل تخاريف تخرج من فم أحمق، “رحيمو” وحدها من كانت تعي ماهية ذلك الهذيان.  

حوارات

عصمت شاهين دوسكي : المرأة والوطن يتحدان في الموقف والصورة والواقعية/ حاوره الإعلامي سامر إلياس سعيد

الإعلامي سامر إلياس سعيد

قال إن الرسالة الشعرية تتجاوز حدودها وقيودها، وإنه من المؤلم عدم الاهتمام بالأدب والأدباء،وإن روايته بشأن  مأساة الموصل تمثل رسالة مهمّة إلى العالم.

من يتابع مسيرة الناقد والشاعر والروائي عصمت شاهين الدوسكي  في ميدان الأدب يلمس  مسيرا حافلا  مزدانا بالعناوين التي تنوعت اتجاهاته في شتى محاور الإبداع  ويدرك تماما أن سفينة  الدوسكي تتجه في اغلب بحور الأدب لترسو في ميناء شعري تارة أو عند نقد أدبي أو مرفأ يزدان بالرواية كعنوان ووجهة أخرى واللقاء مع شخصية أدبية بحجم الدوسكي ستفرز لقاءا مهما  يتناول اتجاهات الأدب العراقي خصوصا  بنكهة كردية لها رؤيتها  تجاه قرض الشعر باللغة المذكورة  مع أن  تعدد المحطات والأمكنة لها أيضا تأثير فاصل في رحلة عصمت شاهين  الدوسكي يتحدث عنها في سياق الحوار التالي :

* لنبدأ أولا من الاتجاهات المتنوعة التي تدور فيها بوصلتك الأدبية  ما بين  الرواية والشعر والعناوين المختلفة في  الميدان الأدبي  فأيهما يترجم أعماقك بصورة جلية ؟

– إلى جانب ما ذكرته بشأن الرواية والقصيدة فانا أيضا كتبت  النقد الأدبي لكنني أود الإشارة إلى  أنني أرى أن الشعر  هو الأكثر رواجا لدي  ويترجم أفكاري بشكل نفسي وفكري عميق  أما عن المقالة التي اكتبها  فهي عالم واسع  أجد فيها حيز من الحرية  للتعبير عن أفكاري مثلما هي الرواية  هذا الجنس الأدبي  ذو العالم الأوسع  ومع ذلك فعموم تلك الأجناس الأدبية تبدو ذات فرص متفاوتة  للتعبير عن الأفكار  والأحداث وللأديب  مطلق الحرية في بثها من خلالها ..

* لكن ألا ترى  أن القصيدة باتت تجد انحسارا في نسبة متلقيها أو من يتابعها عبر الجمهور الأدبي بالمقارنة مع ما تحظى به على سبيل المثال الرواية في هذا الزمن الراهن ؟

– ثق بان الشعر لا يموت  لكن إزاء ما ذكرته وبحسب رأيي الشخصي فأنا أجد أن الشعراء هم من يسعون للارتقاء بالقصيدة  مثلما هم أيضا وراء ضعف هذا المنفذ الإبداعي  لكن إلى جانب هذا الأمر لابد من الإشارة إلى  أن ركيزة الشعر هي الكتابة بإحساس  فعندما تكتب قصيدة بإحساس  فهذا الشعور يصل للمتلقي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة  وحينما يفتقد الشعر للروح أو المشاعر  فيبقى مجرد كلمات أو  صورة جامدة فحسب ، لذلك أرى أن يكون الشاعر مخلصا ووفيا للشعر ويعطي أقصى ما لديه  من فكر ورؤية  وتوجيه وإرشاد وإصلاح  لأن هنا الشاعر يحمل رسالة مهمة  وليست محددة بمكان أو زمان معين  لأن الرسالة الشعرية  الإنسانية تتجاوز حدودها وقيودها  ولا تنحصر  بأي لغة  في ذات الوقت ..

* إجابتك السابقة تحيلني لسؤال بشأن الفئة التي يوجه لها  الشاعر عصمت شاهين مرساته الشعرية  فهل أنت كاتب للنخبة ؟

– دائما أَسأل  حول كوني اكتب لفئة معينة  أم لجهة  أم لموقف معين؟  لكن عموما  من يقرأ لي  يجدني شاعرا إنسانيا  بالدرجة الأولى لذلك أحدد كلمات قصائدي في الإنسانية  وانثر بذوري اليانعة في بساتين أولهما المرآة  والأخرى الوطن فأنا أرى تلك البساتين  توأمين  لكل منهما عالمه الخاص حيث يتحدان في الموقف والصورة  والواقعية ..

* انطلقت صرختك الأولى في العالم من دهوك وكتبت أولى كلماتك بالكردية قبل أن تتوارى  كلمات قصائدك بزهو اللغة العربية فهل للكتابة بأكثر من لغة فاصل إبداعي يضاف للمسيرة الأدبية الحافلة ؟

– بالتأكيد استهللت حياتي الأدبية  بالكتابة باللغة الكردية وتحديدا في بغداد  حيث نشرت جريدة العراق بملحقها  الصادر باللغة الكردية “باشكو عيراق “مجموعة من قصائدي فضلا عن صحف مثل “هاوكاري وئه فرو “وغيرها واشعر بالأسف لأنني فقدت ذلك الأرشيف الجميل الذي احتفظت به على مدى عقود بسبب احتراقها على إثر تدمير منزلي في مدينة الموصل بسبب القصف وكانت أغلب قصائدي تنشر تحت عنوان ” خانم – سيدتي ” ولاشك في أن للمدن والمحطات التي  عشت فيها تأثيرا على كتابة  بأكثر من لغة  ومثلما ذكرت فانا ولدت في دهوك  وبالتحديد في محلة الشيخ محمد  وقبل أن أتجاوز السادسة من عمري كنت لا أتقن العربية تماما مما جعل مدير المدرسة التي حاول ذوي تسجيلي فيها  يمانع خصوصا بعد انتقالي لمدينة الموصل  رغم أنه رضخ لتسجيلي على مضض في مدرسة الوثبة  فركزت منذ نعومة أظافري على تعلم اللغة العربية  وكنت أجمع مبلغا متواضعا قدره 10 فلوس يوميا كان يخصصه لي والدي (رحمه الله ) فأجمعه أسبوعيا ليكون خميرة جولة في شارع النجفي  المعروف كونه شارع المكتبات في مدينة الموصل  لأطلق رحلتي الأولى في الغوص بمتون الكتب فبدأت اقرأ لكتاب مصريين  أمثال المنفلوطي والعقاد وطه حسين ونجيب محفوظ  ومن ثم بدأت  اتجه للأدب الغربي فقرأت لكتاب عالميين  مثل آرسطو وغوتا وسارتر وفان كوخ و إجاثا كريستي ودستوفسكي  كما كنت أقرأ  من الأدب الكردي عبد الله كوران ولطيف هلمت وبدرخان سندي وغيرهم  وهذه الفترة كانت تقع في  الثمانينات وكانت وراء بلورة شخصيتي الأدبية  وأسهمت في بداياتي الكتابية قصص قصيرة وومضات فكرية و خواطر  ساهم في صقلها وإبداء الملاحظات إزاءها صديقي الفنان التشكيلي سالم كرد الذي يقيم حاليا في السويد  حتى شجعني للنشر فنشرت أولى محاولاتي في الثمانينات ومن خلال جريدة الحدباء الموصلية إضافة لجريدة الراصد البغدادية ومجلة ألف باء وواصلت مشوار الكتابة ونشرت في صحف وجرائد محلية وعربية حتى التحقت بجريدة العراق للعمل في الجريدة المذكورة بصفة مصحح لغوي هذه المهمة أسهمت  في بلورة مشواري الأدبي والولوج الحقيقي لمضمار الأدب  حيث قمت بنشر ( 3 ) كتب في هذه الفترة حيث سبقهما صدور  مجموعتي الشعرية التي حملت عنوان (وستبقى العيون تسافر ) عام 1989 ومن ثم صدر لي كتاب (عيون في الأدب الكردي المعاصر) عام 2000  والتالي صدر عام 2002 بعنوان (نوارس الوفاء) عن دار الثقافة والنشر الكوردية كما صدر لي قبلهما وبالتحديد عام 1999 كتاب (بحر الغربة ) في المغرب..

* تحتل المهرجانات الخاصة باكتشاف الشعراء  لاسيما بمسميات منها شاعر المليون أو أمير الشعراء وغيرها من البرامج التي تبثها الفضائيات فهل تعتقد أن هذه المحاولات  ترمي لإبراز الشعر للواجهة ؟

– نعم اتفق معك في أن هذه المهرجانات تمثل دعما  للشعر  وترفد الديمومة  للشعراء  فهي تسلط الضوء على المواهب الشعرية في مختلف أنحاء العالم  كما أن هذه المحافل لها قدرتها على تأكيد المواجهة بين الشاعر والمتلقي  أو الناقد وهذه المواجهة لها أهميتها البارزة في إبراز نقاط القوة والضعف لدى الشاعر ،وعموما فإن هذه المحافل توفر المجال الأوسع  للفكر والثقافة والآراء  وتمنح الواقعية لصور ونتاج الشاعر الشعرية والأدبية ..

* لنبتعد عن محور الشعر  ونتجه إلى  ميدان الرواية  وبالتحديد روايتك  التي عنيت بمأساة الموصل  خصوصا بمحنتها مع الإرهاب فهل تحدثنا عنها ؟

– الرواية مهمة جدا في هذا الجانب  لاسيما حينما تتوفر الفرصة بترجمة روايتي ( الإرهاب ودمار الحدباء )  أو تجسيدها لفيلم وثائقي  فهي قصة واقعية ، فلو عرضت مثل هذه الرواية على اتحاد أدباء الموصل  أو مواطنين عاشوا ذات المأساة فحتما لا أجد تأثيرها بالشكل الذي لو تعرض فيه الرواية على ناس غرباء أو بعيدين عن المأساة عالميين ذوي فكر إنساني شمولي  واعتبرها وثيقة  مهمة لو تيسر للعالم أن يطلع عليها..

* وككاتب لك هذا الفاصل الأدبي في استعراض ما مرت به مدينة الموصل  فهل تعتقد أن محنة المدينة  عولجت بشكل واسع من قبل نوافذ الأدب ؟

– للأسف لم يلب الأدب هذا الأمر  فأي أدب يكون مطوقا  ولا يجد الدعم المناسب  فيبقى رهن بيئته  فلذلك كل أنواع الأدب من شعر ورواية  أو نقد إذا انطلقت  واجتازت حدودها  فحتما سيكون تأثيرها مهما وأقوى بشكل إنساني وعالمي ..

* عالج الأدب العراقي  خصوصا للأعوام التي أعقبت عام 2003  ظاهرة الالتزام بالمكونات الأخرى في البلد فما هو حضور  تلك المكونات فيما تكتبه ؟

-لاشك في أن الأديب لا يتوجب عليه التقوقع  بدائرة ضيقة  وعلى ذكر السؤال استذكر محاورة جمعتني  بأحد الكتاب  في مقر اتحاد أدباء دهوك  حينما  قال لي بأنني لست  أديبا كرديا  وإنما أديبا عربيا  يشبهني بقامات لا أحد يصل إليها مثل القامات الكبرى الجواهري واحمد شوقي  لكنني أجبته  بما معناه بأنك تعيش داخل قوقعة وفي عنق زجاجة حين أنا  أعيـــــــــــش عالما واسعا  لا حدود له فلهذا أفضل  أن أكون أديبا إنسانيا  على أن التزم فئة معينة ولغة معينة  مثلا من ضمن عناوين كتبي تجد الرؤية النقدية  الخاصة بقصائد الشاعر  إبراهيم يلدا الذي يعد شاعر القضية الآشورية  وحمل عنوان (الرؤيا الإبراهيمية  بين الموت والميلاد) الذي صدر في أمريكا وكذلك عدة مجموعات نقدية عن الأدب الكوردي منها طبعت ومنها ما زالت على الرف مثل مخطوط كتابي فرحة السلام من عيون الشعر الكلاسيكي الكوردي ، ومخطوط كتابي ” الاقتراب والاغتراب ” عن الأدب الكوردي المعاصر  وغيره من المخطوطات الجاهزة الشعرية والنقدية ..

* وعلى ذكر كـــــــتابك النقدي فأي  المدارس النقدية التي تميل للكتابة في حدودها ؟

– النقد الأدبي الخاص بي  يتركز بشكل كبير على الواقعية  دون أن يكون بعيدا عن الرومانسية والخيالية والرمزية  فعندما اكتب عن منجز أدبي خاص بكاتب ما  أقرا له عدة قراءات  ومن ثم احلل شخصيته الأدبية  ونصه سواء كان شعريا أو مسرحيا أو قصصيا أو تشكيليا أو أي مجال أدبي وفني آخر ومن ثم أعطي وجهة نظري الأدبية والنقدية فيما كتبه ..

* لديك إصدار أو أكثر  طبع في المغرب  مما يدفعني للتساؤل بشأن شعبيتك في هذا البلد الأفريــــــــــقي العربي  البعيد نسبيا عنا ؟

– اشعر بالألم بشأن عدم اهتمامنا  بالأدب أو الأدباء عموما  فبادرت منظمات إنسانية للإسهام بالتعريف بأدبنا من خلال ما قدمته  منظمة  التآخي لحقوق الإنسان  بالإشراف على طبع روايتي  واذكر أن  الباحث في الشؤون الشرق أوسطية ” سردار علي سنجاري ” ساهم مشكورا بطبع الرواية ” الإرهاب ودمار الحدباء ” فلذلك لابد للوزارات والجهات المعنية من أن تبادر بالاهتمام بالكتاب والأدباء فلحد الآن لم تبادر وزارة الثقافة  بطبع أي كتاب لي فيما  هنالك عدة كتب لي صدرت في أمريكا  والمغرب وتونس وسوريا إضافة للرواية التي أشرت إليها حـــيث صدرت بمدينة دهوك  وهذا ما يشعرني بأن الأدب في بلدي لا أهمية له  والأدباء الحقيقيون  الأصلاء أما منفيون  أو مقيدون وهم في الأصل مبــدعين  والظاهر إن القشور أهم من الجــــواهر في هذا الزمن .. أصدقائي كثر في المغرب وأنا على تواصل مع الجميع وقد صدر لي ديوان شعر ” بحر الغربة ” في طنجة عام 1999م قامت بطبعه أستاذة مغربية وقد الفت كتابا أدبيا نقديا عن أدباء المغرب عنوانه ” إيقاعات وألوان ” لمحبتي واعتزازي لأهل المغرب  يضم ” 22 ” أديبا وفنانا تشكيليا مغربيا وانتظر مؤسسة ثقافية مغربية أو شخصية مغربية عربية عالمية لطبعه لعدم إمكاني تحمل كلفة الطبع والنشر .. وأنا أعتز بجميع الأصدقاء في المغرب وفي كل دول العالم .

قصة قصيرة جدًا

خيبة أمل / قصة ليلى عبدلاوي ـــــ المغرب

انتصف النهار..لكن درجة الحرارة ما تزال منخفضة..الصقيع يملأ الأجواء…ودعت صديقاتها في ناصية الحي.. جائعة ومنهكة القوى.لكن سعادتها بالنقطة العالية فاقت كل إحساس بالتعب والجوع..خطواتها الصغيرة تقودها بسرعة نحو البيت  وهي تبتسم ..تمني نفسها بطبق شهي من أطباق والدتها..لابد أنها تعد المائدة الآن ..تحاول أن تتخيل عمق الفرحة  التي سيرسمها الخبر في عيون أمها و أبيها وعماتها وأعمامها…

   دخلت….راعها الظلام في الأركان..أين اختفى النور.. .من سرق الأضواء التي كانت تشرق على هذا البيت؟

هدوء مريب يخيم على أنحاء الغرف..

في ركن من غرفة أبويها..تقبع حقائب كبيرة..على السرير تجلس والدتها مطأطأة الرأس.. تتطلع إليها بعينين محمرتين .تقترب منها أكثر وعلى شفتيها ألف سؤال…يخونها الصوت..تضع يديها على كتفي والدتها….تنفجر الأم باكية…. يصك مسامعها صوت جدتها لأمها..

-هيا..قومي لنرحل.. لم تعد لك حياة في هذا البيت..هنت وأهنت بما يكفي..بيت  والدك وإخوتك أولى بك.أبدا لن تضامي ونحن أحياء نرزق..

   تغادران الغرفة..تلتفت الأم إليها وهما في طريقهما إلى الباب. ..يغلق الباب بعنف..

     تسمرت في مكانها..لم تقو على أن ترفع عينيها ..حاولت أن  تفكر..أن تفهم ما يجري..تعطلت لديها كل الحواس..شلت قدرتها على التفكير ..

     عمتها الآن تجهز مائدة الأكل..تضع الصحون والملاعق في خفة غريبة.. تعلو وجهها ابتسامة شيطانية… تترنم بأغنية ل (رابح درياسة )…

“نجمة قطبية طلت عقب الليل عليا.”…

     كرهت العمة..كرهت الأغنية..أحست بالغثيان..

والدها يدعوها إلى الطعام.. تعالي.المدرسة تنتظر.. تجلس معهما لا تتناول شيئا..يضع أمامها الرغيف..ومعه نظرة من نار..أدركت أنه يتوجب عليها الأكل…اللقمة تقف في حلقها..تختلط بالدموع..تتحول إلى سم مريع..تبكي وتأكل.تصك مسامعها أصوات الملاعق وهي ترتطم بالصحون…الألم في أحشائها يتضاعف..تتمنى الموت…ولا تموت….

دراسات

شعرية دوائر الوجع الإنساني في ديوان” ليتني دوما معه” للشاعرة السورية ريم سلميان الخشّ/احمد الشيخاوي

الشاعرة السورية المغتربة ريم سليمان الخش

هندسيا يتّسمُ الفعل الإبداعي لدى مثل هذه القامة ،بانتشاره الدائري المنطلق من وإلى جوهر الإشكالية الإنسانية بدرجة أولى ،عبورا إلى منظومة ما يحقّق استنفار متتالية الزوائد التي قد تشكّل وجود الذات في أقرب حالاتها إلى التلاشي والانهيار.

وبحيث لا يحفر الدّفق التعبيري إلاّ على مقاسات منسوب جلد الذات،عبر انسكابات هذيانية وقف على حلزونية توبيخ راهن اضطهاد المادة والكائن ،على نحو هيستيري وغير مسبوق.

من هنا تحوز قصائد الشاعرة السورية ريم سليمان الخشّ مصداقيتها وسلطتها على القلوب، وإن أعلنت اكتظاظها وتكتّلها في سياقات خليلية مهيمنة لا تزيغ إلى شعر التفعيلة إلاّ فيما ندر.

صوت الأنثى المتمرّدة على صنوف اغتصاب الهوية وسحق طفولة الوطن، رافلا في صوّره الغضّة مثلما يمليها شريط استذكار يناور بـــــإرسالية “نيوكلاسيكية” مدغدغة و مفتوحة على تكعيب الذات ،داخل تخوم ما يؤثّر فيها وتؤثر فيه من مكونات وعناصر.

هكذا نعيش بميعة ريم وهي تهدل مغرقة في تلوين أوجاعها التي تكاد تختزل وجع شعب كامل، وأحيانا ما يتخطّى كهذا غرض، إلى انخطافات و طقوسيات مستترة،تغذي المشترك الإنساني ،نعيش القصيدة داخل قصيدة.

فنجد الغربة لديها مضاعفة ،وتفجير العاطفة مزدانا بأسيّته وتعدّد دواله.

[ شاهق من أبدعه

بالحنايا جمّعه

في دمائي عشقه

والحنايا موجعه].

يلتبس على المتلقّي تبين ملامح المحكي عنه، هاهنا، الحالة؟ أم المحبوب؟ أم الوطن؟

وتكون الحركة الدائرية ،بوصلة استقطابنا إلى بعض ما يسعف في فرز خبئ كهذا جموح سيرذاتي ، تداخل فيه الأشكال وتتماوج الأغراض.

فبقدر هو انفتاح صيانة قد تصيب منه بعض حظ، غيبوبتنا في حقول الدلالة والتأويل،هو كذلك جملة زئبقية، ربما انقدنا تبعا لغواية تلافيفها المغرضة والمراوغة ، كي نصطدم انتهاء بما يشهر في عراء تسلّطنا على النصّ المكشوف بالتمام، جاذبية العمى وبريق الضلال.

لكن وبقليل من تملي عتبة الديوان، تحت وسوم، ليتني دوما معه، قد نهتدي إلى خيوط اللعبة، فنستشف عمق هذا التّدرج ما بين مراتب العقل والقلب، عاكسا لحالة الصحو التام واليقظة الدائمة لدى شاعرتنا، حتّى في أقصى تهويمات منحنا انطباع تمرير سردياتها علينا، مخضّبة بعبير شعرية البرزخي الطاعن بلذاذة تعرية واقع الاصطباغ بالدموية والفوضى والاضطراب.

ولنذكي من زعمنا أكثر، نورد الإلتماعات الموالية ، غير منكمشين على ما يبرّر استحواذ نفس شاعرتنا الثوري بالطبع، مشرئبين إلى نشازها الوجداني بوصفه دينامو القول الشعري لديها، وقلب القضية النابض، المرهق بعوالم القلق والشك فيما يوقّع ويحاول بصم كتابة مغايرة ومُتجاوزة بحدّة وكمّ المعالجات التي تطال مفهوم الانتماء:

[ لأني مورق بالعشق أصفو

وقد سخر الربيع من الشتاء

له نهر يفيض على اشتهائي

وطوفان الغرام بلا انتهاء].

………………

[في سكرة العشق الشهيّ

لقد تركت له صلاتي

بدموع سنبلة نمت

حول الضّفاف الحالمات].

………………

[أتظنُ أنك من أنينك هالكُ

مع مالكٍ في حزنه تتشاركُ

أتظنُ أنك قد تُركت مع الصدى

حتى الصدى متوجعٌ متهالك

وتجوع والنهر الكئيب بعزلة

ألفَ التصوفَ والدروب مناسك

وتعود وشوشة الحقول حزينة

للحزن في مجرى الرياح مسالك

ويسيل دمعك في المياه بحسرة

إذْ أن ذئبك في زمانك ناسكُ ].

……………………..

[أذوبُ بدمعة فتسيل عشقا

على شجر بروحيَ منك تُسقى

هنالك في تراب الروح تنمو

ويزداد التجذر فيك عمقا

وتعلم أنني حبَقٌ ذكيٌ

ولن أسقى بماء منك أنقى

وتخزنني الغيوم بملء عينٍ

مع الحلم القرير هناك أبقى

وتصعدُ نجمتي في كل ليلٍ

إلى حضن البدور هناك ترقى

وتأتيني بحبك مثل غيم

وأبرق في الفضاء إليك شوقا

أنا والرعد في طوفان عشق

وكل جوارحي بهواك غرقى

وتلتحم القلوب على هيامٍ

وقد شاءت أيادي الغدر فتقا

ورغم الغدر أزهر في حبيب

يضم إلى ذراعيه دمشقا

وما ذاقت شفاهيَ منك أحلى

ونهرك ثورة ينساب عشقا ].

………………..

[ كم رحت أكذب هل عساي سأصدقُ

إنْ قلتُ إنك بالشغاف موثقُ

إن رحتُ أكتب عن عيونك قصتي

وعلى عيونك لهفتي تترقرقُ

وهمستُ للورد المسجى بالندى

إني إلى لثم الشفاه مشوّقُ

إني ذُبحتُ على خطاه بقبلة

وردية فيها الخلود المطلق

ونسجتُ من نور العيون عباءتي

فضفاضةً من دفئها أتدفقُ

وأصيرُ نبع حكاية قمريّة

فيها الشموس من الحنين ستغرق

في لجة العشق العميق وتنتهي

في دمعتين مع السهاد تؤرقُ

لكن قبلته التي طُبعت على

خدّ الصباح تعود فجرا تُشرقُ].

………………….

كم كان قلبك دافئا ..[لي بيتُ

وتبعتُ نبضك مسرعا لبيتُ

فدخلتُ عرشك خاشعا صليت

وعلى جلالٍ في الرؤى أبقيتُ

لي في الهوى عهدٌ وما ألغيتُ

لك مهجتي ولشعرك اللاموتُ

لكنني من شوقيَ استحييتُ

هو مهلكٌ هو للهيب الزيتُ

هو ثورة ..هو كل ما أبليتُ

فحضنت قلبك حانيا.. ومضيت].

شعرية التمنّي هته، في لحظات تراميها على خارطة التّيه النرجسي، وعلى امتداد ظلال المُستلهم من عالم يختنق ويحتضر، تقود إلى متاهات الذات التي في مقدورها إماطة اللثام وتنحية الأقنعة عن تحتية موجوعة ودفين مكلوم، موغل في منطق التّراخي الكلامي المشبع بنبرة الانكسار القابع رهن تنميقات بوح واش بعمق الطعنة وتنفيسها عبر تدوير المعنى المُستجلب لإرهاصات أو تمثلات تئد الذات في جملة إسقاطات ما ينطبق على عالم أميل إلى الكرتونية المتلاعبة بإنسانية الكائن.

ومن ثم ّ،انرسام هذه التلويحة أو الشطحة الفلكلورية في نهوضها على تقاذفات وتلاطمات تيار اللاوعي، قصد إتاحة مسافة أطول ما تكون في الحلم الواعي، وإغراقا في علوية العوالم الممسوسة بسحر المفردات  عند حدود التماس والاحتكاك بتجربة صافية تمتح من أبدية السّكرة أو السرنمة الذاتية .

وكأنما هي القصيدة يولّدها رماد الرّوح في غربتها المركّبة والخواء إلاّ من رواسب الطفولة المغموسة في ضوضاء إملاءات وتعاليم الحسّ الوطني مضغوطا بقهريته.

إن المعني من خطاب التمنّي هاهنا ، دائما وحسب الديوان، يأخذ في التجلّي ولا تبرز ملامحه إلاّ من خلال اعتماد صيغة الاختزال التي تبلور إيحاءاتها واحدية يراد بها التعدد والتنوع والتناسل.

ومن هنا إضفاء تيمة العالمية على مرام الجانب الرّساليّ في جسد القصائد ككلّ ، مترع بذهنية مجبولة على صناعة ما هو كريستالي محتف بالوجع الإنساني كسقف من نواته تكتسي مشروعيتها صرخة الذات بما هي جمع ولمّة تسعى إلى التناغى والتناغم،  في أدغالها ، شتىّ العناصر والمكونات.   بالتالي هي فسيفساء خليلية، ليس تقول بسوى القدر الذي تتوفر لديه، حسب اشتراطات استثماره الجيد والمحكم، سوانح اغتصاب مسافات التأويل في جدلية التلقّي، عبر انتهاك لحمة المألوف،ومدى افتضاض وفكّ البياضات المشفّرة ،والملغومة بمعمارية البوح المخاتل في انكفائه على خطاب ضاجّ بالطيفيات يعلّق الحالة  بالوهم، ويرفع الغائب /الوطن كـــــمعشوق ضمني،حاملا إياه على ذات قلقة شكاكة مهووسة ودوّارة مع أفلاك شعرية التّمني الذائب في كمون الوجع اطرادا مع أحجام تفشّيه داخل دواليب إنسانيتنا المضطهدة.

*شاعر وباحث مغربي

*مدير تحرير موقع كواليس للثقافة والأدب

*عضو تحرير مجلة مدارات اللندنية الأسبوعية