Uncategorized

أنوثة ممطرة / محمد الناصر شيخاوي ـــ تونس

ما أَرْوَع َ أَنْ يُلَامِسَ روحَك َرَذَاذُ الحنين و دِفْء الاشتياق و أن تستنشق مِلْء إِحْسَاسِكَ عَبق الْوُرُود ِالْحُبْلَى بِأحلَام الاشتهاء ؛  أَنْتَ الْآن َ، و قَدْ بَلَّلَ عَطَشُ الأنوثة تَرَفكَ و َأَطْرَافَكَ ، تَمْشِي خَفِيفًا ، تَنْتَعِلُ سِرًّا مُقَدَّسًا طَوَى كُلَّ أَسرَابِ السُّؤَّال ِ، فَلَا مَجَالَ لِلْأسْئِلَة ِهُنَا ، لَا زَمَنَ يَشدَّكَ ، لَا حَيْز َيُثْقِلُ حَمْلَكَ و لَا كينونة تَمْنَع ُحلمكَ ، أبَدًا ، أَنْت َ لَا تَدْرِي لم أَنْت َهُنَا ، تَخَطّفَكَ الْاِرْتِجَالُ فَتَرَجَّلْتَ مِنْ عَلَى” الأنا ” طَوعا أَم ْكَرها ، لَيْسَ ذَلِك َمُهِمًّا ؛ الأهم أَنّكُمَا مَعا ، يَنَامُ كِلَاكُمَا بَيْنَ جفون الْآخر ، إِلَى آخِر الْعُمُرِ حَتَّى لَا تَجُف َّ حُقُول الأمنيات   …. 

شعر

/ شعر فتحي مهذب ـــــ تونس الغناء في الأماكن المعتمة


هكذا تسعل أصابعي
مثل جثة لم يكتمل موتها السريري..
أسمع فرقعات داخل مفاصل البرواز..
أظن أن ثمة جاسوسا ميتافيزيقيا..
يمسح نظارات أبي الميت
منذ تعفن أقدام القمر..
وأصابته بحمى المستنقعات..
ليختلس كنوز الضوء المتبقية
في منحدرات عينيه..
أنا مستاء من قرقعة العربات
المليئة بالهواجس..
المسرعة مثل صحون طائرة..
تهبط من تلة رأسي المأهولة بزيزان غريبة..
باتجاه أمكنة موحلة..
أنا محارب قديم 
أجر رهائن كثرا من جواري الكلمات
أصغي إلى إيقاع كروان 
يقيم تحت لساني..
عزائي الوحيد..
نسيان آثار الجريمة..
مكوثي على حافة الهاوية..
واستنباط طرائق أكثر جدوى
لإحياء طفولتي المضطهدة..
واستئصال المسامير من رسغ
الوعي الأشقى..
هكذا أنعى الورقات الصفراء
التي سقطت من شجرة العمر..
مثل طائر يبكي بمرارة
في بهو كنيسة آيلة للسقوط..
هكذا أنا وحصاني..
مدججين بشهوة فظيعة
بمسدسين فصيحين 
لاعتقال قطار الليل والنهار..
وقطع أصابع الحتميات..
وإعادة المطلق إلى حضن العائلة..
هكذا مهمتنا الذهاب إلى لا مكان
لترويض فهود الفراغ اليومي.. والغناء في الأماكن المعتمة.

دراسات

تجليات الميتا شعرية في الكلمات الكاريكاتيرية لنجد القصير / أحمد الشيخاوي

لسنا نهدف إلى إثارة جدل غير مجد من خلال هذا المفهوم الصامت عن ما قد يومئ إلى فوقية ما تستصغر الشعرية في شمولية علائقها براهن إنتاجها ولحظة بزوغها ، وليس القصد من تنظيرنا هذا اختلاق أسقف مانعة تحدّ وتضيّق على فيوض جماليات الخطاب في استغراقه لزمن التلقي ،بصرف النظر عن المصدر وجنسيته الأدبية .

كون الشعرية مع ولادتها تتلبّس سيمياء خطاب مزدوج يفجّر بالتزامن  إحساسا ينعش الذائقة كما معلومة تستقرّ في الذهن.

إنها شعرية اللاشكل مثلما تنقلها لنا وبنجاح كبير تجربة السوري نجد القصير المولع بكاريكاتير الكلمات إمعانا في توظيف المصطلح كانعكاس مشوه ومهلهل مترجم لمدى السخرية من مرايا الذات، في لبوس مرارة التهكم من واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي معين.

لقد استطاع هذا المبدع أن يشقّ له مسارا مبطّنا بخصوصية الصوت و فرادة البصمة ،وتعود الملامح الأولى لهذا اللون التعبيري في مشوار شاعرنا إلى بدايات العشرية الثانية الجارية من هذه الألفية .

وكأنما انطلقت جذوها مع مخاض الاضطرابات الممهدة لتغيرات إقليمية لم تزل تنخر كيان العروبة وتملي على أهلها نواميس الطاعة العمياء غير المكترثة بأوجاع ودماء وأحلام إنسان الهامش في رفضه العيش محايدا خارج طوق المواجهة ومتاهات الصراع دونما الذود عن تطلعاته وخوض مغامرة استرداد الكرامة المسلوبة.

يطالعنا بين الفينة والأخرى ،بمقطوعات تنصت لنبض اليتم والفاقة والحرمان فضلا عن عاهات مجتمعية جمة،فيتمّ ذلك عنده من منطلق الكلمة الصورة حين تفيض الذات عليها لا العكس،بمعنى أن صاحبنا بطل المناورات المكشوفة ، لا يختبئ في الكلمة شأن فعل أشباه الشعراء ، بقدر ما تحتمي الكلمة بظلال خيالاته، طيّعة و مذعنة لصوت قوي جدا يتشكل من فتات الشارع ويصهل مع المعطّل و المتجذر والهامشي، ليصعق بمدلوله ويربك برسالته.   

كأن يقول : لا أجلسُ على رصيفٍ /إلا وأشعرُ بأنَّ العالَمَ/ كلّهُ تحتَ تصرّفي.

لنتأمل  المشهد الفرعوني وهو يقود إلى تمثلات  الإستقواء وبسط السيطرة وادعاء الإلوهية.الرصيف كمعادل لكرسي الطغيان والاستعباد والجبروت.ذاتية تستشعر كل هذا التسيّد والعُجب و وهم امتلاك الكون ، تحتي ، لي.

بيد أن حالة شاعرنا تشي باستقرار نفسي في فوهة جحيم ميداني، منتحل من سلطة الكلمة وعزيز بها.

وما أهرامات ما نشهده اليوم من فوضى ودمار امتطاء لصهوة الأوطان والسياسة والدين،ما هم  في حقيقة الأمر إلا نسخا وتكرارا للشخصية الفرعونية في غرورها اللامعقول وأنانيتها وساديتها وجنونها وغطرستها، وإن بنسب تختلف وتتفاوت حسب الحاجة إلى ذلك الجوع والعمى الروحي.

وفي موضع آخر يقول : لم تعد ثيابي تليقُ بي كشاعرٍ/فلا أبدو فيها إلا كعدّاءٍ /أمضى حياتهُ
وهو يركضُ وراءَ لُقمة عيشه.

لنلحظ كيف أن الكلمة مهما ناوشت وموّهت لتعطي انطباع أنها أميل إلى المطلق والكامل ، تمكث مجرد كلمة أشبه بمسافة لركض أحمق باتجاه عكسي بحثا عن الذات وتنقيبا في أسرارها وأيضا تبريرا لمفارقة فشل يتكرر وروح انهزامية سرعان ما تخضع لمنطق الاستهلاك.

ويقول أيضا: من دون أيّة رحمةٍ أو شفقة/دفعَنا الطغاةُ من اليابسة إلى البحر/وهناكَ في عرضه /وقعْنا في أيدي القراصنة/ وراحوا يفتّشوننا بنهمٍ/ بحثًا عن المال والذّهب/فلم يجدوا في جيوبنا سوى دُحل الأطفال/ وتحتَ أظافرنا ما ادّخرناهُ من تراب الوطن.

متون كاريكاتيرية تتنوّع و تتوزع على نحو يتيح للكلمة إفراغ الحمولة الإيديولوجية في كادر تناسل دوال الكوميديا السوداء،لتأطير لحظة الوجع،وتوليد صدمة انتشال الذات من شرودها.

إنها مطاطية وتوسع وتمدد هذا الفن في أرقى مستويات تقاطعاته البصرية المسموعة،تتلون أدوات فبركته مسهمة في تتكاثف أغراضه لخلخلة الكامن فينا ورجّ الراكد وفق ما يفتح القلوب قبل الأعين على انتهاكات عصر المساومات والاتجار في منظومة قيم أدنى عتباتها الحب وأقصاها الوطن.

عصارة القول أن شاعرنا أفلح وإلى أبعد الحدود في نقل المعركة من نتانتها وضراوتها المتحيزة إلى منهج  بوح وديدن أسلوبية تضحك لتبكي وتهدم لتبني .

تجريبية  موفّقة تنم عن نبوغ وسبق يطعن بجمالياته ويدثّرها مبدأ الانتصار لإنسانية مغتصبة وهوية ذبيحة.

*شاعر وباحث مغربي

*مدير تحرير كواليس للثقافة والأدب

*عضو تحرير مجلة مدارات اللندنية الأسبوعية