شعر

لا ممحاة لي / محمد اللغافي ــــــ المغرب

لدي أكثر من رغبة

لمحو أخطاء العالم

في كل لحظة

يتخطفني التفكير بعيدا

عنّي

غالبا ما يكون الآخر

مخطئا

حين يعتقد

أنني شارد في

تفاصيل صغيرة

هناك

ما هو أهم من كتابة قصيدة

الأصابع التي

تستطيع أن تفعل

 أي شيء آخر

لا تستطيع محو أخطاء

الرصاص

………..

لو أصابعي أسعفتني

سأدلل

هذا الوهن الذي

يتكئ على كتفي

…………

للحياة أقنعة متعددة

الموت وحده

له وجه واحد

……………

حيين تضحك الشمس بغزارة

لا أجرؤ على معاكستها

…………….

ما أشد العتمة

لولا الضوء

ما أشد

الضوء على العتمة

ما أشد العماء

على كليهما

…………….

المقبرة

أسماء تطفو على السطح

تبحث عن

مواليد جدد

…………..

الغرف التي يتركها الموتى

يقطنها موتى آخرون

…………….

جسد

يترك حذاءه

لجسد يعقبه

…………..

شعر

“حمالة الخير ” لولا / محمد الناصر شيخاوي ــــ تونس

لَوْلَا عاهة مُسْتديمَةْ
لَأَمْكَنَ
لِمرِيضٍ بداء الْفَاقَةِ
أن يكون طبيبا
مَثَلَا
و لولا ظُلمَة الْجُورِ
لَتحَوَّلتْ أَكْواخُنا
لأَفْخرِ الْقُصورِ
جَدَلَا 
لولا فُحش الغِنى 
و طَفْرة في الْغَبَاءْ
لأشرقت شُموسٌ
في سَماءِ ليْلِنا
أَمَلَا
لولا فائِضٌ مِن صمْتِ الْقُبُورِ
و سَوادٌ في الصُّدورِ
لَحَلَّقَ الْوَرْدُ كَالطُّيورِ
في أوطاننا
ثَمِلَا
وَ لَوْلَا خِسَّة النُّفُوسِ
لَأَضْحَتِ الْقُدْسُ عَرُوسِي
من غير احْتِرَازٍ 
ل .. أَهْلَا 
و لراجع ” مُظَفَّرٌ ” مَقُولَتَه
مُرَجِّحًا غَيْرَهَا
بَدَلَا
و لراح يَشْدُو
بِصوْتهِ العذْبِ الشَّجِيِّ 
أَهْلًا وَ سَهْلَا…

دراسات

قراءة نقدية انطباعية في نص ( للوجع ظلال ) لهـدى حجـاجي احمد / محمـد الخفـاجي

قبل البدء بالقراءة النقدية الانطباعية في النص لا بد لي من مقدمة موجزة في نشأة وبدايات

هذا الجنس الأدبي موضوعياً وفنياً والتعريف به.

• مقدمة

يرى الباحثون والدارسون والمعنيين بتتبع هذا الجنس الأدبي رؤية ً مفادها ترك التحديد لهذا

الجنس الأدبي لأنه مبني على الشَفاه والحكاية التي هي نشاط إنساني محض نشأ مع وجوده

على الأرض، وإن كان لا بد من تحديد فقصص عنترة بن شداد وكليلة ودمنة ومقامات بديع

الزمان وقصص البخلاء في كتاب الجاحظ يمكن عدها نوع من أنواع القصة في الشرق.

وقد ظهرت في الغرب أثناء عصر النهضة بما يسمى ( بالفابولا ) في فرنسا وهي أقاصيص

شعرية تحمل معنى الهجاء الاجتماعي، وأيضاً ظهر في أوربا بعدها ما يسمى ( الفاشيتا ) أو

مصنع الأكاذيب كان سبب ظهورها وانتشارها التسلية واللهو، وأيضـا ًقصص الديكاميرون

الإيطالية لجيوفاني.

هذا ما يشمل القصة القصيرة موضوعياً، أما القصـة القصيرة بشكلهاالفني المحـدد المعالم

والقسمات والخصائص؛ فأول من كتب فيه هو موبسان وأدغار ألن بو وجيمس جويس و

وهمنغـواي وبوشكين وغـوغول هذا في الغـرب، ثم انتقلت إلى الشرق من خـلال كتابات

المنفلوطي ومحمود تيمور وميخائيل نعيمة ومحمود أحمد السيد وغيرهم كثير.

أما تعريفها فنراه عـند موبسان :(هو تصور حـديث لا يهتـم الكاتب بما قبله ولامـا بعده)

وهي عنده عبارة عن  لحظات عابرة منفصلة تعبر وتصور الواقع. وقـد أعجبني تعـريف

شكري محمد عياد لها يقول: أن كـل قصة قصيرة فنية هي تجربة جديدة في التكنيك.

• عنوان النص •

العنوان جـزء مهـم في نص ومنه يمكن الولوج لمتن النص وفهـمه والمعرفة بـه جزئياً

والحـصـول عـلى الثيمـة والخلاصة للنـص كـكل، وفي هــذا النص العنـوان يتكـون مـن

كلمتين ( للوجع + ظلال ) شبـه جملة خبر مقدم + مبتدأ مؤخر والدلالة اللغوية للتقـديم

والتأخير هنا لها وقع فيما لـو قـيل الظلال الموجـعة، وهـو يشبه قولنا إياك نبعـد تقـديماً

فيما لو قلنا نعبدك والمراد هنـا تقديم وتصدير الوجع، وقد ذكر البلاغيون فـوائد لتقديـم

الخبـر على المـبتدأ ما يهمنـا منها في العنـوان التخصيص والقصر، أمـا دلالـة العـنـوان

فليست حقيقية فـلا ظل للوجع حقيقة وإنما الدلالة مجازيــة مستعـارة مــن ظل الإنسـان

وأصل العـبارة : ( للوجع ظل يشبه ظـل الإنسان )، والمعـنى مخصص بحالة شعورية

للازمة من لوازم مرافقة الظـل للإنسان، ومبادلته بالوجـع كظل مرافق له، موقـف مــا

أو ذكرى ما.

متن النص

وهو مـا يبرز محتوى النص القصصي ونلج له من خـلال عـناصر القصة والتي بـدت

هكذا

• الأسلوب •

في هــذا النـص اتبـع الكـاتـب طريقـة وأسلوب السـرد الذاتي بتجسـده بشخصيـة مـن

شخصيات النص  وسـرده من خلالها. وقـد استخـدمت الكاتبة ضمير المتكلم معتــمدة على

الحكائية بلا حوار بين الشخصيات ، وبيان حـال الشخصيات في النص نعـرفه مـن خلال

ما يتذكره عنها وما يصفه من مواقف بالاصطدام به في الزمان والمكان.

• الأحداث

لم يعتمد الكاتب على الطريقة التقليدية في سرد وحكاية الأحداث بترتيبها الزمني من

البداية  وصولاً إلى النهاية ولا عكس ذلك سـرد الأحداث من نهايتها ثم بدايتها كمـــا

رتبت زمنياً، بل اتبعت الطريقة الوسطية مـن خـلال اصطنـاع الحدث في مكـان وزمـان

وسطي يتنقل من خلالـه إلى الزمن الماضي ثـم الزمن الحـاضر الوسطي وصـولاً إلى

نهاية النص.

• البيئة •

المكـان اختـار الكـاتب عـربة قطار أو عـربة مترو ليحكي فيها ويسرد ذاتـياً لأحـداث

قصته، مع وصف لدقائق ذلك المكان ومحتواه حسب ما يتسنى له خلال سـرد الحدث

أو ما يفيد منه فيه من اصطناع المواقف.

الزمان وهو كما في النص من جزئيات المكـان، فبما أنه اختـار عربة قطار أو مترو

لسرد حكـايته ذاتياً بأسلوب الذكريات وهـو جزء مـن ذلك السرد، فبالضرورة يكـون

زمان النص مدة تواجده في العربة إلى انتهاء ذلك التواجد طال أم قصر.

• الشخصيات •

ليس هناك شخصيات كثيرة في النص وتميل القصة القصيرة إلى الإقلال منها بشكل

كبير جداً، وفي النص شخصية رئيسية تمثلت بشخصية الحاكي السارد الذاتي ومـن

بعـدهــا شخصيتـان ثانويتان رجل وزوجته ، وزوجة الرجـل هي حبيبة الشخصـية

الرئيسية في النص سابقاً.. ثم شخصية ثانوية رابعة تمثلت بشخصية بائع التذاكر في

العربة.

• صراع وحبكة النص •

بعد اختيار الكاتب لأسلوبه الحكائي وضمير المتكلم والسرد الذاتي للأحداث في زمان

ومكان متلازمين أو بالأحرى متوازيين معاً، بدأ يسجل كل ذلك بطريقة البوح أو ما

يعرف بالمناجاة الداخلية لعرض ما التصق في ذهنه عن الشخصيات تلميحا ً وأيحاءً

مع التمثيل لذلك أي أنه اعتمد على عرض صفات أشخاصه ومواقفهم بلا تحليل أو

وعظ كونه أحدهم بل يوحي ويلمح لذلك.

فنرى عبارات لوصفه الشخصية التي تزوجت محبوبته ( ترآت رأسه الصلعاء كمرآة

محدبة- أوليته ظهري- ابتسامته البلهاء- تصدى لي بتجويف صدره ) كل هذه العبارات

توحي بالنفور منه، مع تذكر لأحواله الماضية والحاضرة بانطباع غير محبب.. كذلك

إظهار أن تلك الشخصية غير سوية بعبارة ( متى أخرجوه من المصحة ).

وفي المقابل شخصية الحبيبة التي اقترنت بغيره، الإيحاء وتمثيل صفاتها وما لصق في

ذهنه عنها محبب وغير محمل لها شيء ما.. (  تقاطيع وجهها البيضاوي المستدير-

قطفت زهرة احتضنتها وسارت – ناولتها الإيشارب وردياً كلون خديها- انتشيت بعبق

الزهرة في راحة يدها عند الإشارة .. )  مع تذكر كــل ذلك تذكر ممثل للأحـداث التي

دعتها لتركه بعد علاقة حب جميلة ولقاءات متعددة في إحدى الحدائق المونقة، ثم كان

التعهد بعدم الفراق، لكنه حدس ذلك وأخبرنا به قالت ( لن يفرق شيء بيننا ).. قطعت

الأحداث شوطاً كبيرا ً ليتمم دارسته ويذهب للعمل في الخارج وهنا كانت الصدمة..

عبر عنها برسالة (سررت بكلماتها الوردية إلى حين رسالة عاجلة اصطبغت الكلمات

بلون أسود)، ثم برقية عاجلة ( أبرقت إليها على الفور أن تحاول دون إتمام هذه الزيجة

أكدت لها أنني قريبا سأعود)؛ فرسالة أخيرة خطت فيها ( لا فائدة لسبب ما خرج الأمر

من يدي!.. أما علامة التعجب هنا فكأنها إشارة وتلميح لخيانة العهد بعدم الفراق.

وخلال سرد الأحداث وصراع الشخصيات في النص نجد تكنيكا ًحكائيا ًجميلا ًلكاتب

النص وهو يقفز قفزة ذهنية يتذكر بها الماضي ثم يعود للحاضر مع وصف لدقائقه وكذا

موجوداته، وصف للعربة (توقفت العربة تلهث- أبحث عن شبه فراغ أدس فيه احدى قدمي

المحشورة بين الأرجل الكثيرة- لكزني بكوعه فانتفض جسدي..) وقبلها وصف البستان الذي

كان يلتقي فيه بحبيبته (جلست على مقعد خشبي متأرجح- ممر قصير ومحاط بشجيرات

الصبار والخروع ذات الأوراق العريضة الداكنة..) وصف حبيبته في الماضي والحاضر

(كانت تتنقل عينيها تتفرس في الوجوه العابسة – فشلت في أخفاء مسحة من حزن استقرت

في عينيها- كنا جيــرانا تعارفنا- أتسعت عيناهـا على مرأى الوجـه القديم المنسي- انعكس

ضوء الشمس على الزجاج ولمع سوار الذهب في معصمها..) كل ذلك وصل إلينا بلا حوار

عن طريق إدارة لشريط ذاكرة الشخصية الرئيسية في النص، بوحا ً وإيحاءً وتمثيلاً.

الخاتمة وقفلة النهاية

غالباً ما تكون خاتمة القصة القصيرة ونهايتها، فيها حل للصراع وحبكة سرد النص مع

قفلة غير متوقعة تقليدية كلاسيكية، وبما أن بيئة الأحداث وزمانها كانت عربة في قطار أو

مترو فلا بد أن تكون النهاية فيها (مقعدها شاغرا للحظة – رأيت منديلها الرمادي ملقى فوقه

التقطته- نزلت تبعتها- هل هي ..؟! هل كانت تشبهها ..؟!- لست متيقنا من شيء شيعتها بنظرة

يائسة حتى اختفت تحت سلم رخامي ..ومضت). وكما نلاحظ في هذه الاقتباسات من خاتمة

النص، ما يوحي بتوهم الشخصية الرئيسية وبإن من رأى في العربة ليست حبيبته، وقد اختفى

وتلاشي كل ذلك ما إن نزل من العربة.

تقييم النص موضوعيا ً وفنيا ً

موضوع النص سبق وطرق مراراً وتكراراً، رجل وامــرأة يتلاقيان، يحب بعضهما بعض، ثـم

يتعاهدان على عدم الفراق، يذهب الرجل الحبيب الزوج المستقبلي المفترض للعمل في الخارج

تتخلى عنه المرأة الحبيبة وتتزوج بأخر قائلة الموضوع خرج من يدي أو أسباب أخرى.

أما فنيا ًفتبقى طريقة وأسلوب كتابة قصة قصيرة عن موضوع مكرر وثيمة كلاسيكية هي ما

يشفع للكاتب ويجعله يلبسها ثوباً جديداً ويضفي عليها طابعاً حداثوياً، وهو ما حدث نوعا ًما.

في عنوان النص واعتماده على التقديم والتأخير نحواً وبلاغةً لتصدير الوجع وجعله بظـلال

وكأن ذاكرة الإنسان بمثابة ظلال للوجع.

كذلك الاستفادة من تقنيات السرد والجمل والعبارات البلاغية بانزياحات مكثفة موحية، وتضمين

مُرمز، وتمثيل المشاعر والأحاسيس من خلال البوح بها كما هي في خزين الذهن والذاكرة.

كما نرى في النص حس درامي، في تتبع نوازع ومكنونات الإنسان وتقلبات أحواله وتفاعله

في مجتمعه من خلال صور وتشبيهات مستعارة، بـل في اعتقادي حتى اللون تدخــل في ذلك

لرسم ما تـراه الشخصيات في النص ( أسود بنفسج صفراء أصفر )، مع رسم لملامح

الرضا واليأس والبؤس والحزن والشحوب والعبوس والتغرب.. ولا يخفى أيضأً عنصر الغموض

وعدم توقع النهاية، وجمالية النص تكمن في رؤية الشخصية الرئيسية لمن حوله والتمثيل لما

علق بذهنه عنهم بأسلوب المناجاة الذاتية بشكل مركز ومكثف موجز مختزل ليس تقييماً لهم بل

تفريغاً لما يحس اتجاههم عفوياً، يرسم ملامح حياة قد تكون مختلفة بمنظار الشخصيات الأخرى

فيما لو تركت تبوح بمكنونات أعماقها وتناجي ذاتها، فقد نحصل على قصص أخرى أجمل.

القراءة الأولى للنص ستبدو رتيبة لكن مع إعادته مرة بعد أخرى سنجد فيه ما يغري بالإعادة

لسبر غوره أكثر فأكثر والحصول منه على مفهوم جديد وإفادة حديثة، وأميل لرأي عياد بأن

لكل قصة قصيرة رؤية فنية وتكنيك جديد.

شعر

الطائر اليتيم/ اصغيري مصطفى ـــ المغرب

(جفت الأقلام ورفعت الصحف).

إرتوينا من ماء البحر

حلو ومرّ

عيون منهمرة

أوراق متلاشية

ذبلت الأجسام

لم يبق لها أثر

عظام رفات شاهدة

حيوانات تنتظر فرائسها

أنياب حادة مخالب مسمومة

تكسرت الأقلام

كثرت الأوهام

انتشر الظلام

قل الطعام جارت الأحكام

الطير اليتيم في وكره نائم

نهاره مظلم معدته فارغة

خدّ العذراء مبتسم للطين والماء

فاقد رجليه يمشي على بطنه

النار مشتعلة

الدخان يُرى من بعيد

صوت القنابل مفزع مرهب

الأسماك مهاجرة

البحر ملوث ببقايا البشر

فتيل عشق الحياة ذبل من اليأس والجبروت

همسة النعل ضوء للبصير

الحائط القصير سهل الركوب

فاقد المال عديم الحب والمحبوب

البرج العالي تنحني له الرقاب

وتخفض له الأصوات

تعسا لك أيها الدهر

القيد سينكسر وتُهزم الجند

مهلا أيها البشر

السلم

الأمن اختفى واندثر.

*زجال مغربي

دراسات

نص “رقة القلب “لعصمت شاهين دوسكي.. بين الواقع والحلم / الصديق الأيسري ــــ المغرب

ثورة جسد امرأة حسناء أم جسد وطن جريح ؟

قصيدة رقة قلب مصنفة من ضمن شعر الغزل أو الرومانسية فالشاعر العراقي عصمت شاهين دوسكي فهو شاعر المرأة والحب والإحساس والجمال بامتياز و يعد من ضمن شعراء الغزل إلى جانب الشاعر السوري نزار قباني فهذه القصيدة من قريحة الشاعر تتميز بالجرأة والصراحة في التطرق إلى خبايا وأسرار العشق.
قصيدة ” رقة القلب ” كلمة رقة تعني في طبع الإنسان الليونة والسهولة والحب الذي يلامس شغاف القلب ويستقر فيه رغم المواجع والجراحات والمعاناة فالحب اهتمام وتواصل وإحساس بالآخر حتى لو لم يكون قريبا تظهر في العاطفة والسلوك والقلب الحنان و الرأفة و في جانب المعاملات والتصرفات اللطف والوداعة، وفي وهلة الاستهلال أن تكون رؤيتنا إنسانية ، عميقة الرؤى .
هنا الشاعر عصمت شاهين دوسكي ينادي حبيبته برقة القلب راجيا منها الحنان والرأفة وعدم القسوة وأن تكون  سهلة الرؤى وألين الملمس و أن تتحلى بروح لطيفة ووديعة ، يأمر الحبيبة أن تجمع و تلملم حروف الليل وتصلح الوضعية بإزالة بوادر الظلام و تنحي العوائق والصعوبات وأن يكون مسار حبهما كله أنوارا وأضواء سراجا منيرا بعيدا عن الأحزان والغم والهموم، وأن تعيد للفؤاد نبضه الطبيعي وتجعل الحب يتمتع بدقات وضربات طبيعية مع وضع بلسم الوفاء والإخلاص على الجرح ليندمل الهوى و يشفى من القسوة و الفراق .

(( يا رقة القلب والجسد والروح

لملمي حروف الليل ، وهوى النبض المجروح

في شفتيك ذوى الشهد

وعلى روابي صدرك عرش مذبوح )) .

مازال الشاعر الولهان يذكر حبيبته عن جفاف شفتيها و اشتد يبسها وصارت تعاني من الذبول والشهد وأضاع حلاوته ورطوبته العسلية ، يتأسف الشاعر لما وقع للحبيبة من ضياع بريق و بهاء شفتيها وتبدو كصحراء قاحلة أو كنبات شوكي تأثر بعدم الاهتمام و العناية بمتعة الروح والوجدان فبحلاوة القبل تعيد للثغر رونقه و جماله، الشاعر عصمت شاهين دوسكي شاعر العشق والغرام فطن لما وقع للحبيبة من إهمال لروح الهوى والابتعاد عن ترانيم العاشقين وألحان الولهانين وأغاني المحبين فقد رسمت بذلك لوحة صادمة وألوانا باهتة صورها بهبوط وانكسار عرش الغرام بفعل ذبحة لتركه سدى للضياع فهوى السؤال والإلحاح لزيارة روابي الصدر و اعتناق قبتيه بين كفيه تبركا بشموخهما و سموهما.

(( وفي باحة خصرك عاشق يبكي

واللظى يفضح سر مفضوح

وبين قدميك باب طري

حينما يسمع قصائدي يغدو فاتح ومفتوح )).

لما رأى الشاعر ما وقع للحبيبة من الضياع و الإهمال التجأ إلى محراب المبكى يقاسي لوحده حظه التعيس وهو مرتبط بباحة وساحة خصرها فانهمرت دموع الشوق و هو يشاهد عن بعد ما سيقع لشاكلة الخصر من نسيان و سلو بعد هجر المتعة و الصلاة في محرابه وابتعاد أيدي ولمسات الحبيب. فلهيب النار ولوعة الحب أشد حرارة ، صار ظاهرا للعيان حيث انكشف وفضح ، يمكن رؤيته كالمنار قائما شامخا على جوانب صخور الحب يبصر لهيب ناره من مسافة لمرافئ العشاق واقفا كعمود ملتهب الرأس حارق كاللظى ينتظر مرور سفينة الحبيبة بسلام، وبين قدمي وأعمدة البحر تنفتح بوابة الأمان و السلام باستقبال ربان الحب تنثر عليه طراوة وطيبوبة الحب ، قدوم الباسل الشجاع بفك قيود المجهول و التي تعالت في سماء العشق تراتيل من قصائد الحب فرحب بقدومه وولج بوابة العاشقين فسالت دموع الفرح والبهجة رقراق ملوح من عيون الحبيبة وعادت سفينة الحب إلى مرفأ العشق وانفكت القيود و التقى الحبيب بالحبيبة.

(( ما الذي يجري  ..؟

هتك الشعر قيودي

وبان في عينيك رقراق ملوح )).

وساير الشاعر عصمت شاهين دوسكي إحساسه المرهف النقي و أستسلم إلى معاني العشق الممنوع و المستور بعد أن تراءى أمره وصار لوحة شعرية بدون ألغاز ولا أسرار ليعلن للجميع أن حبه  يسبح ضد التيار ، مغطى بطلاسم الظلام ومكسو  بالغموض و الأسرار هنا تتجلى قوة شخصية الشاعر بتمكنه من البوح بكل جرأة وشجاعة بالنطق بكلمات ظاهرة ومفهومة لكي لا يضع حواجز الضياع بين الرموز للوصول إلى قلب الحبيبة فهنا خاطب حبيبته باشتياقه ، فالشوق للربيع بعيدا عن الجفاف والفراق والحرمان  والسرير رمز الراحة والأمان والدفء والحنين فربيع سرير مهجة قلبه لقضاء بين أحضانه ، ربيع كله ورود و زهور مبتسما بعبيره الطيب نشوة بعبقه الزكي الذي ينساب للوجدان وهو متكئا على ساعد الحبيبة سندا في التمتع بالمقام على سرير الحب سهرانا ، أبى النوم لكي يتبادلان الابتسامات ، قلب الحبيبة زاد لوعة ووهجا بمناجاة الروح بكلمات الإعجاب والحب هاجر وسافر عبر بؤبؤ عينيها و صورة الحبيب راسخة في مقلتيها يصر عدم المغادرة طالبا و آمرا أن تفرش عرشا وهو أسمى وأغلى رمز للجسد والروح حيث المكوث و الإقامة بذلك يصل إلى مقام الملوك والأمراء والعظماء وهو يحتضن العرش العظيم لا يريد الشاعر أن ينسى سفره و قيامه في أحضان مملكة العشق حتى لو اشتد الظلام فنور الحب تنسيه الدجى والمكابدات و الليالي الطوال .

(( اشتقت لربيع سريرك باسما

وعلى ساعدك اسهر ولا أنام

ابتسم واللوعة تناجي روحك

آه من الابتسام أمام الابتسام

أنا يا دلوعتي مهاجر في مقلتيك

افرشي عرشا لي .. ليحيى المقام )) .

أبواب مملكة الحبيبة مفتوحة تستقبل الحبيب بالأحضان و يحلق كالطير بين روحها يأمرها أن تعانقه وتحضنه بقوة والقوة على صدرها والقوة هنا خوفا من الفراق والشتات والعذاب وضياع الأحلام ، ليتمتع بأحلامه وهو يغرد نشوة وحبا في المقام في أحضان مملكة العاشقين بلا سواتر ولا حجاب ، متعة القائم وسطها طبيعة بجنان واقعية جنة الناظر واللامس لبهائها وجمالها الأخاذ، فالشاعر يعد من العظام المنفيين بين أحضان المملكة حائر منبهر لجمال الملكة ، وتجرأ مفتونا بجمالها أن تلبي رغبته الجامحة للقبلات وهو الذي عانى عذاب الجليد والبرود مرغما ، بركان خامد ينتظر فجوة الخلاص من القيود فدعاها أن تحرقه بقبلات العشق الدافئة ، روحه ثورة عشقية  لتعيد له حرارته وتذيب جليده وهو المنفي في أحضانها .

((  كيف أنسى وهل مثلك ينسى

حتى لو طال السفر والظلام

أبواب مملكتك أمامي بلا سواتر

وأنا طائر احلق في روحك كالأحلام

ضميني لصدرك

فأنا حائر في بلادي ومنفي بين العظام )) .

الشاعر تذكر معاناته مع الحروب والدمار والخراب والدمع و البكاء بعيدا عن السلام والأمان بود ورقة قلب أن يقيم بين أحضانها يتلوى أو يزحف بدون أقدام مبتورا أو مشلولا محملا على كرسي ، فبين الحب والحرب ألم شديد الوقع وحلم يبحر بلا حدود وأمل يرتقب المدى البعيد ، لن ينسى لحظات العشق وعناق صدرها وقبلاتها الحارة فهي ملاذه وملجأ يناجي روحها متعة و نشوة بجنون وهذيان تحت لواء حبها المتمرد.  

(( أنت المجنونة المتمردة العاشقة

لا أنساك أبدا ..

وإن حملوني على كرسي بلا أقدام

دعي مكانا بقربك أتلوى

واسرق من نظراتك الحلم والإلهام

ابتسم معك

وارشف من كأس شفتيك لذة الهذيان والمدام

لا بداية جلية بين راحتينا

ولا نهاية على حلمتيك تقام

يثار فينا الهمس واللمس

ويخرس في رحانا الكلام )) .

الشاعر شهريار اخذ مكانا بالقرب من شهرزاد يتمتع بنشوة القبل و لمسات الرقة والرأفة يحتسي رشفات عسلية حلوة من شفاه الحبيبة و المتعة من حلمتيها وتستمر الحكاية بين السهر والغفوة تنسج خيوط الليل غطاء لجسميهما بدون ستائر وكأن التاريخ يتجدد والحب يتورد من جديد ،يتلألأ العشق تحت ضوء القمر ينساب بين الوجدان نشوة ومتعة ، جسد أسقط أوراق التوت فلبى جماح رغبة النشوة قياما وقعودا في محراب العشق بكل تراتيله الروحية والحسية جملة و تفصيلا ابتسمت له كيان الهوى و خرس الكلام و صمت سائد بانصهار الجسمين و انتشاء الروحين و للحكاية رقة قلب جمال وحسن و نشوة و متعة بها أينعت الزهور الذابلة .
(( عذرا إن طال على شهريار الليل

وأباحت شهرزاد لوعة المنام

رقة القلب أنت ، نحلم معا

وتحوم أجسامنا بلا أجسام  )) .

الشاعر عصمت شاهين دوسكي بفلسفة وجدانية فكرية حسية جسد صراع الواقع والحلم والمعاناة التي تغلي في رقة القلب ولم يتوانى أن يكشف ما يتجلى من صفاء ونقاء وانصهار بين القلب والفكر والروح والهذيان ولا تدري هل هذه الصور الشعرية ثورة جسد امرأة حسناء أم جسد وطن جريح عانى من الحروب والدمار والخراب ؟ إنها لوحة حب إنسانية تفتح الآفاق لرؤى مختلفة ورسالة حب للعالم ، أن يمتلأ عالمنا بالمحبة والاهتمام والتواصل والارتقاء والإحساس بالآخر .