قصة قصيرة

صرخة صخرة / قصة الصديق الأيسري ــــــــ المغرب

على حافة كوة منفتحة من جدار بيت عتيق وقف غراب أسود يغطي أشعة النور ، وعلى سرير خشبي بال يرقد بدر رجل شاحب الوجه كسته تجاعيد الشقاء و جسد واهن و بصر مضمحل و ظهر مقوس بفعل الأثقال و حمل المعادن من مناجم الفحم بالشرق، رجل مريض منهك القوى رغم عقده الرابع يبدو عجوزا شاخ قبل الأوان، محيط بأبنائه وزوجته حائرين منهمكين يتجرعون الحيرة و ينتظرون الفرج و شروق شمس الشفاء و نور الخلاص.
بالكد و بمجهود كبير فتح بدر عينيه الشبه غامضة مشيرا بسبابة يده إلى ألبوم الصور الذي يحتفظ بالذكريات و عن صور عمله في مناجم الفحم.
ناولته الزوجة ألبوم الصور و الدموع تنهمر على خديها و هي تتحسر لما وقع لزوجها بعد سنين من العمل المضني بدون أدنى شروط التأمين الصحي، و هاهو يصارع الموت و هو مازال شابا.
فتحت الزوجة ألبوم الصور و تتصفح مكوناته بين فترات زمنية مختلفة قضاها الزوج بين براثن الظلام و فتك الغبار والموت البطيء بين دهاليز المنجم، استوقفها الزوج عند صورة قائلا:
” زوجتي العزيزة أبنائي الأعزاء هذه الصورة عندها وقع في قلبي و ذكرى عزيزة في وجداني لن أنساها أبدا ما دمت في الحياة فهي تمثل بالنسبة لي ميلادي الثاني، فهذه الصخرة العملاقة قد هوت إلى الأسفل كادت أن تقتلنا جميعا لولا لطف ربنا الكريم”
تحدثت الزوجة مذكرة الكارثة:” نعم زوجي العزيز كانت ذكرى أليمة و كنت حينها حاملة و ابننا الأول في عمره ست سنوات، حملوك العمال على أكتافهم و أنت مجروح و مكسور الساق مفعم بالغبار و ملطخ بالدماء مخلوع و تصرخ من شدة الألم و قساوة النازلة،استقبلت أصدقاءك في بيتنا الصفيحي مفترشين حصيرا كنا في حالة مزرية “
هوت دمعة على خد الزوج متأثرا بأحداث الصورة فحدث بصوت متقطع بنحيب: ” لقد هوت الصخرة أرضا فأغلقت بوابة المغارة فأحدثت صوتا مدويا زعزع جدران المغارة فوقعت أحجار من مختلف الأحجام فتكاثر الغبار في الهواء، كانت لحظة أليمة اختلطت الأصوات و الغبار و ساد الظلام داخل المغارة، كنا ستة عمال أنا مع إثنين منهما انحصرنا في الداخل بينما الثلاثة الباقون كانوا وراء الصخرة في الجانب الخارجي للمغارة “
قاطعته الزوجة قائلة: ” نعم كانت ذكرى أليمة و أنت شبه فاقد الوعي ووجهك يكسوه مزيج من الدماء و الأتربة السوداء و ساقك منتفخ و ملفوف بإتقان بواسطة شريط من ثوب قميص ذكرى زواجنا الذي تحب أن تلبسه و أنت تعمل مرددا مقولتك الشهيرة و المتكررة ” إني أعمل و أكد من أجل أسرتي بعرق جبيني و جهد أكتافي فإن مت بسبب كفاحي فإن قميصي هدية زوجتي سيصير كفني لعلي أشم عبير شريكة عمري و أنا في اللحد” بكت الزوجة متأثرة بلحظات مر عليها سنوات طويلة.
تدخل الإبن بهدوء :” إنها حكاية أليمة كنت صغيرا لا أتذكر سوى لحظات من البكاء و الصراخ و الأنين و مزيج من الأصوات و الكلمات لم أستوعبها لصغر سني ولكن المثير و الجميل و الرائع هي اللحظات التي عشتها متخيلا أن الرجال الذين أمامي هم بهلوانيون و مهرجون لأن وجوههم مطلية بالسواد و البني و الأحمر فكنت أضحك بكل براءة لأن المنظر أبهرني كثيرا و أعجبني جيدا لأننا كنا فقراء فلا مال عندنا لدخول للسينما أو المسرح فالحالة الاجتماعية لا تسمح “
استرد الزوج أنفاسه فقال :” لقد سقطت علي حجرة متوسطة الحجم على ساقي و بعض الأحجار الصغيرة و الأتربة على جسدي و وجهي بينما الصديقان الآخران لم تصبهم الأحجار كثيرا لأني كنت في المقدمة و تعرضت لوابل من الحجارة وهم محميون من خلفي بجسدي ذو البنية القوية و المثينة لولا ذلك لكنت من الهالكين “
قاطعته الزوجة قائلة : ” على سلامتك حبيبي لقد كنت في حالة مؤلمة فقد حكوا لي اصدقاؤك الذين رافقوك بتفاصيل الحادثة، فبعد أن أغلقت المغارة بالصخرة العملاقة فقد ساد الظلام بداخل المغارة ولم يستطيعوا سماع كلامكم وبعد ذلك جاؤوا العمال و بمجهود جماعي مع الإستعانة بعمود حديدي تمكنوا بزعزعة الصخرة قليلا تاركة فجوة صغيرة من خلالها تمكنتم من الخروج بصعوبة”
رفع الزوج عيناه للسماء و يداه قائلا :” إيماني القوي بربي و خلقي النبيل و طهارة نفسي بلطفك ياربي انقدتني من الموت فالشكر و الحمد لك ياربي” سكت لحظة فقال لزوجته لقد كان المنجم لا يتوفر على شروط الأمن و الصحة فقد كنا مثل العبيد أو بدرجة قليلة دون الحيوان فقد فقدنا حريتنا و شهامتنا و انسانيتنا بسبب المعاملات القاسية التي ننالها من طرف أباطرة المناجم بسبب طمعهم و جشعهم حيث يربحون مبالغ مالية رفيعة و يتركوا لنا فتاة من الدراهم لا تكفي لسد رمقنا و تربية أبناءنا و تعليمهم لمسايرة ركب التحضر، فقد خططوا لكي نكون عبيدا للأبد فأولادنا ينتظرون دورهم للدخول لتجربة خلع و نصل المروءة و والولوج لجحيم المعانات و العذاب و الذل، و تستمر الحكاية بدون حقوق و لا ترقيات و لا فوائد إن لم تتحسن الأمور فهذه هي الكارثة “
تكلم الإبن بشجاعة قائلا : ” والدي العزيز لقد فكرنا نحن أبناء المنجميين فأسسنا جمعية تهتم بكل ماله علاقة بالمناجم من ثقافة و شعر و رواية و حقوق الإنسان و تنشط على الصعيد الوطني و الدولي و تضم بين لجنها محامين و أساتذة و صحافيين و فاعلين جمعويين و من كل المجالات لوضع أرضية قانونية تكون سببا في إنهاء المعانات و الآهات.

مقالات

الإحساس والحب والإبداع في سيرة الأديب الشاعر عصمت شاهين الدوسكي/ تقرير جمال عمر

* أن نتاج الأديب هو إبداع إنساني .

* الأديب ثروة فكرية ككل الأشياء الثمينة النادرة .

* الشجرة التي لا ترتوي لا تثمر والوردة التي لا نهتم  بها تموت . 

لاشك إن لكل زمان رجاله في الأدب والفن والإبداع ومن خلال اطلاعي عن كثب ومتابعتي كناشط إعلامي في المواقع التواصل الاجتماعي انتابني الفضول في البحث والتنقيب عن شخصيات مميزة أدبية وثقافية ممن لها الدور الفاعل في إحلال صنع ونشر  السلام والمحبة و التآخي بين كافة طوائف مجتمعنا من خلال الكلمة الحرة السامية والهادفة والتي تعبر عن مكنون ذاتي رصين متماسك ، عندما يكتب الأديب والكاتب القصيدة والرواية والمقالة في كل أشكالها الأدبية وهي تحاكي واقع حياتي معاصر بكل تفاصيل وملابسات الأحداث ولا سيما الأحداث التي مر فيها البلد من أزمات ونكبات ومآسي وتناقضات خاصة في أزمنة الحرب والخراب والدمار والتشرد والهجرة والنزوح ومواقف مؤلمة وموجعة حيث أن نتاج الأديب هو إبداع إنساني بحت وتعتبر لونا من الألوان الثقافية والإنسانية الأخلاقية سواء كانت قصيدة أو مقالاً أو نقدا أو رواية وهي تعبر عن الحاجة الملحة للإنسان ولمتطلبات حياته باعتبار أن الأدب ضرورة قصوى له كغذاء فكري وروحي وهذا وما وجدنا والتمسناه في شخصية الأديب ( عصمت شاهين الدوسكي ) التي أبدعت في كتابة القصيدة والنقد الأدبي والرواية بشكل مهني متقن وبناء وجميل وإنساني حتى عشقت قصائده كجمال روحي ساحر ، ناهيك عن تواضعه بعدما كان لنا لقاء وحوار ممتع اطلعنا على سيرته الذاتية .

فقد بدأ في الكتابة الشعر وهو في سن مبكرة عن عمر ثمانية عشر سنة رغم المعاناة والحرمان والضنك حتى حصد عدة شهادات تقديرية لتميزه وإبداعه ،

ومن مؤلفاته مجموعة شعرية بعنوان ( وستبقى العيون تسافر ) عام 1989 بغداد . – ديوان شعر بعنوان ( بحر الغربة ) بإشراف الأستاذة المغربية وفاء المرابط عام 1999 في القطر المغربي ، طنجة ، مطبعة سيليكي أخوان . – كتاب (عيون من الأدب الكردي المعاصر) ، مجموعة مقالات أدبية نقدية ،عن دار الثقافة والنشر الكردية عام 2000 بغداد . – كتاب ( نوارس الوفاء ) مجموعة مقالات أدبية نقدية عن روائع الأدب الكردي المعاصر – دار الثقافة والنشر الكردية عام 2002 م . – ديوان شعر بعنوان ( حياة في عيون مغتربة ) بإشراف خاص من الأستاذة التونسية هندة العكرمي – مطبعة المتن – الإيداع 782 لسنة 2017 م بغداد . – رواية ” الإرهاب ودمار الحدباء ” مطبعة محافظة دهوك ، بإشراف الأستاذ الباحث في الشؤون الشرق أوسطية سردار علي سنجاري ، الإيداع العام في مكتبة البدرخانيين العام 2184 لسنة 2017 م . – كتاب نقدي عن ديوان الشاعر إبراهيم يلدا شاعر القضية الآشورية عنوانه ” الرؤيا الإبراهيمية بين الموت والميلاد ” صدر في أمريكا وفي مدينة Des Plaines دسبلين ،،، الينوي،،،، ,في مؤسسة Press Teck .. بريس تيك … 2018 . – كتاب عن الأديب الرحال بدل رفو المغترب في النمسا وما لفت نظري حقيقةً ليس ما ناله من دروع وشهادات تقديرية أو تكريمات بل جمال روحه وسلاسة أسلوبه في انتقاء المفردة بشكل رتيب جدا وامتاز بثورة العصيان بداخله متفجراً كحمم البركان عندما يقول ( حينما احلق عاليا لا أرى سوى حلما انتظره منذ خمسين عاماً ) ( لا تبكي يا طفلتي لم يبقى في المدرسة تلميذاً ومعلماً ، لا احد يصغي حين يتكلم ولا احد يصغي لكي يفهم ) تلك المعاني تجسد فيه روح التعبئة والعطاء الفكري الذي ميزه عن الآخرين ثورة فكرية وإحساسا رقيقا ساحرا ورهيبا  والذي لم يروج لذات الإنسان وهمً وإنما كانت له ديباجة قضية إنسانية أخلاقية بحتة في جل كتاباته ، يحمل موقف فكري وأدبي إنساني كبير من خلال رسالة أدبية إلى العالم أجمع وكأنما لغة سيريانية تداولها الأرواح بأجنحة فراشات ملونة تحوم فوق بساتين إبداعه وتترجم بتعبير ومعاني ومفاهيم جوهرية في خضم الحياة وليس تعبيرا عن متطلبات شخصية ، ومثل هذا الزمن وبوجود شخصية عصمت شاهين دوسكي بيننا نفرح ونتأمل مستقبلا فكريا وأدبيا راقيا خاصة إذا وجد الدعم والعناية والاهتمام من المؤسسات والشخصيات الثقافية فهو معروف في الخارج أكثر من وطنه وتشجيع الخارج والاهتمام به من الخارج أكثر من وطنه وأهل وطنه الذي بدوره يستمر بالعطاء رغم كل المعاناة والحاجة ، فالشجرة التي لا ترتوي لا تثمر والوردة التي لا نهتم  بها تموت  . الأديب ثروة فكرية ككل الأشياء الثمينة النادرة وعلينا الاهتمام بها ورعايتها ليدوم الجمال والحب والعطاء والحياة والإبداع  .

شعر

خلف سدرة المنتهى / شعر العربي الحميدي

أرى ما لايرى

خَسْفَ

ظل طاووس

نكوى

بضوء

شمس الغروب

يتماوج

بين

القدوم والرواح

في حفرة

المأوى

التيه

يداعب أنفا لريح

بحثا

عن نفس تَسْتَتِرُ

بلونا لْغُرَاب

بين دروب

النوى

و

قمصان الشتاء

دون جدوى

الْوَهَن

خيوط سراب

تَيْهَاء

منفى

والأمل يمحي الأمل

بلون الرماد

حُمَّى

موات جثة

ترتدي

سواد نار..

ثوب حداد

تَدَلَّى

ساعة العمى

أيان

مجراها ومرساها

ما

لندى غيمها

يعطر مجراها.

دراسات

توليفة الإنساني والعَقَدي في ديوان” سنديانة الأشواق ” لـــــــــزيد الطهراوي / أحمد الشيخاوي

تماما، مثلما عوّدنا شاعرنا في سابق تجاربه المنتصرة للقصيدة المنبثقة من خارطة الصوفي الغامز بدوال الانتماء إلى حقل المشترك الإنساني،بصرف النظر عن اللبوس الذي فيه يبرز النّص الموجز ،وكيف أنّه يطال بألوانه جوارح التّلقي، ليدخلها في لحظة تشكيك و قلق يفتح نوافذ في القلب مضاعفا تمرّده ومذكيا ثورته السكونية المسالمة، ملتزما بالأدائية المناورة بأسئلة الموت، الهوية،الشوقيات، الغياب ، الوجع اللذيذ،المنفى ، الأمل، الانكسار، العنفوان،  إلخ…

ومن ثمّ عجنها واقتراحها ككل أو وحدة متجانسة، وفق ما يتيح للكلمة وظيفة أعمق وأحوى في إحداث ترتيبات مكرورة ولا نهائية للمشهد المضطرب، فتقديمها أو عرضها على أنها فوق ما يحمل المعنى من فروسية كلامية قائمة على المفارقة والكثافة،ومندفعة الرؤى صوب استنفاذ كينوني مكرّس لضرب من نضال ضدّ سلبية ونتانة و نقصان العالم.

بحيث يأبى الشاعر الأردني المبدع زيد الطهراوي إلاّ أن يفتتح أحدث منجز له، بعتبة عاكسة لحمولة النداء الغليظ،نابعا من ذات مقهورة ممسوسة في المقدّس، تآكلُها مرارة الطعن في قضية العروبة الأولى،كأنّما تحاول أن تسجّل بالحبر السرّي،صرخة الصعق وإن تولّدت بنكهة نداء على مقاس الشعرية الذائبة في أفلاكها التمظهرات الثلاث للقصيدة: خليلية وتفعيلية ومنثورة،نكهة تخز الضمير الميت أصلا،وتنكأ المواجع المفتولة بمتون استشعار حجم الشماتة التي تلطخ واقع النسل المقدس،وتجعل من مفردات الشهادة خيار الساعة الوحيد.

” يا أيها الأقصى” ..

اقتضاب تلوّنه استغاثة هادرة تلدغ بصوت خفي يترجم مستويات الاحتقان الذاتي ،ويعرب عن المختزل الجمعي المرابطة في أدغاله،أمّ القضايا،في خلودها المعتّق بيقينية الشهادة وفوح أعراس الدم،نكاية في غطرسة الآخر المغتصب،وانتصارا للانتماء العربي المهدور.

الحشو أتى هكذا جاذبا ومغريا ،و مقصودا ، وفي سياق ضاج بجودة المزاوجة ما بين الإنساني والعقدي ، إمعانا في إدماء مكامن الجنائزية والخريفية وعما اللون.

لا مكان من حيث القدسية بعد الحرمين، أحقّ بنظير هذه الأنسنة الراقية، كالأقصى ورحابه على امتدادها في وعي وثقافة الإنسان خارج حدود جغرافيا الأديان والأعراق والألسن.

هكذا تهيمن ذاكرة المكان المقدّس على جسد المنجز، سانحة لفرعيات قزحية جمّة ، تتواتر كي ترعى لا حقا واطرادا معاني الأضداد في تجاذباتها وتكامليتها أحيانا.

تبعا على الدوام لما هو والج في تواشج الإنساني والعقدي المترنم بحنيفية ووسطية واعتدال الإسلام.

لنتملّى الاقتباسات التالية:

” هجموا على الأقصى اليهود وإنهم

               حقّروا الشعوب وخطّطوا لخرابه

للعزم ثورة عاشق مستسلم

               الله يروي أرضه بـــــــــــــــعذابه

فلتغنم كل النفوس نعيمـــــه

          ولتدخل الرضوان من أبوابـــــــــــــــه”.

………………

” يا قامة في حياة النوارس توقف نبض الرياح

ويا وطنا للجموع التي تتكسّر لكنها لا تسلّمُ أحلامها للنواح

فما أنت في ساحة البسطاء؟

فكل المنابع تعلن أنّك ترسل وعد الشذى والصداح

أخاطب فيك النوافير والأمنيات

وأعجن خبز القصيد على صحوة وفضاء”.

………………..

” صلوا عليه وسلّموا

              قـــــال الذي فطر السماء

صلى الإله عليكمــــو

            عشرا وضاعف في الجزاء”.

………………….

” فوّاحة في كل درب جثتي

             فأنا المتيّم بــــــــــالممات الأروع

الموعد الجنّات ميراث سمـــا

              وأنا الشهيد حملت آمالي معي

أمّاه لا تبكي عليّ وجدّدي

               لي دعوة تنسي مرارة مصرعي”.

…………………..

” وما بك ما بك أتعبت همسي وأربكته بالندوب

و وحدك دربي ولست أحيد وأختار دربا

فأنت وفاء الندى للوريقات كيف سأنكر فيك نقاءك

وما زلت أمشي وأمشي وحيدا وأنسى الدروب”.

……………………

” فاقت بلادي في الجمال وأورقت

                  فغرستها شجرا يــــــــعاف ذبولا

ومزجتها بالقلب واجتحت الدجــى

                   معها لنصمد في الظلام شتولا

صدّقت أحلامي ورحت موليـــــا

                   وقتلت فيها واقعا مغلـــــــــــــولا”.

………………….

” ( أهاجك أم لا بالمداخل مربع)

              وجادك بالدمع المذلّل منبع

لك الله من صبّ يسافر في الأسى

              ويأوي إلى قلب به يتصدّع

رماك العدى وانحاز عنك مصاحب

              فيا ليت شعري كيف دمعك يقلع

تمسّك بشرع الله إنّك راحلُ

              وكل لبيب للهداية يرجــــــــــــــــع”.

…………………….

” هذي الديار إلى سكناك طامحة

             ونبض قلبك قنديل يواسيها

وقد عهدتك في التغريد مضطلعا

             بأن تقطر أنغاما تناجيهـــــــــا

لـــــن يسلوّ القلب ميراثا تحبّبه

            فكلّ ما فيه أفواه تناديهــــــــــا”.

……………………..

” إذا الحزن جاء إلى شرفاتي

              سأطلب حرية الكلمـــــــاتِ

جميع القيود استحالت هباء

               وأمنيتي أن أحرّر ذاتـــــــي”.

يعزف المنجز على وتر تفجير أنطلوجيا الكائن الوجودية ،وينوّع إيقاعاته لصالح الموازاة أو بالأحرى المحاكاة التي يغدق بها الحضور القوي لذات إبداعية تختار الهشاشة وهي تحاول البوح بسائر ما قد يتيح لها تبوأ محطات الخلاص.

تدشّن هذه التعبيرية المتناسقة مجاراة عناصر الأنسنة للديني والعكس بالعكس تماما، تحت لواء التجريبية المفتية بقفزات لا واعية أو هذيانية ترقى بالشعرية إلى مراتب الإدهاش،و تختزل الكل في الواحدية،و تمنح الذاتية تعدديتها في مرآة الآخر.

وفي القصيدة ذات وسوم ” فرار إلى الله” والتي لا يمكنها إلاّ أن تتسربل بمثل هذا التبويب،كونها تلامس عذرية الآفاق الغيبية،وما تنفكّ ترنو إلى طقوسيات سدرة المنتهى مهتدية بنورانية الذات الإلهية، نجد تناص المعارضة الواشي ببعض ما أسلفنا،و يطلق التغريدة متوجّة ومشبعة بإرسالية مندغمة في الخطاب الصوفي المحايث لإرهاصات وإبدالات العنونة المنجز” سنديانة الأشواق”.

وإذن … هذا الانفلات ،مخاتلا برمزية الانحياز لصفّ عمّار الأرض بالخير والنور والتسامح،ضد اللصوص والقتلة،إنما ينمّ بشكل أو بآخر على ذاتية التجاوز مشفوعة باشتعال الشوق إلى ما هو علوي سام مظلل.

وحدها الكلمة السيف،قادرة على رسم ملامحه السماوية ،ومزدانة بمعطيات الحرية المطلقة الأليق بخيول قلب يغزوه كل هذا الفضول.

نصوص تحاور بنرجسية صاحبها، ضاخّة في المعنى ما فوق الأبجدية من معجزات ليس يجود بها غير عناق الديني للإنساني والعكس بالعكس تماما، حدّ اكتمال الطهر والمصالحة والتجاوز. هذا ما استطاع تحقيقه ديوان ” سنديانة الأشواق” ،ضامّا العاشق والشاعر والصوفي تحت سقف واحد،مصرّحا باختمار المعاناة ،ومفلسا إلاّ من سردية شوقيات الذات والقصيدة  إزاء التجاوزات الكونية ، وحسب فصول مشهد بكائية ربما تتيح المنشود من جريرة الإخلاص لفن أزلي يكنّى الشعر.

*شاعر وباحث مغربي

*مدير تحرير كواليس للثقافة والأدب

*عضو تحرير مجلة مدارات اللندنية الأسبوعية