شعر

سكرت الكأسُ فصحوتُ شاعراً / شعر أديب كمال الدين ـــــــ أستراليا

* هل ذوتْ قصّةُ حُبّنا؟

– نعم.

* هل يبستْ؟

– نعم،

يبستْ واحترقتْ وتحوّلتْ إلى رماد.

* وماذا عن الرماد؟

– لقد تطايرَ، وا أسفاه،

وتحوّلَ إلى قصائد وحروف.

*

أنتِ حلمٌ خالصٌ ليسَ إلّا،

حلمٌ حاولتُ أنْ أستعيدَ فيه عينيكِ

أو شفتيكِ أو نهديكِ

فلم أستطعْ.

فتأكّدَ لي أنّكِ حلم خالص لا أكثر ولا أقل،

ولذا توقّفتُ

عن محاولةِ استعادةِ أيّ شيء يعودُ إليه

حتّى أنّني توقّفتُ

عن كتابةِ الحاءِ واللامِ والميم،

أي توقّفتُ عن إتمامِ القصيدة:

المتن والهامش والعنوان.

*

بقيتُ أشربُ من كأسِ حُبّكِ

سبعين عاماً

حتّى سكرت الكأسُ

فصحوتُ شاعراً.

*

قالتْ نقطتي :

الملوكُ على سبعةِ أنواع،

لكنّ ملك الحروفِ أكثرهم جُنوناً.

*

تحتَ غيمةِ عمري المُلوّنةِ الكبيرة

جلستُ درويشاً

يسألُ الناسَ عمَّن رأى الله.

لكنّ الناس كانوا سفهاء أو شعراء

يضحكون وهم يشيرون إلى أنفسهم.

*

أنا أكرّرُ نَفْسي كلّ يومٍ

حتّى لا أموت!

*

كانتْ حياتي شمعة

حينَ كانَ القصفُ مُستمرّاً على بيتي

طوالَ ثلاث حروب.

الآن وقد انتهت الحروبُ كلّها،

كما أعلنَ المذيعُ ذو الشوارب الكثّة في التلفزيون،

فإنّ حياتي تحوّلتْ، فجأةً، إلى دُخان.

*

كنتُ أحسبهُ حرفاً حقيقيّاً،

فبعثتُ إليه ببطاقةِ تهنئة

لكنّه رمى بطاقتي الطيّبةَ من نافذةِ الفندق،

وهو يرقصُ للدنانيرِ التي انهالتْ عليه

بعدَ أنْ أنهى  خطابه الأجوف

عن محاسن الزُّهْد.

*

لأنّي أعيشُ وحيداً مثل شجرةٍ في الصحراء

لا تملكُ ثمراً ولا طيوراً

لذا قرّرتُ أنْ أخلقَ حروفي طيوراً  مُثمرة

ونقاطي ثمراً

يطيرُ ويطيرُ ويطير.

دراسات

رواية (همس الشبابيك) لسمير احمد الشريف … في وسط المنجز السردي الحديث/ العربي الحميدي ـــــ المغرب

ما هي القيمة الأدبية لرواية الكاتب سمير احمد الشريف؟

وهل تجاوزت القيء السردي المعتاد؟

وهل يمكن اعتبارها سردا تاريخيا لفترة زمنية؟

ربما قد أجد بعض الأجوبة من خلال سبر أغوار هذه الرواية و التنقيب عن مكامن قوتها وضعفها من الناحية البنيوية والسردية.

فكرت مليا  قبل أن أكتب عن روائي مبدع. لأن العمل تجاوز الكتابة على النمط التراثي العربي القديم بل يرسم نمطا إبداعيا بعيدا  عن النسخ حتى لا أقول القيء السردي.

فهذا العمل في حاجة إلى قراءة خاصة، ومعالجة استثنائية لما يمتاز به من قوة إبداعية متشابكة مع الخيوط الشعرية وبلاغتها وصورها.

فالرواية تمثل الملفوف السردي لعنوانها وكأنها مجموعة توثيق قصصية سعى الكاتب بنائها من عالم واقعي.

إن هوس المعرفة لا يخفي رغبته في الغور داخل عالم هذا الروائي الفلسطيني الجذور والأردني الجنسية لفهم عمق الجرح المأساوي الذي يعيشه المغترب داخل وطنه و خارجه. واعتبارا أيضا  إن هذا العمل الأدبي جزء من الحقل الثقافي والاجتماعي في منطقة لم تسلم يوما من الصراعات والمآسي المتتالية.

يقول الكاتب

عتبة

 (أحاول أن اكتبها، ألوان منفاي بها، غربتي وغموضي عنها، أعوض ما لم أقله بصمتي، يتنازعني خوف وألم وبقايا جدوة هروب،)

شباكه (1)

وحدي

أصوات منسية

أطياف تجتازني

وجوه تستيقظ

تهب من ماض مجهول

تتكسر صورة العالم

تهب الذكريات باهتة

الورق يبعث في قلقا جارحا

ثم يبدأ بتساؤلات. تساءل الحاضر والغائب ويجيب في اللحظة نفسها  عن السؤالين معا.

شباكه (2)

لو كنت صادقا مع نفسي، هل أجيب عن سؤال صغير: لماذا ياسمين؟

هي قد واجهت نفسها بالتأكيد وطرحت نفس السؤال واحتفظت بالإجابة، فماذا عنك انت؟

(مشكلتها أنها تختصر شخصك في وسامتك)

فيبدأ مدخل الرواية

(كم رغبت أن تصغي لك، تشرح لها عن ماضيك وعن الحواجز داخلك والمعتقلات التي أطفأت أعقاب سجائرها في كتفك!)

(كم تتمنى أن تسمع منك شيئا عن الأماكن القابعة في وجدانك، عن الناس الذين تغيروا وقايضوا الشعارات بالمال والكرامة بالخيانة، عن النساء اللواتي لم يجدن فيك غير جسد،)

إذا تمعنا  في الأعمال الأدبية العالمية المعاصرة تظهر العلاقة بين العمل الأدبي والحياة الاجتماعية بكثير من الوضوح في هذه الأعمال، إذ أصبحت الرواية بشتى أشكالها قيمة إنسانية كاشفة لواقع حال المجتمعات. طارحة عدة إشكالات لا متناهية مع الحداثة المتطورة.

إن لأديب كشخص اجتماعي إذا كان إيجابيا فهو قادر على اختراق القضايا الاجتماعية بجميع أشكالها و إشكالاتها. رغم وجوده  الدائم في مرمى النقد القاسي من طرف الأدباء والمثقفين قبل السلطة أو الدولة الموازية التي تحاول دائما الحد من تأثير الثقافة في المجتمع بشتى الوسائل بذكاء وحنكة، إن الكاتب الرصين يكون قادرا على التملص من العوائق بمستوى عال من الحرفية في  الإبداع السردي المتسلل… رغم محاولة حصره داخل حلقة مغلقة ملغومة بقداسة المحافظة على التراث والقيم، التي تعتبر حجة من بعض النقاد والأدباء.  إذا كان من المعلوم بل ومن المؤكد إن كل شيء متغير ولا شيء ثابت في الكون

فكيف يضيق على الكتابة والأفكار، مع العلم أن  اللغة هي الأكثر من اعتراها هذا التغيير والتجديد.

يكفي أن نلقي نظرة على اللهجات العربية القديمة للدكتور إبراهيم السامرائي

وفي صوتيات العربية للدكتور محيي الدين رمضان

وفي اللغات المفقودة لغز كتابات العالم المطلسمة لأندرو روبنسون.

كمثال عن التجديد في الأدب العربي المعاصر قد نجد بعض هذه المواصفات الجادة في رواية همس الشبابيك، إن كتابة هذا  النص الروائي يمتاز بالتكتيف في عمق الفكرة مع ثراء اللغة في استعمال الجمل القصيرة التي تحمل دلالات غنية بالمعاني متجاوزة القيء السردي المعتاد. إلا أنها تطرح بعض الأسئلة. هل هذه الرواية تعتبر ضربا من ضروب السرد الغنائي كما يعتبره بعض النقاد؟ أم يمكن اعتبارها قصيدة غنائية متنكرة؟

أم يمكن اعتبارها سردا تاريخيا لوقائع  اجتماعية كما ينظر إليها عند البعض؟

لننتبه إذن لما كتب فيها… فالكاتب لا يخمن ولا يفترض بل يلاحظ و يراقب، هو مطلع على دقائق الأمور والمعطيات. وباعتباره مثقفا يستنتج بناء على تحليل معطيات ووقائع دقيقة، وبناء على استحضار التاريخ منطقة الشرق الأوسط وتجارب شعوبها ومسار سياساتها.
إن وجود الدولة العميقة ليس أمرا سلبيا دائما، فقد يكون من الإيجابي في اي ظرف إذا ما تدخلت هذه الدولة العميقة لاستمرار الدولة واستعملت آلياتها للهيمنة المؤقتة، لكن الدولة العميقة لها أيضا جانب سلبي، وربما اكبر من الايجابي، عندما تسعى إلى الهيمنة.  فتصبح آنذاك عامل تمرد بل قد تؤدي الى الثورة وليس عامل استقرار واستمرارية الدولة.

إن قراءة شبابيك الرواية ليس سهلا والعيش وسط أحداثها ليس يسيرا  كما قد يبدو في أول وهلة، لما لها من اختراقات تقترب صوب الشعرية في الكتابة ولما اعتمده الكاتب من عدة صور بانورامية لكل شباك حيث يحتوي كل واحد منها على صور معرفية  تدفع القراء إلى محاولة التحليل الوصف في كل مسلك من مسالك حياة أبطال الرواية.

 إن هذا العمل عبارة عن إنجاز قد يدخل في صلب ممارسة شعرية غير واعية أو ربما متعمدة.

فالرواية تجاوزت السرد المعتاد بل اعتمدت على ضمير الغائب في مختلف النوافذ. ولن تكتفي بالحكي في موضوع معين بل إنها متعددة المواضع والوقائع والشخصيات. أن هموم المجتمع عنصر أساسي فيها، و لم تكتفي بهم واحد من هموم المجتمع بل تطرقت لبداية نكسة المجتمعات العربية وبما أصابت الإنسان العربي المغلوب على أمره، تتقاذف به أمواج الحياة الصعبة، لتخلق منه الإنسان ذا المزاج المُتقلب والقلق والحزن والذي لا يتذوق طعم الفرح إلا نادرا.  حتى أصبح ذلك الهيكل المنسيّ والمقصي، رأيه مسمر في الهامش.

وتطرح السؤال الأزلي بطريقة ذكية. هل المرأة جسد، أم هي روح، وفكر، وثقافة. غير أن الإشكال يكمن في اختزال قيمة المرأة في شكلها وإهمال جوهر أنوثتها. فإذا كان الرجل معذور في طلب الجمال في المرأة. فالمرأة هي الأخرى معذورة في طلبها.

إلا إن الجمال الغبي، أقبح من القبح الذكي كما يقال. لدى الإنسان السوي. لان السوي لا تحركه نزعة الغريزة وحدها بل يطلب من نصفه الآخر درجات من التكامل، بين جمالية الجسد وقدسية الروح.

لكن داخل مجتمع ذكوري. فالرجل يهيمن ويسيطر ويفرض ذاته.

من خلال العلاقة بين الاثنين يرسم لوحة من الألم  كواقع مقبول. لأنه نزعة سادية كالدولة الموازية.

وهنا تبدأ اللعبة …

Uncategorized

الفكرالسياسي وعلاقته بالتاريخ / بحث من إعداد هدى حجاجي أحمد ــــ مصر

الأديب الأستاذ الباحث بهجت العبيدي :










لرصيدها في الفكر السياسي .. ليبيا ستعود حتما دولة قوية

لا يمكن لدولة أن تقام دون أن يكون لديها مقومات، هذه المقومات متعارف عليها دوليا وهي مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون على بقعة جغرافية محددة مع ممارسة أنشطتهم فيها، بالإضافة إلى خضوعهم لنظام سياسي محدد متفق عليه من أجل تولي شؤونها، كما تشرف على العديد من الأنشطة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية بهدف تحسين حياة أفراد الشعب، والازدهار والتقدم في الدولة. أما تعريف الدولة لغوياً فهو العقبة في المال والحرب؛ أي الظفر والغلبة بهما. وهذه المقومات لا تؤدي إلى وجود دولة إلا إذا امتلك أبناء من هذه الجماعة البشرية الفكر والرؤية اللذين يرسمون من خلاله السياسة التي من خلالها يمكن أن تتمايز عن غيرها من الدول، فليست كل الجماعات البشرية عبارة عن شكلا واحدا، وليس لها أسلوب واحد ينتج منه بالضرورة صورة واحدة للدول، ولذلك ارتبط الفكر السياسي لكل جماعة بالمكان والزمان، فنتج عن التفاوت بين هذين العنصرين، بالإضافة إلى العنصر البشري أشكالا للعديد من الدول. ومن ثم كان هناك أهمية كبيرة للفكر السياسي الذي هو فلسفة ونظرية سياسية تقوم على دراسة موضوعات سياسيّة كالحرية، والعدالة، والملكية، والحقوق، والقانون، ويشير غالباً إلى الرأي العام، ويمكن دراسته باعتباره أحد فروع العلوم السياسية، ويمكن تعريفه أيضاً بأنّه أيدلوجية تؤسس للعمل السياسي كالبرامج الانتخابية والأحزاب؛ بحيث تمتلك هذه البرامج مجموعة من المنظومات الأخلاقية العليا، والمبادئ، والمذاهب، ويعدّ الفكر رمزاً للعديد من الحركات الاجتماعية والمؤسسات. والفكر السياسي، ليس كما يظن البعض حديث، ظهر مع الدولة العصرية، ولكنه ممتد في أعماق التاريخ، عرفته الحضارات القديمة حيث ظهر عند الصينيين خلال القرن الثامن قبل الميلاد من قبل كونفوشيوس، وذلك بعد انهيار اجتماعي وسياسي للبلاد الصينية، ووجد في ذلك الوقت مفكّران اثنان أيضاً هما منيوس والموزي اللذين ركزا على الوحدة والاستقرار السياسي كأساس للفكر، كما دعا كونفوشيوس إلى التعاطف والولاء، وتوطيد العلاقات الشخصية، وظهر بعد ذلك في أسرتي تشين وهان. وإذا كان الصينيون قد عرفوا الفكر السياسي منذ فجر التاريخ فإن العرب كذلك قد تعرفوا عليه حيث كان الفكر السياسي اليوناني القديم منبعاً للفكر السياسي العربي؛ فكان للفيلسوف الكبير أفلاطون دورٌ كبيرٌ في منهجه، وبدأ ظهوره في البلاد الهنديّة خلال العصور القديمة، وساهم ذلك في تطوير دساتير الدول الهندوسيّة التي كانت تَستند على الأطروحات السياسيّة والقانونيّة في كافّة مؤسساتها الاجتماعية. وإذا عدنا إلى مقومات الدولة فإننا نجد أول ما نجد لكي تتحق الدولة بشكلها المتعارف عليه دوليا فلابد أن يكون هناك سلطة التي هي تعرف مجموعة من المؤسسات العاملة في حيز جغرافي محدود ومعين، تمارس السلطات الخاصة بها على مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون داخل إطار الحدود الجغرافية لإقليم ما، إذ تكون هذه الممارسات متفق عليها فيما بينهم على مجموعة من الأحكام والقواعد والتشريعات، وتتمثل هذه السلطات في سلطة الحاكم، والمؤسسات المشرفة على أرض الدولة التي تحميها من التهديدات. ثم بعد ذلك يأتي الحيز الجغرافي والذي يعرف بأنه مساحة الدولة؛ أي حيزها الجغرافي الذي يكون محدداً وثابتاً ومعروفاً، ويضم كلاً من: الأراضي التي يعيش فوقها الشعب. والموارد والثروات التي تحتويها الأرض؛ بمعنى ما يوجد داخل باطن الأرض من بترول أو معادن وغيره من الثروات. والمساحات المائية المحتوية على المحيطات أو البحيرات الداخلية أو البحار أو الأنهار التابعة إلى سيطرة الدولة السياسية. النطاق الجوي الخاص بالدولة؛ أي النطاق الواقع فوقه الحيز الجغرافي والمائي. أما أهم عنصر من عناصر الدولة فهو الشعب؛ فلا يوجد أي دولة من غير شعب، حيث يعتبر الأساس الذي يبنى عليه بقية مقومات الدولة، والشعب هم المواطنين الذين يعيشون في الدولة، وأصحاب جميع مؤسساتها وثرواتها، ويرتبطون في التاريخ، والعرق، والأصل، والثقافات، والعادات. إن المتابع لما هو حاصل في العديد من دول المنطقة يعلم يقينا أن هناك محاولات مستميتة للوصول ببعض الدول إلى مصطلح الدولة الفاشلة، ومن ثم تقطيع أوصال تلك الدول المستهدفة والتي من بينها دولة ليبيا الشقيقة والتي تمتلك كل مقومات الدولة الناجحة، والتي تمتلك أيضا من الكوادر الفكرية والسياسية والعسكرية ما يحول بينها وبين ما يخطط له الأعداء. إن الليبيين يدركون أكثر من غيرهم ما يستهدفه الأعداء لهذا الوطن العزيز، ذلك الذي جعل اللواء خليفة حفتر وهو أحد الجنرالات الوطنيين المتميزين الدارسين ليس للعلوم العسكرية فحسب، بل كذلك للفكر السياسي، إضافة لمعرفته الدقيقة للخريطة الدولية فضلا عن القوانين والأعراف الدولية، ويدرك إدراكا دقيقا طبيعة الشعب الليبي ويعلم تفاصيل مكوناته المختلفة، ذلك الذي جعله يحظى بثقة غالبية أبناء الشعب الليبي الذين يدعمون تحركاته لإفشال مخطط الأعداء من ناحية، والحيلولة دون وقوع ليبيا كدولة فاشلة ذلك الوقوع الذي يؤدي بالضرورة إلى تقطيع أوصالها وتقسيمها إلى عدة دويلات. إننا على ثقة بانتصار الشعب الليبي بقيادة قائد الجيش الليبي، لأننا ببساطة نؤمن بهذا الميراث الكبير الذي يمتلكه أهلنا في ليبيا، ذلك الميراث الذي به العديد من التجارب المتراكمة، كان للفكر السياسي فيها نصيب كبير، هذا الذي يجعل نجاح ليبيا الدولة أمرا حتمية، وعودتها دولة قوية أمرا لا مناص منه.

الأديبة هدى حجاجي احمد :









الفكرالسياسي وعلاقته بالتاريخ

إذا حاولنا البحث من نقطة البداية والانطلاق في البحث التاريخي سوف نستند إلى ثلاث روافد:تأزم الواقع الحاضر،التوجيه إلى مستقبل لابد وأنْ يتخطى هذا التأزم،ومن ثم الأمل في أنْ نبرهن عملية التاريخ على إمكان تحقيق هذا الممكن،وذلك الأمل على صورة تتفق وأهداف وجهة سياسية عامة محددة. ومن البديهي أنَّ هذه الوجهة الأولى هي الغالبة على الأقل في تاريخ مصر المعاصر كما كتبه ويكتبه المؤرخون والمفكرون المصريون – نتاج ضروري لأولوية البعد السياسي في تاريخ مصر الحديثة و المعاصرة موضوعيا. أفلم يتحرك الشعب في تشكيلاتها لاجتماعية و السياسية و الفكرية المختلفة من أجل فك الحصار وتحقيق الاستقلال, والسعي إلى المزيد من الحرية و التقدم في السنوات الأخيرة؟

ثم أفلم تواكب هذه الحركة الجبارة حركة مضادة من قوى الهيمنة الخارجية والداخلية،أي القوى الاستعمارية والرجعية المتشابكة لقهر التقدم!؟

أم أن تاريخ مصر القديم والحديث والمعاصر بلا هدف, ومن ثم بلا عقبات!؟

لا داعي للإطالة في هذا الصدد،فالواقع الحي يفرض نفسه على الجميع, من ثم كانت هيمنة التاريخ السياسي الإتجاهي في معظم الأحيان على تصورنا لتاريخنا الحديث و المعاصر على وجه الخصوص.

هكذا أظهرت مدارس تاريخ مصر في الفترتين الحديثة و المعاصرة على التوالي: تيار التحديث الليبرالي،وابتداء من عبد الرحمن الجبرتي ورفاعة الطهطاوي إلى عبد العظيم رمضان. تيار الأصول الإسلامية ابتداءً من كتابات محمد عبده وتفرعها في شتى قطاعات التاريخ.

التيار الاشتراكي حول النواة الماركسية منذ الأربعينات حول شهدي عطية الشافعي.  التيار القومي ابتداء من تاريخا لحركة الوطنية لعبد الرحمن الرافعي, حول نواتها الناصرية, كما تجلى في كتابات رجال الثورة 23 يوليو.

نضيف أن هذه التشكيلات والأسماء والرموز ليست مسح الساحة تاريخ مصر الحديث والمعاصر،وإنما إشارات إلى بعض المعالم لتنظيم الساحة في هذه الوجهة الأولى و المهيمنة كما قلنا،ومن ثم يمكن التعديل و الإضافة بكل تأكيد. مثلا بالتمييز بين الاتجاهين الوطني المصري والقومي العربي بكل تأكيد في كل من هذه المدارس.

الأستاذة الباحة د. نهلة جمال

طريق بلا بوصلة

علاقة غريبة تربط بين السياسة والتاريخ فكلاهما يحرك الحاضر ويوجه المستقبل ببوصلة الماضي .

 وعمق التاريخ يكمن في رقابته علي السياسة واحتوائه لها بدون تستر علي عوراتها.

 وإغفال دراسة التاريخ واستحضار عبره هو أحد أسباب كل انتكاسة سياسية فاللحظات الرومانسية الحماسية الأولي لكل قضية لا تكفي لمواجهة نزوح ملايين اللاجئين او الحد من نهب ثرواتنا وتراثنا ، الأمر الذي يجعلني أفقد القدرة علي الدهشة من التصريحات الصادمة للزعيم الأميركي فهو فقط يفصح عما خطط له منذ عقود بلا رياء ..يل ينفذ بإخلاص تعاهداته لدولة إسرائيل .

وهو ما عبر عنه نتينياهو بأن ترامب صنع التاريخ مرة أخري باعترافه بسيادة إسرائيل علي الجولان ..لتتحول مسار العبارات لتخلو من محاولات التخفي بالشجب والحزن إلي واقعية القنص ..فهل من جديد؟

الأستاذ فتحي الحمزاوي / تونس












في علاقة السّياسي بالثّقافي في الحضارة العربيّة الاسلاميّة














ننطلق من مصادرة أساسيّة باتت حقيقة تاريخيّة ملموسة، هو أنّ التّداخل بين السّياسة والثّقافة في حضارتنا العربيّة الإسلامية كان جليّا منذ تداعيات موت الرّسول- صلّى اللّه عليه وسلّم-، وما أعقب ذلك من أحداث دمويّة لاحقا في ما سُمّي بالفتنة الكبرى… ومنذ ذلك الوقت صارت العلاقة بين السّياسة والثّقافة تتردّد بين الصّدام حينا، والمهادنة الظّرفيّة أحيانا أخرى. وقد حلّل الدّكتور عليّ أومليل طبيعة هذه العلاقة وأشكالها ومساراتها في كتابه الموسوم ب” السّلطة السياسية والسلطة الثّقافية”، وبيّن من خلال نماذج وأمثلة تاريخية تلك العلاقة منذ حادثة رفع المصاحف على السّيوف في ما يُعرف بحادثة ” التّحكيم” للفصل في الخلاف بين عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. فقد كانت تلك الحادثة إشارة رمزيّة إلى بداية التباس الديني – الفكري والثّقافيّ- بالسياسي. وكانت المعركة بين الاتّجاهين تستهدف الاستحواذ على السّلطة بمعانيها المختلفة، وقد وجد الفقهاء أنفسهم أطرافا في صلب هذه المعركة، ويكفي أن نذكّر بموقف أبي حنيفة من الانحياز للعلويين واعتراضه على مبايعة العبّاسيين وما تعرّض له من عقاب أودى بحياته على ما تذكر بعض المصادر التّاريخيّة. وكذلك تجلّت هذه المعركة جليّة في صراع المعتزلة وأهل الحديث، وتدخّل الخلفاء العبّاسيين في هذا الخلاف، حين وقف المأمون في صفّ المعتزلة وناصرهم طيلة خلافته، وسار على نهجه المعتصم، وكانت في عهده الحادثة التي أفاضت الأقلام وظلّت محلّ حديث العامّة والخاصّة لقرون من الزّمن، وهي حادثة ” محنة أحمد بن حنبل والتي بسببها أعاد الخليفة المتوكّل توزيع الخارطة السياسيّة والدينية بأن أعاد الاعتبار إلى الفقهاء ورجال الحديث، وانتقلت السّلطة الثقافية والدّينيّة إليهم. وظلّت موازين القوى لاحقا تداولا بين التّيّارات الدينية المختلفة وتُدار حسب انتماءات الحاكم أو مدى القدرة على صناعته، ظلّ هذا الوضع على تلك الحال حتّى في مراحل اهتزاز مؤسّسة الخلافة وانقسامها واستقلال بعض الدّويلات عنها. وقد نشأ في هذه الأحوال السياسية وفي ظلّ هذه الصّراعات السّياسيّة-الثّقافيّة ”أدب سياسيّ” يتناول بشكل أدبيّ تُميّزه الأساليب البلاغيّة الأنيقة ٍآداب سياسة الملوك وأخبارهم ونوادرهم وسٍيرهم، دون أن ينفصل ذلك عن النّقد الخفيّ، أو التّنظير للسّاسة الرّاشدة وللسّلوك السّياسي المستقيم. وفي الحقيقة فإنّ الأدب السّياسيّ المُشار إليه، لم يكن مردّه ما ذكرنا من الصّراع بين السّلطتين السياسية والثّقافية فقط، بل يردّه الكاتب عبد المجيد الصّغيّر في كتابه ” الفكر الأصوليّ وإشكاليّة السّلطة في الإسلام” إلى وضعيّة انقلاب الخلافة إلى ملك ( بتعبير ابن خلدون). فهذه الظّاهرة حسب المؤلّف المذكور كانت: ” بمنزلة المدخل التّاريخي لبروز الأدب السّياسيّ السّلطانيّ… فقد كان لا بدّ على العرب المسلمين- وقد أصبح نظامهم السياسي ملكا- من التّأثّر بالأنظمة السّياسيّة التي انهدّت تحت ضربات الفتوحات…” ويشير المؤلّف إلى موارد هذا الأدب السّياسيّ النّاشئ فيقول إنّ النّظام الفارسيّ كان: ” من أبرز الأنظمة التي ورث العرب تلقائيا أجهزتها وتنظيماتها، إذ كان أوّل المنظومات التي وجدوا فيها صورتهم وضالّتهم لتسيير شؤون الدّولة الوليدة…” وبالفعل، تكوّن أدب سياسيّ عربيّ إسلامي بدت ملامح التّأثيرات الفارسيّة فيه واضحة جدّا. وقد أُطلق على هذا الأدب عبارة ” الآداب السّلطانيّة” التي تقوم عادة ” على تصوّر عمليّ للمجال السّياسيّ، كما مثّلت المادّة الثّقافيّة التي يستفيد منها القائمون على شؤون الدّولة. وللبرهنة على هذه الحقيقة التّاريخيّة، يمكن الإحالة على بعض الرّسائل الضّمنيّة التي تضمّنتها محاورات التّوحيدي للوزير ابن سعدان طيلة مسامراته معه. فقد تضمّن كتاب ” الإمتاع والمؤانسة” أدبا سياسيّا صريحا تجلّى خاصّة في النّصائح التي توجّه بها هذا الأديب للوزير حول ضرورة اصطناع الرّجال المقتدرين على العمل السّياسيّ، وواجب الرّفق بالرّعيّة وأهمّية الالتزام بالقيم الدينيّة، والاعتبار من تجارب السّابقين، والحذر من الوشاة وأهل الكيد. كما عبّد جسر التّواصل بين الفلسفة والسياسة… فكان بذلك من أبرز المفكّرين الذين رسّخوا ثقافة ” الأدب السّياسيّ” في الأدب العربيّ عموما.





الأستاذ أحمد عماد

صفحات التاريخ السياسي يسطّرها الأقوياء

أظن أن تعريف السياسة بوجه عام ضيق هي القدرة على التكيف مع البيئة والمجتمع بالنسبة للفرد أو الجماعة ، ليس فقط تعريفها المتداول/

Dirty Game

 نظرا لارتباطها بمصالح شخصية سلطوية في عصرنا الحالي ، بينما وجد هذا المصطلح_السياسة_ بوجود الإنسان الأول ، لذلك الفكر

 السياسي له علاقة وطيدة بالتاريخ منذ القدم ، كما أرى من وجهه نظري المتواضعة أن هناك علاقة طردية بين القوة وبين من يقومون بإدارة الشئون السياسية ، سواء على مستوى الجماعة ، الأسرة ، أو المجتمع ككل ، وعلى الصعيد الحالي ومع تطور الأزمنة ، بدت الحياة السياسية وكأنها تحاول أن تأخذ مظهرا من مظاهر العدالة ، بوجود أحزاب معارضة بين الأحزاب السياسية المؤيدة للطبقة الحاكمة ، حتى يتسنى للعامة رؤية بصيص من العدالة أو الحرية تمكنهم من العيش تحت مظلة النخبة بحالة أكثر إرضاء تجعلهم تحت سيطرة الحاكم إلي حد كبير ، كما يؤيد تلك الفكرة من بأيديهم تدوين التاريخ الذي يعتبر بالطبع أحد أهم العناصر في البلاط الحاكم ، وهنا يقبع السؤال.. هل ما نقرأه بكتب التاريخ والمؤرخين القدامى ، هو ما حدث بالفعل..؟ أم هناك من تلاعب بالقلم ليؤرخ ما ارتضاه الحاكم آنذاك..؟ ، وبعيدا عن هذا وذاك فتعتبر الميول الشخصية والانتماءات لشخص المؤرخ ذاته أو من تتيح له الفرصة كي يدون التاريخ تأثيرا على حيادية التدوين ، وإذا كان ما عاصرناه من أحداث سياسية وموجات مصاحبة تحدث تخبطا في عقول العامة ، فلا يستطيع الشعب أن يحدد الحقائق من الإشاعات ، لم يع بروباجندا الحدث من عمق الحقيقة ، وأود أن أذكر نفسي وإياكم يا من تريدون الاشتراك بالحياة السياسية وقبل الدخول بها أذكركم بقول:

اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

شعر

مكتو بلوعتي / المحبوبي سفيان ــــــــــــ المغرب

محيا  نقي

 سكن خاطري

عشقته

بلا ترف أصفه:

هو خجول الأحداق.

***

مكتو بلوعتي

نبع الحياة

في لقياها

لا يكفي الغزل تهجدا

بروعتها

الصمت أنين الجوهر

الصمت معسول الكلام.

***

أصير صبيا

في حضرتها

لا لغة تسعف في وصف محياها.

***

فيّ أوقدت نارها

متهجّدة وقالت:

كن لي

 قد اعتلّ فوادي تتيّما

خلف العتمة

العزلة

التيه.

***

مرحى بمن تسامر روحي

تترعها

بهجة ونفحات.

دراسات

” السّاطع وليس في الضوء” لجورج شكر الله : تجريبية فكّ معادلات العالم والذات / أحمد الشيخاوي

لمجرّد الاحتكاك مبدئيا بنصوص جورج شكر الله و صاحب” صدى الأعماق” و” عذاب وانتظار” و ” رقصة في العواصف” و”قمر الزمان والليل” و” الصراع والأزمنة” و” تحت الثلج” وغير ذلك من الإصدارات الوازنة في المشهد الإبداعي العربي،تلبسك شهوة الاسترسال دونما ملل في مطالعة المزيد ممّا راكمه هذا المبدع الألمعي ضمن حدود مشروع موسوعي قيم وثري يصون له هويته الشعرية كصوت استشرافي،ويضفي على عوالمه المسكونة بروح السؤال الفلسفي والوجودي،طابع الفرادة وخصوصية البصمة.

بحيث ينفتح على تجربة إنسانية بامتياز تتجاوز الإشكالية الأجناسية، وتذود بتوجه الأشكال الكتابية متنوعة ليصوغ فسيفساء البوح المفتون بمعاني اللغة الجديدة القادرة على إدهاش الذائقة وإحراج العقل.

من خلال شعره، تهفو نفسيتك المثقلة بإرباكية طقوس التلقّي، وتلين لإيقاعات النّص السارد لراهن الأزمة والمعاناة ، بأسلوبية فوقية متطاوسة قد ترتقي حتّى على خطابات المحاكاة لتدغدغ بميتافيزيقية إنتاج وصياغة المواقف من ثالوث الذاتية والغيرية والكونية.

كون وظيفة المخيال في منجز جورج شكر الله، برغم معجمه البسيط جدا والقريب من عتبات الفهم في مطلقه،تدشّن هيمنتها منذ البدء ولا تترك شبرا في جسد النص إلاّ وطرّزته بلدغاتها الدالة على اشتراكية الوعي وعالمية الرّسالة وشتى ما يُلهم طاقة خارقة في الاستثمار الطوباوي لنثار الحياة وتفاصيل المعيش.

تبعا لتيارات لا واعية أو انخطافات هذيانية في تحبير الفراغات والبياضات الوجودية، بغية تحقيق مرام نبوءاتي سام وجليل قد تجسّده الممارسة الإبداعية والغائية التي قد تذيل مشهد سدل ستار النهايات المفتوحة إيذانا بفجر تجلّي ملامح بعدية تلقّن تعاليم المستفاد والمفهوم من كتابة تعادل الصمت وتطابق المحو.

كتابة تسكب من توليفة عناصر الثالوث المذكور، ملء العطش الكينوني، في مركزية إنسانيتنا النازفة،محتفية بها، ومراقصة حروفها الذبيحة المتخبّطة في دم كونيتنا المرتجلة.

نحن كذوات، أم ظلانا الهاربة، أم مرايانا الكاذبة في كثير من الأحيان؟ معادلات جمّة، بمعية شاعر من هذه الطينة، يتحقّق إلى حدّ بعيد الإشباع في مقاربة رحمها الملغوم بأسرار الذات والعالم الذي بتنا نهيأ له أسباب تجاوزنا بسائر ما نرى ونسمع ونتحسس،من فوضوية وعدمية و دموية و اختلالات وأهوال، منوّمين في دغل إنسانيتنا مشاتل النبل والنورانية والجمال.

لعلّ كتاب” الساطع وليس في الضوء” الذي بين أيدينا، هو الأقدر على إبراز الصورة التي يريدها الشعر للعالم والكائن على حدّ سواء، إذ به من المنطلق ” الجورجي” نسبة إلى شاعرنا جورج شكر الله، وبتفعيل غائيته ، أي الشعر، في نظامنا الوجودي، تتأتى ولا ريب،المعرفة الحقيقة للذات والعالم.

يقول جورج في موضع من كتابه هذا: [ لا يضع ساعده في جرس الفراغ،لأنه متيقّن أنّ الحاجة أعظم من العمل،والإيمان أعظم من الطنين/إن تعرفه تعرف العالم، ولا يختبئ كيانك عندئذ في طيّة الموج ، أو تحت إبط ذلك الذاهب إلى مساحات الغريزة والجليد/لا يخجل.. ولا يرتجل… فقط يجلس إلى الصمت/يشيل حجر الرحى على ظهر يومه ،و يصعد السلم/فريد هو/الصولجان بيده/وفي لميع عينيه صفاء ذهنه المشرقي].

وفي موضع ثان يقول: [ وبعد طيران،قال أحدهم: أنا هنا… الجهل هناك/إذ لا صلة قائمة بيننا،وفي يوم مشمس، جفّف بارودا رطبا/ولتجربته إذا كان قد جفّ،قال ثانية: أنا هنا … الجهل هناك…ثم أشعل عودا وقرّبه من بداية البارود،وهبّ بكليته/فمضى وهو يقول: أنا هنا… أنا هناك/في تلك اللحظات كانت الطرقات تؤشر بأكفّ من رماد/وإن يرزح عنقك تحت عبء نير ثقيل، ويأتي أحدهم قائلا/ألا فلنزحه نيرا بغيضا،وحملا ثقيلا فنرتاح،فتصرخ به: بل دعه فإني أجزع أن تجرح عنقي،فيسيل الدم ويلطّخ ثيابي النظيفة].

وفي موضع آخر يقول: [ كوني صدى نفسي/يا موجة الشطآن…فالحلم يطويني/في غابة النسيان… إن لم يكن لبنان… الأرز قد يذوي/ أنشودة الأزمان… والدهر يبكيه/في رقّة الولهان… إن لم يكن لبنان].

ويقول: [ ظلما تفجر/ تفجر تفجر تفجر/فاسودّت الدروب/وانشقّت القلوب/وثياب الأمهاة غاصت بالدماء/أطفالك يا قانا لايلعبون/أطفالك يا قانا لا يركضون/فهم الأبطال هم الشهداء/وهم اليوم أنوار السماء].

وإذن بالمرجعية ذاتها، في عزفها على أوتار الهوية وهواجس الانتماء، وقدر ترنّمها بجنون الإبداع، يضعنا صاحبنا في صورة نصانية الغرابة، وكتابة العزلة،مناورا بزئبقية الكبار، ومستفزّا بالمفارقات وجدليات التضاد في تجاذبانها، عند حدود الخطاب الحِكَمي الحجاجي الدامغ بدوال المرموز على امتداد خارطة الوجع الإنساني ،يصطاد معانيه من سلسبيل البرزخ الفاصل بين ملمحين لتجريبية واعية وصادقة تناور من خلالها الذات بخطّي تواز وبعديْ محايثة أو مُطايفة : شعرية المنثور ونثرية الشعري.

هذا هو جورج المبدع والإنسان والأكاديمي في محاورة مراياه، في جذره الهوياتي متنفّسا عشق لبنان، في اشتعال ثلج أنامله،موبّخا تاريخ الأخطاء: حروب وطنه الأهلية، إكراهات المنفى، وعزلة لا تلون صفحاتها مباهج الإبداع ،ولحظة لا تغتصب بياضها جرأة استنطاق المكنون واقتراف جريرة الشعر جان ومجنيا عليه سيان.

جنون يسمو بالقصيدة حدّ وضعها فوق الحياة،يتوهج له فضول فكّ المعادلات الصعبة التي قد تحاصر الذات والعالم.

إنه منجز يحول قدر الإمكان، استغراق كل فصول الهجرة الناجحة،المنعشة بثقافة الانفتاح والاختلاف،المغدقة على العقل الشرقي بما يشبه ولادة ثانية تجبّ تاريخانية التحجر وقيود الماضوية وقشيب الأعراف.

*شاعر وباحث مغربي

*مدير موقع كواليس للثقافة والأدب

*عضو تحرير مجلة مدارات اللندنية الأسبوعية